|
الاعلام والتربية على القيم
رشيد العيادي
الحوار المتمدن-العدد: 6937 - 2021 / 6 / 23 - 17:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أريد في هذا المستوى من النقاش، الذي محور اهتمامه الاعلام الالكتروني وعلاقته بالتربية على القيم، أريد أن أبدأ بقصة صينية نروم من خلالها ربط العبر التي فيها بمؤسسة الاعلام وبناء القيم؛ القصة كالتالي: عندما انتهت الصين من بناء سور الصين العظيم، لاحظت أن في المائة السنة الأولى من بناء هذا الصور هوجمت الصين أكثر من مرة، وحينما تساءل الإمبراطور أنى لهذا الهجوم أن يقع وهذا السور قد بني من عل ولا يمكن اختراقه، فكيف يتحقق هذا الهجوم للعدو. ولهذا السبب كلف الامبراطور لجنة تقوم باستقصاء الأمر وللكشف عن سر هذه الهجومات المتكررة، فماذا كانت النتيجة؟ تم الوصول الى أن الهجوم الذي كان يحدث على الصين لم يكن عن طريق تخريب ذلك السور ولا القفز وراءه، ولكن يتم من خلال البوابات التي يفتحها الجنود أساسا. سئل الجنود الذين تفضلوا بفتح الأبواب أمام العدو لماذا تقومون بهذه الفعلة وتقدمون الصين على طبق من ذهب أمام العدو، كان الجواب هو أن: أن ذلك الحارس لم يأخذ أجرته منذ سنوات، بالمقابل كان جواب الامبراطور الامبراطور: استثمرنا في الحجر وأنفقنا الملايير من أجل بناء سور عظيم ونسينا البشر. لقد نسي الامبراطور أن يبني قيمة المواطنة وحب الوطن، فكان أن بيع الوطن للعدو. لربما هذه الواقعة تتكرر حتى مغربيا، نستثمر في الحجر وننسى البشر. اليوم ما يحدث عن طريق الهواتف الذكية وعن طريق الأنترنيت خطير جدا، وتأثيره كبير، على اعتبار أن انفتاحنا على المجتمع الشبكي كانت لديه انعكاسات سلبية، لنلاحظ على سبيل المثال في اللحظة التي دخل الكهرباء الى المجتمع المغربي كان تأثيره كبير (ونعلم أن دخول الكهرباء دخل معه فيما بعد التلفاز والهاتف...الخ)، -في هذا الجانب هو تأثير إيجابي وليس سلبي-، بحيث أدى ذلك إلى تراجع السلوك الانجابي. إذ أنه قبل دخول الكهرباء والتلفاز والأنترنيت، كان الانسان القروي يأوي الى فراشه باكرا، في السادسة مساء، فليس له من نشاط إلا النشاط الانجابي، مما يحفز السلوك الانجابي، لكن عندما دخلت الكهرباء أصبح الانسان القروي يقضي وقت طويل أمام التلفاز والهاتف مما يؤخره عن الالتحاق بالمرقد وأصبحت له مناشط أخرى عوض النشاط الانجابي مما تراجع معه السلوك الانجابي المغربي أيضا. قدمت المندوبية السامية للتخطيط، في نفس الاتجاه إحصاءات تحيل الى هجرة الأفراد من الواقع الى الافتراضي، بحيث أنه 73 بالمائة من الشباب المغربي يقضون أكثر من 8 ساعات يوميا في الأنترنيت. وهذا راجع إلى أن نعيش زمن الاستقالة، استقالة الأسرة من أدوارها، فلم تعد تقوم إلا بدورها الانجابي وتوفير المأكل والمشرب والمرقد.
