|
التغيير و الشرق الأوسط الجديد
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 1637 - 2006 / 8 / 9 - 10:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السؤال الذي تطرحه الأحداث الجارية على قوى التغيير (أي نعني بها القوى المنشغلة بالتغيير الفعلي الذي يخدم مصالح الطبقات الكادحة و مصالح الأوطان ) هام للغاية وحيوي.. تنبع الرغبة في التغيير من رداءة الواقع الراهن.. حيث أن هذه الجماهير في حالة استلاب كامل سياسي اقتصادي وفكري.. رأيها مصادر وحريتها مغيبة وظروف معيشتها الاقتصادية سيئة للغاية وهي في تردي مستمر بالمقابل تتمتع أقلية فاسدة بثروات وخيرات البلاد دون حسيب أو رقيب وتلجأ هذه الأقلية إلى سطوة أجهزة الأمن على ساحة الفعل السياسي لكي تختزل هذا الفعل إلى الحد الذي يناسب أهل الحكم وتغيب أي نشاط سياسي مستقل عن السلطة.. هذا في الداخل أما الخارج فهو يشهد هجمة أمريكية إسرائيلية بتواطؤ عربي رسمي.. تتخذ هذه الهجمة دمقرطة الشرق الأوسط كشعار لها لكنها لتهدف عمليا إلى إلحاق منطقتنا بشكل نهائي بتيار العولمة السياسي والاقتصادي وضمان الظروف لاستمرار الهيمنة الأمريكية كونيا و تكريسها إقليميا.. إن الصراع الذي يتخذ حاليا شكل الحرب الطاحنة في لبنان وفلسطين ما هو إلا صراع بين هذين المشروعين.. مشروع استمرار النظام ومواجهة التغيير المفروض ومشروع التغيير الأمريكي الذي عبأ القوة الإسرائيلية الغاشمة وأغلب الأنظمة العربية التي تسعى لضمان بقائها من باب الاندماج والتحالف مع المشروع الأمريكي. يمثل حزب الله حلقة تقاطع لتحالفات إقليمية لا يمكن فصلها عن محاولات إلغائه أو عزله الجارية.. كانت السياسة الأمريكية جادة في محاصرة النظامين السوري والإيراني وتهيئة الظروف لمواجهة مستقبلية معهما على أنها الخطوة التالية في تقدم المشروع الأمريكي في المنطقة رغم فشلها الكبير في إنهاء الحالة العراقية بما يتوافق مع مصالحها حتى الآن.. ومع تغير موازين القوى في لبنان وتراجع دور وموقع حزب الله سياسيا رغم تمكنه من الحفاظ على قوته العسكرية التي ازدادت كما ونوعا أصبح معسكر النظامين السوري – الإيراني – حزب الله في حالة الدفاع لكن مع التورط الأمريكي في العراق لم تكن إمكانيات الحسم لدى قوى المشروع الأمريكي كافية لإنهاء النزاع.. مثلت عملية حزب الله وقبلها أسر حماس لجندي إسرائيلي محاولة على الأرض لاستعادة زمام المبادرة أو على أقل تقدير تأكيد قواعد اللعبة السابقة التي تترك لحزب الله وحماس هامش من الفعل في إطار من الغطاء الإقليمي والمحلي اللبناني.. استغلت إسرائيل العملية وأرادت (ظنا منها أنها قادرة على الحسم عسكريا) إضعاف حزب الله والتمهيد لاستئصاله من ساحة الفعل السياسي اللبناني هذا مع العلم أن قوى 14 آذار الحاكمة حاليا تعتبر مشروعها السياسي (استقلال لبنان عن الوصاية السورية بما يعني عودة النفوذ الأمريكي المباشر بالتنسيق مع فرنسا والسعودية) والاقتصادي (لبرلة الحالة الاقتصادية اللبنانية لصالح الفئات الأكثر ثراءا التي تشكل الحكومة الحالية) حليفا للمشروع الأمريكي وجزءا منه.. على الطرف الآخر كان حزب الله قد عزل نفسه عن القوى التي ترفض الهيمنة الأمريكية في لبنان والمنطقة واستأثر بالحالة المقاومة لهذه الهيمنة وبقرار اتخاذ المبادرة ويعود هذا لطبيعته أولا كحركة طائفية وثانيا بسبب أهمية ارتباطاته الإقليمية في إستراتيجيته العامة..