نبيل ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 1640 - 2006 / 8 / 12 - 10:57
المحور:
الادب والفن
زمن طويل قد مضى! زمن يختلط بعتمة المناخات الممطرة والثلوج وكآبة المحطات والحدود وخريف متكرر من ازمان ابعد. زمن يختلط بصور حائلة الالوان كأنها صفت على حوائط الكون كله تلوح منعكسة في كل زجاج: زجاج القطارات، زجاج المقاهي، زجاج المنازل، زجاج الروح الذي تنعكس عليه الاضوية الشاحبة للاوقات والاماكن البعيدة. انه لزمن طويل مضى! تخاف ان يكون هذا الزمن قد قام بمايجب ان يفعله.تخاف انت ان تبحث عن ناس، واصدقاء ، واشجار و وارصفة ، وشرفات ، وابواب.هذا الزمن الطويل قام بمايجب فعله على وجهك، فلم تعد تضيئّ الاحلام.تخاف ان تذهب فتجد الانهار الصغيرة قد جفت وتحولت، والنخيل قد اجتث، والاشجار قد احترقت وبقيت انصابا، والشوارع قد انتقلت والمنازل لاتقص عليك القصص والحكايات نفسها ، فتقص عليك كيف خرجت من الفاجعة والانقاض. انه لزمن طويل .. طويل قد مضى! تركت هناك حقائب طفولتي وصباي.تركت هناك اشيائي، وبيت امي، ومنذ ذلك الوقت لا ارسل رسائل لانها لاتصل ولا تعود.احبُّ ان ارى مرة اخرى ذلك الكائن الذي تركته هناك ، مضمخا بطيب الفجر وندى الورد وشذى الشتاء، وعتمة الهيئة التي لم تستطع سوى ان تلتم على نفسها كعاصفة تنتهي وتبقى هناك طيفا الى الابد.. كتبت اليها كثيرا من القصائد والمناحات.ونحتُّ لها ارق وادق وابهى الكلمات.ومن العواطف قطعت لها صخرة هائلة من جبال الكون, وغرست لها فيها الاغصان والاوراق والاعشاب لتكون بستانا لمسائها الصيفي. انه لزمن طويل.. طويل قد مضى! يتخفى وراء ازمنة.ولتبحث عنه، لم تعد هناك رفوف كتب تقلبها، والواح تفك طلسمها، وغناء يأتي اليك عبر النافذة، وهمسة تسمعها في الحقول المجاورة، وتنهيدة لفتاة المنزل الاخر.عليك ان تبحث عنه في انقاض واصوات مبحوحة، وحناجر مجروحة مارست بلع الريق بدل الكلام.عليك ان تبحث عنه في ريش اجنحة الحمام, الحمام الذي تطاير خلال تبادل القذائف والصواريخ. انه لزمن طويل .. طويل...طويل قد مضى!! هل تعود فتجد التمثال الذي تحدثت عنه في قصيدة (صورة ام –تمثال)؟
على هيئةِ تمثالٍ من العذابْ
تركتها راكعةً فوق رصيفِ الدارْ
لربما ظلتْ على هيئتِها تلك الى الآنَ،
يراها الجارْ
وربما شكا هيئتَها ، تلكَ ،
الى الوالي فتمَّ نقلُها لمتحفِ الآثارْ
اذا عدت ، ووجدت ذلك التمثال على هيئته تلك، فوق رصيف الدار، فسوف تجد الزمن الذي تبحث عنه.
#نبيل_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