داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 6948 - 2021 / 7 / 4 - 11:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما أكثر الإنهيارات في عراق اليوم , تارة إنهيار منظومة الكهرباء في جميع أنحاء العراق , وكأن توفير الطاقة الكهربائية بات مستعصيا على الحل ,على الرغم من تعاقب حكومات مختلفة منذ العام 2003 , التي تحدث بعض قادتها قبل عدة سنوات عن نيته تصدير الطاقة الكهربائية الفائضة إلى دول الجوار. وها هو العراق من أقصاه إلى أقصاه, يعيش شعبه اليوم في ظلام دامس في جو الصيف الاهب بدرجة حرارته التي فاقت نصف درجة الغليان ,على الرغم من إمتلاك العراق الموارد المالية التي تكفي لبناء عشرات المحطات الكهربائية التي تكفي لسد حاجة العراق وبعض دول الجوار, ويمتلك مصادر الطاقة المتنوعة والكوادر البشرية المؤهلة القادرة على توفير الطاقة بأقل من عام, لو توفرت الإرادة الوطنية الصادقة لخدمة العراق وشعبه الأبي . ولا نبالغ إذا قلنا أن العراق بهذه الإمكانات الهائلة التي يمتلكها , يكاد يكون الدولة الوحيدة في العالم التي تعيش هذه الحالة البائسة. ولعل تجربة إعادة إعمار العراق بما فيها إعادة منظومة الطاقة الكهربائية في العام 1991 في غضون أشهر وفي ظروف الحصار الشامل المفروض يومذاك حيث شح الموارد والمعدات , إلاّ خير شاهد ودليل لمن يراوده أدنى شك بقدرات العراقيين على الإعمار والبناء.
وتارة أخرى إنهيار منظومة التربية والتعليم التي تسلط عليها الفاسدون وأخرجوها عن مساراتها وسياقات عملها السليمة التي ترسخت عبر عقود طويلة من العمل الشاق والجهد الدؤوب, من قبل كوادر مهنية وأكاديمية مخلصة ,تمرست بالعمل على وفق معايير مهنية وأكاديمية دقيقة , ليصبح فيها قطاع التربية والتعليم سنين طويلة مدعاة فخر لكل العراق, لكونه الأفضل على صعيد البلدان العربية ومعظم بلدان الشرق الأوسط , ليصبح الآن الأسوء على صعيد دول العالم قاطبة , وخارج سلم معايير جودة التعليم ,وليس هذا بالأمر الغريب بعد أن أصبحت الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي مرتعا للفاسدين الذين لا يقيمون للعلم وزنا , وبازارا لبيع الشهادات العلمية الوهمية بعد أن أصبح الفساد متفشيا في جميع مفاصل المؤسسات التعليمية . ولا عجب أن يتصدر العراق اليوم قائمة الفساد ليس بعدد الشهادات الوهمية والمزورة الصادرة عن مؤسساته فحسب , بل وفي قائمة البحوث المنشورة من قبل تدريسييها , المسروقة من بحوث آخرين من جامعات أخرى . فكيف يؤتمن مثل هؤلاء التدريسيين الذين يفتقرون إلى أبسط مستلزمات الأمانة العلمية, على مستقبل إعداد طلبة جامعيين مزودين بالعلوم والمعارف المختلفة, وصيانة شرف المهنة في إطار أخلاقي وإنساني, ففاقد الشيئ لا يعطيه. ناهيك عن تفشي الأمية في العراق التي كادت تنقرض من العراق في عقود خلت , ونشر كل أنواع الشعوذة والخرافات والتجهيل بين الناس تحت ذرائع وخزعبلات شتى . وهكذا يستمر مسلسل الإنهيارات في العراق , ما أن يخرج من أزمة إلاّ ويدخل بألعن منها .
