أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد اسماعيل السراي - الحانة














المزيد.....

الحانة


محمد اسماعيل السراي

الحوار المتمدن-العدد: 6902 - 2021 / 5 / 18 - 18:24
المحور: الادب والفن
    


منذ وقت ,لم اعد اعلم , كم هو مقداره بالتحديد.. ربما ساعتان, آو خمس ساعات. وربما سنة. وربما  دهرا. وانا جالس هاهنا...الى هذه الطاولة الخشبية المتواضعة ..العارية, بلا مفرش... في حانة متواضعة .. تقبع في ازقة احدى محلات بغداد ,التي تعج بالحانات ودور السينما...
مطأطأً راسي الثقيلة نحو الطاولة. وبعينين ذاهلتين, غائبتين عن الحاضر , وبصعوبة, أتفرس سطح الطاولة الخشبي وشقوقها,, وخطوط الدوائر التي تبدو على السطح  والتي ربما تشير الى زمن التكوين ,او العمر البيولوجي للشجرة  ,التي صنعت منها هذه الطاولة...انها طاولة غضة خشبها غير مصقول ,,رصت فيها الالواح وثبتت بمسامير وركبت على اربعة قوائم..فكانت طاولة..هكذا..!!!!
وعلى الطاولة هنا, امامي,,كانت تقبع اشيائي.. عدة المزاج: كاس مملوءة الى النصف من خمرة رخيصة,وزجاجة في النزع الاخير,وصحن( مزة) لم يتبقى منه الا بضع حمصات,وانية باقلاء اوشكت على النفاذ..وسيجار مشتعل في المنفضة..
يصدح في اركان الحانة ,لحن بكائي, بصوت  مغن شعبي , اللحن  قادم من مسجل الصوت المتمترس على رفوق احدى المكتبات في ركن من اركان الحانة.. يهيئ لي ان هذا المغني كان يندب حظه العاثر مع الحياة وربما الحبيب ايضا,,او هكذا تناهى الى مسمعي:
(انه اليا ويل
يا ويللاه...)
لا اعلم , لم تحديدا اخذني هذا الصوت الى ذكرى عالقة في ذهني في كثير من الاحيان, عن صبية كانوا يجوبون ارض الجنوب المقدس ,,يهرولون بدشاديش (الجوبان),,ويقرعون بطبول من صفيح ..ينادون السماء ويتوسلونها ان تصفح عن قمرهم(سين)..الذي اكله الخسوف ,,والذي اتخذ هيئة حوت كما يبدو ..وهم يرددون برجاء:
((ياحوته ذبيّ..ذبيّ....هذا عور شلج بي..))
وايضا,ذكرني ذلك الصوت بأجساد اجدادي الغابرين والتي سحقتها في زوايا اور ولكش, سنابك خيل الجنود الفاتحين, القادمين من عمق الصحراء..
وكذلك ذكرني بجدي البعيد الذي نحر عنقه المغول والقوا بجثته في نهر دجلة,, فاختلطت دماءه بحبر الورق والكتب..
وايضا,بجدي الاخر الذي ثقب جسده رصاص الجندرمة.. لانهم ضبطوه يسرق رغيفا وجبنا  من مؤنة العصملية....
في عتمة الحانة ..وضبابها الكثيف, بسبب  سحب دخان السكائر والتتن ,الذي يلفها ويجعل من مناخها المحلي جوا طقسيا اشبه مايكون بالجو الطقوسي الذي يفعله العراف او(الشيخ الروحاني) في غرفة (النصب) التي يهيئها روحيا بنشر محروق البخور بكثافة لاضفاء الرهبة على قلوب وعقول زبائنه وضحاياه المساكين..في هذا المناخ الضبابي الذي استشعرت فيه روحانية وسكينة على نحو غريب ومفاجئ ,على الرغم من ان رواد هذا المحفل هم من السكارى والسوقة والدهاقنة...نعم حدث هذا!!
ومن خلال هذا الضباب,والعتمة,الواقعيين,,مضافا اليهما ضباب السكر والوهم,والوهن,,الذي اقتحم تلافيف دماغي,كنت المح اشباحا او اطيافا لاجساد بشرية وهي تتراقص تملة على انغام هذه الموسيقى الحزينة..بعض هذه الاشباح ترقص واقفة,,او تكاد..شبه واقفة(معوجة)..وبعضها الاخر يتراقص جالسا على كرسيه...
حتى اني تسائلت مع نفسي:
-هل كانت الاغنية حزينة كما فهمتها انا ..ام كانت سعيدة!!؟
لم الرقص على هكذا نغم بكائي؟, هل انا سكران لهذه الدرجة فلم اعد اميزمغزى اللحن !!!؟؟
ام ان الاخرين هم السكارى؟
ام اننا جميعا هنا سكارى في هذا المكان بسبب الخمرة المغشوشة..والحياة المغشوشة والهموم والضيم ؟..فلم نعد نميز الحزن من الفرح؟
 لان ايامنا باتت كلها حزن ومأساة وانعكس ذلك حتى على افراحنا وأغانينا وملهاتنا ..فلا باس ان نسرق من الحزن رقصة, وبعض الفرح....
وبعد زمن,ربما يقدر بساعة او بعضها ,,,او ايام..؟,,لم اعد احصي الساعات صراحة,,, ومن وسط هذا الضباب والعتمة الطقوسيين ,كانت تحدث هنالك جلبة.. وتتناهى الى سمعي  صرخات وصياح وجدالات..لااعلم,هل هي عراكات سكارى؟ ام نقاشات حادة..ام احاديث بصوت مرتفع؟ ام مجرد هممات ثكالى  ,ولكني بسبب السكر ربما,وغياب الوعي بالوجود,لم اعد اميز شيئا من حولي؟ لم اعد افقه الاحداث والزمن...
دلقت اخر ماتبقى من الزجاجة على اخر ماتبقى في الكاس ,,وكرعتها دفعة واحدة ..ثم ناديت على النادل فدفعت  له حسابي,,ونهضت قدر استطاعتي...وخرجت...
وفي يوم تالي,جلست في نفس الحانة..الى نفس الطاولة..وطلبت ذات المشروب..واستمعت الى ذات الموسيقى..
نفسها اشباح السكارى..
نفسه الجو المعتم الضبابي..
نفس الناس...نفس الحزن..
نفس الرقص...
وكان الاحداث هنا, تعيد نفسها كشريط سينمائي مكرر....
...محمد اسماعيل السراي..
باحث وكاتب مقال وقصة قصيرة



#محمد_اسماعيل_السراي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأريخ الضائع (تأريخ الفرد)..
- الذكاء،هل هو مكتسبٌ او موروث..؟ ومامدى صلاحية مقاييس الذكاء. ...
- مفهوم الحرية: كآسريّ النظم المجتمعية واخلاق القطيع ,هم الاحر ...
- المحاريب الرطبة
- العقوبة والجاني..واستنزاف السنين
- الدنيا تتغير..والانسان يتغير،ولكن تبعاً لها
- ملامح الأسطورة في اطروحات مدارس القرن التاسع عشر ،الفكرية ال ...
- سلوك الشر بين مطرقة التنشئة وسندان الوراثة


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد اسماعيل السراي - الحانة