كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 6940 - 2021 / 6 / 26 - 23:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بوصفي ناشطا سياسيا يعمل مع غيره من النشطاء من أجل انتقال هادئ وسلمي وتدريجي الى دولة مدنية ديمقراطية في سوريا انتميت الى اعلان دمشق الذي عقد مجلسه الوطني الأول في نهاية عام 2007 , تبع ذلك تشكل لجان للإعلان في كافة المحافظات حيث أصبحت عضوا في لجنة اعلان دمشق في اللاذقية, كان أول عمل لي داخل اللجنة هي صياغة موضوعة شغلت ذهني منذ أوائل هذا القرن حول اصلاح هيئة الأمم المتحدة ربما تساعدنا في هذا الانتقال , تمّت مناقشة الدراسة في اللجنة ونالت موافقتها فاقترحت ان نرسلها لقيادة الاعلان علّه يتبناها ويرسلها الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ولكن جوابهم جاء محبطا لنا - وفيه شيء من السخرية- على الشكل التالي :اذا كانت دول قوية تحمل هذا الهّم منذ سنوات لم تستطع ان تغير شيئا في النظام العالمي فهل تستطيع لجنة اللاذقية ان تغيره ! عندها اجتهدت ان أبعث بموضوعي كرسالة مفتوحة باسمي الشخصي الى الأمين العام نُشِرت آنذاك في نشرة كلنا شركاء بدأتها كما يلي :
لم تكن الأمم متحدة في قديم الزمان, بل كانت متفرقة وموزعة بين امبراطوريات, كل إمبراطورية تتقلص أو تتوسع تبعا لسلاح ومدافع جيش الأمبراطور. ربما ظهر أول نزوع انساني عالمي - يريد للقانون الدولي أن يأخذ دوره الى جانب القوة - في اتفاق وستفاليا, تلاه تشكيل عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى بمبادرة من الدول المنتصرة, تحّولت الى هيئة الأمم الحالية بعد الحرب العالمية الثانية. عملت الهيئة أول انطلاقتها في كثير من المجالات لصالح الجنس البشري , وكان أهم منجزاتها هو الاعلان العالمي لحقوق الانسان. لكنها تعثّرت مثل سابقتها عصبة الأمم ولنفس السبب أيضا وهو صياغة ميثاقها بما يتناسب مع مصلحة الدول المنتصرة . كان حق الفيتو وما يزال في مجلس الأمن يسمح للأقوياء الاعتراض على القرارات الدولية عندما يرونها غير مناسبة لمصالحهم. الفشل الأكبر للمنظمة هو عجزها عن جعل الدول القوية تكف عن استعمال المعايير المزدوجة لحقوق الانسان والتلاعب بها بما يخدم مصالحها, اكبر مثال على ذلك موقف الدول صاحبة الفيتو من الدولة اليهودية في فلسطين ومن بعدها الدولة الشيعية في ايران والتي استوحت دستورها من القرون الوسطى. ومع ذلك لم تضغط تلك الدول المسماة كبرى من اجل ان تحترم اسرائيل ومن بعدها ايران القرارات الدولية وبشكل خاص المتعلق منها بالميثاق العالمي لحقوق الانسان بل انطلقت من مصالحها وليس من المنطلقات الانسانية التي اتفّقت عليها تلك الدول .
ورغم كل ماجرى من تطور بعد الحرب العالمية الثانية وظهور دول جديدة أصبحت كبرى ايضا بكل المقاييس الدولية , لكن الدول صاحبة الفيتو في مجلس الأمن وقفت حجر عثرة ضد أي تطور قد يحرمها هذا الحق ويجعله من صلاحيات الجمعية العامة .
أنهيت الرسالة كما يلي
بكل أسف أقول :هيئة الأمم المتحدة الحالية تنفذ ارادة الدول القوية صاحبة الفيتو فيها واذا لم يعاد النظر في تركيبتها بحيث ينتج المجتمع الدولي الحالي هيئة يكون فيها القانون سيدا بدلا من القوة , وتقوم في ظلها الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة ويتوازى فيها القول مع العمل من اجل الانسان وحقوقه ستكون النتائج كارثية مستقبلا على الجنس البشري .