أن ما أردنا الحديث عنه الآن ,هو ما يشهده العراق اليوم من إنهيار قيمي وأخلاقي غير مسبوق في تاريخه الحديث . ولا نبالغ أو نجافي الحقيقة كثيرا, إذا قلنا أن الإنهيار القيمي والإخلاقي , هو أكثر الإنهيارات خطورة إذ بات يهدم نسيج العراق الإجتماعي ويهدد وجوده كدولة متحضرة ذات أرث ديني وحضاري عظيم , إذا لم يتصدي لظواهره الخطيرة , من قبل كل المخلصين الذين يهمهم أمر العراق . والغريب أن هذا الإنهياريحصل في ظل حكومات ترتدي لباس التدين , ودستور يؤكد على أن الإسلام مصدر التشريع , ويبدو كثيرون حرصهم على إقامة الشعائر الدينية المختلفة على مدار العام , فضلا عن عشرات القنوات التلفازية الفضائية ووسائل التواصل الإجتماعي التي تتحدث عن قضايا الدين والتدين ليل نهار , والتي يفترض أنها تفضي إلى تهذيب النفس البشرية ونشر الفضيلة .بينما نرى العكس من ذلك هو ما حاصل الآن في العراق , تصاعد معدلات الجرائم وتفشي الرذيلة وتعاطي المخدرات وهتك الأعراض وخطف الناس والسطو المسلح وتغلغل الفساد في كل مكان . نشير هنا إلى البعض منها الذي تتناقله وسائل الإعلام العراقية المختلفة :
1. قيام البعض ببيع بناته مقابل حفنة من الدولارات بدعوى العوز والفقر وبعضهن قاصرات, لعصابات متخصصة بإدارة مواخير دعارة باتت منتشرة كثيرا في بغداد وبعض مدن العراق الأخرى,ويقال أنها محمية من جهات ذات نفوذ وسلطة حسبما تتناقله بعض وسائل الإعلام العراقية . وقد أجرت قناة الشرقية الفضائية قبل عدة أيام مقابلة مع أحد الأشخاص الذي كان يتحدث عن بيعه لبناته وبيعه لطفله الذي ما يزال في رحم أمه لم يرى نور الحياة بعد .وهذه ليست الحالة الوحيدة فقد تحدثت أكثر من قناة تلفزيونية عن حالات مماثلة كثيرة.
2. قيام بعض عصابات الجريمة المنظمة المتخصصة ببيع الأعضاء البشرية , بالتعاون مع بعض الأطباء فاقدي الذمة والضمير , بعد خطفهم أطفال من ذويهم وإنتزاع بعض أعضائهم عنوة, أو شراء أعضاء أشخاص دفعتهم ضائقة العيش وحاجة المال لذلك. والأدهى من ذلك قيام بعض الأطباء بسرقة أعضاء بشرية من مرضى تضطرهم حالتهم الصحية إجراء عملية جراحية معينة لا علاقة لها بالأعضاء المسروقة . وقد نقلت إحدى القنوات الفضائية قبل مدة قيام أحد الأطباء سرقة خصتي مريض من ذوي الإحتياجات الخاصة أثناء إجراء عملية ما يعرف بعملية الفتق. ويبدو أن عملية بيع الأعضاء البشرية باتت تجارة رائجة في العراق الآن على مرأى ومسمع الجميع وكأنها أمرا إعتياديا.
3. إنعدام المروءة والخلق لدى البعض , لدرجة قيامه بالتغرير ببعض أقاربه أو أطفال جيرانه , وإغتصابهم وقتلهم ورميهم فيما بعد في مكبات النفايات أو الأنهر , دون حياء أو وازع من ضمير , بينما يوصي الدين الإسلامي بحرمة سابع جار.
4. تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات التي لم تكن معروفة في العراق سابقا, وما يصاحبها من أعمال إجرامية مروعة يرتكبها بعض هؤلاء المتعاطين بحق الناس الأبرياء.
5. باتت ظاهرة تعاطي الرشوة في جميع مفاصل الدولة العراقية ومؤسسات المجتمع المختلفة أمرا طبيعيا , لا بل أنه أصبح كأنه حق مكتسب على المواطن دفعه لتمشية أموره بحق أو بدونه .
