|
مفكرة فلسطينية
خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)
الحوار المتمدن-العدد: 6911 - 2021 / 5 / 28 - 15:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العداء للسامية : لا نبالغ في القول أن أن تهمة " العداء للسامية " هي سيف مسلط فوق رأس كل من يشكك في السردية الصهيونية عن نشوء دولة إسرائيل في فلسطين على حساب السكان الأصليين الذين كانوا تحت الإنتداب البريطاني ، و و يندد بالإجراءات القمعية والإرهابية التي تعرضوا لها و اسفرت عن ترحيل غالبيتهم إلى البلدان المجاورة . حيث دمرت قراهم و بلداتهم و منعوا من" العودة " إلى موطنهم الأصلي . من المعروف في هذا الصدد أن العداء للسامية ظهر في أوروبا بشكله السياسي ـ الإجتماعي ، في القرن التاسع عشر ، في ظروف شهدت توازيا مع حاجة الدولة الوطنية إلى فرض ذاتها على المستوى الأقليمي و العالمي ، تبلور مفاهيم في مسائل مثل الهوية و القومية وشروط الإنتماء إلى الجماعة أو التمايز عنها . فكان طبيعيا أن يكون تأثير الدين و الهجرة آنذاك كبيرا ، بدليل أن هذين العاملين ما يزالان حاضرين إلى الآن في النقاشات و السجالات حول هذه المواضيع في معظم البلدان التي تديرها دولة وطنية ذات هيكلية واضحة . أكتفي بهذه التوطئة لأقتضب فأقول أن مرد العداء للسامية في أوروبا يعود في ظاهر الأمر إلى اختلاف اليهود عن الأكثرية المسيحية من جهة و إلى اضطرار اليهود من جهة ثانية إلى النزوح نتيجة للمضايقات والإعتداءات على خلفية التمييز و التعصب ، من أوروبا الشرقية إلى وسطها و غربها أو إلى أميركا ، و من اسبانيا إلى شمال إفريقيا و بلدان شرق المتوسط ،حيث اتبعوا هم ومسلمو الأندلس نفس المسار ،نتيجة اعتبارهم غرباء و مهاجرين ، مغايرين للآخرين في الاصل والمعتقد و السلوك . إن معاناة اليهود في العديد من البلدان الأوروبية خصوصا حيث تفاقمت العصبية العنصرية إلى حد الفاشية ، وفّرت الشروط الملائمة لكي يتقبل بعضهم فكرة الدولة اليهودية على سبيل التقليد أو كوسيلة للخلاص ، على عكس فئات أخرى كانت تناضل من أجل الإندماج في النسيج الإجتماعي الوطني انطلاقا من كون الدين ممارسة روحانية فردية ، أما العيش المشترك فإنه لا يستوي إلا من خلال علاقة الناس فيما بينهم على أساس المساواة والتضامن و إلغاء مظاهر التمايز الأصولي و الذاتي . هذا إذا سلمنا جدلا بوجود مثل هذا التمايز. مجمل القول أن من شروط العيش المشترك ، الرغبة في الشراكة بالإضافة إلى ممارسة المؤمن عبادته في المنزل و اتباع سلوك علماني خارجه ،بحسب أحد أحبار اليهودية ، بكلام آخر كان اليهود في أوروبا في النصف الأول من القرن الماضي أمام خيارين إما الإنضمام إلى الحركة الوطنية في بلادهم ضد الفاشية و إما نقل عدواها وإضطهاد قوم آخرين حيث يمكن ذلك ، فكان هذا نهج الحركة الصهيونية بمساعدة الحكومة البريطانية . قادتني مداورة مسألة العداء للسامية في الذهن إلى مقاربتها بما هي معطى مثبت ، لا جدال حوله ، طبع سياسة بعض الدول الأوروبية ، في أوروبا نفسها ، على شكل ممارسة إجرامية إبادية ، قامت بها جهة سلطوية مهيمنة ، حكومية و حزبية ، ضد فئة من سكان البلاد على أساس معتقدهم الديني وأصلهم الإثني المفترضين (كانت اوروبا ساحة مجازر ، عنوانا لأوشفيتز . الكلام لبرينو ليفي : Primo Levi :Conversations et entretiens . Biliothèque 10/18 ) . يحسن التذكير هنا بأن الدول الأوروبية الرئيسية التي ضلعت في إبادة اليهود الأوروبيين ، ارتكبت هي نفسها جرائم مماثلة نوعيا في مستعمراتها في أميركا وإفريقيا و آسيا ، على نطاق متغير بحسب طبيعة المشروع الإستعماري ، الذي تراوح بين الإبادة شبه الكاملة و المحدودة و الإرهابية في سياق المعاقبة الجماعية . اعتبرالصهاينة في السنوات الأولى ، ان و صول هيتلر إلى السلطة يعد هزيمة حاسمة للرابطة المركزية للمواطنين الالمان اليهود التي تضمن نظامها الأساسي " النضال ضد معاداة السامية " و النشاط من أجل استيعاب و ادماج اليهود في المجتمع دون تمييز ، على عكس الحركة الصهيونية التي استطاعت " التنسيق غير الإجرامي مع السلطات النازية " ( Hannah Arendt : Eichmann à Jérusalem ) .أضع هذه الشهادات لأنتقل من بعد إلى موضوع المتهمين بمعاداة السامية استنادا إلى إدانتهم للسياسة التي تمارسها الدولة الصهيونية و نشاطهم الفكري الجماهيري والديمقراطي ضدها .