أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غانم عمران المعموري - بين الخيال والواقع حقيقة في رواية - أوتو - للروائي خلدون السراي















المزيد.....

بين الخيال والواقع حقيقة في رواية - أوتو - للروائي خلدون السراي


غانم عمران المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 6945 - 2021 / 7 / 1 - 08:22
المحور: الادب والفن
    


تُعتبر الأسطورة رافداً وينبوعاً زاخراً للأدب وأداة للثقافة تَسّهم بشكل فعال في اضفاء الجمالية على البنية السرّدية في الرواية عن طريق ضّخ رموز وصور وتجليات استطاع الكاتب استثمارها بأسلوب دراميّ حداثوي فجعل من أسطورة الإله أوتو جسراً مُتحركاً يعبر وينتقل من خلاله إلى عالمه الحقيقي متجاوزاً المحكي الطبيعي المألوف بالقفز زمنياً من عالم الأسطورة إلى عالم عاصره وخَبَره بنفسِه, حيث أن للأسطورة وما تضمنته من مضامين فكرية القدرة في توسيع مدارك الإنسان وإغناء الأفق الجمالي والمساهمة الفعالة في الضخِ المستمر وشحّن الخيال الفكري لدى الكاتب فالأسطورة عند رولان بارت ( تقليد يكشف عن واقع طبيعي أو تاريخي أو فلسفي من خلال المجاز أو الاستعارة وهذا هو معناها عند الاغريق ثم تحولت إلى حكاية مسلية عن طريق التشويق وفي نهاية المطاف إلى (رمز) فهي عنده ( كلام ) أو ( نظام للتواصل ) وهي لا يمكن أن تكون شيئاً أو تصوراً أو فكرة بل شكلاً ومعنى )1.
تمكن السراي من خلال روايته " أوتو " الصادرة من دار الهجان للطباعة والنشر والتوزيع لعام 2021 بإثارة مٌخيّلة القارئ من خلال عنونة كالوهّج البصّري الذي يستثيّر ويُدغدغ خيال المتلقي ويَدعوه إلى التأمل والتفكير والتحليل لمعرفة معنى العتبة التي تضمنت رمزًا ميثولوجياً وهي كنواة أساسية في البناء السرّدي الذي اعتمده الروائي وأسس فكرته عليه ..
أوتو : ( ويسمى بالسومرية أود وبالبابلية والآشورية شمش, وهو إله الشمس بحسب الأساطير وهو ابن إله القمر نانا والإلهة نينغال وهو شقيق الإله إشكو وهو توأم إنانا, وحسب الأساطير السومرية هو إله الشمس والعدل وتطبيق القانون ورب الحقيقية, ذكر هذا الإله في ملحمة جلجامش ... وهو زوج الإلهة أيا إلهة الخصوبة والجمال وقد أنجبا ولدين هما كيتو الذي يعني الحق وميشارو الذي يعني العدالة ...)2.

