محمد عبيدو
الحوار المتمدن-العدد: 1636 - 2006 / 8 / 8 - 11:46
المحور:
الادب والفن
في فيلم (( طاحونة السيد فابر )) المنتج عام 1983 . تناول أحمد راشدي فترة سياسية من حياة الجزائر محددة بسنوات 1963 – 1965 ، من موقع انتقادي ، كشف من خلاله عن الهوة العميقة بين ما تعيشه بلدة نائية تقع على الحدود بين الجزائر وتونس ساهمت بنصيب في حرب التحرير، وهاهي بعد الاستقلال بعدة أعوام تعيش حياتها اليومية.. ، وبين القرارات والممارسات التي تصدر عن الجزائر العاصمة .. وفي مهرجان قرطاج نال (( الطاحونة )) التانيت الفضي في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة .
ينتمي أحمد راشدي إلى الجيل الأول من السينمائيين الجزائريين ، جيل الأخضر حامينا ومحمد سليم رياض . فقد ظهر فيلمه القصير الأول عام 1962 ، ومنذ ذلك الحين حقق عدداً كبيراً من الأفلام التسجيلية والأفلام الروائية الطويلة ، اشتهر بين هذه الأخيرة فيلمان ، هما (( الأفيون والعصا )) و (( علي في بلاد السراب )) . وينتمي فيلمه الأخير (( الطاحونة )) إلى موجة الأفلام الجزائرية التي عالجت وتعالج واقع ما بعد الاستقلال ، والتي أعقبت موجة الأفلام التي تناولت حرب التحرير الوطني الجزائرية . في هذا الفيلم ، يلقي راشدي نظرة إلى الماضي ، إلى ما جرى في وطنه قبل عشرين من السنين ، لا بد ليدين هذا الماضي من موقع الراهن ، بل ليصور طبيعة الصراع .
في " الطاحونة " ينتقل أحمد راشدي من باريس إلى قرية ما في الجزائر ، ساهمت بنصيب في حرب التحرير ، وهاهي ، بعد الاستقلال بعدة أعوام تعيش حياتها اليومية .
فيلم ( الراي ) للمخرج سيد علي فطار المنتج عام 1986 يتناول المرأة كما تناولتها الأفلام المألوفة للمشاهد الاعتيادي باعتبارها جزءاً من موضوع أوسع ليس فيه خصوصية معينة ، وإن بدت هذه الخصوصية في جرأة الفيلم على طرح نموذج الأم الخائنة ضمن العلاقات الاجتماعية المتشابكة الحالية التي يمر بها بلد كالجزائر ، غير أن الفيلم لم يخرج عن نطاق الأفلام ذات الموضوع المتسع الذي تندرج فيه قضايا عديدة عبر لغة سينمائية تسعى إلى طرح شكل جديد يعوزه المحتوى المحدد للمشكلة المطروحة .
وقد أوضح أحد كاتبي السيناريو والشخصية الرئيسية في الفيلم الممثل عبد القادر الذي أدى دوره بقدرة واضحة ، إن الفيلم اعتمد شكلاً جديداً مناسباً يمكن أن يُطلق عليه ( La form eclatee ) أي الشكل المتفجر أو المتشظي ، رغم أن الفيلم اعتمد أيضاً خطأ متصاعداً لموضوعه المتشعب ، فهو في الوقت الذي طمح فيه إلى استيعاب الواقع المتناقض عبر شكل شديد الاتساع ، أراد أيضاً أن يحافظ على الخط المتصاعد لموضوعه ، دون أن يوفق في الجمع بين الاثنين .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المؤرخين لسينما الجزائرية يعتبرون سنة 1971 مفصلاً تاريخياً في مسار هذا الفن إذ يسجل ظهور اتجاه جديد في العمل والرؤية الجمالية لجيل من السينمائيين المتفاعلين وجدانياً واجتماعياً مع أحداث المرحلة والواقع أن هذه المرحلة شكلت ما يمكن أن ندعوه في تاريخ السينما الجزائرية، بالعصر الذهبي لها، حيث حققت في 1978 وحدها 14 فيلماً.. ليشرع طيف الإنتاج بعدئذ بالتذبذب..
