عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6955 - 2021 / 7 / 11 - 22:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتسائل الكاتب العراقي رمزي أوراها في مقاله المنشور عن مستقبل الديمقراطية في العراق سؤلا محوريا أساسيا يقول (والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, موجه الى كافة السياسيين العراقيين هل تشكل الديمقراطية أولوية من أولوياتكم في الوضع الراهن؟). ليجيب في أخر المقالة أن الديمقراطية اليوم كهم أولوي في فكر السياسيين العراقيين لا يتناسب مع مشروعهم الخاص والعام بل يزيد أن(ان الديمقراطية تواجه في مجتمعنا عقبات عديدة، ابرزها غياب التقاليد الديمقراطية في المجتمع من جهة ومستوى فهم وموقف القوى السياسية من الديمقراطية من جهة اخرى، مع هذا ان نظام الحكم المعيق لاعتماد وتطور الديمقراطية والذي اسفر عن تهميش اعداد متزايدة من المواطنين نتيجة انشغالهم بهموم العيش والحياة اليومية وبالتالي ضعف اهتمامهم بالديمقراطية) , الكاتب يرى أن العراق في نظرته الواقعية ينحدر نحو المجهول منذرا من تفتيت النظام السياسي تمهيدا لتفتيت الكيان العراقي ذاته.
من هنا كان لازما وواجبا أن ندرس هذا البيان والخطاب من عدة أوجه لنرى حقيقة ما أستنتج الكاتب من رؤية ,وهل كان من الممكن أن نرى تحققا لمستوى تشاؤمه من العملية السياسية الموصوفة بالديمقراطية, الحقيقة أن الكاتب سلط الضوء على جانب مهم ورئيسي ولكنه لم يسلط الضوء على بقية الجوانب المحيطة بالعراق والمؤثرة على أداء العملية السياسية ككل كذلك علينا الأهتمام بأسباب الفسل السياسي وركائز هذا الفشل والمؤديات والمعطيات التي صاغت شكل العملية السياسية، ابتداء من اعلان حل الجيش والقوى العسكرية واعلان بريمر وتشكيل مجلس الحكم وصياغة الدستور وانتهاء بنظام المحاصصة الذي يتناقض أصلا مع كل أشكال الديمقراطية ويكرس التجزئة والتناحر وولد من خلال التطبيق مظاهر الاقصاء والابعاد لقوى مهمة هي أساس القوة الديمقراطية والمحافظ الأمين على صيانتها وهي القوى المدنية الليبرالية والعلمانية , وهذا ولد تناقضا وتضادا على سطح واحد بين أفكار لا يمكن الجمع بينها بالمطلق.
لقد أسست الركائز العنصرية والطائفية البناء التخريبي للكيان العراقي عندما اعتمدت الهوية الجزئية بدل الهوية الكلية ,وهذا ليس من غباء القوى الخارجية التي أعادت صياغة المشهد العراقي سياسيا واجتماعيا ولا من الأخطاء البريئة , إنها جاءت وفق صياغات وتنسيق وأعداد مسبق ساهمت في الكثير منه القوى الخفية ونفذته قوى الاحتلال والمعارضة العراقية التي نمت وترعرعت تحت جناحها الاستخباراتي والتجسسي والتي كانت تسعى للسلطة بأي ثمن ولو كان على حساب مستقبل وحرية وكرامة الشعب العراقي دون أن تحتفظ لنفسها بموقع يسمح لها بالقرار ,فكانت ذيلية وأتباعية ومسلوبة القرار والإرادة وهذا ما أفصحته التجربة وبانت من خلال تسلمها قيادة ما يسمى بالعملية السياسية المريضة والمحتضرة في العراق الآن.
الديمقراطية نظام ونظرية وممارسة ووعي وأرث لا يمكن أن يفرض بقرار سياسي ولا بإرادة منفردة من جهة سياسية أو من قوة احتلال , حيث أن الاحتلال بذاته أكبر جريمة ضد الديمقراطية أولا وضد حقوق الإنسان الركيزة المهمة التي تتيح للديمقراطية أن تنتعش بدونها , ناهيك أن تقسيم المجتمع فئويا وعنصريا وطائفيا لا يشجع على التسامح والتوافق الضروريان لبناء عملية ديمقراطية , بل يفتحان الباب للأنا المتضخمة أن تتبلور جهرا لتكون المنافس لمفهوم نحن المفهوم الكلي والجمعي الذي ترتكز عليه خيارات الديمقراطية وبالتالي فإن هذه التناقضات قد حملت وعجلت من أسباب التراجع والفشل لمفهوم الديمقراطية في العراق لأنه نتاج خارجي عن روح المجتمع العراقي وغريب عن الثقافة العراقية التي لم تعتاد النمط الديمقراطي الذي كما قلنا يتولد نتيجة تراكم التجربة مع تراكم وتصيح مسارات الوعي به وهذا ما لا يمكن أن يتوافق مع الحال العراقي الذي شهد التجربة وقد أجهضت سلفا وجرت عليه الخراب والدمار والفساد.
