|
الهويالوجيا فن القرارات الإنسانوية و الشخصية
حسن عجمي
الحوار المتمدن-العدد: 6932 - 2021 / 6 / 18 - 01:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الهويالوجيا مركَّبة من "الهوية" و "لوجيا" بمعنى عِلم وبذلك الهويالوجيا عِلم الهوية الذي يهدف إلى تحليل الهوية و دراستها بغرض إيضاح دلالاتها و معانيها. تعتبر الهويالوجيا أنَّ الهوية فن صياغة القرارات الإنسانوية و الشخصية ما يسمح بتحليل الهوية على أنها معادلة فلسفية مفادها التالي : الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية. تنجح هذه المعادلة في التعبير عن أنَّ كل البشر يمتلكون هوية واحدة ألا و هي الهوية الإنسانية كما تنجح في التعبير عن اختلاف هويات الأفراد رغم وحدة هويتهم الإنسانية ما يدلّ على صدق هذه المعادلة.
إن كانت الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، و علماً بأنَّ كل البشر يتخذون قرارات إنسانوية (في معظم حياتهم أو في كل حياتهم) كقرارات التصرّف على ضوء المبادىء و القِيَم الأخلاقية كأن لا تقتل و لا تسرق ، إذن كل البشر يمتلكون الهوية ذاتها ألا و هي الهوية الإنسانية الكامنة في إنتاج و اتباع القِيَم و المبادىء الأخلاقية. من هنا ، تنجح الهويالوجيا التي تعتبر أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية في التعبير عن وحدة البشر من جراء وحدة هوياتهم الكامنة في امتلاك هوية واحدة لا تتجزأ ألا و هي الهوية الإنسانية. و هذا النجاح دليل التفوّق المعرفي للهويالوجيا و صدقها. فكل البشر يشكّلون إنساناً واحداً لا يتجزأ لأنَّ هويتهم هوية واحدة قائمة على اتخاذهم قرارات إنسانوية مشتركة بين الجميع.
لكن رغم وحدة الإنسانية المتمثلة بوحدة كل البشر في امتلاكهم لهوية إنسانية واحدة ، يختلف الأفراد عن بعضهم البعض باختلاف قراراتهم الشخصية فيمتلكون بذلك أيضاً هويات مختلفة. وبذلك تنجح الهويالوجيا في التمييز بين هويات الأفراد رغم وحدة هويتهم في هوية واحدة ألا و هي الهوية الإنسانية. من هنا ، توحِّد الهويالوجيا بين المذهبيْن الفلسفيين المتنافسين حيال الهوية ألا و هما المذهب القائل بوحدة الهويات البشرية في هوية واحدة هي الهوية الإنسانية و المذهب القائل باختلاف هويات الأفراد لكونها تتضمن المذهبيْن معاً. فكل البشر يمتلكون الهوية الإنسانية ذاتها لامتلاكهم للقرارات الإنسانوية و البشر أيضاً مختلفون بامتلاكهم هويات مختلفة لكونهم يتخذون قرارات شخصية مختلفة.
بكلامٍ آخر ، بما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، إذن البشر متحدون في هوية واحدة على ضوء وحدة القرارات الإنسانوية الكامنة في المبادىء و القِيَم الأخلاقية العالمية المشتركة بين الجميع و البشر أيضاً مختلفون في هوياتهم من جراء اتخاذهم قرارات شخصية مختلفة. هكذا توحِّد معادلة الهويالوجيا بين المذهبيْن الفلسفيين المتنافسين السابقين فتحلّ الخلاف الفلسفي بينهما و بهذا تكتسب هذه الفضيلة الأساسية ما يعزِّز نجاحها فصدق مضمونها. مثلٌ على اختلاف هويات الأفراد هو أنَّ فرداً معيّناً قد يتخذ قراراً شخصياً بدراسة الفيزياء بينما فرد آخر يتخذ قراراً شخصياً بدراسة البيولوجيا. وبذلك هذان الشخصان يختلفان باختلاف قراراتهما الشخصية. و هذا ما تنجح معادلة الهويالوجيا في التعبير عنه لأنها تحلِّل الهوية على أنها معادلة رياضية مفادها أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية.
تنجح الهويالوجيا أيضاً في التعبير عن أنَّ هويتنا الإنسانية كامنة في إنتاج المعارف والفنون والعدالة. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، و القرارات الإنسانوية هي القرارات الأخلاقية (فبلا أخلاق يفقد الإنسان إنسانيته) و من الأخلاقي إنتاج المعارف والعلوم والفلسفات والفنون والعدالة (بسبب فوائدها الكبرى) ، إذن هويتنا الإنسانوية كامنة في صياغة المعارف والعلوم والفلسفات والفنون والعدالة تماماً كما هي كامنة في اتباع المبادىء و القِيَم الأخلاقية و إنتاجها. هكذا تنجح الهويالوجيا في التعبير عن أنَّ الهوية الإنسانية قائمة على بناء المعارف العلمية و الفلسفية و إنتاج العدالة والفنون فبفضل الإنتاج الأخلاقي والمعرفي والفني و سيادة العدالة تتحقق هويتنا الإنسانوية بما تحتوي من أخلاقيات و معارف.
