ابراهيم سبتي
الحوار المتمدن-العدد: 1637 - 2006 / 8 / 9 - 10:24
المحور:
الادب والفن
المرأة ماتت بعد ولادته.. هذا ما قاله الرقيم الطيني الذي عثرت عليه مجموعة التنقيب، وهو مربع كبير الحجم دونت فيه بعض الأحاجي والتعاويذ وحكايات صغيرة متفرقة..
المرأة تموت وتترك الطفل وحده في الإعصار، وحده في الخرائب والأماكن الموحشة المهجورة.. هذا ما قاله الرقيم.. الطفل الذي كان طفلاً يلتحف السماء في البراري والقفار هو نفسه الذي سكن الخرائب والجبال واقتات العوسج والعليق، وهو كجن مخيف، مرعب تكفي نظرة واحدة منه لتحويل أي إنسان إلى دخان يتصاعد إلى السماء ويتلاشى بعد حين، ثم تدوي ضحكته الجوفاء في الفضاء الأخرس.. يختفي نهاراً ويلقي الرعب والهلع في قلوب الناس ليلاً.. هذا ما قاله الرقيم.. يهاجم الرجال ظناً أن أباه أحدهم..
أبوه الذي تركهم هائمين على وجوههم عندما قال لامة مرة.. هذه محنتكم لوحدكم.. فيظل يهاجم كل الرجال ويحيلهم إلى دخان متطاير.. ثم تأتي الجنيات فتفترس الذكور من البشر الذين لم يتحولوا إلى دخان بعد.. لكنه يسأم منظر الدخان وفزع الجنيات، فيذهب وحيداً فوق التلول.. هذا ما قاله الرقيم.. يمشي بعيداً عن البشر.. بعيداً عن الذنوب.. بعيداً عن العيون.. فتظهر امرأة مهيبة يحيط بها رجال مسلحون بالفؤوس.
لكنهم لم يمكثوا أمام بشاعته فهربوا تاركين المرأة وحدها بين أنياب الرعب والرهبة.. يحملها على كتفه ويسير بها نحو واد سحيق فيدخلها حفرة واسعة.. هذا ما قاله الرقيم..
حفرة واسعة جداً.. يومين.. ثلاثة.. أسبوعاً لكنها ترغب مذعورة بالرجوع، فتخيل هو أنها سوف تأتي برجالها لتقتله، وبعد تردد سمح لها شرط العودة ثانية.. جلس منزوياً في ركن بعيد وراح يمعن شراباً حتى منتصف الليل.. في الصباح كانت الحفرة مليئة بالرجال المسلحين بالفؤوس تتوسطهم ذات المرأة.. لم يهربوا هذه المرة.. بل لم يتحولوا إلى دخان..
فربما فقد قدرته على ذلك.. هذا ما قاله الرقيم..
تذكر أمه التي ماتت بين الخرائب وإن لم يرها.. تذكر أباه الذي تركهم للارجعة.. تقدموا منه يلوحون بفؤوسهم، شهر عليهم بشاعته وأنيابه.. لم يهربوا.. صرخ بهم بقوة هزت المكان.. انهالوا عليه بالضرب ثم ربطوه بالحبال وذهبوا.. بعد عدة شهور.. جاؤوا بالمرأة الباكية.. المتألمة.. فلم يجدوا أحداً مربوطاً، بل كانت عظاماً مقرفصة ملفوفة بالحبال..
صرخت المرأة بعنف وهي تلد طفلاً لم يبك قط.. حملوا المرأة النازفة المفزوعة بينما ظل الطفل وحيداً قرب كومة العظام صامتاً..
#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