جاء العنوان منسجماً ومترابطاً مع صورة الغلاف لرجل من السلالات السومرية أو البابلية أو الآشورية القديمة وأمامه ميزان يُمثل العدالة ويقف جواره رجلين أحدهما يحمل حيوان وكأنهما يختصمان عنده, أما الإهداء فكان إلى القاص الفقيد باسم الشريف ليكشف عُمق الترابط الروحي بينهما ..
استطاع السراي من خلال الرمز الأسطوري إبراز أهم القضايا وإفرازات المجتمع والواقع الذي يعيش فيه والصراعات والازمات الاجتماعية والسياسية والنفسية التي عانى منها باعتباره فردًا مسؤولاً مع بقية أبناء الشعب إلا أنه تَمكن من طيّ وتفكيك وافراغ محتوى الأسطورة وصهّرها ضمن قوالب جديدة تتماشى مع رؤية الكاتب وتطلعات القارئ الذي يبحث عن كل جديد وحداثوي وجميل ينسجم مع أفكاره والرؤية الراهنة والمستقبلية ..
وظّف السراي الأسطورة الإله أوتو باعتباره إله العدل بالقفز والتنقل عِبْرَ الزمن أي من عالم الخيال إلى عالم الحقيقة مُستحضرًا أبعاد سياسية واجتماعية نابعة من رحمِ المجتمع الذي يعيش فيه ابتداءً من السلطات القمّعية في ظل نظام دكتاتوري راح ضحيته الكثير من أبناء الشعب بأسلوب سرّدي يُحرك مُخيلة القارئ ويعيده إلى تلك الأيام من خلال تقسيم روايته إلى خمسِ رِحلات ينتقل فيها الإله أوتو بصورة شخص عادي أو التخفي في بعض الأحيان ليُذكر تلك الأجيال التي عاصرت النظام القمْعي ويثير مشاعرها ببشاعة السلطة الحاكمة ويؤرخ للأجيال القادمه كما أنه صور لنا بعض القضايا الاجتماعية والتشوّه الخلقي وآثاره النفسية في المجتمع وحالة العُقم عند النساء والسيّر في الزمن حتى الديمقراطيّة المُزيّفة ..
في الرِحلة الأولى بين الإله أوتو الهدف من الرِحلات ( أنا أوتو إله العدالة الحقيقية ) ص25 من الرواية, فلم يستطع تحقيق حلم الطفل ذو رأس القط الذي كان يعيش بحالة نفسية سيئة فذكر ( وما علاقتي بخلقه على هذه الشاكلة ... أنا هنا من العدالة ).
وظّف الكاتب الألوان في رِحلة الإله أوتو الثانية إلى مستشفى الأمراض العقلية ودورها النفسي بالتأثير على سلوكيات المرضى حيث أنه ذكر اللون الأزرق الذي يرمز إلى الحزن والكآبة ونجد أن الشخص المريض نفسياً يحب اللون الأزرق باعتباره مُسكن بوجه عام ( غرفة طليت كل جدرانها باللون الأزرق ليبقى يوم أو أكثر حتى يهدأ وتنفرج أساريره ويعود إلى طبيعته ) ص30 من الرواية.
اعتمد الكاتب في بنائه السرّدي على الحوار بين عالمين مختلفين عالم الخيال الأسطورة وعالم الحقيقة والواقع الملموس حوار بين الإله أوتو بهيئة آدمي وبين شخصية واقعية في زمن واقعي ومكان يتحدد حسب البقعة التي حدثت فيها تلك الوقائع إلا أنها لم تتحرر من سلطة الراوي لكن وفق إيديولوجية ذات توافق بين الأصوات المتعددة التي كان لها دور البطولة في نقل الأحداث الواقعية ورأي وأفكار الكاتب كون تلك الأحداث المسروده جاءت من رحم المجتمع العراقي الذي عاشه الكاتب فكان السرّد بمقاصده وأفكاره تتحد وتوافق المنطق والواقع ولاسيما أنها أحداث حصلت في زمن قريب وقد عاصرها الكثير من أبناء الشعب العراقي حيث الإنتفاضة الشعبانية وما حصل من جرائها ويلات ومعاناة طالت أضرارها أكثر فئات الشعب وهذا يُبين رؤية الكاتب الإنسانية وتحسسه بآلام ومشاعر أبناء شعبه ..
وقد نقل لنا مدى اليأس الذي كان يُرافق العديد من الأشخاص خلال تلك الفترة وبين لنا حوار اليأس من قبل المريض سلمان في مستشفى الأمراض العقلية بقوله للإله أوتو ( إنني أعرفكم جيداً مثل بالونات الهواء جميعكم تدعون إنكم آلهه وملائكة الرحمة ... وتتحولون إلى مصاصي دماء ) لينقل لنا أقصى درجات اليأس والقنوط من خلال قصة المريض سلمان وكيف قام بإخفاء ابنته معه في صندوق حديدي اشتراه من سوق مريدي في بغداد أثناء مداهمة جلاوزة النظام الصدامي القمعي ووضع يده على فمها حتى وجدها قد فارقت الحياة, فقد بيَّن لنا الكاتب على لسان السارد بأن الإله أوتو فشل في هذه المهمة ولم يستطع فعل أي شيء للمريض سلمان وجاء ذلك بقول الإله أوتو ( ليتني تأنيت وأخذت بنصيحة زوجتي آيا وبقيت في عالمي الهادئ ) ص42.
أما الرحلة الثالثة فكانت مع فرحان حامل الدمية وزوجته ابتسام التي قدمت الإعتذار من زوجها واحتضنته وهي تبكي بعد إن سمعت نصيحة الإله أوتو ..
وقد انتقل الكاتب إلى عرض ظاهرة اجتماعية تحدث في جميع المجتمعات العربية ومنها العراق هو زواج القاصرات من كبار السِن رغم رفضهنَّ أو عدم ادراكهنَّ وكان ذلك في رحلته الرابعة إلى الفتاة أحلام يلتقي بها الإله أوتو وتسرّد له قصتها وزواجها من رجل كبير بالسن وحملها منه ومن ثم وفاته وقد ذهب والدها وطفلها ضحية انفجار وبقيت أرملة وحيدة تتلقى المساعدات من المؤسسات الخيرية التي يديرها رجال دين وقد تقدم لخطبتها والزواج منها أحد رجال الدين واكتشفت فيما بعد بأنه كان يتناوب على مضاجعتها مع أصدقاء له من رجال الدين بعد أن يحتسوا الخمر ج وطلب منها الإله أوتو الدلالة على دار رجل الدين فأشار إليه تركها وذهب دون أن يستطيع تحقيق أي شيء لها ..
تمتع الروائي بجرأة غير معهودة في التغلغل إلى عمق شخصية ونفسية بعض رجال الدين وتسليط الضوء على أبرز السلبيات التي يمارسها للإيقاع بضحاياه وإطاعة المغفلين له بطرق مُلتويّة فعقد لنا حواراً واسعاً حقيقياً واقعياً بين الإله ورجل الدين الذي كان يتبعه الكثير من الناس وبيَّن بأنهم يطيعوه دون أي نقاش لأنهم اعتادوا على ذلك حتى ذكر ( مضى أوتو وهو يردد : إنهم أنفسهم القطيع الذين ذكرهم ... هل أعود محملاً بكل هذا الفشل ؟..
تمتاز شخصيات الرواية بالتفاعل مع الأحداث ونقلها بمشاعر وأحاسيس لها تأثير مباشر على المتلقي لذا فإن الكاتب قدم لنا سرّداً حكائيًا بطريقة تخيلية وإيحائية عن طريق الربط بين الخيال في الأسطورة والواقع واستحضار الموروث بلغة سليمة سلسة بعيد عن الإبهام والألغاز والتي تُشّكل المادة الأساسية في البناء الفني للرواية ( ويبني السرد شخصيات تتخذ من الأسطورة أملاً بحياةٍ ممكنة بعبارةٍ أخرى تصبح الأسطورة مكوناً ذهنيًّا يبني رؤية الشخصيات للواقع ويساعدها على تحمل شراسته وإبقاء نافذة التغيير مفتوحة على المستقبل المنشود الذي يؤمل أن يكون أفضل حالاً من الحاضر )3.
استطاع السراي بكل براعةٍ وبأسلوب مبني على لغة التحاور الفصيحة وتوظّيف الأسطورة واستحضار الموروث لبث أفكاره وأهدافه ومراميه وتشخيص السلبيات وتعرّية الواقع المُزيّف عن طريق لعبة الحوار المتبادل بين شخصية خيالية وشخصيات واقعية لكنه لم يضع الحلول لها وإنما ترك تفسير وتحليل الأمور إلى قارئ عليم ..