و ما الإتهام بمعاداة السامية إلا اداة قمعية تعسفية للحد من التعبير عن الرأي منعا للنقاش الديمقراطي . تجدر الملاحظة هنا إلى أن تجريم معاداة الصهيونية يأتي في إطار محاولة فرض معادلة بينها من جهة و بين السامية من جهة ثانية ، مرفقة في البلدان الأوروبية تحديدا ، بضغوط رادعة في مجال العمل و الوظيفة العامة و في قطاع الإعلام على وجه الخصوص. من البديهي أن في ذلك تزويرا للحقيقة و حرفا للأنظار عن لب المسألة بما هي تناقض بين الإحتلال الإستيطاني من جهة و بين ضحاياه المشردين و المسجونيين و المرهّبين والمقتولين ، و ليست مسالة خلاف حول ألفاظ و دلالاتها . لقد وضع بريمو ليفي لكتابه عن تجربته في معسكرات التجميع النازية عنوانا " لوكان إنسانا " ( Primo Levi , Si c’est un homme) إشارة إلى أن طرد الشخص عن منزله واقتلاعه من حقله ، و إحباره على العيش في ظل قانون الغيتو ، ترحيله ، تصفيته و قتل أبنائه ، كلها مرادفات لنزع الإنسانية عنه . ليس الإشكال إذن في الالتباس بين ما تعنيه كل من الصهيونية و اليهودية و أنما هو في الإعتراف بانسانية الضحية ، متى يتوجب التوقف عن النظر إلى الضحية كانسان ؟ قبل أن يفترسها المستعمر أو بعد ذلك ؟ و استطرادا هل يحق للضحية أن تقاضي جلادها ، أن تنعته ؟ لا سيما أن الجلاّد اليوم كان ضحية بالأمس ! يحسن التذكير في هذا السياق أن المستعمر الفرنسي ميّز في الجزائر بين السكان الأصليين اليهود و غير اليهود (décret Crémieux 1870 ) باصدار مرسوم كريمييه الذي مُنح بموجبه اليهود الجزائريون الجنسية الفرنسية . ومن المعروف أن الحركة الصهيونية اتبعت نفس السلوك في بلدان الشرق العربي ، في محاولة تهويد المشروع الإستعماري الإستيطاني في فلسطين ، باجتذابها طوعا أو كرها ، اليهود العرب واعطائهم الجنسية الإسرائيلية . مجمل القول أنه يحق لنا أن نتساءل إزاء ما يجري الآن في فلسطين و غيرها من البلدان في هذا العالم الذي تسوده شريعة الغاب ، إلى متى أو إلى أين سيوصل النهج الذي يسير فيه الأقوياء و الجُشعاء في سحق الناس البسطاء و الفقراء و الجهلاء احيانا ، نفسيا و معنويا و ماديا ، تحت مبررات زائفة و مضللة ، تارة باسم التراتبية العرقية و تارة أخرى باسم الإصطفاء من أجل أداء رسالة تبشيرية ، ورقة تين تسترا على " التمييز العنصري " . في الختام ، يقول بريمو ليفي أيضا " من وجهة نظر" إثنية " لا توجد أية قرابة بين اليهود اليمنيين من جهة و اليهود الروس من جهة ثانية ، فنصف هؤلاء متحدرون من أصل أوكراني ، اعتنقوا اليهودية " . و يقول إيميه سيزير في " خطاب عن الإستعمار " ( Aimé Césaire) «من المفيد دراسة مسالك هتلر و الهيتلرية سريريا بالتفصيل لإفهام السيد الموقّر، المحسن الكبير،المسيحي البرجوازي الورع جدا في القرن العشرين، أنه يحمل في داخله دون أن يعلم ، هتلر، أن هتلر يسكنه "
#خليل_قانصوه (هاشتاغ)
Khalil_Kansou#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفيروس و السياسة (222)
-
الفيروس و السياسة (22)
-
الفيروس و السياسة (2)
-
المهاجر و البلاد الاصلية ( 3 )
-
المهاجر و البلاد الأصلية (2)
-
المهاجر و البلاد الأصلية 1
-
الصاروخ من المعتدى عليهم إلى المعتدين عليهم
-
13 نيسان و مناسبات أخرى في لبنان
-
الساميون و غير الساميين في السياسات العرقية
-
لا تعود في الشرق عقارب الساعة إلى الوراء (5)
-
لا تعود في الشرق عقارب الساعة إلى الوراء (4 )
-
لا تعود في الشرق عقارب الساعة إلى الوراء (3)
-
لا تعود عقارب الساعة في الشرق إلى الوراء (2 )
-
لا تعود في الشرق عقارب الساعة إلى الوراء (1)
-
لبنان : نهاية الإمارة (7)
-
لبنان : نهاية الإمارة (6)
-
لبنان : نهاية الإمارة (5)
-
لبنان : نهاية الإمارة (4)
-
لبنان : نهاية الإمارة (3 )
-
لبنان : نهاية الإمارة (2)
المزيد.....
-
أوكرانيا تتعمق أكثر في الأراضي الروسية.. وهذه الإجراءات التي
...
-
-الغموض المتعمد-.. مصدر في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة من ال
...
-
هل تمتد سيول السعودية إلى مصر؟
-
الصحة في غزة تصدر تحديثا لبيانات ضحايا الحرب
-
اليابان في حالة قلق بعد أول تنبيه -للزلزال العملاق-.. ما تدا
...
-
في السودان، أمطار تهطل في غير موسمها تفاقم معاناة السكان
-
-تاس-: القوات الأوكرانية تنسحب من بعض مواقعها على محور بوكرو
...
-
علاء الدينوف: قوات كييف خططت للاستيلاء على محطة كورسك النووي
...
-
-حادث كبير-.. تسرب كيميائي في بريطانيا
-
الخارجية الروسية: أوكرانيا بهجومها على كورسك أوقفت الحديث عن
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|