|
مسمون بين وقع لإسلام وصورة وقع
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6954 - 2021 / 7 / 10 - 02:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نبدأ في البحث هنا من انطلاقة محددة بتساؤل، هل يمكن فصل الإسلام عن واقع المسلمين دون أن تتغير الرؤية الفكرية له، أم أن الإسلام يقرأ من عنوان رئيسي وهو ما يمكن تطبيقه واقعا ؟، أظن أن الجواب سيكون متشعبا متفرعا ومتداخل في بعض الجوانب عندما لا يمكننا أن نفصل وأقع الإسلام عن ممن يؤمن به أو من ينتسب له أو ممن يتخذ منه شعار وهذه الأصناف الثلاث كل له رؤية وقراءة يتم تطبيقها على أنها الصورة الفضلى إن لم يزعم البعض أنها الإسلام بعينه. المشكلة أن واقع المسلمين اليوم يمتد من عرض الإيمان العقيدي به إلى طرفه الأخر ، ومن أقصى اليمين الراديكالي إلى أقصى اليسار الليبرالي دون أن تنجح وسطية الإسلام أن تتمثل بنقطة جامعة لها القدرة على أعطاء صورة لواقع يمكن أن يوصف بمقاربة ما على أنه التجسيد المناسب ولو بدرجة ما عن الإسلام الرسالة ، اليمين المتطرف الذي يضيق القراءات بصورة كهنوتية سوداوية يفرض واقعا متشنجا مشدودا للماضي غير قابل للتفاعل مع حركة الزمن وتجدد الحاجات الفكرية والمادية للإنسان ويرى الخلاص برفض الواقع الحالي والعودة إلى نقطة الصفر، هذه القراءة لا يرفضها الأخر فقط بل الإسلام ذاته يرفض أن يكون مسجونا بقراءة حصرية ومحدودة الأبعاد وأن أصحاب هذه القراءة يسيرون بالإسلام نحو الفناء الحتمي بنية أو بلا وعي منهم بالنتيجة الحتمية لهذا الموقف . في الطرف الأخر الليبرالي يقرأ الإسلام من خارج مفاهيم الواقع أيضا معتمدا على نقل نفس التجربة الأوربية في صراعها مع الكنيسة دون أن يلاحظ الفرق الجوهري بين القراءة الأوربية التي أعتمدت العقل الفلسفي في مواجهة كهنوتية كنسية متمردة على الكتاب وليس قراءة ضيقة له، الفرق في أساس التجربة وليس في طريقة التعامل ، التجربة الأوربية في صراعها ضد الواقع لم تناقش كيف تقرأ الكنيسة مادة الإيمان وتحاكم هذه القراءة لأنه أكتشف أن المادة المطروحة كواقع ديني لا تنتمي أصلا للمسيحية ولا يقبل العقل أن توصف على أنها دين مثال أن السيد المسيح أبن لله وهذه البنوة لا يمكن أن تكون حصرية له دون أن تتكرر لأن الممكن من قواعده التكرار وهذا جانب لإعطاء صورة عن أساس التناقض بين الفلسفة وبين الدين في التجربة الأوربية. التجربة الإسلامية لا تعاني من هذه المشكلة البنائية بل تتعلق بالصورة التي ترسمها العقلية المتشيخة والمتشنجة على فكرة يتفق كل المسلمون على أنها واحدة لا تتجزأ ، التيار الليبرالي يريد أن يفرض حل مختلف على مشكلة مختلفة فيأتي ليطالب بتشذيب بعض الأحكام والمعتقدات الإسلامية الأصلية لأنها لا تتلاءم مع الواقع ليس لأنها كذلك ولكن لأن التعاطي معها واقعا أفرز هذه الصورة ، فهو يخلط بين الإسلام وبين الواقع الإسلامي. بين الرفض المبني على التنكر لكل شيء دون فرز ما هو أصيل ومطابق لروح الرسالة وإعادة قراءة المضمون الإيماني بروح ليبرالية موافقة تماما لليبرالية القرآن الكريم وبين القراءة المتشحة بالغيبيات والتفسيرات التي لا تغادر زمنها