أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الساعدي - الكوميديا السوداء، أو السخرية في القصيدة التجديدية الشاعر موفق محمد أنموذجاً














المزيد.....

الكوميديا السوداء، أو السخرية في القصيدة التجديدية الشاعر موفق محمد أنموذجاً


سعد الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 6963 - 2021 / 7 / 19 - 09:02
المحور: الادب والفن
    


في اضاءات نقدية عن الكثير من الشعراء وجدنا صوراً متعددة من الأغراض التي يكتبون، بها سواء استعرضنا بعضها أو توقفنا عند اسماء البعض في مجمل التشخيص والمقارنة، وعرفنا أن القصيدة التجديدية في غالب تشكيل محتواها تميل أو يميل شعراؤها لكتابة الغزل كسمة فنية يسعى بها (الشاعر/الشاعرة) الى كسر حواجز جدران الحزن، نحو ايجاد بهجة مُونِقة في وصف الحبيب أوالتشبيب تماشياً مع السائد، أو الابتعاد عن الواقع.
مع شاعر آخر من الذين مرّوا ومرّت أشعارهم علينا، بروحية شعرية مختلفة تماماً عن الشعراء العراقيين المعاصرين في المرحلة التجديدية، بخليط كتاباته الممهورة باللغة الفصيحة والشعبية، استناداً لبيئته البابلية وما اكتسبه منها، وتخصصه في اللغة العربية؛ إنه الشاعر موفق محمد أبو خمرة الذي حرقته كلمات الشعر فأطفأ بها هواجسه، وانحاز بها للمعذبين في الأرض. غزله مؤلم تغشاه الويلات والمآسي من كل مكان، وكلمات حزنه ساخرة الى حدِّ إذلال أي عنوان للطغيان والمتجبرين.
التابوهات التي تحاور بها الشاعر مع النص، لم تكن سخريةً فحسب، أو عبوراً فوق الممنوع، أو هجاءً عابراً مسافات قصيرة ليتوقف عندها، بل هو تقطيع وتهشيم للا مبالاة التي يمارسها الحاكم ضد المحكوم، الخادع ضد المخدوع، المصارع ضد الصريع، ومنازعات الأقدار الرهيبة ضد المستضعفين، لأنه واحد منهم؛ هذه هي الكوميديا السوداء التي مارسها ونجح بها متفرداً الشاعر أبو خمرة، لذا لا نستغرب عندما نسمع من يلقبه شاعر الوطن والناس. من قصيدة له بعنوان "لا حرية تحت نصب الحرية" يقول فيها:
فنيت عمرك لم تقم من وجعةٍ إلّا وطحت بأخرى سرمهر وانگس!
وما تخلصت من بوريٍ لُطِمت بهِ، إلّا تمنيته، فالجاي چان انگس!
وما تحررت من حزبٍ قُتِلت بهِ، إلّا وجاءك حزبٌ سرسري وانگس!
وتظل تقارن عمر ما بين ذاكه وذا
والصافي إلك تصطلي بنيران شرة واذى
لو گتلة فدوة الشعب محروگ، گلك وذا، ما طول أنا بالحكم، حيل وعسى بنگس!

