|
الحكم بإسم الله
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6948 - 2021 / 7 / 4 - 14:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم 53 - ظل الله على الأرض
عبرت الحضارة أو الثقافة السومرية مجازيا عن ثورة العبيد الإجتماعية بواسطة قصة ثورة الإيجيجي والتي أدت إلى خلق طبقة جديدة من العمال وهي طبقة البشر. وهناك مفارقة غريبة بخصوص ديالكتيك السيد والعبد، مفادها أن الإنسان، وهنا نقصد الإنسان الكاهن ورئيس المعبد، تصور علاقته بالآلهة على غرار علاقة البشر أو "الشعب" بالسلطة الحاكمة، وبالذات بالسيد الحاكم، علاقة ولاء وخوف ورهبة، تجاه الإله الأكبر. فهو يخضع لهذه القوة العظمى الإلهية، وفي نفس الوقت يخضع لقوة الحاكم الذي يجسد هذه السلطة الإلهية. فالإله خلق أولا على صورة الحاكم كنموذج واقعي في المجتمع، ثم أصبح هذا الإله مبررا لكينونة الحاكم وضرورته، أي أن أحدهما يبرر الآخر ولا نعرف من هو الأصل ومن هو الصورة أو النسخة. وفي مصر القديمة، تتجلى هذه المفارقة بشكل أقوى، فعلى سبيل المثال، ومنذ قيام الحضارة المصرية في وادي النيل منذ حوالي أكثر من خمسة آلاف عام كان الإنسان المصري القديم ينظر إلي حاكم البلاد علي أنه من سلالة الآلهة ذلك إن بناء هذه الحضارة كان قائما على بعض الأساطير و المعتقدات الدينية مثل أسطورة إيزيس وأوزيريس. و قد ذكرت الأسطورة أن ابن إيزيس و أوزيريس، الإله حورس هو الحاكم الفعلي لبر مصر، ومن ثم فإن كل ملك أو فرعون تولي حكم مصر وجلس علي عرشها لم يكن إلا نائبا عن الإله حورس علي الأرض ويحكم في ملكه وبإسمه، فإذا مات تحول الملك إلي شهاب ينطلق إلي السماء لكي يندمج مع الإله أوزيريس إله الموتي و الحاكم الفعلي للعالم السفلي والقاضي الذي يقوم بمحاكمة البشر علي أفعالهم علي الارض. تقول نوال السعداوي : "كان الإله رمسيس هو فرعون مصر، يحكم سياسيا، ودينيا، فى آن واحد، يرتدى ملابس الحكم فى الأعمال الخاصة بالسياسة والاقتصاد والدولة، ثم يتنكر داخل الثوب الدينى، ليحكم باسم السلطة الإلهية. وكان الكهنة، ورجال الدين، من حوله، يخدعون الشعب باسم الإله، يفرضون الضرائب، على هيئة قرابين تٌقدم فى المعبد، ويستولون عليها. ولم يكن للكهنة أى عمل منتج. فقط يتمتمون بالآيات المقدسة، وأيديهم بدماء الشعب ملوثة. كانوا يوهمون الشعب أن الإله يملك حياتهم، ورزقهم، وأعناق أولادهم، ويملك أيضا موتهم. فى البداية، كانت القرابين تقدم للإله، بشرية، حيث يذبح الأب ابنه البكر، ويقدم بناته العذراوات، كل شهر، حينما يكتمل القمر، ليتم اغتصابهن من قبل الكهنة، ويشتغلن خادمات فى المعبد. وهناك قبائل، ومناطق مختلفة فى العالم، يقدم رجال الدين، للحاكم فتاة عذراء كل شهر، يغتصبها، ليرضى عن العبيد المحكومين بسلطته، ويمنع عنهم الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، والبراكين، والفيضانات، وكذلك يحميهم من الإصابة بالأمراض. وكان المصريون القدماء، يعبدون النيل، إلها، يقدمون له عذراء، هى عروس النيل، ليمنع عنهم غضبه، وفيضانه المدمر." وثورة الإنسان على الآلهة نجدها بوضوح أكثر في الميثولوجيا المصرية، حيث ثار البشر ضد خالقهم "رع" وذلك كما يبدو للإستيلاء على السلطة، والذي يقرر محوهم من على الارض بعد إجتماعه بمجمع الآلهة ونصيحة الإله نون Noun فيرسل إليهم الإلهة "حتحور Hathor" سيدة الطرب والنشوة في صورة وحش هائل لمعاقبتهم، وفي يوم واحد إفترست وقتلت جزء كبير من البشر وعبرت عن لذتها بالقيام بهذه المهمة، لكن "رع" يشفق على مخلوقاته الضعيفة ويقرر أن يوقف المجزرة، فيسكب الجعة خلال الليل على الارض التي أختلطت بماء النيل ويتغير لونها لتصبح حمراء كالدماء. أخذت "حتحور" تلعق هذا الشراب حتى ثملت و نامت، بذلك نجت البشرية من الإنقراض، لكن بعد أن خاب ظن "رع" في هذه المخلوقات الغير وفية، حيث قرر الانسحاب إلى السماء فاستقر فوق بقرته السماوية التي يرفعها الأله "شو"، و سلم إدارة الأرض للأله "تحوت Thot" و الرموز الملكية إلى الأله "جب"، وتم الفصل نهائيا بين البشر والألهة، و بدأ من هنا حكم الفراعنة الذين تختارهم الألهة ممثلين عنها في الأرض و شركاء لها في السماء. ثورة الإنسان على الآلهة، هي بطبيعة الحال ثورة رمزية وفكرية يقصها الكهنة لتخويف الشعب وإرضاءه في نفس الوقت لمواصلة جلب الهدايا والعذارى والنذور للمعبد. وهذه الثورة الفكرية لم تصل إلى جذور الوعي الإنساني ذاته، نظرا لحاجة الإنسان إلى الآلهة إجتماعيا، أما على المستوى الفردي فربما كان هناك من لم يصدق خرافات الكهنة، وربما تكون ثورة البعض منهم تصل إلى حد الإنكار المطلق أو النسبي والتشكك في مصداقية وجود الآلهة وسلطتهم، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى التشكك في ضرورة الحياة ذاتها.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديالكتيك السيد والعبد
-
الصندوق الزجاجي
-
صناعة الإنسان الفاني
-
ثورة الآلهة
-
كلمات للنشر
-
مغارة الخواء
-
فن صناعة الآلهة
-
بداية التكوين
-
سوليبسيزم
-
مجتمع آلهة سومر
-
القبائل الإلهية
-
الله ظل الإنسان
-
الموت بالتقسيط
-
طفولة الآلهة
-
تتحطم غزة ولا تنهزم
-
الإيغريغور أو ميلاد الروح
-
إعتراف مهاجر سيء الحظ
-
كينونة الحجر
-
سفينة السيد نوح
-
الدين داء أم دواء ؟
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|