أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - -نريد وطناً-














المزيد.....


-نريد وطناً-


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6964 - 2021 / 7 / 20 - 12:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تكررت عبارة "نريد وطناً" على لسان المتظاهرين في أكثر من بلد عربي من تلك التي شملتها الثورات خلال العقد المنصرم، في الموجة الأولى من الثورات كما في الموجة الثانية منها. لبساطة هذه العبارة سحر خاص، لأنها تسائل بديهيات يعف عنها الفكر عادة، وتدفع المرء لتأمل معنى مفردة شاعت إلى أن امتص الشيوع ملامحها. ألسنا في وطن؟ أين نحن إذن؟
"نريد وطناً"، العبارة بسيطة ولكنها مشحونة بالمعنى، ويمكن أن تكون دليلاً أو معبراً إلى سمات العصر السياسي الذي ندخله متأخرين.
لعقود طويلة، كانت مفردة "الوطن" تستدعي، بالنسبة للعرب، وبصورة عفوية، صفة "العربي". الوطن العربي، مفردتان متلازمتان في وعينا السياسي. هذا يعني أمرين، الأول هو أن الوطن، بالنسبة لنا، مفهوم مؤجل إلى أمد بعيد، وقد تبين أنه لا يني يبتعد. والثاني أن الوطن جزء من شبكة تفكير قومي، فلا يكون وطننا وطناً ما لم يكن "عربياً"، أي شاملاً. ذلك أن البلدان العربية هي مجرد اقطار وليست أوطاناً. النتيجة هي أن الوطن لدى الجمهور هو مجرد صورة ذهنية، والوجود الواقعي للوطن في حياتنا السياسية معاق لأسباب خارجة عن إرادة البلد نفسه، فلا يحق لنا اعتبار الحدود التي نعيش فيها وطناً، لأن هذا يعني ترسيماً لغلبنا القومي وقبولاً به، أي إنه يعني، في النهاية، الاستسلام.
ينفرد الحال السياسي العربي بوجود مفهوم "القطر" بوصفه حالة منقوصة عن الوطن. الفارق بين "القطر" و"الوطن" ليس فارقاً لفظياً قليل الدلالة السياسية. الحق أن الفارق بين هذين المفهومين كان قادراً طوال عقود، على هدر معظم طاقة التغيير السياسي التي تبني الأوطان في العادة. نقصد أن آمال وتطلعات الشعوب العربية اتجهت صوب "الوطن العربي" وأهملت بذلك تحويل أقطارها إلى أوطان، أي أهملت النضال الداخلي لصالح نضال خارجي، أهملت النضال ضد السلطات الداخلية لكي تناضل ضد قوى خارجية شبحية. في هذا النضال الموجه إلى خارج متوهم إلى حد كبير، واظبت السلطات الداخلية على تحويل الدولة إلى ملكية خاصة للسلطة، وانتهى الأمر بهذه الشعوب إلى أن وجدت نفسها غريبة في بلدانها، فصرخت في لحظة الانفجار "نريد وطناً".
التحول من قطر عربي إلى وطن عربي شامل، هو عملية تتجاوز قدرة القطر العربي بطبيعة الحال، وتتوقف على إرادات سياسية متعددة عربية وغير عربية. التعبئة بفكرة القومية العربية مع العجز الواقعي عن المضي في سبيلها، من شأنه ليس فقط استهلاك الطاقة السياسية للجمهور، بل والتغطية على كل النواقص الوطنية في القطر العربي. العرض الأبرز لهذا المرض القومي الذي يمكن وصفه بأنه حشد شديد للمشاعر القومية مع عجز كبير ومتفاقم عن تحقيق أبسط المهام القومية، هو تهميش القضايا الاقتصادية الاجتماعية (المعاشية، التعليمية، الصحية ... الخ) والسياسية (الحقوق والحريات) لصالح قضايا قومية تفتقد أكثر فأكثر لعناصر التحقق (الوحدة والتحرير). بكلمة أخرى، إن تغييب القضايا الداخلية الفعلية والملموسة وراء قضايا كبرى موهومة وتتجاوز قدرة "القطر العربي"، هو تغييب للوطن.
كان من المستهجن أن يتم التركيز على الهموم الاجتماعية على حساب الهم القومي. فقد يندرج ذلك بسهولة في خانة التآمر الخارجي الذي لا ينتهي، والذي يحوز دائماً على الأولوية ويحتاج إلى "الصمود والتصدي". كان جوع الناس والبطش بهم أمراً بسيطاً إذا قيس بتصريح سياسي مهادن مع إسرائيل أو الغرب، أو بسلام عابر من مسؤول عربي على مسؤول إسرائيلي، أو بمجرد التواجد في قاعة مع مسؤول أو حتى مثقف اسرائيلي. هكذا أهدرت الأوطان على قدم تطلع قومي معاق أو قل مستحيل.
