|
رواية تحرير حمدة خلف مساعدة
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6913 - 2021 / 5 / 30 - 17:20
المحور:
الادب والفن
رواية تحرير حمدة خلف مساعدة اعتقد أن وضع دراسة تتحدث عن علاقة العمل الأدبي بالزمن الذي كتب فيه وزمن النشر مسألة ضرورية، لأن الهوة بين الكتابة والنشر قد تجعل الحكم على العمل غير عادلة، فهناك العديد من الكتاب ظلموا أعمالهم عندما تأخروا في نشرها، فعسى سبيل المثل، الروائي "محمد عبد الله البيتاوي"، كان يمكن أن يكون من أبرز كتاب الرواية الفلسطينية لو نشر ثلاثته "حكاية بلدنا" في السبعينيات القرن الماضي، لكنه أبقاءها (سجينة) لمدة تزيد على العشرين عاما، وهذا ما افقدها شيئا من قيمتها، إن كانت فكرية أم أدبية، من هنا نقول: عندما يتم تأخير نشر العمل الأدبي وعرضه على القراء، فسيكون هناك (خلل) في الحكم على هذا العمل، فهل نحكم عليه من منظور أدبي مجرد، أم من خلال الظرف والزمن الذي كتب فيه والفكرة/المضمون الذي يحمله؟. رواية "تحرير" تأخر نشرها ما يقارب العقدين، فقد تم كتابتها أثناء الانتفاضة الثانية، 1/أكتوبر/2002، وما فيها من بطش وقسوة، وهذا يجعلنا (مجحفين) إذا أردنا أن نحكم على الرواية من منظور فنية الرواية وتنامي الشخصيات، فالشخصيات هي البطل الأساسي في الرواية: "تحرير، إيهاب، أكرم، الحاج أمين، سمير، أم سعيد، أم محمد، العميل/الدخيل" هم لبنة الرواية وعمودها الفقري، فكل هذه الشخصيات كانت مسطحة، لم تتغير أو تحرك موقعها، "فبطلة الرواية "نحرير" يحمل اسمها عين معنى الاسم، العمل الوطني والمثابرة والإصرار، بينما لعب "إيهاب" دور المهزوز، واستمر يقوم بهذا الدور منذ أن ظهر في الحافة التي تقل أهالي الأسرى إلى نهاية الرواية وهو بعين الصفات، متردد، خائف، متوتر، متسرع، أما بالنسبة ل"أكرم" الذي مثل دور القائد، فهو شخص حاسم، شجاع، كتوم، وهذا الأمر ينطبق على بقية الشخصيات أن كانت سلبية أم أيجابية، فلم نجد الشخصيات تتنامى، ولم تتحرك من المكانها أو تتخلص من الصفات التي (ألصقتها) بها الساردة، وإن تحركت فقد كانت حركتها مشوهة ولا تتماثل/تتناسب مع طبيعتها والصفات التي وضعت فيها. "تحرير" ولتبيان ذلك سنحاول التعرف على تفاصيل الشخصيات، وكيف أنها كانت (أسيرة) للحالة التي وضعهتا فيها الساردة، وحتى عندما تحركت، لم تكن حركتها مقنعة أم منطقية، نبدأ بالبطلة "تحرير" والتي أردتها الساردة أن تمثل دور المرأة المناضلة والمطلقة، فهي تقوم بأعمال اجتماعية خيرية، كما أنها تدرس في الجامعة، وهي في حالة صدام مع الاحتلال: " أعدك أن أعيش بلا قلب أو مشاعر، أرى من حولي الذل والإهانة بملاين الأشكال وأسكت؟ أرى بأم عيني جريحا يحتاج مساعدتي وأهرب؟" ص79، ولم تقتصر قوتها على هذا الأمر، بل نجدها تتمتع بقوة شخصيتها ورفضها الانسياق وراء طبيعتها كأنثى رغم أنها تعيش في مجتمع ذكوري، فعندما يتقدم "الحاج أمين" لخطبتها، ترفضه وبإصرار رغم ما يتمتع به من مزايا اقتصادية واجتماعية: "ـ أنا لست أرضا يضيفها إلى حسابه، مستحيل وألف مستحيل" ص50، إلى هنا كانت "تحرير" قوية وشخصية ثابته لم تتغير أو تتبدل، لكن عندما حركتها الساردرة قدمتها بصورة تتناقض وطبيعتها، فبعد أن تزوجت من "أكرم" يخاطبها "إيهاب" لكي تتركه: "أتركي أكرم، اتركيه ودعينا نعود لبعضنا" ص 209، لكن الساردة تقدمها بشكل ضعيف: "وهي تبكي وتنشج، لا أستطيع يا إيهاب، أكرم زوجي وابنه سيأتي بعد أيام، أرجوك، أرحل واتركي للأبد" ص209، فهنا كان من المفترض أن ترد "تحرير" على (إيهاب" بطريقة قاسية، لأنه هو من دفعها وطلب منها أن توافق على "أكرم" وقبل أن يكون محايدا في حبه لها وحبها له، فضحى "بحرير" ليرضي أمه وأحيه "أكرم". واللافت أن الساردة قدمتها وهي ضعيفة تبكي في أكثر من موقف، وهذا لا يعني أننا نريد أن نرى أبطال (سوبر مان)، بل نريد أن نرى أبطال من لحم ودم، يتمتعون بحرية تامة، بحيث يبدون مشاعرهم ويفعلون ما يريدون دون تدخل من السارد/ة. وأيضا نجد ضعفها والصورة المشوهة لها عندما يستشهد "أكرم" ويتقدم "إيهاب" لخطبتها من جديد، فقدمت بهذا المشهد: " ـ نرجوك يا ماما استبقيه، نرجوك ألا تغضبيه، دعيه يعيش معنا، نحن نحب بابا إيهاب، في النهاية، استسلمت لقول ابنها عز الدين وهو يقول: ـ ماما يكفي أننا فقدنا أبي، دعيه يعيش بيننا، دعيه يبقى لنا.. أرجوك. مسحت على رأس ولديها وتقدمت من إيهاب، أخذت الحقيبة من يده وهي تهمس: ـ لا تسافر.. أرجوك.. ابق لنا ـ أتوافقين؟ ـ أوافق" ص279، فنلاحظ أن لغة "الطفل "عز الدين" أكبر بكثير من لغة طفل بسيط لا يعي الفرق بين الأب والعم، كما أن (إصرار) السارد/ة على لي أحداث الرواية وجعل "تحرير" تخضع للمجتمع الذكوري، حال دون أن ترد أو تتمرد على طلب "إيهاب"، لهذا (أختلقت) مشهد الأطفال وهم يتوسلون لأمهم لكي تقبل إستبقاء "إيهاب" وهذا ما كان. ونجد خضوعها لسطوة الزوج بطريقة مهينة لا تتناسب وطبيعة شخصيتها المتحررة والقوية: " جنين تتحدى الاحتلال وتخرج في مسيرات حاشدة احتجاجا على الاعتقالات المتكررة وسياسة القهر والتنكيل، حاولت الخروج للمشاركة كعادتها، إلا أن أكرم منعها هذه المرة، لأن في مشاركتها خطرا عليها بعد أن تزوجت وأصبحت في بيت رجل يستطيع أن يقدم كل شيء" ص174، إذا ما توقفنا عند هذا المشهد سنجده غير مقنع ولا يتناسب وطبيعة "تحرير" القوة ولا مع شخصية زوجها المناضل أكرم، لكن السارد/ة أرادت أن تحمل بطلتها صفات الأنثى التي (تخضع/ترضخ) للمجتمع الذكوري، فكان هذا التقديم المشوهة والباهت لبطلة الرواية "تحرير". سطوة المجتمع الذكوري على الساردة السارد/ة أحيانا يعكس طريقة تفكيره ونظرته للأشياء/للأحداث/للأشخاص على شخصياته الأدبية، بحيث (يغفل) ما يجب أن يكون افتراضيا أنهم منعزيون عنه وعما يفكر، لهذا تجدهم (أسرى) لطريقة تفكيره، وهذا ما يجعلهم شخصيات تخضع (غصبا) عنها لما يريده السارد/ة، بعد أن يتقدم "أكرم" لخطبة "تحرير" تكون ردة فعل "إيهاب" بهذا الشكل: "حبنا ضاع يا تحرير، ضاع إلى الأبد، أكرم أخي لا يقدر أن ينسحب وأنا لا استطيع أن أقول له بعد ذلك إني أريدك زوجة لي أنا لن ارتبط حتى تخلى هو عنك لأجلي" 158، لن ادخل في تفكيك ما جا في كلام "إيهاب" لكن اللافت فيه نظرته الذكورية لمرأة/لتحرير، فهو يتحدث فقط عن نفسه وعن أخيه، متجاهلا أن هناك إنسان آخر هي "تحرير"، لها من المشاعر والإحاسيس ما لها، وأن لها حق ولها مشاعر ولها حقوق (أخلاقية) تفرض عليه أن يكون بقدر المسؤولية، لكن السارد/ة التي يهيمن عليها فكر المجتمع الذكوري جعلت "أيهاب" ينزلق أكثر في موقفه (المحياد) لكون داعم ومؤيد (لخطأ) إنساني متعلق بالحب والأحبة. ونجد سطوة المجتمع الذكوري بعد أن تزوجت "تحرير" من "أكرم"، فيخاطبها "إيهاب" بهذا اللغة: "يجب أن تقدمي له الاحترام والطاعة" ص175، نلاحظ أن الحزم جاء على لسان من هو ضعيف ومتردد ومهزوز، وهذا يعود إلى أن هناك فكرة المجتمع الذكوري التي تسيطر على عقل السارد/ة، فجعلته ينطق بما لا يتناسب وطبيعة شخصيته الضعيفة. وأيضا نجده يشتكلي ل"أكرم" عنها، لأنها لم تقم بما بما يجب أن تقوم به المرأة في المجتمع الذكوري: "...أخرجتني اليوم مع أصدقائي الذين جاءوا لأول مرة إلى بيتي .. الطعام لم يكن على ما يرام، والبيت لم يكن كما يجب" ص185، وأيضا تجعلها تخضع لزوجها أكرام بطريقة مهينة: " لزمت الصمت حين طلبت عينا أكرم منها أن تسكت، فسكتت لكنها كادت تنفجر غضبا" ص198 و199، نلاحظ أن المتمردة "تحرير" تخضع ليس بالكلام، بل بما هو أدنى باشارة من عين أكرم فقط، كل هذا يجعل عقلية المجتمع الذكري الذي يسيطر على السارد/ة تنعكس على اشخصيات الرواية وتصرفاتها، فكانت أسيرة لهذه العقلية رغم عنها، ورغم أنها تتناقض مع طبيعة الشخصية القوية والناضجة. ولم تتوقف عقلية المجتمع الذكوري عند هذا الحد، بل نجده يطال الضرب والإرهاب: "...طنوا أن المصيبة ستكبر إذا ما انهال أكرم على تحرير ضربا مبرحا سيؤثر على جنينها الثاني الذي تحمل. ترتجف هي عدما تتخيله سيثور ما بين اللحظة واللحظة بأقسى العقوبات" ص228، فهنا صورة الذكر المهيمن القامع، وصورة المرأة الضعيفة المستسامة لقدرها، وهذا لا يتوافق مع طبيعة شخصية تحرير وما تحمله صفات القوة وتعمله من أفعال بطولية.
