|
طريق الهاوية -20-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 6919 - 2021 / 6 / 5 - 00:58
المحور:
الادب والفن
يعزّ علي فراق المكان . أراقب الطّيور، أسمع جلبة و أصواتاً . تحاول الأمّ أن تلمّ شمل أولادها في العشّ كي يمضوا ليلة سعيدة. كلما رفّ طير أمامي يرحل حلمي إلى أعشاش الطّيور . هنا كان حبّي ، و بدأت رحلتي هنا شعرت بالأمن، بالحياة عرفت قيمة الأشياء تعلّمت اللغات ، أجدت لغة العصافير عندما تراني طيور الحبّ تأتي إليّ أعلّمها طرائق جديدة تعلّمت لغة المرأة العجوز لغة الكلاب كل تلك الأشياء كانت غائبة عنّي . اليوم سوف نغادر المكان أنا وفارس كي نكمل الحلم. هل يمكن إكمال الحلم؟ الحلم سراب جميل لو وصلنا إليه علينا تجاوزه إلى سراب أجمل . لماذا نقنع بالقليل؟ -سوف نذهب إلى المرأة العجوز لنشكرها . كانت عوناً لنا ، لم تفرّق بيننا وبين كلابها رغم أن كلابها هم الشيء الوحيد الذي يربطها بالحياة ، هي تعيش من أجلهم، على أمل أن تلتقي بأولادها يوماً . -هيا بنا ! -مرحباً أيتها السيدة الجميلة . أومأت برأسها ، تبدو مريضة، لغة جسدها تقول أنها حزينة. أشارت إلى أنّها تشعر بنا، تتكرّر حادثة مغادرة أولادها إلى مدن أكبر، وحياة أفضل، لكنّها تتمنى لنا التوفيق . أشارت لنا عن وجود نفق في الجبل يصل بين البرّين ، تمنت لنا السلامة، أغلقت بابها ، وهي ترتجف خوفاً وحزناً . -ليتنا نبقى معها يا فارس ! يصعب علي أن أرى دموع المسنين ، أرغب أن أقدّم شيئاً لتلك العجوز . -لقد تمنّت لنا السلامة ، أغلقت الباب دون أن تدعونا إلى الدّاخل. لقد رأت أولادها يرحلون، جيرانها، أقاربها ، مايربطها في المكان هو كلابها. لا نستطيع أن نفعل لها شيئاً حتى إن بقينا . هكذا تعيش الأمهات هاجس البعد . هكذا تعيش الأمهات هاجس الفقد ، تناشد الأمل أن يعود الصغار صغاراً أن تصنع لهم الخبز أن تلمّ صغارها في المساء كما تلك الطّيور، لكنّها قصة طويلة يمكننا اختصارها بكلمتين: " حياة الأمهات" . هيا بنا إلى النّفق . خرجنا من دارنا إلى مغارة ، ثم إلى نفق. سوف نصل بعدها إلى برّ الأمان. لا أعرف أين يكون هذا البر، وهل يوجد للأمان برّ؟ الموضوع برمّته مغامرة ، قد ننجح، قد لا ننجح. . . . إلى أين نحن ذاهبون يا فارس؟ أشعر أن الليل موحش، قد يتربص بنا حيوان ، أو نقع في حفرة. ألا يمكن أن نؤجل رحلتنا حتى الصباح؟ أخاف عليك أن تضيع في عتمة الليل أخاف أن أبقى وحيدة ، أخسر الحلم الجميل
لماذا نغامر، و المغارة آمنة ، و الجمال طاغ
-لا تخافي يا نوال ! إن أكلني وحش لا تقتربي ، أكملي طريقك ، و إن سقطت في حفرة تابعي ، قد أتبعك . تعالي نغيّر الحياة، نتغيّر نحارب الخوف فينا لا نستسلم نعيش الحياة مرّة واحدة -وداعاً أيّتها المغارة ، يامكان حبّنا، و أجمل ذكرياتنا . سوف نعود إليك يوماً لنحتفل بالنجاة ، ونجلب لك البخّور من بلاد بعيدة كي تكوني ملجأ للمحبين. هاهو النفق ! تبقى المغارة أوسع ، لا يمكننا الدّخول إليه وقوفاً . -تمسّكي بي .