|
ظهور منحنى القضم من الصهيونية: الانتصار في الانتفاضة وعودة القنصلية
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 6912 - 2021 / 5 / 29 - 14:42
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
مع قرار بايدن وتصريحات وزير خارجيته مؤخرا بعودة قنصلية أميركا في القدس الشرقية، والتمثيل الدبلوماسي مع الفلسطينيين، يمكن القول بكل أريحية إن المعركة الكبرى على المخلفات السياسية لـ"صفقة القرن"، قد انتهت لصالح الفلسطينيين وحراكهم الشعبي وصمودهم الأسطوري. ذلك الحراك الشعبي الذي تجاوز كافة الاستقطابات السياسية وتناقضاتها، في انتصار ملحوظ يتكرر لـ"الذات العربية" الشعبية وتجاوزها لتمثلاتها النخبوية والسلطوية، دفاعا عن "مستودع هويتها" ومكوناته، وكأنها تتحدى النماذج المعرفية المتعالية التي كانت تحاكمها منذ نهاية القرن الماضي، في أطروحات عقلية ونظرية مجردة. ويمكن أن يُطرح السؤال: هل حقق الفلسطينيون بحراكهم الشعبي، وتجاوزهم للاستقطابات الموروثة الحاضرة في المشهد الفلسطيني والعربي، ما هو أكثر من الانتصار على إرهاب "الدولة"، الذي تمارسه "إسرائيل" كقوة احتلال أجنبي عليهم، في انتفاضة القدس الأخيرة عام 2021م؟
سياسة "الحصار وتضييق الخناق والتقدم للأمام" الأجابة أن الفلسطينيين في هذه الانتفاضة وضعوا لأول مرة في تاريخ الصراع مع الصهاينة: منحنى جديدا، حيث طوال التاريخ المرير من التفاوض مع الصهاينة، كانت الصهيونية تتقدم سياسيا وواقعيا للأمام وتحاصر العرب والفلسطينيين، وتقضم شيئا من الذي كان متاحا على طاولة المفاوضات، وفق سياسة "الحصار وتضييق الخناق والتقدم للأمام" دوما.
من قرار التقسيم إلى اللا دولة في الصفقة حدث هذا منذ بداية المفاوضات، بعدما قضمت الصهيونية وعصاباتها المسلحة حدود التقسيم في قرار الأمم المتحدة عام 1947م، إلى ما عرف بـ"الخط الأخضر" أو الحدود الواقعية بينها وبين القوات العربية بعد وقف إطلاق النار في حرب عام 1948م، ثم في حرب عام 1967م قضمت الصهيونية حدود "الخط الأخضر" واحتلت المزيد من الأرض، وفي مفاوضات أوسلو في التسعينيات طرح الصهاينة على الفلسطينيين سلطة منقوصة، على وعد بمزيد لم يتحقق أبدا، ثم تم قضم هذا المزيد عبر عشرين عاما، من الاستيطان والمزيد من الاستيطان. إنما للمرة الأولى هذا العام يحقق الفلسطينيون منحنى جديدا في مسار ما سمى بـ"المفاوضات"، أو "مفاوضات السلام"!! للمرة الأولى يقضم الفلسطينيون ولا يتم القضم منهم، ويردون الصاع للصهيونية في مشروع "صفقة القرن" كتسوية كانت مقترحة للصراع.
ظهور منحنى "القضم من الصهيونية" للمرة الأولى أول ظهور لمنحنى "القضم من الصهيونية" كان في عز عنفوان دونالد ترامب، وتفجيره لكافة التناقضات في "مستودع الهوية" العربي ليحيد القرار العربي الرسمي، حينما نجح الفلسطينيون في وقف مخططات السيطرة على القدس والمسجد الأقصى بدمائهم الذكية، رغم تنفيذ قراره نقل السفارة الفلسطينية إلي القدس، حيث كان الشاهد أن المنحنى ظهر دون أى دعم دولي أو إقليمي، ومصدر قوته الوحيد كان المدد الشعبي الفلسطيني/ المقدسي خارج كل الشعارات السياسية وتناقضاتها الموروثة. أما تأكيد المنحنى وظهوره الثاني والحاسم؛ فكان بعد سقوط ترامب في الانتخابات الأمريكية ونجاح بايدن، ومحاولة الصهيونية تثبيت مكتسبات "صفقة القرن" ومخلفاتها بالقوة الغاشمة أيضا، وذلك عندما حاولوا استبعاد القدس من الانتخابات الفلسطينية، لتنتهي المعركة بتأجيل الانتخابات برمتها، ويرفض الفلسطينيون الخضوع. ثم حاول الصهاينة الكرة مجددا عبر السعى لتهجير سكان حي "الشيخ جراح" في القدس، لينتفض الفلسطينيون ضدهم في شهر رمضان الكريم، وعندما حدثت عدة اقتحامات للمسجد الأقصى، اندعلت انتفاضة فلسطينية شاملة، تدخلت فيها أطراف المقاومة المسلحة الفلسطينية ردا على القصف الصهيوني بسلاح طيران الاحتلال، قبل أن ترضخ الصهيونية ونصل لاتفاق وقف إطلاق النار، بحضور مصري يعي ذاته هذه المرة.
