|
رسالة مفتوحة إلى ساسة بلادي : كل الذين دأبوا على الإبحار على أمواج الفوضى تعطلت مراكبهم..وكانوا أولى الضحايا..!
محمد المحسن
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 6932 - 2021 / 6 / 18 - 20:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ قضايا ومطالب التونسيين في هذا الظرف الدقيق والحاسم الذي تمرّ به البلاد،باتت أهم من الصراعات الشخصية والمناورات الحزبية والمحاصصات السياسية التي لا طائل من ورائها سوى تغليب الفتق على الرتق والزج بالبلاد والعباد في متاهات مبهمة ومعقّدة من الصعوبة بمكان التخلّص من عقالها والنأي بأنفسنا عن تداعياتها الدراماتيكية في المدى المنظور.. وبغض النظر عن المنطق الحسابي،ورهانات الربح والخسارة،لايزال المشهد السياسي في تونس يفتقر إلى الإستقرار بصورة نهائية،بالنظر إلى حالة التشتت الحزبي وغياب القواعد الثابتة للأحزاب،مما سيفضي مستقبلاً -في تقديري-إلى تجمع القوى المتقاربة،إذا أزمعت تأكيد حضورها السياسي. أقول هذا،وأنا على يقين بأنّ العديد من الملفات الشائكة تستدعي-منا جميعا-وعي عميق بجسامتها ومقاربة شاملة تبحث في الأسباب وتسخلص النتائج عبر رؤية ثاقبة،وهو ما يقتضي نمطاً من التوافق الضروري بين القوى المختلفة،إذا أرادت -حكومة المشيشي-أن تحقّق استقراراً ونجاحاً ممكناً في إدارة شؤون البلاد.. وإذن ؟ تونس إذا، في حاجة إلى تكاتف كافة مكونات المجتمع المدني وكل القوى السياسية لتثبيت أركان الجمهورية الثانية،ومن ثم انجاز مشروع مجتمعي طموح ينآى بالبلاد والعباد عن مستنقعات الفتن،الإثارة المسمومة والإنفلات الذي يتناقض مع قيم العدالة والحرية،وهذا يستدعي منا -كما أسلفت- هبّة وعي تكون سدا منيعا أمام كافة المخاطر التي تهدّدنا وتسعى إلى تحويلنا إلى نماذج مرعبة ومخيفة لما يجري في العراق وسوريا وليبيا.. أما على مستوى الحكومة فإنّ الأولويات هي التي تحدّد الشعارات المختزلة لبرنامجها،وترسم تبعا لذلك خارطة طريق إنجازها،وأعتقد جازما أنّ ديمقراطيتنا الناشئة بحاجة متأكدة إلى برامج تتضمّن الأولويات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية الملحة،تكون مختزلة لأفكار وشعارات عميقة وسهلة الإستيعاب من قبل عموم الناس،وملزمة للحكومة،التي على أساسها يتم تقييم إنجازاتها. ما أريد أن أقول ؟ أردت القول أنّ قضايا ومطالب كل التونسيين في هذه المرحلة الدقيقة من مسيرة البلاد،أعمق وأهم من الصراعات الشخصية والمناورات الحزبية وذاك السباق المحموم نحو تقاسم"الغنيمة"، وأنّ معاناتهم اليومية تتجاوز كل التفاعلات المحمومة التي سيطرت على الساحة السياسية،أما طموحاتهم المشروعة فآسمى من المهاترات السياسوية والمزايدات الشعبوية والإستعراضات الثورجية التي أثبتت الأيام زيفها. لا شك أنّ البلاد إذا،بحاجة أكيدة وماسة إلى مبادرات مصالحة وتوافق،واجراءات عملية تساهم في تضميد الندوب والجروح،لأنّ الصراعات المتواصلة تنسف كل المسارات،وقد أثبتت الوقائع والأحداث والتجارب في كل الأزمنة والأمكنة أن الذين دأبوا على الإبحار على أمواج الفوضى تعطلت مراكبهم، وكانوا أولى الضحايا. إنّ الصراعات المشحونة بالثأر والحقد والنوايا المبيتة والمؤمرات الخفية والأجندات المشبوهة لن تؤدي إلا إلى الخراب. لكن..