أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غانم عمران المعموري - أنسنة الأشياء في - مفكرة خوذة مثقوبة - للشاعر أحمد الحلي.














المزيد.....

أنسنة الأشياء في - مفكرة خوذة مثقوبة - للشاعر أحمد الحلي.


غانم عمران المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 6964 - 2021 / 7 / 20 - 20:37
المحور: الادب والفن
    


ترددت كثيراً وأنا أقف أمام كَمٌّ هائل من البلاغةِ وحسن الألفاظ وبديع اللغة لأمّسك بقلمٍ مشّحونٍ برغبةِ الولوج إلى عالمِهِ الخاص, عالمٌ بعيدٌ عن ضوضاءِ المُنافقين, بعيدٌ عن المتطفّلين, بعيدٌ عن المتملّقين, لا يحبُ الظهور, يتخفى خلف الإبداع, أغوى ذلك الشاعر الحُلّيّ حتى الكلمات فوقعت صاغرة تحت أصابعه يُقلبها كيفما يشاء ليضفي بأسلوب فريد على الأشياء مشاعر واحاسيس ويتحدث بلسانها مبتعداً عن المباشرة ومجسداً للصورة الشعريّة عِبْرَ أنسنة الأشياء لذلك جاءت عنونة قصيدته " من مفكرة خوذة مثقوبة " كعتبة أساسية للغور في عالمٍ مختلفٍ عن عالمنا لكنه لم يُفارقه بل أصبح لصيقاً بالجُندي العراقي والعربي على حد سواء في دول دأبت وعشقت الحروب والدمار والدماء ليُّشكل العنوان المُحرّك الحقيقي لتشابكات النّص وأبعاده الفلسفية لأنه علامة سيميولوجية تعّد الحد الفاصل بين النّص والعالم مما تجعل المتلقي يتفاعل ويتلذّذ معه من خلال الوهج البصَّري الذي يُلامس مُخيلته ..
مضى عليَّ وقتٌ طويلٌ
و أنا مدفونةٌ هنا
في سفحِ الساترِ الترابي
مهملةً ومنسية
لا أحد يسألُ عني
لا شيءَ يؤنسني في وحدتي
اعتمد الشاعر تقنية السرّد في تعابير تشّد القارئ منذ الوهلة الأولى عن طريق الصدمةِ والإثارةِ والمشهد الحرَكيّ في تتابع الأحداث وتوشجها ضمن علاقة منطقية فتتلاحق الأسئلة والاستنتاجات في مخيلتِهِ لأنه " قد استطاع أن يحركنا ذهنياً ونفسياً في الاتجاه المقابل فإذا به يستثير الصوت الداخلي المضمر في نفوسنا "1.
لا شيءَ يؤنسني في وحدتي
ثمةَ بعضُ النباتاتِ الهزيلةِ
التي تنمو بقربي
بعدَ زخاتِ المطر شتاءً
ثمَّ ما تلبثُ أن تتلاشى وتضمحِلّ
وتغريدةٌ حزينةٌ تنطلقُ
من حنجرةِ طائرٍ وحيد
يبدو أنه أضاعَ أنثاه
تتعاقب الصور الشعريّة بوصفيّة دقيقة تَحيل الصورة البصريّة إلى صورة حسيّة ذات إيقاع نغمي داخلي يتعانق ويتناغم مع أحاسيس ومشاعر المتلقي لكونها نابعة من أعماق الشاعر الحقيقية التي تولّدت نتيجة مخزون معرفي وذاكرة ممتلئة بالتجارب الحياتية التي عاشها الشاعر بنفسه, تستمد الصور الشعريّة جماليتها ورونقها من خلال التفاعل والترابط بين الفكر والخيال الخصب حيث أن " الفن تفكير بالصور ولولا هذا التفكير ما تكونت الصورة الشعرية ولولاه ما تولد الجمال " 2.
وعلى الرغمِ من أنني
لا انتمي لعالمِ الأحياء
كذلك فأنا لستُ ميِّتة
بوسعي أن أقتاتَ على الذكريات
ما يزال الجنديُّ الذي
تقعُ على عاتقي
مسؤولية حمايةِ رأسِهِ
ما يزالُ يحتفي بي,
تُمسِكُ بي يداهُ الغضًّتانِ بحنوٍ
ثمَّ يضعُني فوق رأسِهِ
بوسعي الأنَ أسمعَ دقّاتِ قلبِهِ
وهي تتسارعُ وجِلةً
في ذلك اليوم المشؤوم
قبلَ أن يُسددَ
ذلك العدو المجهول
رصاصتَهُ نحوي .
تلقي الصور الشعرية المتتالية والارتدادية بظلالها وايحاءاتها على جسد القصيدة كونها نابعة من معاناة ومأساة مُتجددة على مدى التاريخ كان ضحيتها ولازال الجُندي الغيور على وطنه وشعبه فيلقي حتفه دون أن تحصل عائلته على شِبّرٍ من الأرْضِ التي جاهد من أجلها, فاستطاع الشاعر نسّج قصيدة تميزت بالوحدة العضوية كونها جاءت بنسق واحد وضمن إطار واحدة " فالشاعر يريد أن يجعل من قصيدته تجربة باطنية كامنة وهو يهز اللغة هزاً عنيفاً في سبيل الوصول إلى مدلولات تبتعد كثيراً من ظاهر الألفاظ " 3.
تمكن الشاعر ببراعة وحسن البديهة أنسنة الأشياء وتحويل الصور الشعريّة المتتالية إلى صور ولقطات حيّة تمنح المتلقي شعور المشاهدة الفعلية كدراما وهو يستعيد ذاكرته عن قتلى الحروب والمفقودين والشهداء الذين تم العثور عليهم في ساحات القتال وهم يرتدون ملابسهم وخوذاتهم المثقوبات من أثر رصاص الأعداء, لذلك جاء النص بلغة بديعة مكتملة البناء والمعنى والدلالات انطلقت من مركز اللاوعي واللاشعور إلى الوعي الكامل بطبيعة الأمور لطرح قضية إنْسانية طالما يلّفها النسيان فتصبح مجرد نقوش على حجرٍ أصمّ يمر البسطاء عليه مرور الكرام بينما ينعم الطغاة والمنتفعين بالخيرات والتباهي والغطرسة, استذكرت قصة قصيرة جداً لي بهذا الشأن بعنوان " انتهازية : جَماجم الشُجعان التي سَقَطتْ في أرْضِ المعركةِ بالحق؛ اعتَلَتَها حَوافرُ الخَونةَ لالتقاط صوَر النَصر. "4.
يحمل الشاعر في ذّاته قيماً حقيقيةً نابعةً من قلبٍ مفعمٍ بإحساسه بمسؤوليته الوطنية تجاه بلده الذي لَّفته دائرة الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وما لها من آثار انعكست سلباً على الواقع الاجتماعي الذي يُحيط بالشاعر وأبناء شعبه وهدر الحقوق واستغلال البُسطاء وزَّجهم في حروب طاحنة بينما هم في رفاهية ونعيم لذلك جاء النَّص مُعبئاً بأنساق مضمرة في اللاوعي نتيجة تراكم ومخزون خلال فترة زمنية طويلة عاشها الشاعر وشهدها بنفسه فاستنطق الخوذة للتعبير عما يجول في ذّاته الحزينة المتمردة على الواقع المُزيّف وتحريّك الذّات الجمعية لتتفاعل مع ذّات الشاعر لإيصال رسالته السامية ..
من مفكرة خوذة مثقوبة
مضى عليَّ وقتٌ طويلٌ
و أنا مدفونةٌ هنا
في سفحِ الساترِ الترابي
مهملةً ومنسية
لا أحد يسألُ عني
لا شيءَ يؤنسني في وحدتي
ثمةَ بعضُ النباتاتِ الهزيلةِ
التي تنمو بقربي
بعدَ زخاتِ المطر شتاءً
ثمَّ ما تلبثُ أن تتلاشى وتضمحِلّ
وتغريدةٌ حزينةٌ تنطلقُ
من حنجرةِ طائرٍ وحيد
يبدو أنه أضاعَ أنثاه
وعلى الرغمِ من أنني
لا انتمي لعالمِ الأحياء
كذلك فأنا لستُ ميِّتة
بوسعي أن أقتاتَ على الذكريات
ما يزال الجنديُّ الذي
تقعُ على عاتقي
مسؤولية حمايةِ رأسِهِ
ما يزالُ يحتفي بي,
تُمسِكُ بي يداهُ الغضًّتانِ بحنوٍ
ثمَّ يضعُني فوق رأسِهِ
بوسعي الأنَ أسمعَ دقّاتِ قلبِهِ
وهي تتسارعُ وجِلةً
في ذلك اليوم المشؤوم
قبلَ أن يُسددَ
ذلك العدو المجهول
رصاصتَهُ نحوي .