عودة القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية والإعلان الرسمي لموت صفقة القرن والعلامة البارزة الدالة الآن على نهاية المعركة على مخلفات "صفقة القرن"، واستقرارها في مزبلة التاريخ، هو ما أعلن عنه بايدن ووزير خارجيته بلينكن منذ عدة أيام قليلة، عن النية في فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية كتمثيل دبلوماسي بين الأمريكان والفلسطينيين، بعدما كان ترامب قد أغلقها عام 2019م ودمجها في التمثيل الدبلوماسي مع الصهاينة في السفارة التي افتتحها في القدس. فالآن فقط يمكن القول: إن المعركة على مخلفات الصفقة قد انتصر فيها الفلسطينيون، بجهدهم الشعبي أولا وقبل أي شيء وقدرتهم المتجردة من أي انتماء سياسي استقطابي، سوى الدفاع عن "مستودع هويتهم" دون سقف أو استعداد للتنازل.
حضور مستودع الهوية العربي وضبط الشعبي للرسمي وتناقضاته وليتم للمرة الأولى في تاريخ المفاوضات مع الصهيونية ظهور منحنى جديد، بتثبيت وإيقاف استراتيجية "الحصار وتضييق الخناق والتقدم للأمام"، التي كان يتبعها الصهاينة في المفاوضات، ويرد الحراك الشعبي الفلسطيني الصاع له صاعين ويقضم "صفقة القرن" بأكملها، وينتصر في معركة الصراع على مخلفاتها، بعد رحيل ترامب، التي وضع إعلان بايدن وبلينكن الأخير الفصل الأخير فيها، بنية إعادة افتتاح القنصلية الأمريكية والتمثيل الدبلوماسي مع الفلسطينيين في القدس الشرقية. أعتقد أن الدرس المستفاد هو ضبط الشعبي للرسمي، وقدرة "مستودع الهوية" العربي على تجاوز الاستقطابات السياسية وتوجيه الجميع للطريق الصحيح، فعندما تعرض "المسجد الأقصى" للخطر تجاوزت "الذات العربية" في قاعدتها الشعبية، كافة أوهام النخب العربية الثقافية والسياسية عن الاستقطابات والأحكام المسبقة، واختصرت الطريق بين الهزيمة والصمود، بين التنظير والتطبيق.
أهمية تبني المسارات السياسية العربية لـ"سياسة القضم من الصهيونية" على مهل فقط الآن واستكمالا لضبط الشعبي ما هو رسمي بتمثلاته المختلفة، على المسارات السياسية العربية فقط بكل هجوء ودون ضجيج وصوت مرتفع، أن تتبع المنحنى الجديد الذي وضع الفلسطينيون لبنته، والمراكمة عليه وتحويله إلى سياسية عامة هادئة، وهو سياسية "القضم من الصهيونية" شيئا فشيئا. وتحويل اللحظة التاريخية الحالية التي تحسب أكثر ما تحسب على المد الشعبي العربي، وثوراته الكبرى في القرن الجديد وتجاوزها لكافة التناقضات السياسية المورثة، تحيل هذه اللحظة إلى نقطة انطلاق مركزية جديدة. والعمل السياسي والشعبي الملتزم والهاديء لعودة "الذات العربية" و الحركة باستمرار وفق سياسة "القضم من الصهيونية" على مهمل، وصولا للحظة قريبة وليست بعيدة على عكس ما قد يتخيل البعض، تتفكك فيها "المسألة الأوربية" ومتلازماتها وعقدها الثقافية وعلى رأسها المشروع الصهيوني ودولته "إسرائيل". نعم نحن في مرحلة "القضم من الصهيونية" على مهل، وتفعيل هذه السياسية في ملفات صغيرة هنا وهناك، ونجاحات دبلوماسية وشعبية صغيرة تتراكم على بعضها، وتسير بالتوازي، تحينا للحظة تفكك "المسألة الأوربية" وتمثلها الأمريكي، التي ستكون إشارة تفكك تبعاتها ومتلازماتها الثقافية، وفي القلب منها الصهيونية ودولتها.