السياسيين في بلادنا أكدوا مرة أخرى أنهم غير عابئين بهذه الحقائق ومخاطرها،ولاغاية لهم إلا تحقيق أهدافهم في نيل الكراسي والتربّع على سدة النفوذ والسلطة! والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع : لماذا تأخرت الإصلاحات الهيكلية للإقتصاد الوطني..؟ أليس بسبب الحسابات الضيقة،والأجندات المشبوهة،وإعلاء المصالح الشخصية على مصلحة الوطن؟ وبسؤال مغاير أقول : لماذا تعطلت المبادرات السياسية ومحاولات التوافق بين الأطراف الإجتماعية..؟ أليس بسبب تعنّت جبهة الرفض؟ ولماذا أصبحت "المعارضة" عاجزة وتحولت إلى -ظاهرة إعلامية-دون سند شعبي؟ وهو ما يجعل مواقفها غير ذات تأثير على مجرى الأحداث،ولكنها تشوش على المحاولات الجادة وقد تربكها في بعض الأحيان. وهنا أقول : تونس ستواجه -في تقديري-تحديات اجتماعية واقتصادية متصاعدة بسبب تراجع نسبة النمو إلى أدنى مستوياتها ما يتطلب البحث عن حلول جذرية لمعالجة العقم الاقتصادي وإنعاش التنمية وذلك من خلال حزمة من الإجراءات الصارمة والتصدي لكل أشكال التهريب والقضاء على مسالك الإقتصاد الموازي إضافة إلى محاربة "غول"الفساد الذي تفشى في كل دواليب الدولة. ومن هنا،فإنّ إنقاذ تونس من أزمتها واتخاذ مثل هذه الإجراءات يحتاج من رئيس الحكومة (هشام المشيشي) الجرأة والإستقلالية والنأي بنفسه عن كل الألوان السياسية حتى لا يكون مكبلا ويطبق القانون ويتخذ القرارات التي تهم مصلحة البلاد والعباد بعيدا عن الدوائر الحزبية الضيقة..فالوضع في تونس اليوم سيما على الصعيد الإقتصادي سيئ للغاية وكل المؤشرات المتعلقة بنسق النمو وعجز ميزانية الدولة والميزان التجاري كارثية.. ووفق تقدير بعض الخبراء فإن "مصاريف الدولة التونسية منذ عام 2011 تتجاوز مداخليها الذاتية" الأمر الذي عمّق حدة الأزمة وزاد من "صعوبة إنعاش الإقتصاد"في ظل تواضع نسبة إنجاز المشاريع التنموية الحكومية منذ الإشراقات الأولى للثورة. في السياق ذاته،قال رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي إن "المنوال التنموي الذي أثبت فشله وكان أبرز أسباب اندلاع الثورة قبل 10 سنوات فشلت الحكومات المتعاقبة في تغييره وإيجاد منوال جديد يستجيب لتطلعات التونسيين، كما أن السياسيين والأحزاب أكدوا عدم قدرتهم على ممارسة السلطة". ويصدر المنتدى تقارير شهرية عن مختلف المظاهر الاجتماعية للأزمة الاقتصادية تبرز ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة وتزايد عدد المهاجرين غير النظاميين وامتداد الاحتجاجات، حيث تشير الأرقام إلى انقطاع أكثر من 100 ألف تلميذ سنويا عن الدراسة، كما أن 16 ألف تونسي هاجروا بشكل غير نظامي إلى إيطاليا خلال عام 2020. من جانبه،يعزو أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا قويعة، تدهور الأوضاع إلى "أسباب سياسية واجتماعية وأمنية"، موضحاً أن "المناخ الاجتماعي بعد 2011 لم يكن ملائماً للاستثمار وخلْق الثروة، إذ غرقت البلاد في طوفان من الإضرابات والاحتجاجات، وكلّف ذلك الدولة والمؤسسات ملايين الدولارات، بالتالي عزف المستثمرون الأجانب