|
الاستكبار بالدين!
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 6907 - 2021 / 5 / 23 - 14:21
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
إحساسٌ بغيضٌ ذلك الذي يُميّزك عن غيرِك عُلــُـوًا واستكبارًا لمجرد أنك تنتمي لدينٍ مُعَيّن، وتلتزم بعقيدةٍ محددةٍ، ولديكَ كتاب مُقدس تطلب من الآخرين تقديسَه و.. ليس فقط احترامه! استعلاءٌ كريهٌ تستخدم فيه كتابــًا سماويــًا أو أرضيــًا تدلف منه إلى قلوبِ الناسِ باحثــًا عن أخطائِهم، وخطاياهم كما تؤمن أنت بها؛ لكنك لا تكترث لإيمانِهم بصوابهم! الدينُ لا يختلف عن علاقة الحب، فإذا وقعتَ في حبِ آخر، فمن الجنون أنْ تطلب من غيرِك سلوكَ نهجــِك، أو استعارةَ مشاعرِك، أو خفقان قلبــِـك ليقع هو أو هي أيضا في غرامِ من تحب! في فيلم (كباريه) لليزا مانيللي الذي عُرِضَ في السبعينيات كانت هناك أغنية مُعبّرة عما أريد قولــَـه؛ والمشهد الغنائي فيه رجلٌ يرقص، ويغني مع قردة: "لو أنكَ رأيتــَها بعيوني أنا، لما ندمت لحظة واحدة"! هكذا دينُ كل منّا، فأنت تعتنقه، وتدافع عنه، وتبثــّـه محبتــَك، وتتغزل فيه لأنك تراه بعينيك؛ فكيف تطلب من شخصٍ غريب أنْ يهيم فيه حبــًا، وغرامــًا، واقتناعــًا، وإيمانــًا؛ فإذا خاطبتــَه فتطلب منه، بدون حياء عقلي، أنْ يستخرج منه أوصافــًـا ورثتها أنت، وتحَوَّلت من وراثة إلى عادة، ومن عادة إلى دين، ومن دين إلى عبادة؟ لا يكتفي أكثرُ المؤمنين بالأديان بهذه العلاقة الجميلة، والمسالمة التي تسكن فؤادَه وعقلــَه، وتصبغ حياتــَه بتفاصيلِها، ونواهيها، وتوجيهاتها، لكنهم يطلبون من الآخرين الدخولَ إلى بقعتها المقدسة للحوار، والجدال، والنقاش! أنانية غريبة تجعلك حالة منفصلة عن الآخرين؛ فأنت تعيش بينهم، وكلما حاورتهم صعدت إلى برجٍ عالٍ تحتفظ فيه بدينك، ثم تستخرج منه أدلة، وشواهد، وقرائنَ على صحة استنتاجاتك، وعلى من يختلف معك أنْ يصعد إليك ليطّلع معك على كتابك المقدس دون أن يأخذ معه كتابــَه أو فكرَه أو خبراتــِـه .. أو ثقافتــَه. لذا نجحتْ القوى الدينية والتيارات المتطرفة والمتشددة والمتزمتة في كل معاركها اللا فكرية لأنها تسحبك داخل قوقعتها، وتغلق عليك، ثم تمنع عنك كل الخيارات الأخرى! إنها تفجّر في وجهك قنبلة الإكليشيه الجاهز، وغالبا يكون آية قرآنية وربما معها بعض الأسماء القديمة الملتصقة بتفسيرات مجهولة ومترسبة منذ مئات الأعوام، وهناك تجد نفسك مُطأطيء الرأس لا تستطيع خلافا أو اختلافا فالاتهامُ لك بأنك تعارض خالق الكون مُعَدٌ سلفــًا، والتشكيك فيك يحمل موافقة السماء حتى لو كان محاورُك أجهلَ من دابة تحتضر في صحراء جدباء. أغلب الناس يرتعشون، ويصمتون، ثم يخرسون أمام الاستكبار الديني؛ فيوحي إليك مُعارضُك أنك تجادل الله، ورسولــَه، والملائكة، والقرآن الكريم، وأولي العلم من الذين أورثونا عبقريتَهم وزهدَهم وقـُربَهم من القرون الأولى. كان إبليس يجادل، ويناقش، ويرفض، وينتقد، ويسأل، ويستفسر فجاء بنو آدم أو أكثرهم مُطيعين، خائفين، متحجّرين يرسمون صورةَ غير حقيقية لله الواحد التواب؛ فهو، عز وجل، المتسلط، المُتربص، المتوعد من يرتاب بعذاب أليم، حاشا لله. الاستكبار الديني لا علاقة له بالإيمان لأنه صَنــَعَ الطغاة، وجمّد العقل، ورفع من شأن الجهلِ ما دام الجهلُ يرفع رايةً مقدسة. هل تتذكرون الدكتورة سناء زيادة التي استضافها التلفزيون المصري، وقالت للمذيعة بأنها لا تلجأ للعلوم الحديثة والفضائية والتليسكوبات والاكتشافات فهي تملك(!) كل شيء في القرآن المجيد، وجعلتْ تفسر تفاصيل الكون من منظور