يبدو أن الاعلام الإلكتروني قلب طاولة القيم، فاليوم نعاني من عسر في الانتقال القيمي، فأحد الدراسات السوسيولوجيا التي تمت في شمال افريقيا والشرق الأوسط، التي درست موضوع النجاح الاجتماعي، باعتباره النموذج الذي أضحى متغيرا باستمرار وبشكل دؤوب، بالنسبة لهذه الدراسة كان لها سؤال واحد تقيس به تغير قيم النجاح الاجتماعي، ولا يخفى عن أحد أن هذا السؤال الذي طرح علينا الكثير من المرات ونحن صغار، وهو كالتالي: ماذا تريد أن تكون في الغد؟ كنا نجيب في القديم وكلنا أمل أن نصبح ما نريد ان نكونه، كنا نريد أن نكون أطباء لأننا كنا نذرك بأن حاجتنا للصحة من الأولويات، وكنا نريد أن نكون معلمين وأساتذة لأن الأستاذ كان هو النموذج الأمثل للتفوق الاجتماعي، وكنا نريد أن نكون من رجال الشرطة لربما لأن المخزن كان يرعبنا ونريد أن ننتمي لطاولة المخزن لنأمن شره. لكن هذه الأحلام عند جيل اليوم فقدت قيمتها تم تهديمها والقضاء عليها، فنفس السؤال تم طرحه في وجه مجموعة من الأطفال المغاربة، فكانت النتيجة للأسف انتحار قيمي مهول، وانهيار لمفهوم النجاح الاجتماعي. وتمثل الإجابات التالية هذا الانهيار والسقوط المدوي: "أريد أن أشارك في للعروسة" "أريد أن أفوز في القدم الذهبي" " أريد أن أشارك في استوديو دوزيم" إنها أحلام جديدة لأطفالنا، على الأقل نحن جيل كنا محظوظون عندما كنا نحلم بحاجة نحن بأمس الحاجة إليها. إن جيل اليوم هو ضحية برمجة اجتماعية، تحارب من أجل غرس نموذج اجتماعي يقوم على الغناء والموسيقى والمادية والصورة. إننا اليوم ننتمي لنفس المجال لكن لا ننتمي لنفس الحضور: من عالم الاتصال الى عالم الانفصال: نحن فعلا في نفس البيت، لكن الأب برفقة الفيسبوك، البنت برفقة التويتر، الأم برفقة المطبخ، الأخ برفقة البلي ستايشن... (أو ما يسمى بالعزلة التفاعلية: منعزلين واقعيا ومتفاعلين افتراضيا) هكذا ننتمي لنفس المجال ولكن الكل في عالمه الخاص. هناك من سمى هذا الواقع باللعنة الرقمية بلعنها للاجتماعي بمنطق كسر كل ما هو جميل. في أحد البحوث طرح سؤال بسيط لكنه عميق، هل تقبل أن تضع والديك في دور الرعايا الاجتماعية 50 بالمائة اجابوا بأنه لا إشكال لديهم، يمكن أن يودع والديه في دار المسنين. إن هذا الجواب ينبئ بشكل كبير عن فقدان قيم التضامن وقيم الرحمة وقيم وروابط الدم وكل القيم العائلية التي كانت تؤطر علاقاتنا. جون بودريار يقول بأن الآلات لا تنتج الا الآلات، فهل تحولنا الى كائن رقمي ينتج معه قيم رقمية كذلك، مفرغة من المحتوى الإنساني. اليوم أصبحنا أمام علاقات رقمية بعد أن كانت هناك علاقات اجتماعية وواقعية، فكلمة contact مثلا تمثل وتجمع القريب والبعيد والعائلة والأصدقاء وحتى أصحاب الخدمات، أي أنها أسقطت مقامات القرابية المحفوظة عبر التاريخ مع المتفاعلين في الفضاء الرقمي والغت كل حد بينها. (الكلام النابي الذي يبين اعدام القيمة...) نضيف كذلك بسبب الاعلام الالكتروني تضيع قيمة التواصل، وذلك عن طريق فقدان مهارات
