أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جدعان الشايب - العدالة والضواري














المزيد.....

العدالة والضواري


أحمد جدعان الشايب

الحوار المتمدن-العدد: 6937 - 2021 / 6 / 23 - 12:18
المحور: الادب والفن
    


حتى الضباع ,التي ننفر منها ,قد تتضامن مع الضحية وتقودنا لاكتشاف القاتل .
............................................................................................

استعدّ للهرب تاركا ً وراءه كل شيء .
اشتدّ نباح الكلاب ، يصل أذنيه كدويّ الصدى ، كأنه اتهام يطلقه كل واحد منها آلاف المرات :هنا ..المغدورة هنا .. هنا .. هنا .
بإصبعه , يبعد طرف الستارة الحريرية قليلا , يختلس نظرة ريبة نحوها ، ليتأكد من قلق يساوره ، هل اكتشفت الكلاب الحفرة ؟ لمحها تنبش التراب بانفعال ، كأنها تنكش في أعصابه ، حمل عصا وراح يخبط بها يمينا ويسارا ، لكنها كانت عنيدة كمقاتل ، شيء ما يستدعي أنوفها وحناجرها ، لم يستطع زجرها أو إبعادها ، تعبت قدماه التي تغوص في الرمال , وأحس أن أنفاسه ستنقطع ، سقط على الأرض منهوك القوى .
حين استعاد شيئا من قواه ، هرول إلى بيته ، طمأن نفسه أن الكلاب ستنهي كل شيء ، يكون هو قد وصل إلى مكان يختفي فيه ، ومنه يحاول مغادرة البلاد .
كانت هي نقية مثل نبع ، شفافة كدمعة ، رفضت كل من كان يحمل حقائب المال مهرا لأبيها أو ثمنا ، أشكال وأنواع امتهنوا شراء العقارات والسيارات والضمائر والعواطف ، تأبى أن تكون صفقة ، لا أحد يراعي مشاعرها ، هل خلّفها أبوها فقط ليقايضها بمال يغنيه بلا إحساس أو تعب؟ .صرير فرامل الذكرى لحبيبها ، يكبحها كلما هاجمها جوع الزوج الذئبيّ ، ينقضّ عليها ليفترس عذريتها ، عاهدت نفسها وحبيبها ألا يمسّها رجل غيرُه ، تجتاحها قشعريرة إذا لمس جلدَها الناعم ، تتحول إلى نمرة شرسة ، أو قنفذ يقذف بسهامه الإبرية في كل اتجاه .
حافظت على عذريتها حتى آخر رمق . تحدّت هذا الغادر وأبيها ، عزمت على أن تكون محميّة محصّنة عن الرجال إلا من أحبت .
يوم اكتشفوا أنها تحب شابا ، ضربوها ، حذّروها من اللقاء به، فالتقته ، تشعر أنهم يمنعونها حقها ، يحرمونها ما بثته الطبيعة والفطرة في كيانها .
يوم وجدوهما معاً في حقل الحي, وهو يناجيها حباً , فهي لا تستطيع أن تقضي ليلها دون أن تراه أو تسمع همسه , يغدو نسمة صيفية تنعشه وتنعشها , وتهتز الأزاهير والنباتات طرباً وريّاً . كان هذا اللقاء الأخير بينهما , سمعوا شدوه وآهاتها , كأنها أنصال مسنونة تنغرز في قلوبهم , لكن الهمس والعناق انتهى بضربة غادرة على جمجمته , وانهالت العصي على صدره بجنون ووحشية أمام عينيها الدامعتين .
تكسرت أضلاعه ونزف فاقداً الوعي , لم تستطع أن تفعل شيئاً , ولم تفُه بكلمة , جسدها يرتعد , ولم تعد تحملها ساقاها , دارت الدنيا بها ولفت , زاغت عيناها وسقطت مغشياً عليها , حملوها بسرعة , وتركوه ينزف ويتوجع .
كأنهم ينفّذون قول فولتير ( هذا هو التعصب الأكثر هولا . في الزمن الأكثر استنارةً ) .
