|
(( عامر عاصي وموسيقى النعي ))
حسناء الرشيد
الحوار المتمدن-العدد: 6944 - 2021 / 6 / 30 - 01:04
المحور:
الادب والفن
حين قررتُ الكتابة عنه ، وضعتُ بين يديّ بعضاً من قصائده ، فالبعض الآخر كان يسكنُ ذاكرتي منذ زمن فليست كل المفردات قابلةً للحذف من الذاكرة التي ترفض تحديث بعض معلوماتها كبعض الكلمات غير القابلة للحذف أو الاستبدال أبداً ..
في البداية وددتُ أن أتناول مادته الشعرية بصورةٍ كاملة كما أفعل عادةً في مثل هذه المواضيع ، ولكني قررتُ أن أكون غير حياديةٍ أبداً هذه المرة وأن أجعل حبي للون النعي #تحديداً يتحكم بي بطريقة استثنائية هذه المرة فقررتُ الكتابة عن هذا اللون الشعري الذي يحتلّني فعلاً ( إن صحّ التعبير ) ، ذلك اللون الذي أتقن الشاعر عامر عاصي صياغته لدرجة ليست ملفتة للانتباه فقط ، لكنها درجةٌ بالغة الغرابة حقاً ، فأن يكتب شاعر الغزل بهذا اللون الذي وُجِدَ من الأساس للنعي ( أي للحزن البالغ ، كحزن الأمهات مثلاً حال فقد أولادهن ) هنا تكمن المفارقة المدهشة للغاية !!
وأنا حين أودّ الكتابة عمّا قام الشاعر بابتكاره من موضوعات جديدة كُتبت بهذا اللون الرائع ، لا بد لي أن أذكر أن شاعرنا تميز في الكتابة ببقية الألوان الشعرية المتعددة ، فقد كتب الشعر الفصيح حتى أني قبل أن أتعرف لشعره ، ظننتُ أن تلك الأبيات كانت من الشعر المترجم قبل أن أصل لنهايتها كي أقرأ اسمه ، فهو يكتبه بأناقةٍ ملفتةٍ للانتباه ، غير أني سمعتُ شيئاً من موسيقى النعي في أبياته الفصيحة تلك ( ويبدو أني ولفرط تأثري بهذا اللون صرتُ أسمع موسيقاه الحنونة تنبعث من الأبيات التي تلفت انتباه روحي ، فذلك اللون الذي ( الي ما يحبه ما يحب امه ) كما يصفه صديقٌ لي ، لا سبيل لمنع الروح من التأثر به !
وهو أيضاً يكتب الشعر الشعبي الذي صرتُ قادرةً على تمييزه لوجود تلك المفردات ( الحنينة ) بين أبياته ، تلك التي تتحدث عن ( الگصيبة او الگصايب ، وقد يسميها الظفيرة في مواطن أخرى ، النخل ، العصافير .. وكل تلك المفردات التي جعلتني أظن في الوهلة الاولى لقراءتي لها ، أنه يسكن في بستان ، ولا ينام في غرفة لها سقف وباب أبداً كما يفعل الآخرون ! ) وربما كان شعوري هذا سببه تلك العوالم السحرية التي تشعّ بطاقةٍ إيجابية رائعة ، تلك التي يجيد تصويرها في قصائده حتى إن كانت تلك القصائد تضمّ بين جنياتها أبيات حزن لا غزل ، تلك التي ليس للقارئ أن يغفلها أبداً .
وشاعرنا كتب الكثير من أبيات النعي ، لم تكن مقتصرةً على الرثاء فقط ، فقد كتب في الأم ، الوطن ، وكذلك الغزل كما ذكرتُ في بداية حديثي ..