6. باتت ظاهرة تزوير الوثائق والشهادات المختلفة , للإستحواذ على بعض ممتلكات الآخرين وبخاصة المغتربين منهم , أو الحصول على شهادات جامعية دون وجه حق, هي الأخرى لا تثير إهتمام أحد وبخاصة بعض كبار المسؤولين بعد أن شرع لهم مجلس النواب قانونا يسهل لهم الأعتراف بهذه الشهادات التي تفتقر إلى أبسط مستلزمات الرصانة العلمية . ولا عجب أن يطالب أحد أعضاء مجلس النواب قبل مدة بإصدار عفو عام عن جميع مزوري الشهادات, ممن صدرت بحقهم أحكام قانونية , من منطلق أنهم ليسوا المزورين الوحيدين , فهناك وزراء ونواب وشاغلي وظائف عليا في الدولة من مزوري الشهادات أو الحاصلين على شهادات وهمية. كما تحدثت قبل أيام عبر إحدى القنوات التلفزيونية الفضائية , إحدى النائبات المعروفات عن كيفية حصول نائبة برلمانية أخرى على شهادة الدكتوراه بقيامها بمنح مقعدين للحج إلى الديار المقدسة لمن منحها الشهادة, وهنا نقول حج مبرور وسعي مشكور .
7. فوضى السلاح المنفلت وفقدان هيبة الدولة , بحيث أصبح العراق ساحة لتصفيات الحسابات بين دول مختلفة , من قبل جماعات مسلحة تعمل لصالح كل منها بالنيابة , دون أن تحرك الدولة ساكنا .
8. هيمنة العشائر على المجتمع المدني بما فيها العاصمة بغداد, وفرض إرادتها على الآخرين بقوة اسلحتها , وفض نزاعاتها على وفق أعرافها العشائرية البالية المدعومة بقوة السلاح , وخارج إطار سلطة القانون المدني الذي يفترض أن يخضع الجميع لسلطته.
9. خنق الحريات وكتم أنفاس الناس والويل والثبور لمن يبدي رأيا مخالفا أو يوجه إنتقادا لبعض أمراء اليوم في العراق الديمقراطي الجديد.
10.فقدان الشعور بالإنتماء الحقيقي للعراق , بتغليب الهويات الفرعية الإثنية والدينية والطائفية على الهوية الوطنية العراقية الشاملة الجامعة لجميع العراقيين على حب الله والوطن , وإتكاء البعض على قوى دولية خارجية لا تهمها مصلحة العراق بقدر إهتمامها بمصلحتها في أحسن الأحوال, وإلإّ كيف نفسر تعطيل مصانع العراق وحرق بعض محاصيله وإتلاف بعض منتجاته الزراعية من قبل بعض ضغاف النفوس لمصلحة إستيرادها من دول الجوار.
11. إنتشار صالات الروليت ولعب القمار والنوادي الليلية وسط الأحياء السكنية دون مراعاة لحرمة هذه المناطق وما تسببه من إزعاج لساكينها, وما قد يلحق بأضرار بأطفالهم , وبخاصة أن معظم هذه الأماكن ليست مناطق آمنة للتسلية البريئة , وبعضها أغطية لعمليات غسيل الأموال والجريمة المنظمة . ويقال والله أعلم أن بعض هذه الصالات يحضى برعاية وحماية شخصيات من ذوي السطوة والنفوذ.
12. بات العراق دوامة أزمات لا تنتهي ولا تلوح في الأفق القريب بارقة أمل بالخلاص من هذا الكابوس الثقيل الذي يعيشه العراق وشعبه منذ سنيين.
هذا غيض من فيض ولا نريد الخوض هنا بالكثير من تفصيلاته وملابساته , إنما أردناه هو لفت النظر إلى تداعيات هذه الظواهر الخطيرة التي باتت تهدد وجود العراق دولة وشعبا وحضارة.
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