حسام محمود فهمي
الحوار المتمدن-العدد: 1634 - 2006 / 8 / 6 - 08:10
المحور:
المجتمع المدني
معلقونا الرياضيون مدرسة متفردة، فهم يصرخون طرباً وتشنجاً في أول دقيقة من المباراة إذا سدد فريقٌ يشجعونه كرة في مرمي المنافس أو حتي خارج المرمي، يأخذهم الحديث عن النصر المتوقع وعن احتلال مكانة متميزة في الدنيا، يطلقون الأسماء الرنانة علي لاعبيهم كلما لمسوا كرة ولو عن غير قصد، فهناك الشجاع والفنان والأسد والخلوق وغيرها. مع مرور الوقت تبدأ المباراة الحقيقية، يبدي المنافس ما عنده، ما أخفاه في البداية يُظهر أضعافه، تنهال هجماته وتنهمر، المعلقون علي مكابرتهم، يصفون كيف يتصدي لاعبوهم للكرات، كيف يزودون عن مرماهم ببسالة، يعلقون علي مباراة أخري غير التي يراها الواقع، جلبوها من أعماق خيالهم، من وحي أمانيهم، فريقهم مضغوط ومقهور وحاله كرب، العشوائية تجره. يدخل مرماهم أول هدف، يخفت صوتهم، يتحدثون عن العزيمة والإرادة والصمود، يجترون التاريخ السحيق، المنافس لا يهدأ، الهدف الثاني جاء وتلاه الثالث، نفذ وقود لاعبيهم، كروا وفروا للخلف وخارج الخطوط، تساقطوا علي الأرض كأوراق المناديل. لا بد وأن تتغير وتيرة الحديث، رغماً عنهم، الشماعات جاهزة، قلة الخبرة، الطقس البارد الحار الممطر الجاف، أرضية الملعب الخضراء الصحراوية القاحلة المبتلة، الخشونة المتعمدة في حق لاعبيهم ولو كانوا مرتكبيها، الحكام القساة العنصريون الغِلاظ، الجمهور الهمجي المفترس. انتهت المباراة لاعبوهم مهزومون، لم تسعفهم لياقتهم، لم يفهم مدربوهم خطط اللعب، ساخطون غاضبون لاعنون، لم يفهموا أنهم الأسوأ، صُوِر لهم العكس، صدقوا أنفسهم، الحقيقة أصدق.
لا هو تعليق رياضي ولا هي مباراة، إنه أسلوب حياة فارغة، دائم التكرار، لا صراحة فيه ولا تخطيط، لا دراسة للواقع ولا فهم له، إيمان بالخزعبلات، انسياق وراء معسول الكلام، الغرق في الذات ونسيان الدنيا والعالم، عدم فهم المنافس والانغماس في أحلام الفوز عليه، قرارات مصيرية بالإلهام والعشوائية، كراهة للنظام والعمل والجماعي، إنكار للشرعية، إتيان كل المخالفات والتباكي إذا ارتكبها الآخرون.
كارثة أن نري ما لا يراه سوانا، أن نتصور أننا الآخير، بعقول مغيبة، ورؤية عمياء، حرب 1967، حروب الخليج، مآسي لبنان شهود علي كل كلمة في هذا المقال، لدي الطرف الآخر الخطط والبدائل، لم يبق لنا الآن إلا البكاء علي الأطلال، أطلال صنعناها بأيدينا، هزائم بطعم الفوز، إحدى مأثوراتنا،،
#حسام_محمود_فهمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