هو الذي يخاطب حبيبته بأرقّ التعابير ، يخبرها بأنه يشتاقها ومن دون أن يفصح عن هذا بصورةٍ واضحة :
سَنبِلَت بيدك حنطة الظيم وتيَمَم اعله زلوفك الغيم شفافك مواسم والعمر ديم مختِنِگ وانفاسك ترانيم
لكنهُ لا يستمر عند هذا الحدّ ، بل يحاولُ أن يبدي لحبيبته أن حبه لها هو الأكبر ، حتى إن كان هناك ما يمنعه من أن يبوح به :
وضاع العمر نبضة بوريدك وضاع الحلم شامة اعله جيدك وتاهت سنيني تراب بيدك وردتك وگتلك ما أريدك
ثم وكأنه يودّ أن يعاتبها برقةِ العشاق يهمس في أذنيها بنبرة اشتياق واضحة :
لشوكت تزغر واكبر وياك لشوكت كلما تستحي اهواك لشوكت كلما اضيع ألگاك ؟ مو ذاك هذا الوكت مو ذاك !
وابداع شاعرنا لا يستمر عن هذا الحد ، فهو يخاطب الأمهات بلغةٍ بالغة الحنان والرقة مع امتزاجها بلوعة الفقد والحرمان ، فيصنع بذلك خليطاً عجيباً لا يتقنه غيره حين يقول :
خلّيني بچفوفچ ورد فاح بچفّچ يموت الورد مرتاح دمعة العمر بمرايتچ طاح ويخضِّر العاگول تفّاح
و ..
يا ما صِحِتْ بالليل يمّه وطاح المِسِچ وتراب شمّه عمرچ تِطَشَّرْ مِن يلمّه يمّه الجفن معذور ، يمّه وهو هنا يرسم لنا صورة بالغة الألم ، صورة من فقد أمه ، واستيقظ من النوم فزعاً كي ينادي عليها ( ذلك لأننا أبداً لا يمكننا استيعاب رحيل الوالدين عنّا مهما مرّ من زمن على فقدانهم ) !
لكن يبدو أن شاعرنا لا يكفّ عن ذكر تلك الأم العظيمة ، في جميع الأوقات ، لا في الليل فقط :
يمّه ذكرتچ والسِمَه تدور عصفور يلچم جرح عصفور وصارت عصافير الهوه نذور معذور أبچي ، الدمع معذور
ويبدو أن للمرأة في شعره ( وفي النعي تحديداً ) الحصة الأكبر ، فهو قد يصف مشاعر أرملةٍ رحل عنها زوجها ، فراحت ( تلولي ) لابنتها كي تنام ، ويبدو أنها كانت تودّ أن تلولي لنفسها لا لتلك البنت الصغيرة ، ويبدو كذلك أنها فشلت في هذا الأمر فوقتُ النوم هو الوقت الأنسب لحلول تلك الذكريات عادةً :
نامي الدمع بالليل واحد نامي، وخياله وياچ گاعد نامي، العمر حفنة كواغد شما نشتعل ، نحتاج والد
فتلك المرأة ، يبدو أنها فقدت أباً وحبيباً في ذات الوقت :
تنطرين والد ، وانطر احباب تمطرين شوگ ، وأنطر عتاب تمطرين طيف؟ يچذّبْ الباب ما يرد ، حتى الطيف چذَاب
وكي تنهي حديثها الموجع ذاك ، كان لا بد لها أن تحتضن ابنتها ، كي تنعمان معاً بالأمان المفتقد :
شبگيني ، خل نبچي العمر مر والنهد عينچ، والحزن دَر رضعي انتظار ،شما تِنه البَر يبچي البحر بالليل مضطر
وللوطن حصته الكبيرة ، أو الأكبر ربما في شعره ، وبالذات جريمة سبايكر التي كتب في الكثير من أبيات النعي ، والتي تدلّ على شدة تأثره بهذه الجريمة المروّعة ، فهو يخاطب النهر بنداء من فُجِع فراح يلقي اللوم على من ليس بيده شيء ليفعله ، وهذا ما يجعل نداءهُ بالغ الوجع ، ( فهو نداء من لا أمل له بالإجابة أبداً ) :
يا نهر ذبني عله الجرف ناي وبهداي جيس الروح بهداي سولفلي أدري جروحك هواي ودمهم حرير ويجرح الماي