لو گتلة فدوة الشعب مجمور، گلك وذا، ما طول ما حصلت منصب، عسى بنگس!
وها انت تُهرس بين وغدين مبتهجين، منتشيين من فرط احتراقك وانكسارك
شلُّوا يمينك واستعانوا بالذئاب على يسارك
هذا جزاءك أنْ تموت فِداً لصوتك واختيارك
فإذا ادلهمَّ دم الشهيد،
وطغى الظلام على نهارك،
ورأيت من كان المؤمَّل،
والمرجّى،
والمقدس
لا يريد سِوى انكسارك
فاقرأ على البلد السلام،
وقف الحِداد على صِغارِك..
نلاحظ هذا الاشتغال الشعري للشاعر وهو ينتقل من لغة اللهجة العامية الى الفصحى بسلاسة قلَّ مثيلها مع شعراء معدودين، منهم المتخصص بالشعر الشعبي، وهو صبغته الخاصة المعروف بها، لكنه يطعّمه بالفصحى أمثال الشاعر الشعبي إيهاب المالكي، رغم أن موضوع الشعر الشعبي بحاجة الى دراسة خاصة منفصلة ليس مجالها ضمن خطة البحث هنا.
اشتغالية موفق محمد نتج منها وعنها توظيف بنائي خالي التعقيد، لاسيما الذي يحمل السخرية المقصودة ليس للإضحاك فحسب، وإنما لدقِّ مسامير غليظة في نعوش معدَّة لمن حسبوا أنَّ الموت ناسيهم. أيضاً اشتغل الشاعر ببناء درامي ضمن نسق (هارموني) شعري كأنه عازف موسيقي يروي حكاية؛ لذا يجد المتلقي والناقد بشكل أخص مجموعة صور (بوليفونية) يمكن القول عنها أنها موجودة في كل قصائده، ليختطب بذلك اسلوبه الأدبي المتميز. كتب الشاعر بالمؤلم المضحك، وليس من السهولة الاشتغال بذلك إلّا لمن يعرف صنعته بدقة متناهية.
من بعض نصوص الشاعر هذا النص:
"قال لي شيخٌ
عاصرَ خَمس حكوماتٍ وطنية
عادت بالبلد الى ما وراء "تل حسونة"
إنَّ العراقيين لا يشبعون من الظلم ِ
فإذا أصيبوا بالتخمةِ من ظالم ٍ
استبدلوه بظالمٍ أعتى على مرِّ العصور
فالعراقيون صنّاعو طغاةٍ من الطراز الأول...
لابد من صنم !
لكي نموت دونه
و نسبق الامم.."
كلمات الشاعر لها دلالات خاصة ضمن سيكولوجية النص الذي ترى نظرية التحليل النقدية أنه سيكولوجية باعث العمل ومنتجه أصلاً، مثلما أنَّ فلسفة النص لها حضور في روح المتلقي، كونها نابعة من فلسفة الشاعر الحياتية قبل الايديولوجية، لذا فهو يريد تحريك الوجدان، وترسيخ المعنى بإرسال متتالٍ، كي تترسخ الفكرة فيما لو حلّل مضمونها المتلقي العام، أو المتخصص في فكِّ الرموز والألغاز، وهو هنا الناقد الموضوعي بكل تأكيد.
والملاحظ أيضاً أن موفق محمد في كثير من توظيفاته الشعرية يسعى لخلق دلالة صلة بينه وبين المتلقي عبر الصوت؛ فنراه في أغلب المحافل بصوته يحرك الجمهور ضمن عملية هي أدق ما تصل بها الرسالة الاتصالية حين يمارس الشاعر الاتصال الجماهيري المواجهي المباشر، بنكهة سياسية عبر مكبرات الصوت.
هذا التأثير المتحرك يضيف لثقافة المتلقي والثقافة العامة حين يرى الشاعر أمامه ردود الفعل الجماهيري، لتكون له القدرة بتفوق أن يعدل كل لحظة من رسالته التي يريد ايصالها؛ التوقف، الضحك، الابتسام، تغيير سيناريو حبكته السردية، وغالباً تأتي ارتجالاً مع ما حفظه الشاعر، وهو الذي نعبر عنه بالاشتغال التكويني ضمن تعالق دلالات الصلة حضورياً، يستفيد منه أيضاً الناقد حينما تستهويه مثل تلك النصوص، فيبدع في الكتابة عنها بكل تأكيد.



#سعد_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعد العبيدي في -حفل رئاسي-.. توثيق الواقع روائياً
- التاريخ الذي تكتبه قصيدة.. الكواز مؤرخاً
- حضورية التحليل النقدي التجديدي في -لوحة صامتة ترسمها الضوضاء ...
- رسالة لصديقي عِبرَ الفيسبوك
- الشاعرة والناقد فوزية أوزدمير تكسر حواجز الألم في -السبابة-. ...
- رثاء لشاعرة العراق لميعة عباس عمارة
- قصيدة كرسي الاعتراف
- قصيدة عفو عام للشاعر أحمد مطر ترجمها سعد الساعدي
- Poem: The Blind Child(قصيدة: الطفل الأعمى)
- عبد الجبار الفياض شاعر الفلسفة وفيلسوف الشعر التجديدي (قراءة ...
- أسيادُ الرذيلة
- Lost
- ديماغوجية الحمير..!
- مِطرقةٌ خرساء
- Be Clear
- Seek
- وقفةُ تأمّلٍ مع الذات..
- نظرية التحليل والارتقاء النقدية.. ما الضرورة اليها اليوم؟
- القيم الأخلاقية والصورة الفنية في القصيدة الجاهلية.. مقاربة ...
- القيمة التجديدية الابداعية المضافة في عملية نقد النقد استناد ...


المزيد.....




- نادي الشعر في اتحاد الأدباء يحتفي بمجموعة من الشعراء
- الفنانة المغربية لالة السعيدي تعرض -المرئي المكشوف- في -دار ...
- -الشوفار-.. كيف يحاول البوق التوراتي إعلان السيادة إسرائيل ع ...
- “المؤسس يواصل الحرب”.. موعد مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس ...
- المسرح الجزائري.. رحلة تاريخية تجمع الفن والهوية
- بفعاليات ثقافية متنوعة.. مهرجان -كتارا- للرواية العربية ينطل ...
- حديقة مستوحاة من لوحة -ليلة النجوم- لفان غوخ في البوسنة
- عودة الأفلام الرومانسية إلى السينما المصرية بـ6 أعمال دفعة و ...
- عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا ...
- كيف شق أمريكي طريقه لتعليم اللغة الإنجليزية لسكان جزيرة في إ ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الساعدي - الكوميديا السوداء، أو السخرية في القصيدة التجديدية الشاعر موفق محمد أنموذجاً