العراق اليوم في قلب العاصفة وتداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول وما سبقها من صراعات إقليمية وعالمية وارتدادات انهيار المعسكر الشيوعي وظهور واقع القطبية السياسية العالمية الواحدة , هذه المظاهر والتحولات الكبرى والتي ستؤدي حتما إلى تغيرات جوهرية في وجه العالم تشبه نتائج ما بعد الحرب العالمية الثانية على كافة المستويات وعلى رأسها الرباعيات القائدة وهي السياسة والاقتصاد والعسكرياتية والمعرفية لنشهد ولادة عالم جديد عالم ينتظر الزلازل الذي سيطيح ببقايا النظام العالمي القديم بشكله السياسي والعسكرية , وقد يكون هذا الزلزال شرق أوسطي بالضرورة عسكري سياسي ,نشهد تداعياته الأن في سلسلة بسيطة من التحركات على مواقع محدودة لكنها عميقة وتشكل صورة لما عليه شكلية الحدث الأكبر وهو بالتأكيد قلب المنطقة العربية بالثلاثي إيران السعودية فلسطين المحتلة.
التوقعات المقبولة منطقيا نتيجة الأحداث القادمة وفي اللحظات الحرجة والانقلابية تنبئ عن تغيرات دراماتيكية في وجه الخارطة السياسية والجغرافية للمنطقة ,قد تعيد رسم الحدود وتغيير للنظم السياسية واختفاء كيانات ودول وبروز مفاهيم وحدود وصورة أكثر استقرار مجتمعيا مما أنتجته سايكس بيكو , الزلزال لا يستثني من ارتداداته مركز الرجعية والتخلف العربي ومركز قيادة الفكر السياديني المتطرف السعودية ومحورها القريب والبعيد البحرين قطر الكويت الأردن ولربما لبنان في شقه السني ويعزز من جهة أخرى من وجود إيران كلاعب إقليمي وقوة ناشئة مع امتداداته العراق سوريا لبنان والمكون المسيحي في المنطقة كلها , غير أن هذه الأحداث ستجعل من إسرائيل أكثر المتضررين وأضعف الأطراف جميعا في المواجهة من خلال عدم قدرتها على تحريك الخيار المصيري بانتظار تدخل غربي _ غربي قد يعيد التوازن , لكن الملفت بالنظر أن القوى الناشئة لا يمكن أن تدع الأمور تخرج من التعجيل الذي سوف تستفاد من نتائجه بخطأ غربي إسرائيلي سعودي رجعي لم يحسن أختيار الصورة النهائية للسيناريو.
موازين القوى اليوم هي ليست تلك الموازين في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وخطوط الحركة واتجاهات السياسة تبدلت كما تبدلت التحالفات وظهرت قوى فاعلة اجتماعيا وسياسيا وطورت من أداء المواجهة والتحدي كما تم تجديد مفاصل مهمة وحيوية في مصادر القوة عند لاعبين قدماء كما تطور في ذهنية الرأي العام العالمي وتفاعلت قضايا لديها كانت من المنسيات ,وظهرت أمريكا وحلفائها القدامى أمام شعوبها والرأي العام العالمي بالموقف الحقيقي الذي يعري دعوتها للديمقراطية وحقوق الإنسان, ثم تكتشف أمريكا ومن معها أن المقود الذي كانت تدير فيه العالم لم يعد مناسبا كما كان, إنها الآن تسير في أتجاهين متناقضين يعبران عن أزمة الغرب في المنطقة خط المراجعة بوعي ودراسة التراجع أسباب وتوقعات والخط المناقض الإصرار على العودة بقوة لمنهج العصا والجزرة وما يمكن أن يؤدي له من نتائج تستثمرها على المدى البعيد لإعادة ترتيب الوضع ليكون أكثر تناسبا مع المستجدات بما يقلل الخسائر الآنية.
هذا السيناريو هو الأقرب مع مسارات الحدث ومتوافق مع افرازات الصراع الوجودي العربي _ العربي والعربي الفارسي والعربي الصهيوني ,العرب كقوة منفردة لا يمكنها أن تفعل ما يغير المعادلات الشرق أوسطية ولكنه يمكن أن يكون مثل الأوكسجين لا يشتعل ولكن يساعد على الأشتعال هذا تشبيه جزئي فهنا العرب يشتعلون ويساعدون على الأشتعال ولكن بالنتيجة والمحصلة قد يكونوا هم الطرف الأكثر خسارة مادية ولكنهم من طرف أخر أكثر الرابحين معنويا وأقصد هنا العرب خارج المعادلة الأمريكية الصهيونية الخليجية أي عرب المقاومة, لكن من الطرف العربي الأخر سيكون هم الخسارة وفاتورة الصراع ثقيلة قد ينوء بها هذا الجزء وقد يدفع وجوده ثمنا للقراءة الخاطئة في السير خلف المعلم الامريكي والراعي العالمي الذي لا يمكنه أن يترك براغماتيته مقابل أنظمة متهرئة خارج حركة التأريخ وخارج المنظومة الديمقراطية.
الديمقراطية التي حملتها أمريكا عبر صواريخها العابرة للقارات وبوارجها وفيالقها القتالية والمخابراتية مع حيش من العملاء والجواسيس مندفعة بوهم الأنتصار التأريخي على الأتحاد السوفيتي سيرتد بنفس القوة ليحطم مفاصل مهمة من ركائز القوة على أرض حلفائها التاريخيين, خاصة بعد أن تحول المطلب الضروري بالديمقراطية إلى مطلب مصيري في حقوق الإنسان وأسترداد الوعي من قبل شريحة تتعاظم يوميا لتخرج من أسر الوهم والخوف لتطلق صرختها بوجه أصدقاء أمريكا وحلفائها ونوابها في المنطقة بانتظار اللحظة الحاسمة التي ستخلط الكثير من الأمور ولتخرج المنطقة ومنها العراق بوجه أخر أبعد ما يكون شبها بما رتبت له أمريكا في نظريتي الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد ,لأن الكلمة الفصل للشعوب وللتأريخ وللجغرافية أيضا.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