.................................ز
بعد مرور حوالي عقدين على تفكيري السابق أصبح الموضوع الشغل الشاغل لنشطاء سياسيين عديدين ولقوى سياسية وحتى لدول بحالها يسندها رئيس مجلس الأمن الحالي أنطوني غوتيرش الذي تحدّث في خطابه الأخير قائلا : ان كوكبنا حاليا يواجه مجاعات متعددة ذات أبعاد كارثية .. الخ . وها أنذا أعود لأدلي بدلوي في الموضوع استنادا الى ما قدمه التطور لنا من معطيات جديدة .
سأمهد للموضوع بالرد على مثقفين يكتبون في الصحف الأمريكية مستغربين قدرة أنظمة ديكتاتورية مثل النظام الايراني والنظام الكوري الشمالي والنظام الكوبي على معاندة قوانين التاريخ لا بل وصل الأمر ببعضهم الى التشاؤم المطلق مثل الفيلسوف جوزيف بنتر الذي يظن أن الانهيار المجتمعي قادم لا محالة وهو ما جرى ويجري لكل الحضارات الكبيرة في التاريخ التي سادها صعود ينتهي بالهبوط والفشل .
حقيقة الأمر في الكلام الكثير من الموضوعية فالحضارات التي سادت حتى الآن واستلمت زمام التطور واحدة اثر أخرى جرى لها ذلك بما فيها الحضارة الغربية التي توّهم قادتها انها مختلفة عن بقية الحضارات وانها تدير العالم على اساس اللبرالية والديمقراطية التي هي من مصلحة الجميع ويجب تعميمها .
مع كل اسف الواقع الحالي يشير الى ان الحضارة الغربية (متمثلة باوروبا وامريكا ) مثلها مثل كل الحضارات التي استلمت زمام التطور قبلها - كالحضارة العربية الاسلامية مثلا - أوصلت البشرية الى الفشل لأنها سلكت نفس سلوك الحضارات الأخرى وخاصة بعد انتهاء فترة الصعود لتبدأ فترة الهبوط وما فيها من وقاحة وانحياز مطلق للأغنياء والأقوياء على حساب الفقراء والضعفاء , الأمثلة لاتعد ولا تحصى وهذا غيض من فيض
1- قال السينتور الديمقراطي بيرني ساندرز مؤخرا على تويتر حرفيا : انّ ثروة كل من ايلون ماسك رئيس شركة تسلا وجيف بيزوس رئيس شركة امازون تعادل ثروة 40% من الشعب الأمريكي. لم يعد خافيا على احد حياة المليارديرين في كل أنحاء العالم داخل يخوتهم وطياراتهم الخاصة وقصوره وبذخهم مقابل مجاعات متعددة حكى عنها الأمين العام للأمم المتحدة , هذا الانقسام المريع جلب ترامب لسدة الحكم في امريكا والفاشيين الجدد الى اوروبا .
2- كتبت شخصيا عن فيروس كورونا قائلا : رب ضارة نافعة وظّن الكثيرون مثلي أن الفيروس سيدفع بالدول نحو التعاون ضد هذا الفيروس الخبيث الذي لا يميز بين غني وفقير , ولكننا نكتشف الآن باننا واهمون , اذ حّوله اهل الحل والربط في المجتمع الدولي الى مادة جديدة تدعم ثرواتهم من خلال دبلوماسية لقاحاتهم وبيعها الى الدول الفقيرة , شخصيا حضرت نقاشا في مدينتي حول اللقاحات , أعرب العديد منهم عن رفضه لأخذ اللقاح لأن لها علاقة ببنية اللقاحات ال DNA وقد يؤثر عليه بحيث ينتقل ذلك التغيير وراثيا للأبناء وهم لا يستبعدون ان يكون الأمر مقصود بحيث يتم تحوير البنية الوراثية من خلال تلك اللقاحات لتنتج في المستقبل أجيالا بلهاء تقنع بخدمة أسيادها .