دعينا نلتحم معاً في الموت و الحياة . ياللعجب! النّفق مضاء ، كأنّ شماً ساطعة اخترقته. هيا بنا نتسابق ! -كأننا نسير إلى الأعلى ، و ليس بخط مستو ، لكن لا بأس سوف نكمل . يقولون أنّ هناك ضوء في آخر النّفق ، أي أنّ النّفق مظلم دائماً، و الضوء في آخره ربما لا يوجد . قد تتغيّر المقولة إلى أنّ النّفق الذي تسير فيه يجب أن يكون مضاءاً . -واو ! نحن على قمّة الجبل . النّفق لم يؤدي إلى الجهة الأخرى بل إلى القمة . نفق لولبي ، فيه دوائر كنا نتمسّك بها، قد يكون بقايا بئر عميق ، وصلنا من فوهته إلى قمّة الجبل. انظري جهة الشّرق . الشمس تبتسم انظري إلى الغرب الحياة تلمع ما أجمل القمة ! يمكننا من خلالها رؤية الكون الجميل . -يبدو أن المكان رغم إطلالته الجميلة سوف يحاصرنا، فلا يمكننا النّزول . انظر إلى ذلك البيت الوحيد في الغابة . قد يكون مبنياً كخط فاصل بين بر الأمان ، وبر الخوف . القمّة ضيقة ، لا يمكننا العيش فيها. دعنا نعود من نفس النفق لنجد مخرجاً آخر . -سوف نحتفل قليلاً . نرقص قليلاً ، نغني قليلاً. انظري كيف أقفز ! -توقف ! أخاف أن تنزلق رجلك . دعنا نعود . ماذا جرى. أرى فارس يتهاوى على السفح. قلت لك لا تقفز فارس. تماسك . تمسّك بالثقوب و الأحجار . لا تدعني وحيدة . كنت الحلم الوحيد. دعني لا أخسر الحلم. وصل إلى الهاوية ، يشير لي بيده المدممة أنه يحبني . في القمة أقف وحيدة أبحث عن حلمي الذي تهاوى أراه في الأسفل لا أستطيع الذهاب إليه ولا يستطيع الدوم إليّ. نحن عالقان بين بر الأمان، وبر الخوف. -
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طريق الهاوية -19-
-
طريق الهاوية -18-
-
طريق الهاوية -17-
-
طريق الهاوية -16-
-
لا تنتهي الدكتاتورية بموت الدكتاتور
-
طريق الهاوية -15-
-
طريق الهاوية -14-
-
النّبش في الذّاكرة
-
طريق الهاوية -13-
-
طريق الهاوية -12-
-
قصة عن العبودية
-
طريق الهاوية -11-
-
انتصار الفكر الداعشي في المحرّر
-
طريق الهاوية -10*
-
الصحفي مهدد بالقتل في عقر داره
-
طريق الهاوية -9-
-
لحظات ضعفي ، ولحظات قوّتي
-
عزيزتي الأم
-
الاندماج
-
80 دولة حول العالم تحتفل بالأول من أيار
المزيد.....
-
العثور على فأس من العصر البرونزي بشمال غرب روسيا
-
-روائع الأوركسترا السعودية- تشدو بألحانها في قلب لندن
-
التمثيل السياسي للشباب في كردستان.. طموح يصطدم بعقبات مختلفة
...
-
رشاد أبو شاور.. رحيل رائد بارز في سرديات الالتزام وأدب المقا
...
-
فيلم -وحشتيني-.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
-
قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي
...
-
يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم
...
-
المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
-
التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
-
التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
المزيد.....
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
المزيد.....
|