واجهت السينما الجزائرية في منتصف الثمانينات صعوبات خاصة في جانب التمويل.. ومع ذلك كان رصيدها ما بين سنتي 1988 و 1992 مثلاً حوالي 25 فيلماً أبرزها (قصة لقاء) لإبراهيم تساكي و (سقف وعائلة) لمصطفى بن مبروك، و (لونس) لمحمد رشيد بن حاج و (ليلى والأخريات) لسيد علي مازيف عن واقع المرأة الجزائرية ونضالها من أجل العمل وضد القيم البالية للمجتمع، و (سنوات تويست المجنونة) لمحمد زموري الذي تدور أحداثه في قرية جزائرية عام 1962، يحيط الجيش الفرنسي بالشوارع، يلقي بعض ممثلي جبهة التحرر في سيارة سوداء ومن بين أفراد الشعب، شابان، واحد بن حدبة، والثاني عاد. يحلمان بأوروبا، برقصة التويست، إنهما يعيشان عالماً متناقضاً قائد الجيش بدين يهوي مغازلة البنات، هناك فجوة بين جيلين، وتناقض في التصرفات، فالابن يزعم أنه ذاهب لمقاومة الفرنسيين, والحقيقة أنه ذاهب لسرقة البرتقال.
كما شهدت هذه الفترة إنجاز أفلام ذات قيمة جمالية واجتماعية تعكس التحولات الجديدة بعد أحداث أكتوبر 1988 كما تعكس الطبيعة الأسئلة الجديدة المطروحة في المجتمع وعلى صعيد الموضوع والتقنية والجمالية في هذا الحقل المتفتح على التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، مثل الفيلم الجزائري ( بربروس أخواتي ) إخراج حسان بو عبد الله . وهذا الفيلم يكاد يكون تعليقاً على فيلم آخر عنوانه ( السركاجي ) للمخرج الجزائري الحاج رحيم . وقد كان الباعث على إخراج فيلم ( بربروس أخواتي ) هو اقتصار فيلم الحاج رحيم على تصوير حياة السجناء ممن حكموا بالإعدام في سجن السركاجي أو بربروس في العاصمة الجزائرية ، بينما كان هناك سجينات حكم عليهن بالإعدام أيضاً كجميلة بوحيرد ، وبايا حسين ، وزهرة ، وجاكلين ، وغيرهن من المجاهدات الشهيرات بتاريخهن البطولي .
وفي الوقت الذي بدأ فيه الحاج رحيم معتمداً على الصورة السينمائية الحية القادرة على التقاط تفصيلات السجن من خلال وقائع حقيقية حدثت فعلاً ، كإعدام الشاب بوعلام ( 18 سنة) جاء فيلم حسان بو عبد الله أقرب إلى التعليق والحوار المتواصل مع المجاهدات حول فيلم الحاج رحيم ، غير أن المخرج بو عبد الله استطاع التخلص من رتابة الحوار بالتقاط الانفعالات المؤلمة للسجينات السابقات ، والحديث المتدفق الذي لم يقطعه أي سؤال للمخرج و(أبواب الصمت) لعمار العسكري 1988 الذي تدور أحداث عام 1955، وقبل أن تندفع ثورة الجزائر تحدث عمليات اعتقالات واغتيالات واسعة في الجزائر، من خلال قصة عمار الأبكم الأصم الذي يود أن يلتحق بفرق المقاومة،