كما تنجح معادلة الهويالوجيا في حلّ إشكالية فلسفية أساسية هي التالية : من الممكن للفرد أن تختلف خلاياه الجسدية كلياً و تختلف معتقداته ومشاعره وسلوكياته بشكل كلي عما كانت عليه. و بذلك ما الذي يجعله الشخص نفسه أي ما الذي يجعله يمتلك الهوية نفسها رغم اختلافه كلياً عما كان في الماضي؟ تجيب الهويالوجيا على النحو التالي : هذا الفرد يمتلك الهوية ذاتها التي امتلكها في الماضي فهذا الشخص هو نفسه رغم اختلافه الكلي عما كان عليه لأنَّ هويته هي قراراته التي اتخذها في الماضي كما هي قراراته التي يتخذها أو سوف يتخذها و لذلك هو مسؤول أخلاقياً و قانونياً عما اتخذ من قرارات شخصية في الماضي و إن اختلف اليوم واختلفت قراراته عما كانت عليه. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، إذن تكمن الهوية في القرارات الشخصية كما في القرارات الإنسانوية. و علماً بأنَّ الفرد السابق اتخذ قرارات شخصية في الماضي (و إن كان اليوم يختلف عما كان عليه) و بذلك هو مسؤول عن قراراته الشخصية في الماضي لأنه اختارها ، إذن قراراته الشخصية في الماضي ما زالت جزءاً من هويته وبذلك هذا الفرد السابق يمتلك الهوية ذاتها و إن اختلفت خلايا جسده وقراراته ومعتقداته ومشاعره وسلوكياته اليوم عما كانت عليه في الماضي.
بكلامٍ آخر ، الفرد السابق ما زال هو نفسه و إن اختلف اليوم لأنَّ هويته كامنة في قراراته في الماضي والحاضر والمستقبل و هو بذلك مسؤول عن قراراته في الماضي لأنه اتخذ تلك القرارات تماماً كما هو مسؤول عن قراراته في الحاضر والمستقبل. فبما أنَّ القرارات تحدِّد الهوية فالمسؤولية عن تلك القرارات و ما أنتجت من أفعال ، إذن الفرد يبقى هو نفسه لاتخاذه قراراته الماضوية والعمل على ضوئها في الماضي و إن تغيّر بشكل جزئي أو كلي. هكذا تنجح معادلة الهويالوجيا في حلّ إشكالية كيف أنَّ الفرد يبقى هو ذاته رغم تغيّره أو إمكانية تغيّره كلياً عما كان عليه. و بذلك تكتسب الهويالوجيا هذه الفضيلة الجوهرية الكامنة في حلّ هذا الإشكال الفكري.
تنجح الهويالوجيا أيضاً في التعبير عن الحرية و تضمنها. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، و نحن مَن نتخذ هذه القرارات الإنسانوية و الشخصية، إذن هوياتنا من صنعنا نحن. و بذلك نتحرّر من سجون هويات مُحدَّدة مُسبَقاً ما يضمن أننا أحرار بالفعل. هكذا تتمكّن معادلة الهويالوجيا من التعبير عن أننا أحرار و أنَّ هوياتنا من نتاجنا. كما تنجح الهويالوجيا في التعبير عن إمكانية أن تتطوّر هوياتنا من جراء تطوير قراراتنا. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، و علماً بأنه من الممكن دوماً تطوير قراراتنا الإنسانوية و الشخصية ، إذن من الممكن دائماً أن تتطوّر هوياتنا. من هنا ، تنجح الهويالوجيا في التعبير عن إمكانية أن نتطوّر بتطوّر هوياتنا بفضل تطوير قراراتنا تماماً كما تنجح في التعبير عن حريتنا. و في كل هذه النجاحات دلالات على صدق الهويالوجيا و تفوّقها المعرفي.
#حسن_عجمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحقيقالوجيا فن الاحتمالات الممكنة
-
الحكمالوجيا و المعرفالوجيا
-
الفلسفالوجيا و الماهيالوجيا
-
المعادلاتية و الحقل المعرفي
-
المعادلاتية و تحليل الفلسفة
-
العقل الأنترنتي في مواجهة العقل المنطقي
-
الفلسفة المعادلاتية والثقافة والهوية
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل العلاقة السببية
-
الفلسفة المعادلاتية والقوانين الطبيعية
-
الفلسفة المعادلاتية و النظام السياسي المثالي
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل السلام
-
تصدق الأكوان
-
أنتظر الكلمات..
-
اللامساواة سبب الصراعات و الحروب
-
اللامساواة سبب الانهيار الاقتصادي
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الحرية
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الجمال
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الفن
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الأدب
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل اللغة
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|