"مستودع الهوية" ودروس التراسل بين فلسطين وبين استعادة الذات العربية وثوراتها فتحية للفلسطينيين وحراكهم الشعبي، على ما قُدر له من شرف، وكونهم على قدر المسئولية ورفدهم لـ"الذات العربية". ولا يسقط من بال الكثيرين أن مشروع الثورات العربية الكبرى في القرن الجديد، بدأ بخروج حركة طلابية واسعة خارج الاستقطابات السياسية الموروثة رد الفعل لـ"المسألة الأوربية" يمينا ويسارا، دعما للانتفاضة الفلسطينة الثانية عام 2000م، وتطور حراك هذه الحركة الطلابية عبر عقد كامل من الزمان رفضا للتمثلات السياسية السائدة سلطة ومعارضة، وصولا لبدايات العقد الثاني من القرن الجديد ومشروع الثورات العربية الكبرى، لتجاوز "المسألة الأوربية" بكافة تناقضاتها وفصائلها التاريخية. وتحية لسياسة "القضم من الصهيونية" على مهمل؛ تحينا لتفكك "المسألة الأوربية" وتمثلها الأمريكي/ الصهيوني، وظهور "الذات العربية" الكامنة بـ"مفصلية ثقافية" بكر، تضخ الدماء وتدفع الأمل في الحضور الإنساني برمته، بعدما تكلس ووصل لمرحلة الجمود مع شعارات "المسألة الأوربية" وتمثلاتها العربية يمينا ويسارا. وعل أهم الرسائل الكامنة هنا هو حتمية أن يستجيب الرسمي للشعبي وقت الحاجة؛ وضرورة أن تتصالح التمثلات السياسية العربية القائمة سلطة ومعارضة، مع الحراك الشعبي ومطالبه بالتغيير، في نهاية المطاف.
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرجعية الذهنية الصهيونية للخطاب الأثيوبي ضد مصر
-
البيان الشعري لصدور ديوان: -الطازجون مهما حدث-
-
ردا على حوار يوسف زيدان والصهيونية لجريدة الوطن
-
انتفاضة القدس: أولى نجاحات النماذج المعرفية لأطروحة ما بعد ا
...
-
مصر ومسارات استعادة الذات العربية: بين انتفاضة القدس والسد ا
...
-
مأساة غياب الرقابة السياسية في إعلان العبور الجديدة
-
أثيوبيا ومصر: بين سياسات المسألة الأوربية، وما بعدها
-
عاصم الجزار والفساد المستمر بالعبور الجديدة
-
ما وراء السد: السياسات المصرية بين محور التطبيع القديم ومحور
...
-
الرئيس الجديد لجهاز العبور الجديدة وبناء الثقة مع صغار الملا
...
-
مصر وأثيوبيا: من يقاوم ومن التابع للاستعمار!
-
سد أثيوبيا وتنويع محفظة السياسات الخارجية لمصر وفق أمنها الق
...
-
مقاربة ما قبل السلام وما دون الحرب: مواجهة الحجز الثاني لسد
...
-
زيارة السيسي لإسرائيل: أزمة تيار الاستلاب للصهيونية في مرحلة
...
-
25 يناير العظيمة: أسئلة وإجابات العقد الثاني
-
في وداع ترامب: دروس تفجير مستودع الهوية العربي
-
انصار ترامب وأعداؤه: تفجر تناقضات المسألة الأوربية
-
العلامات الثقافية لمقتحمي الكابيتول: رؤية ما بعد المسألة الأ
...
-
انتفاضة أنصار ترامب وعالم ما بعد المسألة الأوربية
-
العبور الجديدة بين القرار 142 والمذكرة الرئاسية
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|