وفي عام 1989 فيلم (القلعة) لمحمد شويخ الجميل المشغول بعناية فائقة يتمتع بقوة شاعرية وشجاعة في طرح موضوعات الساعة في الوطن العربي تدور أحداثه في قرية صحراوية جزائرية في إطار متحرر من قوالب صناعة السينما ذات الهدف التجاري ..، وليست القلعة إلا موقعاً جغرافياً يتشكل الناس من مجتمعين اثنين مجتمع للرجال وآخر للنساء هناك فاصل حاد بين الرجال والنساء، وهناك جدار، يدخل الرجال من باب بعيد عن باب النساء، يقضي الرجال أوقاتهم في التسلية، وتنهمك النساء في أعمال المنزل محجبات ويرتدين الملابس الطويلة، وتظهر كل التناقضات الباطنية من خلال عائلة (( سيدي )) التي تشكل نموذجاً حقيقياً لهذا المجتمع وهي مرآة تعكس النمط الثقافي والديني وعادات وتقاليد البلد الذي تعيش به حيث العادات القديمة والتخلف والقمع في مواجهة البراءة والتحرر ، رئيس العائلة (سيدي) متزوج من ثلاث نساء، ويتأهب لجلب الزوجة الرابعة، يقع قدور ابن سيدي بالتبني في حب زوجته. يعرف سيدي، ويضرب قدور بعنف، وعلى الشاب أن ينفذ قانون القبيلة، يعلن عن زواج قدور من حبيبته، لكنه يكتشف أن العروس ليس سوى دمية، يحس بالبأس ويرمي نفسه من فوق الصخور تحت عيون أهل القرية. فيلم (( القلعة )).. الفيلم نظيف وأتىعبر تصوير شاعري وأداء تمثيلي متميز ..
وقدم محمد بوعماري فيلمه " الخطوة الأولى " عام 1990 ونرى فيه شابة جميلة اسمها جازية , ناجحة في دراستها , ابوها محافظ , يحس بالعار من مواجهة المجتمع لأن زوجته وابنته تعملان , يقرر أن يزوج ابنته , التي يبدأ زوجها في الاساءة اليها منذ أول ليلة , ويذكرها دوما انه الرجل , تعاني زاجية من طلبات حماتها المنزلية التعسفية , وتتمرد على اوضاعها , ولكن جزاءها هو الضرب , فتعود الى اسرتها , تعمل جازية مدرسة في احدى مدارس الأطفال , وتجعلهم يؤمنون بالتحرر . يحكي الأطفال ما يحدث في المدرسة فيعترضون على ذلك , ويطالبون بفصل البنات عن البنين , تتعلق جازية بمدرس الألعاب المتفتح ومن اجلها يفصل خطبته . مما يثير غضب اهل الخطيبة . يتزوجان , وينجبان , وترقى جازية في الوظائف ..
تتعمد السينما الجزائرية الآن ، بأفلامها التي غدت تنتج بأعداد جد قليلة ، أن تتجه بقوة نحو الرمز ، وهو أمر قد يثير الدهشة للوهلة الأولى .. فالسينما الجزائرية ، منذ بداياتها في الستينات ، وفي نهوضها وانطلاقها في السبعينات ، اتسمت باهتمامها المباشر بقضايا مجتمعها ، وتميزت بواقعيتها المتعددة التيارات .. لكن ، فيما يبدو ، أن الواقع الغائم ، الملتبس ، في جزائر نهاية التسعينات ، فرض على السينمائيين ، المهمومين بمشاكل وطنهم ، التستر خلف الرموز ، ربما تجنباً لمتاعب من الممكن أن يتعرضوا لها ، من هذا الجانب أو ذاك ، إذا أعلنوا عن رؤيتهم بوضوح ..وربما لأن " الرمزية " تتيح للمبدع أن يقدم أكثر من احتمال لما سيحدث في المستقبل ، وهو أمر يلائم الفنان الجزائري الذي يحاول أن ينفذ ببصيرته إلى سنوات قادمة ، يعلوها ضباب كثيف
فصل من كتاب
" السينما في المغرب العربي
#محمد_عبيدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