الحق أن فكرة الوطن (نقصد أولوية المواطن وشروط حياته وضمان مشاركته الفعلية في الحياة العامة) لم تضمر فقط تحت ثقل الهم القومي، بل أيضاً تحت ثقل أفكار كبيرة أخرى (الاشتراكية والإسلامية وتنويعاتهما) غزت المجال السياسي وقطعت النسغ عن معنى الوطن. لم يقصد الإسلاميون أو الاشتراكيون الإضرار بفكرة الوطن، لكن ما انتهى إليه الحال هو أن الفكرة الكبرى حجبت الوطن، حين بات السعي إليها، أو توهم السعي إليها بالأحرى، مبرراً كافياً للاستهتار بالناس والوصاية عليهم.
الحلقة الأخيرة في مسار ضمور أو اختناق فكرة الوطن هي الزعامات الشخصية التي كانت النهاية المنطقية للوصاية على الشعوب باسم هموم كبرى وأفكار شاملة، تمثلها نخبة معينة يمثلها زعيم معين. كان هذا مسار بروز ظاهرة الزعيم الذي صار يعلو على كل شيء. صار يمكن أن تحتوي اللغة عبارة "سيد الوطن" مثلاً. لم يعد يحتجب الوطن وراء هم قومي كبير أو أفكار سياسية كبرى، بل صغر حتى صار يمكن أن يحجبه شخص. وعلى المنوال نفسه ومن المنبع ذاته برزت عبارة "سيد المقاومة"، التي تعني انتفاخ الزعيم وضمور المقاومة على غرار ضمور الوطن. هذه الآلية الواقعية في تغيب الوطن، نتجت آلية ذهنية استقرت في الوعي وساهمت في تكريس واقع غياب الوطن، حتى يمكن القول إن غياب الوطن في الذهن هو نتيجة ومقدمة لغيابه في الواقع.
"نريد وطناً"، صرخة تعبر عن استقلال فكرة الوطن عن الأفكار الكبرى وعن الزعامات، واكتسابها معنى بذاتها. هذه خطوة مهمة وأساسية في سياق النضال التحرري. في لحظة الاستقلال هذه تبخرت القيمة "البديهية" التي أسبغت على بضع كلمات ترددت وتضخمت حتى ابتعلت الوطن نفسه. الحقيقة التي يؤكدها هذا الاستقلال هي إن المعنى الوحيد هو للشروط الحياتية المباشرة للناس، ولحيازة الناس على قنوات سالكة إلى التأثير في الحياة العامة، حياتهم.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن تجاوز الانقسام السوري؟
- بين إرهاب قادر وإرهاب قاصر
- عن العنف وصعوبة السياسة
- الجزائر اليوم، سوريا المستقبل
- بين الكميون والبرميل
- كيف صارت سوريا إلى ما هي فيه؟
- خدعة التبسيط وبؤس الجذرية
- قلوب بيضاء تحت ستار أسود
- لوحة كئيبة بلون واحد اسمها سوريا
- على ماذا يبتهجون؟
- حين تصبح -الديموقراطية- وبالاً على الناس
- الربيع العربي، إشكالية العلاقة بين الشعب والنخب السياسية 2
- الربيع العربي، إشكالية العلاقة بين الشعب والنخب السياسية 1
- الديموقراطية الإسرائيلية وسيلة اغتصاب
- ناديا مراد طه تشكو اغتصابها لمغتصبيها
- طرائف سوداء
- الوجه والقناع
- عن المعتقل المجهول
- الوطنية السورية والفيدرالية
- التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية 2


المزيد.....




- الصحة الفلسطينية تكشف موعد إعادة فتح معبر رفح لإجلاء المرضى ...
- إسبانيا: القبض على -عصابة إجرامية- سرقت 10 ملايين يورو من من ...
- العثور على الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية الم ...
- ابتكار لفحص الهرمونات بالهاتف المحمول
- لبنان.. شخص يقتحم موكب تشييع قتيل في -حزب الله- ويصدم عددا م ...
- المغرب يعلن رفضه دعم إيران للحوثيين
- رئيسة الوزراء الدنماركية: ما زلنا لا نعرف من أين سنحصل على ا ...
- مصادر أوروبية: سيسمح لـ50 جريحا فلسطينيا بمغادرة غزة في السا ...
- التساقط الكثيف للشعر قد يكون مؤشرا لأمراض مزمنة
- أردوغان: تركيا متمسّكة بالقضاء على جميع التنظيمات الإرهابية ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - -نريد وطناً-