#غانم_عمران_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنا وعمق المأساة في - صورة شمسية لولدٍ عنيد - للشاعر محمد ...
- بين الخيال والواقع حقيقة في رواية - أوتو - للروائي خلدون الس ...
- الرؤية التأملية وأداة التفكير في - أختفي في الضوء - للأديب ع ...
- تقنية الإثارة والصدم في - لا ضوء في قناديل الحروب - نصوص وجي ...
- النسق المضمر ودلالة الانكسار في مجموعة - خُردَة ذكْرَيات - ل ...
- جمالية الانزياح الشعري في - زارني الشعر- للشاعر العراقي البا ...
- تجليات الحس الوطني والقومي في قصيدة - متى يسمع النائمون ؟ - ...
- المسافة الجمالية في قصيدة - لا ليس لك رسالة إلى الله - للشاع ...
- سيكولوجية النص الكامنة في رواية - فتاح فال - للروائي عباس ال ...
- سيكولوجية النص الكامنة في رواية - فتال فال - للروائي عباس ال ...
- ارتجافات الوعي في قصيدة - ذاكرة .. في عيون .. غائرة - للشاعر ...
- الحفر في لا وعي النص في قصيدة - أقسمت لها به ...- للشاعرة ال ...
- الوجع العراقيّ في قصيدة - جرس الدرس الأخير - للشاعر العراقي ...
- البُعد الإنساني في قصيدة - نعم أنا شاعرة - للشاعرة العراقية ...
- رسم الشخصية الشعرية في قصيدة - غيمة ايلول - للشاعر العراقي ع ...
- الكبْت الجنسي والصورة الحسيّة في قصيدة - محروم - للشاعر العر ...
- الذاكرة الشعريّة في نصوص - يا لَهذا - للشاعر العراقي البابلي ...
- التَّمحور حول الذَّات والانبعاث في القصيدة - احتاج لدبوس - ل ...
- إنطاق المسكوت عنه في رواية - عندما أعيد خلقنا - للكاتبة السو ...
- جدلية التأثير والتأثر في رواية - ساعة عدل - للدكتور المصري م ...


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غانم عمران المعموري - أنسنة الأشياء في - مفكرة خوذة مثقوبة - للشاعر أحمد الحلي.