بنية الرواية وحبكتها كان يمكن أن يكون هناك مداخل جديدة في الرواية لو تم الاستفادة من وجود العميل/الدخيل الذي ظهر بطريقة منطقية، وأخذ يلاحق ويراقب تحرير، لكنه اختفى بسرعة، بعد أن تم القبض عليه متلبسا هو يهدد "تحرير"من خلال "أكرم وسعيد"، مما جعل غيابه المتسرع يحدث هوة في بنية الرواية، كما أن الورقة التي سلمها "أكرم" ل"تحرير" كان يمكن أن تحدث جمالية للأحداث ودهشة لو تم استخدمها بطريقة أعمق، لكن تم التخطي عنها وتناولها بصورة لا تتناسب والدهشة التي كان من المفترض أن تحدثها في مضمون الأحداث وشكل بناء حبكة الرواية، فقدمت على شكل تحول دراماتيكي بعد قبول تحرير الاقتران بإيهاب. وكحال الأدب الموجه الذي يحمل فكرة العطاء وينهي بالسعادة جاءت خاتمة الرواية لتجعل "تحرير" تحمل البندقية وتستشهد وهي تقاوم جرافات الاحتلال التي جاءت لتهدم بيتها، وأنطقت الأطفال بلغة أكبر من عمرهم الافتراضي: "لماذا تبكي يا عمو.. أنظر، ها هي أمي تبتسم لأن شجرة الزيتون قد ينعت، أنظر، اقسم أنها لن تموت... لن تموت" ص285، من هنا نقول أن الرواية كان من المفترض أن يعاد ترميم الهفوات الفنية فيها، ويتم اعادة النظر في طبيعة الشخصيات وجعلها تتحدث بلغتها هي، اللغة التي يجب أن تتحدث بها وتتناسب والعمر والحالة التي هي فيها، وليس بلغة الساردة العالية . الرواية من منشورات وزارة الثقافية الفلسطينية، الطبعة الأولى 2021.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجموعة وحوش مركبة المتوكل طه
-
ديوان تقاسيم على وتر القوافي مشرف محمد بشارات
-
التعدد والوحدة في رواية -وشهقت القرية بالسر- تبارك الياسين
-
الاسطورة والواقع في قصيدة -هنا غزة ... بتوقيت الدماء- هيثم ج
...
-
ثنائية الواحدة في قصائد محمد عياف العموض، وجيه مسعود، كميل أ
...
-
فلسطين العادية والمتمردة في -فلسطين- واثق العبدالله
-
التألق في ديوان -أنا نهم- أحمد العارضة
-
كيف تم قتلي سعيد يوسف حج علي عودة
-
رواية يعقوبيل ناصر قواسمي
-
التضحية وجمالية تقديمها أحمد حسيان
-
عناصر الفرح في -عبرت الطريق- عبد السلام عطاري
-
الأدب والأحداث الميدانية -صاروخ تاه- وجيه مسعود
-
الأمنية وأثرها في قصيدة -رُبّما سوفَ نرجِعُ عمّا قريبٍ- كميل
...
-
الدهشة في مجموعة -ماذا لو- سمير الشريف
-
معضلة السفر في كتاب -حرية مؤقتة- ناصر عطا الله
-
الصور والتشكيل في ديوان -منسي على الرف- عامر بدران
-
صوت المرأة في رواية -أنثى- ديانا الشناوي
-
التناسق في قصيدة - أدرّب القلب - جراح علاونة-
-
اللغة في ديوان -صيحة الحنظل- سليمان الحزين
-
شجاع الصفدي زلة منام
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|