اتخذت الحرب الإسرائيلية حتى الآن شكلين: أولا تدمير البنية التحتية للبنان وتعقيد ظروف حياة اللبنانيين بغية تعميق الشرخ بينهم وبين حزب الله وهو ما فشل بامتياز ثانيا العمليات العسكرية المباشرة التي ما تزال محدودة التي تهدف لإزالة تهديد صواريخ حزب الله الفاشلة هي الأخرى.. أوضحت التطورات أن هذا الشكل من الفعل الإسرائيلي لا يمكنه حسم الحرب.. إن عناصر قوة حزب الله على الأرض تتجاوز إمكانيات التدمير لدى آلة الحرب الإسرائيلية.. فحزب الله مزود بقوة بشرية جيدة التدريب كما أظهرت المعارك مصممة على القتال إضافة إلى أسلحة قادرة على خدمة تكتيكه وتحقيق الأهداف المطلوبة منه في المواجهة وهي إنزال خسائر جدية بالقوات الإسرائيلية.. استمرار استهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ.. الحفاظ على القوة الرئيسية سليمة قادرة على الفعل أو رد الفعل حسب الوضع التكتيكي أي باختصار البقاء والاستمرارية مع تكبيد العدو خسائر لا يمكنه تحملها.. هذا يطرح على الجنرالات الإسرائيليين ضرورة تعديل أو توسيع حربها لتتمكن من إنجاز ولو بعض أهدافها.. إن فشل الآلة العسكرية الإسرائيلية في إنزال هزيمة جدية بحزب الله يعني أن حزب الله وحلفائه الإقليميين سيكونون بوضع أحسن وهذا ما لن تقبل به إسرائيل أو أمريكا ولا حتى الأنظمة العربية التابعة لها مما سيعني فضيحة حقيقية للنظام العربي الرسمي أمام الجماهير بين تواطؤ الأنظمة وصمود حزب الله الناجح.. تنقسم القوى العربية بين مؤيد لهذا المعسكر أو ذاك.. فمعسكر حزب الله-إيران-سوريا يشكل بالنسبة للبعض خيار المقاومة الوحيد المتبقي لكنه في حقيقية الأمر دفاعا ضد تغيير النظام في سبيل الحفاظ عليه واستمراره بصيغته الحالية القمعية الفاسدة وما يشبه هذا من أغراض إيرانيا وبالنسبة لحزب الله..أما المشروع الأمريكي فدعواه لدمقرطة المنطقة تداعب أحلام من يرغب في إنهاء الاستبداد ومن تغريه دعاوى إسقاط الأنظمة وتفتنه الليبرالية الغربية ويراها تقدما كبيرا مقارنة بواقعنا وتاريخنا الذي لا يرى فيه سوى الاستبداد والقمع فيسترسل في الترويج والتهليل للتغيير القادم والذي يبدو وحده الطريق الممكن لإحداث التغيير في أنظمة تعمل جاهدة لتأبيد وجودها...لكن كلا المشروعين لا يعكس مصالح الجماهير الفعلية..فكلاهما لا يشكل مخرجا للأزمات الحالية على نحو يخدم مصالح الجماهير الحقيقية التي لا مصلحة لها في استمرار النظام أوفي إحداث تغيير حسب الوصفة الأمريكية.. الجماهير بغالبيتها الساحقة تغلب عواطفها الوطنية والمعادية للوحشية والهمجية الإسرائيلية وتقف وراء حزب الله الذي ترى فيه مقاومة لهذه الوحشية وتحد لتلك الغطرسة...و رغم ارتفاع صوت النخبة المثقفة الليبرالية لتبرير نتائج الحرب الإسرائيلية الأمريكية على لبنان ولوم حزب الله على هذه النتائج المأساوية لكن هذا الصراخ المرتفع لا يلقى أذنا صاغية من الجماهير وسط أشلاء الضحايا ووحشية الفعل الإسرائيلي الذي يهرب إلى الأمام من أزمته على أرض المعركة بالمبالغة في القتل والدمار...لكن تهميش الجماهير المتواصل أفقدها قدرتها على الفعل كما أن النظامين السوري والإيراني غير مهتمين بتحريك الشارع وإعادة المبادرة إليه...تبقى مصالح الجماهير تنتظر صياغة وتحقق خيار آخر ضعيف حاليا لدرجة الهزال لكنه الوحيد القادر على حل أزمات المنطقة بما يتماشى ومصالحها وبما يحقق إنهاء استغلالها واستباحتها واستباحة البلد...إن مصالح الجماهير هي في إحداث تغيير جذري وطني لكن ديمقراطي، يضمن تمثيلها السياسي ودورها في رسم السياسة الاقتصادية والاجتماعية..تغيير لا يغلب القوى الطائفية كما في العراق ولبنان ولا السياسات الليبرالية على حساب مصالحها وظروف معيشتها لصالح القلة الثرية كما في لبنان..إن مصلحة الجماهير تتحقق بهزيمة المشروع الأمريكي سياسيا واقتصاديا وفي هزيمة المشروع الأصولي اليهودي وفي هز أنظمة الفساد والقمع واستبدالها بأنظمة ديمقراطية حقا تستمد شرعيتها من شعوبها ومن الدفاع عن مصالح شعوبها وأوطانها...إننا ندعو إلى البدء والعمل على صياغة هذا البديل وتحشيد الناس خلفه..لذا فإننا نرفض كلا المشروعين معا: مشروع استمرار النظام والمشروع الأمريكي..ندعو إلى شرق أوسط جديد..حر..ديمقراطي..لا سلطة فيه فوق القانون..لا دولة فيه فوق القانون..و قد هزمت فيه قوى التدمير والقتل والاستغلال والقمع والاستبداد دون رجعة...
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية من جديد
-
لا لحشرنا بين حانا و مانا
-
قوة المثال اللبناني
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|