أرتسمت ملامح الواقع الإسلامي اليوم وأصبح عرضة للتنازع ليس في عرض الرسالة فقط بل أمتدت النزاعات وهو أخطر ما في النتائج إلى ما في طول الرسالة وأصبح موضوع الإيمان ذاته محل تشكيك ورفض وتخصيص وهنا خرجت علينا أفكار التكفير والرفض ورمي الأخر بكل ما هو مباعد عن هدف الرسالة ونسفت مبادئ لا إكراه في الدين التي يرى البعض فيها مجرد نصيحة في حين يعتبرها القرآن الكريم من المحرمات اتساقا مع منهج التحريم مثلا ( لا تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ) . لم ينجح المسلمون في تأريخهم أن يتبنوا نظرية فكرية تترجم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم بأعتبار ما فيه يمثل المنهج الإيماني الكامل المطلق بعيدا عن الخصوصيات التأريخية والجغرافية وحالات القرب والبعد عن مفاهيم ومنطق لغة القرآن، فتحول الواقع الإسلامي من واقع يسعى من حيث أصل الفكرة إلى الوحدة إلى مجتمعات متناحرة ومتفرقة متقاتلة ومتناقضة جدا لسبب زاوية الرؤية ومنهج القراءة وهذا العيب ليس في المادة المقروءة بل بمتطلبات الصراع السياسي وأستحكامات الأنا عندما أنتزع المفهوم الرسالي من صورة الفكرة المجردة إلى الفكرة المخصوصة بما جعل أول مبادئ التقسيم تقوم على العنصرية ثم الفئوية داخل العنصرية لتتوسع قوميا وحضاريا ويكون الواقع اليوم لا ينتمي أصلا إلى الهدف المحددة في نقطة الصفر الأولى. من هذا العرض يمكنني أن أقول جوابا على التساؤل الأول أن من السهولة بمكان أن نفصل بين المسلمين كواقع وبين الإسلام كفكر مسير للواقع لكنه غير قادر على تصحيح السيرورة لأن أدوات التمكين غائبة وهو العقل المتناسق مع مراد الرسالة من جهة وفروض الإنسان من جهة أخرى، الواقع بفرض شروطا خاصة تميل إلى الأنحياز للأنا البشرية المجردة التي تتسم بالفوضوية أو على الأقل بالتحرر من الالتزامات الخالية من دوافع القصر والإكراه وتلجأ في ذلك إلى التسويف وهذا ما لا يمكن أن يتقبله الإيمان الذي يخير بين التمسك به أولا بالخيار الحر أو رفضه لكن في الخيار الأول هناك التزامات وضوابط الهدف منها ليس القسر للقسر ولكن لتنظيم الأمر الاجتماعي البيني وفق مصلحة الشراكة وهذا ما يناقض الأس الأناني في الطبع البشري، أذن الدين ليس مسؤلا عن واقع مزيف شعاره ديني خيري مثالي وواقعه مادي أنحرافي تسويفي. الهدف من الفصل بين الإسلام والواقع الإسلامي مجازا وهو واقع المسلمين بسمح للناقد التأريخي أن يدرس الظاهرة الإسلامية من خلال التناقض والتطابق بين الأصل الفكري والنتيجة المعتمدة واقعا ومعلل الأسباب التي تخص الإنحراف كما يبين الأسباب والعلل التي أدت إلى هذا التناقض ومن ثم العمل على نقد السلوك المتسبب أولا في عدم تقيد التجربة البشرية بالركائز الإيمانية إن كانت صالحة طبيعيا أو أن المشكلة في الدين وركائزه التي لا يمكن بسطها بمثالية على الواقع ، هذا النقد والدراسة التاريخية هي التي يمكنها الإجابة على السؤال المزمن عند المسلمين ، لماذا تأخرنا عن حركة العالم وتطوره برغم عدم وجود الموانع المادية والروحية الدافعة ؟. وما هو الحل الذي يتناسب مع طموح المسلم وحيرته وتردده بين رفض الإسلام أو رفض