يا نهر ذبني عله الجرف عين بعيونهم تقره العناوين يا نهر حلّفتك بالحسين من موتهم ، هم استحه الطين ؟
توّه الدمع والموت ، توّه والعاش گوّه ، يموت گوّه يا نهر شوف آدم شسوه يمطر جثث بچفوف حوّا
يا نهر يا گبر النواميس ابليس راح وخلّف ابليس والروج ظل يكنس عراريس ونذور وشموع وفوانيس
يا نهر دم ودموع صاير وچنّك بالولايات حاير خجلان .. شتگل للمناير الشبان بمتونك ضفاير
بس يا نهر لا تغسل الدم كل روجة من روجاتك بهم ليشيل من ماي الجرف صم يقره الأسامي وموت يِشتَم
يا نهر بالعباس احلفك لاويتهم ؟ لو مال چفّك أحمر على الشطين زلفك ، دم ، لو نِشَغ بالطين جرفك
بس يا نهر طينك عماهم وبرياگهم وذّن ظماهم أدري النخل يشرب دماهم وتنوح برحيّة بسماهم
طير اعله متن الريح نَصّه ورف من لِمَح بالماي گِصّه صااااح النهر شبّان نِصّه كون الگصب حيّه وتگرصه
صار النهر حيّه وتمد ناب تروي الشواطي بدمعة احباب غِيّاب چنهم موش غياب شو چن أديهم دگّت الباب
نام الولد ، والشوگ ما نام والريح تعوي ومالها لجام يا طيف يبن ثمنطعش عام تبچي الصور وتبلل الجام
مر يا بلم بالليل جنّاز بتابوت روجك لمهم الماز معتاز ، ون الليل ، معتاز والروج شايل ريحة اعزاز
وينشد فضيض الماي شتشوف؟ ماي وسِعِد وعيون وچفوف ومچتوف لاذ بإيد مچتوف والروج مغزل يغزل زلوف
شتشوف من توگف على الشط وشمس الفجر توهه اتّمَغَط وتسمع غراب الليل ينغط : شيلي الضمير البالنهر غَط
شيلي الولد شوفي شحلاته عطشان والماي بلهاته والموت شل جرحه بعباته عريس شيگولن خواته
هم تعتقد انسه المضه ردود يا نهر ، وانته الخنت چم جود يالكِحلِتك شامات الخدود چنك جرح عالگاع ممدود
يا نهر روجاتك مخاديد ناموا عليها الإيد بالإيد حتى اليريد يصيد ، شيصيد ضحكات وشفاف ومواعيد
باعوهم وظل الدمه يدور وظل الحزن بالروح ناعور ناطور يلچم جرح ناطور وكل چيلة، فز بالروح عصفور
#حسناء_الرشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(( روضة الحاج / في موسم المدّ ))
-
موفق محمد : (( وَجَعٌ عراقيّ ))
-
إضاءاتٌ على البردةِ الثالثة
-
وجهة نظر
-
(( الغزل الرقراق في شعر جاسم الصحيح ))
-
نور السامرائي ، قصيدٌة بإحساسٍ مختلف
-
(( جوانب لا بدّ من الالتفات إليها / الشاعر د. وليد الصراف ))
-
قراءة في ديوان ( يا أبي أيها الماء ) للشاعر ( أجود مجبل )
-
إيما صباح / نُضجٌ ملفتٌ للانتباه
-
الإسلام دين الإنسانية
-
الجاثوم / أسباب وعلاج
-
الكاكائية : تاريخ لا بد من معرفته
-
گاردينيا .. أحمد بخيت
-
سوق الشيوخ .. وجه آخر للثقافة والحياة
-
( ما جايسك ) .. ترنيمة في حضرة الروح
-
محمد وجيه .. سر قصيدتين
-
( الراهب ) .. قداسة الحب والشعر
-
الناصرية .. - مزاجُ أنثى -
-
نور السامرائي / فدعة بصرية
-
(( قراءة في قصيدة من جيل البنفسج ))
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|