|
دراسات في الادب الحكائي الامازيغي: الحلقة الرابعة
الحسن زهور
كاتب
(Zaheur Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 6928 - 2021 / 6 / 14 - 23:51
المحور:
الادب والفن
يعد الأدب الحكائي الأمازيغي من أغزر وأغنى الآداب الحكائية العالمية، أدب قال عنه العلامة ابن خلدون: " وكثير من أمثال هذه الأخبار لو انصرفت اليها عناية الناقلين لملأت الدواوين"، لكن مع الاسف ضاع الكثير منها بسبب عوادي الزمن. أدب حكائي يمس أغلب جوانب الحياة الانسان الأمازيغي ويعبرعن رؤاه الى الحياة والى الوجود. وللتعريف بهذا الأدب الحكائي أرتأيت تقديم سلسلة من الدراسات التعريفية بهذا الأدب.
الدراسة 4: رمزية الحيوان في الحكاية الأمازيغية: القنفذ
شخصية القنفذ ( بومحند، إنسي) في الحكايات الأمازيغية شخصية أفردت لها المخيلة الحكائية الأمازيغية خصائص ينفرد بها عن باقي الشخصيات الحيوانية الحكائية الأخرى، لذلك خصصت له أكثر من 20 حلقة حكائية متسلسلة يرافقه فيها الذئب، إضافة إلى حكايات أخرى يقوم فيها بدور البطولة مستقلا عنه. غالبا ما تجمع الخصائص المتميزة، والتي اصبغها المخيال الجماعي على شخصية القنفذ الحكائية، بين المعرفة والذكاء من جهة وبين تدبير الأمور بالوسائل السلمية وتجنب العنف من جهة أخرى. فكل مخيال جماعي لجماعة ما أو لشعب ما يستند إلى عقلية ثقافية جماعية لاواعية ومضمرة لكنها تظهر في أشكال ثقافية مختلفة كالحكايات والغناء والرقص والاحتفالات ... يعبر فيها أو من خلالها هذا الشعب أو هذه الجماعة عن جانب من هذا المخيال الجماعي بطريقة واعية وأكثرها بطريقة لاواعية. أول ما نبدأ به تمظهرات هذا المخيال الجماعي هو حكاية أسطورية أمازيغية تتحدث عن سبب انتشار المعرفة لدى البشر (والأساطير هي شكل ثقافي من الأشكال التي تعكس هذا المخيال الجماعي). وهذه الحكاية الأسطورة بطلها القنفذ ( والقنفذ رمز للحكمة والذكاء في الثقافة الامازيغية) أوردها الباحث محمد أوسوس في كتابه " دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي" (1). تتحدث هذه الأسطورة عن القنفذ الذي كان أعلم زمانه، فبعد أن اطلع على كل معارف الدنيا ارتأى أن يجمعها ويضعها في مكان أمين لئلا تضيع، فجمعها كلها في حزمة، وبحث عن مكان أمين لها فاهتدى إلى شجرة هي الأعلى من بين كل الأشجار. واستعد لتسلقها، فاحتضن حزمته لئلا تقع منه، وبدأ في تسلق الشجرة لكن الحزمة أعاقت تقدمه في الصعود، وحاول عدة مرات وفي كل مرة ينزل فيعدل من وضعية الحزمة التي يحتضننا، وفي كل محاولة للصعود يفشل. وبعد أن يئس سمع ابنه الصغير الذي كان يراقبه يكلمه : " بدل من احتضانها يا أبي ضعها على ظهرك "، وعمل بنصيحة ابنه فنجح بذلك في الوصول إلى أعلى الشجرة ووضع فيه حزمته. وأطل من أعلى الشجرة فبان له ابنه الصغير كنقطة صغيرة، وتذكر نصيحة ابنه، إذ ذاك فطن انه لم يجمع كل معارف الدنيا لأن ابنه يمتلك معلومة خارج حزمته، لذلك رمى القنفذ الأب بحزمته إلى الأرض فتمزقت وانتثرت الحكم والمعارف وانتشرت في الأرض. أسطورة القنفذ هذه تشبه أسطورة صندوق باندورا الذي أهداه الإله زيوس لباندورا الجميلة وأوصاها بعدم فتحه، لكن هذه لم تستطع مقاومة رغبتها الملحة لمعرفة ما بداخله، وفتحته أخيرا لتخرج منها أطيافا ومخلوقات بشعة لتنتشر في الأرض، وهذه المخلوقات هي الأمراض، والحروب، والكراهية، والمجاعات... ولهذه الأسطورة مقابلها في الأمازيغية، تتحدث الأسطورة الأمازيغية عن المرأة التي وصاها زوجها الصياد بعدم فتح كيس وضع فيه هيشة اصطادها فخبأه في ركن مظلم في بيته، لكن الرغبة الشديدة للمرأة لمعرفة ما بداخله أغراها بفتحه، فأطلقته بذلك الموت من الكيس ليخرج منه ليحصد الأرواح من جديد. والأسطورة أوردها نفس الباحث في كتابه السابق). فلو لم تفتح باندورا الصندوق لما عرفت الإنسانية الشر بمختلف أشكاله، وكذلك زوجة الصياد فلو لم تفتح الكيس لما عرفت الإنسانية الموت، وكذلك بالنسبة للقنفذ فلو لم يرم حزمته من أعلى الشجرة لما عرفت الإنسانية كل هذه المعارف. الأسطورة اليونانية هذه تفسر سبب انتشار الشر في الأرض، بينما تفسر الأسطورتان الامازيغيتان سبب انتشار الموت ، وسبب انتشار المعرفة في الارض. وهذه هي طبيعة الأساطير، ودورها