أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - ليلة الرمل / قصة قصيرة














المزيد.....

ليلة الرمل / قصة قصيرة


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


مثل سهم يتلوى في فضاء أخرس. شقت السكون المريع النظرات المتعبة لتحوم حول أرض خلاء إلا من أفق مرتعش يلتصق بسماء واطئة، تخيم على الأرض الرملية الشاسعة التي لم يحس عذريتها أحد غير أناس صارت الحفر بيوتاً لهم رقدوا فيها برضى وبنفس مطمئنة، من بعيد ومن جوف مقهى بائس كان الجموع تغرق في أمواج من الصخب والصراخ المفتعل.. نقل نظراته إلى حيث البيوت القديمة والخرائب التي اصطفت تواجه تلك الأرض اليابسة ثم اقترب مسرعاً صوب المقهى، وجه يسبح في بحيرة عرق مالحة وشعر منفوش يغوص في نار تلهب كل جسده.. دنا من المبنى المتهالك الذي سقط في صمت مفاجئ، انبثقت منه العيون إلى حيث الشاب الواقف عند الباب، ينظر إلى المجاميع المتحلقة حول رجل باسط ذراعيه يطلق حلقات دخانه بارتياح.. دخل الشاب على مهل وجلس صامتاً دون اكتراث للعيون المحملقة فيه.. قال الرجل بلطف..
-أيها الغريب كل رجل يأتي إلى هنا ينازلني في سباق الليل! ثم غاص المقهى في قهقهات اهتز لها الشاب المذهول، وهو يحاول الإفلات من قبضة العيون المفترسة التي سورته بقضبان من الدهشة والحيرة قال لـه أحدهم..
-إذن موعدنا بعد منتصف الليل! وأردف ..
-سنقص شارب الخسران بقعر زجاجة..!
تحسس الشاب شاربه الكث بيد خائفة مرتعشة وهم يسيرون به عبر مجاهيل الرمل الموحش، ليضعوا علامات على القبرين اللذين سيتم السباق عليهما بعد منتصف الليل.. قال الشاب بصوت حبيس..
-لم أطأ تلك الأرض من قبل.. لا أقول إني أمانع في إجراء السباق ولكن المفاجأة صعقتني.. ضحك الرجل السائر في الأمام ثم صرخ بصوت أجش.. سنركض ونغرس الوتد.. كل منا يغرس وتده عنه القبر المحدد لـه ويرجع قبل صاحبه وكفى.. لا مجال للهرب أيها الأبله..
في الليل ليس ثمة شيء أخر غير سواد يسكن جوف البر الممتد إلى القبور النائمة في بحور الظلمة المرعبة.. انطلق المتسابقان من خط شق على الرمل الأسود يحمل كلاهما وتداً خشبياً، تقافزت السيقان السمر النحيفة في خلاء الرمل الموحش المبسوط في كل الأرجاء تحت خيمة الليل الطويل.. فحيح الريح المروعة تزيد من الذعر.. يتراكضان معاً.. ينظر كل منهما للآخر بلحظة يسرقها من حدود الظلامالذائب تحت الأقدام، قال رجل المقهى المندفع كالثور..
-سيمضون الليلة سعداء بهزيمتك أيها المخدوع.. وأطلق ضحكة هزيلة ضاعت بين حبات الرمل الساكنة، وسط أمواج الظلمة الهادرة بدت شواهد القبور تظهر.. دخلا في زحامها المتناثر يدوران، تدفعهما نظرات الترقب الغافية تحت سقف المقهى المهلهل يبحث كل منهما عن هدفه، بعد ساعة كل الشاب يدق وتده بيد مرتجفة متحدياً بخوفه جدران القبر الغارق بالصمت، الذي يدفع بنظره إليه كل لحظة حيث يحسبه قد ينشق فجأة وتخرج منه أذرع عظيمة تمسك به، تسحبه، ترميه في القعر المسقوف لا ينفعه صراخه لا بل حتى موته لا يخلصه من الرقود والمكوث مشاطراً مقامها الأثير، وإن فكر بالهروب سوف تخرج كل الهياكل النائمة تنفض عنها غبار الموت وتتراقص أمامه كدمى تتحرك بخيوط، هياكل صدئه تتجمع حوله تشعره بوحشة غريبة، تحيطه بطوق عظمي فيضج المكان بطقطقات الأسنان اليابسة، وتسقط دمعته المذعورة مختلطة بقطرات عرقه المتطافر من وجهة المحتقن.. من بعيد كانت الأجساد النحيفة تقف عند باب المقهى المظلم ينظرون بذهول للرجل الآتي..
الآتي بمفرده من دون صاحبهم الذي لم يعد رغم ما حمله معه من أدعية وتمنيات..
ذهب الرجال يشقون عباب الظلمة الهادرة.. يزيحون بعضاً منها بفانوس صغير خافت يتقدمهم الشاب المنهك.. وقفوا عند صاحبهم، رجل هائج يطلق صيحاته كالمجنون، يصرخ بألم وخوف ارتعد لـه كل الواقفين واهتزت لـه الرمال الجاثمة فوق الأجساد النائمة في أحشاء الأرض.. دنوا منه.. بكى بعنف وهو يقف كفزاعة لا حراك فيها وهم يسحبون ثوبه من تحت الوتد المغروس قرب القبر..







#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة - ما قاله الرقيم
- المُدَوّنة / قصة قصيرة
- الكثرة تغلب القراءة
- المواطن الناصري الابدي
- ايقاع الالم وسحر الكتابة
- الحرية والدموع في رواية ممر الى الضفة الاخرى
- الطائر / قصة قصيرة
- جنون النار/ قصة قصيرة
- اعترافات تاجر اللحوم : رواية المنافي والانكسارات المتلاحقة
- ليل راكض / قصة قصيرة
- برج النعام / قصة قصيرة
- كمال سبتي يؤرخ لاربعينيته
- كل الطرق / قصة قصيرة
- عشر قصص قصيرة جدا
- ارض منزوعة الظلال / قصة قصيرة
- ليلة بكاء الكلب / قصة قصيرة
- امنية موتي / قصة قصيرة
- الاحتفاء بعذابات القصة
- عوني كرومي : مسافر ليل يرحل مبكرا ايضا
- رجل متضفدع / قصة قصيرة


المزيد.....




- خطوات تثبيت تردد قناة cn بالعربية الجديد على نايل سات 2025 “ ...
- عروض الأفلام الخاصة مهرجان للأزياء والترف، وليس للتقييم
- رحيل الفنان جواد محسن صاحب -قطار العمر-
- رحيل الفنانة الأردنية رناد ثلجي عن 36 عاما بعد صراع مع السرط ...
- -دحول الصمان-.. هيئة التراث السعودية تعلن عن اكتشاف عالي الأ ...
- قيعان المحيطات تختزن تراثا ثقافيا تهدده الأنشطة التعدينية
- هل اللغة العربية في خطر؟
- قبل دقائق من عرضه.. منع فيلم -استنساخ- يثير الجدل
- مؤتمر دولي بالأردن حول -اللغات في العالم الرقمي-
- فوز اللبنانية الفرنسية هدى بركات بجائزة الشيخ زايد للكتاب في ...


المزيد.....

- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - ليلة الرمل / قصة قصيرة