التأويل، والمذيعة البلهاء جالسة أمامها كتلميذة خائبة في فصل من المتخلفين، فالمقدس في مواجهة العقل والعلوم والحقائق. الاستكبار الديني يستطيع أيُّ أحمق وجاهل أن يلجأ إليه، وبإمكان حشّاش أُمّي في غُرزة مخدرات أنْ يعارض بثقة وكالة ناسا الفضائية لأن" الثوابت الدينية قادمة من السماء، أما العلوم الأخرى فمتغيرة"! يسقط الاستكبار الديني إذا تساوتْ مراجع كل المتحاورين، فالقرآن الكريم في نفس الخط مع الكتاب المقدس بعهديه القديم والحديث وفي نفس الخط مع مقدسات البوذية واليهودية والهندوسية والكونفشيوسية والبهائية والمُنكرية والالحاد وكتب المذاهب السياسية والاجتماعية وحتى أفكار الوثنية؛ فإذا خلوت لنفسك بنفسك، فقرآنك الكريم مرجعك، وإيمانُك به خط حمايتك وحدود سلوكياتك ونهج فكرك، فقوقعتُك خاصة بك، لا تقلل من شأن إيمانك إلا أن تحاول سحب غيرك إلى الداخل. الاستكبار الديني استعلاء ممقوت، ومقزز، ولزج ملتصق بالنفس غير السوية؛ فإذا قلت لمحاورك: لكم دينكم ولي دين؛ حتى لو كان ينتمي لدينك ومختلفا في رؤيته، لكنه يرفض الحوار أو المصارعة أو المقارنة أو عشرات التفسيرات ويلوذ في أمان وسكينة برؤيته غير المقدسة؛ فقد نجوت من مرض العصر وكل عصور الحروب المقدسة القائمة على الاستكبار الديني. أنا مؤمن بإسلامي وبقرآني المجيد وبإلــَـهٍ عرفته من خلال عقيدتي؛ لكنني لا أخذ ديني معي إذا جادلت، وناقشتْ، وحاورت، وبحثت عن أدلة وشواهد، واختطفت من التنزيل الحكيم ما يعضد وجهة نظري. ألجأ لديني في التفسير والشرح لأهل بيتي وأبنائي وأحفادي ولمن هُم في رعايتي؛ لكنني أرفض استخدام ديني في المبارزة، والمناطحة، والاستكبار فهذا خداع وكذب وتضليل لا أقبله على غيري أو على نفسي. ديني هو أنا فقط، أما الدين بوجه عام فلكل واحد منا قِسْمه أو شطره أو ملكيته التي لا يطلب من أحد أن يستعين بها إذا أراد النجاة من استكباري الديني. الاستكبار الديني إعلان حرب على المختلفين معك، وطريق مُعبّد بالدماء المقدسة، ورفض باستعلاء لما توصل إليه عقل الآخر. الاستكبار الديني هو المؤسس لكل المذاهب والتيارات الدينية والأحزاب المُخادعة التي تجعل كتبها المقدسة سيوفا بتّارة ولو أهل أهلها. الاستكبار الديني كذبة كل الأزمنة والعصور، وهو توطئة للقتل قبل القتل بوقت طويل! لو تبادلنا كتبنا المقدسة فور سقوطنا من بطون أمهاتنا فربما أصبح أنا المقتول .. وأنت القاتل! طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين أوسلو في 23 مايو 2021
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لهذا لا أستشهد كثيرًا بالقرآن الكريم!
-
فيلم(المترجمة) وشحنات الغضب!
-
عودة أشرف السعد لم تكن مفاجأة!
-
الخطأ والصواب يصحّحان الحرام والحلال!
-
كيف لم يفهم المسيحيون دعوة المسيح؟
-
السيسي: حاسبوني لو فيكم من روح الله!
-
عالم الحيوان.. والافتراس المتسلل لمسارب النفس!
-
الخطر على الأردن ما يزال قائمًا!
-
الموكب الملكي بين ثوار يناير والمتحف الجديد!
-
ضرورة تغطية وجه الرجل!
-
ماذا لو أنك استغفرتَ اللهَ لإبليس؟
-
رسالة شُكر لمعارضي نوال السعداوي!
-
الدكتورة نوال السعداوي والجراد النتّي!
-
إلا رسول الله!
-
غزو الثقافة الجديدة!
-
وداعا أيها الصادق الأمين!
-
مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء السادس
-
السقوط المصري و.. التطبيع العربي!
-
مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الخامس
-
مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الرابع
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|