مثل غزال حطّمته الضباع , سحب جسده ودماءه إلى أهله , كتم سرّه في نفسه, ليحافظ على سمعتها , خشية أن يتداعى جدار العرف الجبار , بقي شهورا طريح الفراش حتى شفيت كسوره وآلامه , ولم تشفَ نفسه , فهو منذ شهور لم يعلم أي خبر عنها , لا يهمّه أن يتحطم أو يموت , المهم عنده أن تكون في منأى عن الظلم والأذى . ولم يدر أن أباها باعها لرجل لا تعرفه ولم تره , وحين رأته لأول مرة , تقززت نفسها , ونفرت كمهرة , فهذا النمط من الرجال يملأُها رهابا , حين تتخيل ذاتها بين يديه تحسّهما ساعدي غول تطبقان على أنفاسها .
ترى الحياة سيئة مع أهلها ومعه , وستظل بالنسبة لها سيئة طالما يمارَسُ على روحها ضغط دائم .
سافر بها إلى بلاد بعيدة , حرمها أُلفها وجنّتها , أغدق عليها مالاً وهدايا من كل صنف , حفر اسمها على سلسلة من ذهب , وعلّقها في جيدها , لكنها تشتعل اشتياقاً كلما ضيّق أنفاسها بيديه الثقيلتين يحاول اقتناصها , رفضت خشونته , وتخلفه , هي تعلم أن قيمة الإنسان وأهميته فيما يفكر فيه ويقوله ويفعله . لا فيما يمتكله أو يأكله .
بحثت فيه عن لمحة حسّ أو ذوق , لم توَفّق , وظلت تعيش عالمها بعيدة عنه , رافضةً زمهرير ظله , وهي لا تريد إلغاء ماضيها الجميل , لتبني مستقبلاً مجهولاً .
برّحها ضربا ليئِدَ تبريحَها لحبيبها , منتقما لنفسه وفحولته , وحين صرخت قائلةً : ( أنا أكرهك ..أكره أبي .. ولا أطيق حياتي معك ) .
قال لها : ( إذاً ما زلت تحبين حبيبك السابق ) ؟؟؟
قالت : ( أحبه حتى الموت .. ولن أنساه مدى حياتي .. وأكرهك حتى الموت .. عمى عينيّ أهون من وجودي معك ) .
فقد عقله , ثار لفحولته كبركان , لفظ حمماً كوتها : ( أنا اشتريتك بمالي يا عاهرة ) .
التقط مدية وجزّ عنقها, وراح يخور فوقها مثل ثور , امتصت السجادةُ دماءَها , وهدأ كل شيء , أحس ببرودة تنسكب في أحشائه , رفع رأسه وهو يئنّ , كمن وقع في جب مهجور , قال في نفسه : ( ليتني طلقتها وأرسلتها إلى أهلها وارتحت .. لقد وقعت في مهلك ) .
لاص في الغرفة , تَصّور عقدة حبل المشنقة , أسرع يخفيها ويلفها بدمائها المنتشرة بين مسام السجادة , ركنَها في الزاوية , وأقفل نوافذ الغرفة كما أقفل نوافذ عقله .
عند انتصاف الليل , حمل مجرفة , حفر حفرة في بستان نخيل قريب , رماها فيها وهال عليها الرمال بانهماك , نفض الغبار عنه , أخذ شهيقا وزفر ما تبقى من ذكراها , خيّل إليه أن جريمته اختفت إلى الأبد .
دخل غرفته لا يبرحها ليومين, يراقب ما يحيط بالحفرة, ولمّا اطمأن , اتصل بأهلها ليبلغهم اختفاء ابنتهم . لكن نباح الكلاب فاجأه, تنبّه , وحين رآها تحفر في الرمال, طاش ذهنه , ارتعب وارتعد , عالجها وفشل , لملم ما خفّ من حاجاته في حقيبة صغيرة , عزم على الاختفاء في مكان بعيد , هدأت الكلاب , وخف النباح وابتعد , وحين فتح الباب ليمضي بسرّه , وجد أمامه ثلاثة من رجال الشرطة في انتظاره .



#أحمد_جدعان_الشايب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صباح رائق.. وخيبة
- قراءة انطباعية في قصيدة ما الجدوى؟ لحمزة رستناوي


المزيد.....




- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جدعان الشايب - العدالة والضواري