والتونسيون عن المغامرة بتوظيف أموالهم". وتعكس خريطة الفقر في تونس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية،إذ تبلغ نسبة الفقر على المستوى الوطني 15 في المئة، بينما تصل في بعض الجهات الداخلية إلى أكثر من أربعين في المئة، وارتفعت البطالة إلى 18 في المئة، بعدما كانت 15.2 في المئة. ويشير قويعة إلى "فقدان مفهوم العمل لقيمته الأصيلة في القطاعين العام والخاص مقابل شطط النقابات وغلوّها في المطلبية"، مؤكداً أن "الوضع الأمني الناتج من هذه التحركات الاجتماعية، وتعطيل آلة الإنتاج أسهما في إعطاء صورة منفرة للمستثمرين، ولا شك أن الاستثمار يتطلب مناخاً اجتماعياً وأمنياً ملائماً، علاوة على البنية التحتية واليد العاملة". والسؤال االذي أطرحه بحذر شديد : متى تفلس تونس؟ تفلس الدول عندما لا تستطيع الوفاء بديونها الخارجية أو لا تتمكن من الحصول على أموال من جهات خارجية لدفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع،ويمكن أن تفلس أيضًا في حالة انهيار الدولة بسبب خسارتها حربًا؛ما قد يعرضها لإستعمار بالأساس أو لوصاية دولية،أو انقسامها لأكثر من دولة،كذلك يمكن أن يكون الإفلاس بسبب انهيار النظام القائم وظهور نظام جديد لا يلتزم بديون النظام السابق.. وأرجو أن لا نصل إلى هذا الوضع الكارثي،سيما أن تونس تزخر بإرادات فذة قادرة على تجاوز المحن والشدائد،وقادرة بالتالي على صنع "إشراقات سياسية واقتصادية" لا تخطئ العين نورها وإشعاعها..
#محمد_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشراقات الوطن..على ربى الإبداع الشعري للشاعر التونسي القدير
...
-
الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي نحات ماهر في الرسم بالكلمات
...
-
إشراقات الثورة..في الخطاب الشعري الحديث
-
هوذا الشاعر التونسي الفذ جلال باباي كما أراه..وكما أصغي إلى
...
-
لغة الترميز والإيحاء والتكثيف في الحدث السردي لدى الروائي وا
...
-
قراءة-تأملية-في قصيدة الشاعر القدير-د-طاهر مشي (عزف..على وتر
...
-
الروائي التونسي القدير محسن بن هنية يتحدّث عن تجليات الإبداع
...
-
الثورةالتونسية المجيدة.. هي نشيد الجماعة ومرآتها..وليس الفرد
...
-
تجليات السرد الروائي..وإشرقات الإبداع التجريبي.. لدى الروائي
...
-
هل آن الأوان لوقف انتشار ثقافات التسطيح واستسهال الأمور..وال
...
-
على العرب أن يعوا: -ليس من السهل الارتداد بحركة التاريخ التي
...
-
على هامش ملحمة غزة البطولية : سلام هي فلسطين
-
حتى نستردّ كرامتنا المهدورة.. لكل عربي يعيش من المحيط إلى ال
...
-
حين يواصل الأدباء والفنانون والمفكرون - عمل الآلهة في الخلق”
...
-
هل بإمكاننا القطع مع النمطية و»إعلام الزعيم» والتأسيس لإعلام
...
-
كيف يمكن مواجهة الإختراق الثقافي الكوني في ظل راهن يتعولم إق
...
-
حين تكتب المقاومة الفلسطينة الباسلة..تاريخ المجد والإنعتاق و
...
-
البندقية سيدة الموقف..أما المصالحة الوطنية،فهي مجرد فكرة جمي
...
-
تموقعات النص الشعري..في أدب المقاومة
-
حين تحاربنا-إسرائيل-بجيش إعلامي يستهدف اقتلاع جذور الهوية ال
...
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|