المستقبل هذه الإشكالية التي تجد لها صدى واسعا اليوم في أساليب ومنطويات التفكير الليبرالي وحتى المعتدل الإسلامي. يبقى الواقع الإسلامي أي واقع المسلمين عصيا على التغيير ولا تناسبه لا الحلول الراديكالية ولا الليبرالية ما لم يتخلص أولا من فكرة التفوق وفكرة أنهم خير أمة وعلى العالم أن يتغير لجهتهم وكأنهم قبلة الإنسانية وهم أصلا لم يتفقوا على مشتركات مبدئية تتعلق بمفهوم الإنسان أولا والنظرة له وكيفية التعبير عن أحترام المجتمع الإسلامي له وحقه في الوجود كما هو حقه في الاعتناق العقائدي وبذلك يتخلص من أهم أمراض الشذوذ الديني المتمثل بفهم الدين كقيد على حرية الإنسان وليس دعوة حقيقية للتحرر، الله لم يطلب من الناس أن يكونوا عبيد في مملكته ولا يرضى لهم الذل وهو الذي كرمهم على كثير من مخلوقاته بل يريد منهم أن يكونوا عباد صالحين بمعنى أن يكون الخيار الرئيسي للإنسان هو الصلاح والإصلاح والتصليح وهذا ما ينافي أصلا صورة الله والدين في الواقع الإسلامي الآن ، إنها تناقض الفكرة مع التطبيق تناقض المبدأ مع الممارسة، حتى تتطابق الصورتان يمكن للواقع الإسلامي أن يتحرك وأن يختار بحرية أي الطرق المنهجية قادرة على الوصول به للهدف. إزاء هذه الأستحالة يكابر الكثير من المسلمين على نجاح خياراتهم الغير مؤهلة أصلا بعد التجارب المريرة والدامية بين الفرق المتنازعة دون أن يتفهم المتنازعون من التجربة أن الإنفراد برسم الحلول عملية عقيمة لا يمكنها أن تثمر إلا عن المزيد من الشقاق والاختلاف ، ولابد من الجلوس على طاولة الحوار المعرفي والنقدي لتدارس أولا النقاط المشتركة والبناء على المشتركات العقائدية والفكرية دون أن نعتبر أنجاز فقرة من فقرات الحوار انتصار لفريق لأن فكرة المنتصر والخاسر هي الأساس الذي أسس منهج الافتراق وأحدى المفاهيم التي نسفت الوحدة المجتمعية الإسلامية يوم تنازع المسلمون مهاجرين وأنصار على أظهار فائز وخاسر وما جر ذلك مما دار بالسقيفة على المسلمين بالتوظيف السياسي التجاري للدين وإهمال كلمة التوحيد لصالح كلمة الأنا الفائزة بالمكسب والخاسرة للمعتقد وهذا الكلام يشمل كل الفرقاء المسلمين دون أن نخل أحد المسؤولية منفردا، من دعا لأمير منا وأمير منكم هو شريك لمن دعا بأفضلية المهاجرين هلى الأنصار والشريك الأكبر لهم من جيرها لصالح قريش ونسى أن لا عصبية قبلية في الإسلام. على المسلمين اليوم إذا أرادوا أن يصححوا من واقعهم المزري ويبتكروا طريقا فاعلا وناضجا قد يعوضهم الفترات السوداء من التأريخ أن يتخلوا عن الحنين للماضي كصورة يراد لها البقاء في الذهن دون أن نستمد من جماليتها العلة التي جعلتها جميلة ، وأن تتحرر عقلياتهم من الانتساب للعظمة الفارغة وأن يعيشوا الإسلام روحا قبل أن يتعبدوا به نصوصا وأن تختفي من مناهجهم فكرة أن الدين هو قانون الحياة لأن الدين قانون العقل والعقل الحر هو من يبتكر قوانين للحياة . الله لم يجعل الدين مركب جامع فيه الصالح والطالح بل جعل من الدين خارطة طريق للعقل وخاطبه بالذات وجعله مسئولا تأريخيا عن خياراته وعن هدفية الوجود لذا لم يمنح الإنسان كمادة أي قدرة على الإدراك إلا من خلال هذا العقل وعلى