المصادر
1-سامية أسعد, الأسطورة في الأدب الفرنسي المعاصر, مجلة عالم الفكر, الكويت, مجلد 16, ع3, 1985, ص112.

2- موسوعة ويكيبيديا.
3-اعداد بشير أحمد علي جلالة, الأسطورة والمكان في أدب إبراهيم الكوني, كلية الدراسات العليا, الجامعة الأردنية, 2007, ص92.



#غانم_عمران_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرؤية التأملية وأداة التفكير في - أختفي في الضوء - للأديب ع ...
- تقنية الإثارة والصدم في - لا ضوء في قناديل الحروب - نصوص وجي ...
- النسق المضمر ودلالة الانكسار في مجموعة - خُردَة ذكْرَيات - ل ...
- جمالية الانزياح الشعري في - زارني الشعر- للشاعر العراقي البا ...
- تجليات الحس الوطني والقومي في قصيدة - متى يسمع النائمون ؟ - ...
- المسافة الجمالية في قصيدة - لا ليس لك رسالة إلى الله - للشاع ...
- سيكولوجية النص الكامنة في رواية - فتاح فال - للروائي عباس ال ...
- سيكولوجية النص الكامنة في رواية - فتال فال - للروائي عباس ال ...
- ارتجافات الوعي في قصيدة - ذاكرة .. في عيون .. غائرة - للشاعر ...
- الحفر في لا وعي النص في قصيدة - أقسمت لها به ...- للشاعرة ال ...
- الوجع العراقيّ في قصيدة - جرس الدرس الأخير - للشاعر العراقي ...
- البُعد الإنساني في قصيدة - نعم أنا شاعرة - للشاعرة العراقية ...
- رسم الشخصية الشعرية في قصيدة - غيمة ايلول - للشاعر العراقي ع ...
- الكبْت الجنسي والصورة الحسيّة في قصيدة - محروم - للشاعر العر ...
- الذاكرة الشعريّة في نصوص - يا لَهذا - للشاعر العراقي البابلي ...
- التَّمحور حول الذَّات والانبعاث في القصيدة - احتاج لدبوس - ل ...
- إنطاق المسكوت عنه في رواية - عندما أعيد خلقنا - للكاتبة السو ...
- جدلية التأثير والتأثر في رواية - ساعة عدل - للدكتور المصري م ...
- وحدة الهَّم الشعري في قصيدة - أوراق وخنادق - للشاعر العراقي ...
- المبنى السَّردي وتجليّ الذات في المجموعة القصصية - سواسية من ...


المزيد.....




- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غانم عمران المعموري - بين الخيال والواقع حقيقة في رواية - أوتو - للروائي خلدون السراي