التواصل مثلا من خلال مختصرات الكلام ( cv slm lool ) بل أكثر من ذلك تزايد الحاجة للتعامل بها واقعيا، وبالتالي كما قال الأستاذ، كمال عبد اللطيف، أن الفرد اليوم في حالة الانخراط في واقع الشاشة بفعل الانقطاع عن الواقع أمام الشاشة. أمام هذا الاشكال المختار الهراس بالقول: إزاء هذا الواقع لا يجد المغربي من سبيل أمامه سوى اللعب على حبلين في آن واحد، حبل المؤسسات العصرية وحبل المؤسسات القبلية، عل وعسى، أن يربح في هذا الجانب ما خسره في الهناك. وفي نفس السياق تقول رحمة بورقية إن المجتمع المغربي يعمل على إضافة قيم حداثية وقيم تقليدية لتشكل خزانا مركبا من القيم، إن هذا التطور نحو التركيب ليس مجرد تجاوز بسيط للقيم المتباينة ولكن إعادة التشكل مع التفاعل والنقاش المستمر حول القيم، والذي-في وضعية الأزمة-يسبب توترات داخل الأسرة تمتد نحو المجتمع. لكن لكيلا نكون عدميين، فلابد أن نشير إلى أن التطور الاجتماعي والتغيرات المختلفة فتحت الباب أمام السجل القيمي لضم قيم أخرى، كالقيم العالمية التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة والمنصوص عليها ضمن الاتفاقيات الدولية والمصادق عليها من طرف الدولة، مثل حقوق الانسان، وحقوق الطفل، والمساواة بين الرجل والمرأة وحرية التعبير وسيادة القانون والديمقراطية. كيف نصنع جيل بدون قيم: إنه كما تصنع الأواني اليوم من مادة المطاط يصنع الانسان، هكذا أخذوا يصنعون الانسان. يصنعون الجيل، تعقد جلسة مشتركة لعالم النفس، وعالم الاجتماع، والمؤرخ، وعالم الاقتصاد، وخصيص التربية والتعليم، يجلس هؤلاء معا، يتذاكرون فيما بينهم، تمدهم الثروة، وتساندهم القوة، ويطلب منهم: خططوا... سمعا وطاعة، ولكن أي انسان تريدون، تفضلوا كي نعمل؟ نريد في هذا المجتمع الافريقي أو الأسيوي أو الأمريكي اللاتيني، جيلا غير قديم، لا يكون أبله يخضب رأسه بالحناء، لكن ليس لدينا حناء لدينا أدوات للزينة، نريد أن نوزعها هناك فلا يبقى منها شيء، نعم، نريد جيلا لطيفا ظريفا جميلا... عاريا من الشعور تماما طبقا للمقاييس العالية... نعم هذا الذي نريده لا أكثر ولا أقل.
سمعا وطاعة. سيكون بعد أربع سنوات جاهزا، ونضعه في تصرفكم، وفجأة، وخلال عشر سنوات من سنة 1945 الى سنة 1955، ترى أن مقدار أدوات الزينة الأروبية ولوازمها قد ارتفع في طهران الى خمسمئة ضعف. جيد كيف نصنع هذا الجيل؟ نحتاج الى جيل يرفض الشكل القديم للحياة، وينكره، ذي فكر جديد، لكن، بالقدر المعتاد لا أكثر، لأنه إذا ازداد تجدد فكره ذرة واحدة سيكون مضرا... والمطلوب أن يكون له طبع لطيف فلا يشرب اللبن... بل يشرب الكوكاكولا. الى هذا الحد فقط، وإذا تجاوز هذا المقدار، فإنه يسبب لنا المخاطر والمشاكل، ويحملنا المبالغ الكثيرة، نعم هذا المقدار يكفي، يكفي أن يتجدد الى الحد الذي يكون معه لطيفا، فيخلغ الأزياء القديمة، ويلقيها في سلة النسيان، لكن، لا يتجاوز شعوره الى الحد الذي يجعله يبتدع أو يختار نوع أو لون أزيائه من تلقاء نفسه. وكأنهم يقولون: ان الأمر لا يرتبط بك، فأنت لست إنسانا حتى تختار... قلنا... اخلع ملابسك فقط لا أكثر... نعم، نعم يكون تجدده الى حد اذا قلنا معه " هو" وإن قلنا "ها" رددّ هو ايضا " هو" "هو" عليه ألا يفوه بكلمة من نفسه، هكذا نحتاجه نحن... سمعا وطاعة، سنصنعه كما تريدون بلا اختلاف.
#رشيد_العيادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأي في صلاة وخطبة يوم الجمعة : بين الإثبات والنفي.
-
عبد الله حمودي والتحولات السلطوية والبناء -الديمقراطي-
-
الجسد الثقافي: الرجولة تحت مجهر النقد.
-
عرض الجسد في الحياة اليومية
-
الحرية والحب الرومانسي
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|