ليس الموضوع مزحة فالذكاء الصنعي وخلق بلهاء لتنفيذ ما يطلب منهم كما يريد اصحاب الثروة والنفوذ المسيطرين يناقش على صفحات الصحف , المليارديرين الحاليين منزعجون جدا من وعي الجماهير المتنامي وهي أفضل طريقة لإجهاض ذلك الوعي كما يرون مع كل اسف
أعود الى الموضوع الأصلي:
بالنسبة لما يكتب في الصحف الأمريكية عن التشاؤم أحيلهم الى كتّاب آخرين يرون العلّة في الادارة الحالية التي تسعى للعودة الى الماضي من اجل قيادة العالم , مع ان المطلوب تجاوز الماضي باتجاه حوار الحضارات وعدم التركيز على حضارة واحدة وهوما يتناسب مع التطور وروح العصر وهذا يعني بصريح العبارة أن تقلع الادارة الأمريكية الحالية عن وهم العودة الى الماضي والجلوس على رأس الطاولة كما تعّودت .
أنا اعتقد شخصيا تتحمل امريكا تحديدا السبب في قدرة ايران وكوبا وكوريا الشمالية على معاندة قوانين التاريخ ولو انها أعطت مثالا يُحتذى لما كان الديكتاتوريون بهذه القوة الآن وهاهي تسلك مع الصين نفس السلوك الذي سيزيدها ديكتاتورية بدلا من أضعاف ديكتاتوريتها
ان الصين ليس لها ماض استعماري ولا امبريالي
الصين استطاعت قيادتها بسنين معدودة اخراج الملايين من تحت خط الفقر .
الصين ديكتاتورية ولكنها معنية بالسلم العالمي وتحاول غزو العالم عبر الاقتصاد, عبر تطوير البنية التحتية في البلدان التي تغزوها وليس عبر القوة العارية مثل روسيا ولكن ادارة بايدن ذهبت للقاء قادة روسيا وليس الصين .
الخلاصة . لست متشائما الى الدرجة التي تجعلني أتحدث عن الانهيار المجتمعي ولا متفائلا على طريقة الحتمية التاريخية للرفاق الماركسيين, لكنني اعتقد ان المستقبل قد يحمل لنا رئيسا امريكيا جديدا من خارج الحزبين السابقين يكون همّه الحوار مع الصين ومع كل الدول القوية للوصول الى حل لمشاكل العالم عبر التعاون والتنسيق والتشاور فيما بينهم من خلال هيئة أمم تمّ إصلاحها لإخراج العالم من محنته الحالية , اما الاصلاح فهو حديث طويل ذو شجون وشؤون وهو معركة بين غالبية الجنس البشري مع أولئك المليارديرين المتحكمين بالسوق ولن يفرطوا ببساطة بامتيازاتهم.
بكل الأحوال اقترح بندين للمناقشة لمن يرغب حول الاصلاح .
1- الغاء الاسم القديم لتصبح هيئة الدول المتحدة وليس هيئة الأمم المتحدة كما ارادها المتصرون في الحربين العالميتين للعب في التاريخ البشري بما يتناسب مع مصالحهم . العالم الآن دول في كل دولة يوجد قوميات واثنيات متعددة ولكنهم يتعايشون كبشر بغض النظر عن جنسهم ولونهم وعرقهم وقوميتهم , هيئة دول متحدة تكون منحازة للإنساني ضد الطبقي والقومي عكس الهيئة القديمة .
2- الغاء حق الفيتو في مجلس الأمن وليتحول الحسم عندما يستعصي الأمر فيه الى حسم الموضوع في الجمعية العامة لهيئة الدول الجديدة .
هذه البنود وغيرها كما يمكن ان يقترح غيري قد تساعد مستقبلا للوصول الى هيئة جديدة تفكر جديا بحماية المدنيين من الحروب القادمة بدلا من الوقوف الى جانب الدول الديكتاتورية التي تستعمل القنابل الفراغية والعنقودية والبراميل المتفجرة في حروبها لترويع المدنيين قبل العسكريين وجعلهم يخضعون لارادتها
كامل عباس – اللاذقية
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