المسلم ان يتبع منهج الله في البحث عن واقع أفضل ، الله لم يكلف أبطالا خارقين ولا جبابرة لتبليغ رسالاته بل أختار أكثرهم قدرة عقلية وصدق وأمانه ليكونوا رسله للناس، وعلى المسلم أن لا ينحاز إلا لنفس هذه المعايير حتى ينجوا ويستدرك ما فات من أمر الدنيا. لقد أصبح الواقع الإسلامي اليوم بما فيه من إشكاليات ومشاكل لها جذور قوية وتنازع حول أهم أساب الوجود أصبح من الحتم ان تقوم فيه حركة ترددية بمعنى الاهتزاز الترددي الذي يولد زلزالا فكريا يحطم كل الآلهة التي صنعها المسلمون كلا على ما يشتهي وغطوا فيها وجه الله الواحد الأحد ومن ثم تنظيف الواقع هذا من أساسيات التشرذم وهو احتكار الوكالة عن الله وادعاء الربوبية المؤقتة التي يتوارثها الطغاة بينهم ليخلصوا النص الديني وجوهر الرسالة من التزييف والكذب على الله بمسميات الاجتهاد والعلم الديني. هذا كله متعلق بشيء أساسي وهو تحرير العقل المسلم من حدي الخوف والقداسة والخروج على طغمانية الصفوة والنخبة نحو مساحة الإنسان المجرد الإنسان الرسول والمرسل ومحل الرسالة ، عندها يمكننا ان نتصور أن تعود للإسلام حرية الحركة في واقع يقبله دين للحياة وليس دينا للموت وما بعد الموت، الحياة في الإسلام أولى من الممات وما بعد الممات لأنك إذا أردت أن تعبر للضفة الأخرى من النهر يلزمك جسر متين وممهد وقابل لأن ينقلك بسلام ، فليس من العقل أن تهمل هذه الشروط وأنت عازم كما تظن أنك لا بد عابر حيث هدفك النهائي.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنتصار العقل
-
خلاص العقل العربي من أزمته
-
العقل العربي وإشكالية أنتاج المعرفة
-
العقل من غير ستار
-
ما هو المطلوب من الفلسفة في عصر الرقميات
-
هل يشهد العالم المعاصر ولادة فلسفة جديدة
-
آدم هو أبو الإنسان الاول
-
أدوات التخادم بين الدين والسياسة
-
أبناء آدم أصحاب المعرفة المتطورة
-
آدم أبو الإنسان وأشباه الخلق
-
المقومات المشتركة بين الأساطير وقضية بدء الخليقة
-
صورة الخليقة في النص الديني من التوراة إلى القرآن
-
ترييف بغداد وإشكاليات المدينة الرمز
-
مكابدات أحرى
-
مكابدات إنسان حائر
-
رواية السيد حمار بعد التطوير ح4
-
رواية السيد حمار بعد التطوير ح3
-
نداء..... للشهيد مصطفى المعلق على جسر
-
رواية السيد حمار بعد التطوير ح2
-
رواية السيد حمار بعد التطوير ح1
المزيد.....
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي
...
-
وسائل إعلام: ترودو يعقد اجتماعا طارئا بشأن رسوم ترامب
-
ترامب يوقع أمراً بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من كند
...
-
فنزويلا تفرج عن 6 مواطنين أمريكيين بعد لقاء مبعوث ترامب بالر
...
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة لعقد اجتماع هام مع ترامب
...
-
مسؤول مصري: لا أحد يستطيع الاقتراب من الحدود.. حدودنا مؤمنة
...
-
إيلون ماسك يحصل على الحق في الوصول إلى نظام الدفع الفيدرالي
...
-
الحدث البركاني الأقوى في النظام الشمسي!
-
محاذير تناول المكسرات
-
أنباء عن تأجيل مفاوضات صفقة التبادل إلى ما بعد اجتماع نتنياه
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|