في تفسير اصل وجود الكون والكائنات والظواهر.... تصور حلقات السلسلة الحكائية الأمازيغية القنفذ والذئب كشخصيتين متناقضتين أحيانا. تصور هذه الحكايات شخصية القنفذ كشخصية حكيمة تزن الأمور بمنظار العقل والواقعية، وتواجه القوة الغاشمة بقوة العقل وبوسائل سلمية بديلة عن العنف. صحيح أن القوة تغير الأمور لكنها تغيرها بكثرة الحروب والدماء وأحيانا تقود القوة إلى الهلاك والدمار، وهو ما نراه اليوم في الدول التي اعتمدت فيها بعض القوى المجتمعية على القوة والعنف لحل مشاكلها، فدمرت بذلك بلدانها، في حين تبقى الحكمة والعقل والوسائل السلمية والمدنية أدوات ناجعة لحل الأمور المعقدة والمتشابكة. وإذا أردنا ان نكيف خصائص شخصية القنفذ مع المفاهيم المدنية الحديثة نقول ان القنفذ يعتمد على الوسائل المدنية في مواجهة القوة الضاغطة ومنها عنف السلطة داخل المجتمع الواحد، لأنها هي الطريقة الأنسب والأكثر عقلانية لكل قوة اجتماعية وفكرية تروم تغيير مجتمعها السياسي إلى مجتمع مدني، وتظهر حكاية " إن للحق أدنان" الأمازيغية التي تضمنتها الدراسة الثالثة والمنشورة في "الحوار المتمدن"(2) كيف استخدم القنفذ وسيلة سلمية لقهر قوة الذئب الجسدية. وفي حكاية أمازيغية أخرى بطلها القنفذ، يجسد فيها أهمية الوسائل السلمية في قهر السلطة المتسلطة، ففي حكاية " القنفذ والأسد"، وهي حكاية معروفة في الأدب الحكائي الأمازيغي، انتهت الحكاية بعزم الأسد على أكل القنفذ لمعاقبته على إطلاقه سراح عائلة رجل سجنها الأسد في كيس تركه على قارعة الطريق، ولم تستطع الحيوانات المارة فتحه وإطلاق العائلة - التي تستغيث- مخافة الأسد. لكن القنفذ أطلق سراحها (وهو هنا رمز للحق والعدالة) فعاقبه الأسد بأن قرر إلتهامه، لم يواجهه القنفذ بالعنف بل تركه يلتهمه، فالتصقت أشواكه بحلق الأسد وخنقته، فلم يستطع الأسد إخراجه ولا ابتلاعه، إذ ذاك بدأ الأسد يستجدي القنفذ لينجيه من الهلاك المحقق.
في الحلقة القادمة: رمزية الذئب في الحكايات الأمازيغية
الهوامش: 1- محمد أوسوس، دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الامازيغية،الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص66. 2- الحوار المتمدن العدد 6913 يوم 30/5/2021.
#الحسن_زهور (هاشتاغ)
Zaheur_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي (الحلقة الثالثة)- 1 -
-
دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي. (الحلقة الثانية)
-
دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي. (الحلقة الأولى)
-
الإلهام الشعري عند كل من العرب و الامازيغ
-
العروبة و الأمازيغية و الإسلام
-
التيارات الاسلامية و العنف
-
الناقد السوري الكبير -خلدون الشمعة- يبهر المثقفين المغاربة
-
عودة المغرب الى هويته الافريقية
-
جبهة البوليزاريو و القوات المسلحة الثورية الكولومبية: سلام ا
...
-
المفكر المغربي بن سالم حميش ينتقد التبعية للمشارقة ليعود الى
...
-
غزة بعد العدوان: بين صوت العقل و تهييج العواطف.
-
غزة بعد العدوان: صوت العقل و تهييج العواطف.
-
نحو مفهوم جديد للأدب المغربي الحديث
-
الى الكاتبة حميدة نعنع : قليل من الحياء فأنت الآن في المغرب
-
-الموريسكي - رواية للمفكر المغربي حسن أوريد
...
-
فضائح الاسلامويين و القوميين المغاربة
-
تهديدات التيار السلفي بالمغرب للمفكر العلماني أحمد عصيد
-
فلسطينيوا الثورة و فلسطينيوا الثرثرة
المزيد.....
-
فنانون سوريون -واهمون ومخدوعون-
-
ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينعون الفنان الأردني هشام
...
-
-معاريف-: الاستخبارات الإسرائيلية بدأت دورات لتعليم اللهجة و
...
-
لغز الفرعون: هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي تحدث عنه الك
...
-
موسيقى من قعر بحر الإسكندرية
-
نجوم عالميون يدعمون لبنان برسائل مصورة في افتتاح سينما -مترو
...
-
-معاريف-: الاستخبارات الإسرائيلية بدأت دورات لتعليم اللهجة و
...
-
وفاة الفنان الاردني هشام يانس
-
رئيس نادى الأدب بقصرثقافة كفرالزيات(الشاعروالكاتب محمد امين
...
-
رحيل الفنان المغربي محمد الخلفي عن 87 عاما بعد صراع مع المرض
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|