|
طريق الهاوية -13-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 6901 - 2021 / 5 / 17 - 23:20
المحور:
الادب والفن
كاان يوم أمس صعباً ، لم يكن لدى عائلتي طعاماً ، حاولت أن أعمل بأي عمل و أجلب لهم وجبة . لم يكن تعاملهم معي في الماضي جيداً ، لكن الأيام مرت و اكتسبت لقب عانس بامتياز . كانت أمي تقول لي : " أنت يا مريم سوف تجلبين لنا العار" . مضى على ذلك عشر سنوات ، وهي اليوم طريحة الفراش، ومهمة العانس هي رعاية عائلتها عقوبة لها . أما أنا فأقوم برعاية عائلتي بشكل طوعي . كلنا نشبهك يانوال، ونشبه ياسر . سمعت البارحة ضجيجاً في التلفاز ، حاولت أن أستمع إلى نشرة الأخبار . وعدونا أن النصر قريب ، و الحماس يملآ الشارع ، لكن ليس في بيتنا وجبة. لو شبعت ربما زحفت مع الزاحفين ، نظرت إلى الزعماء منتشين ، و الأطفال يتخبطون في دمائهم ، و الطائرات تئزّ. توترت ، لم أستطع النوم ، تركت التلفاز يتحدث ، وكان أحدهم محلّل سياسي ، بدأ بكل ما تعلمناه في المرحلة الابتدائية، غفوت لأن المعلومات مكرّرة، عندما استيقظت بعد ساعتين رأيت نفس الشخص لا زال يحلل ، مشيت نحوه و أنا نصف نائمة أرغب أن أبعده عن التشويش ، وكنت في هذه المرّة متنمرّة ، أمسكت بحذائي ، ورميته به، فجأة صحوت ، وعرفت أن التلفاز أصيب بضرر. -كل خوفي يا مريم أن يصل النّصر إلى مزرعتنا وبيتنا ، لأنّ للنصر ثمن ، و الثمن سوف يكون تدميرنا وتهجيرنا . لا أحبّ التّسول ، ولم يعد أحد يعطي المتسول . يصورون ألمه ويقبضون عليه . هل تعتقدين أن الشعوب الجائعة تنتصر؟ لماذا سوف نموت من أجل أن يعيشوا ؟ الشّعوب الميتة لا تنتصر ، فقد راقبت ذلك منذ ستين عاماً ، وكلما قالوا سوف ننتصر خسروا ، لكنهم يقولون نجحنا ، يرقصون احتفالاً . لا تصدّقي يامريم الأقاويل ، فقد أصبح عمري سبعين عاماً ، ولم أر سوى الرّكض وراء الرغيف . من لا يملك ثمن الرغيف ليس لديه وطن، ولن ينتصر . قد تبدو كلماتي غير لائقة بالنّصر فالشعب قال كلمته . هل يوجد شعب؟ يتحركون من أجل نصرة الأحجار أو لنصرة الإله الجبّار نتبع أفكارهم خوفاً نخاف منهم أكثر مما نخاف الله . أطمئنك يا مريم : لن ننتصر فقج سوف يصبح الرغيف أثمن والحياة بخسة لا تساوي شربة ماء تذكري جيداً : الجائع لا ينتصر . . كنّا أربعة أشخاص نجتمع تقريباً كلّ يوم ، نتحدّث عن خيباتنا ، لكنّنا نتمتّع بالحديث، نقتل الوقت ، تتحرك أمعاؤنا نتيجة الحديث فنذهب إلى التواليت ونشعر بالراحة. إن تحبس الكلام لا تخرج فضلات الطعام منك، تحاول أن يخرج من فمك وتصاب بالغثيان . اليوم نحن ثلاثة فقط ، نتحدّث عن الخوف ، فمريم تريد إعالة عائلتها ، وقد وعدها أحدهم أن يمنحها وجبة بيتزا عائلية إن نامت معه ليلة، فوافقت، لكنه خذلها ، أعطاها بقايا الطعام لديه . قبل أن ألتقي بك كنت أحياناً أبقى يوماً أو أكثر لا أحدّث أحداً ، أشعر بالمرض ، ويأكل القلق بعضي . لا أعرف إن مات أحدنا ماذا سوف يجري للآخر . يجب أن نوسّع دائرتنا فنصبح خمسة أو ستة كي نستطيع قتل الأيّام . لدينا اليوم مزرعة تكفي لستة أشخاص . أفكّر أن أتعهد العناية بطفل ، لكنّني خائفة أن يكون مصيره كمصيرك ، أتراجع . لا أرغب أن أسبب الأذى للآخر ولو عن غير قصد . مالك لا تشارك الحديث؟ -أنا خائف . أرى مجموعة قادمة نحونا ، أخشى أن يطردونا من هذا المكان ، بيدهم أعلام ورايات ، يهتفون بالموت للخونة . -هل نحن خونة؟ -لا أدري ! ألا يجوز أن نكون كذلك ، فالبطل أبو محمد الشامي أصبح اسمه الخائن ، الإرهابي . نحن لا نعرف من نكون ، فقط هم يعرفون . ها. قد وصلوا . يقدم أحد المجموعة نفسه :" أنا رئيس مجموعة الدفاع عن الوطن ، وُجدنا كي نقدم أرواحنا فداء ، فالموت أفضل من الذّل . ماذا تقولين أيتها السيدة ؟ -أقول. . أق. . أقول. لا أقول شيئاً . أنتم تعرفون . أيها الرئيس هل تقول أنه علينا الموت ؟ -من أجل الوطن . لم لا؟ فهذه الدنيا فانية ، و الشهيد حي لا يموت ، وله جنان الخلد . يمكنكِ المساهمة في إطعام الفدائيين . سوف نخصك بمجموعة من خمسة أشخاص . -يبدو أنّنا وقعنا في الفخ . لقد بدؤوا بالرّقص ، و الكلمات الحماسية . أتذكر السكرجي خرفان ، فقد كان لا يحلو العرس إلا به ، كان يضع على رأسه مصباح الكاز ويرقص به حتى نهاية العرس . -مجموعات المهللين موجودة في كل زمان ومكان ، حتى برامج الواقع تستأجر فرق المهللين ، يجب أن يظهروا بمظهر حسن ، هم ليس لهم أصدقاء ولا أعداء، فقط مهللين . مهنة المهلل جميلة فهو لا يحتاج إلى من يسليّ صمته . يصرخ ، يقفز ، ينتشي ، يعود إلى منزله فينام نوماً هنيئاً . لا تعرفينهم من بعضهم ، أحياناً يهللون لله، و أحياناً للزعيم ، وفي مرات للقضية، أو حقوق الإنسان أو السلم الأهلي . هذه مهنتهم ، لو لم تعد موجودة لدخلوا في حالات اكتئاب ، لكنها مهنة العصر ، على الأقل لعدة أجيال قادمة . -لم لا نعمل كما يعملون ؟ -" فاتنا القطار" . . . تغيرت الحياة كثيراً ، لم يعد لها معنى ، أصبحت كبيرة راشدة ، ولا زال أمري بيد ولي أمري ، وو لي أمري هو أبي ، أو حتى عمي أو أخي الأصغر . لا مشكلة لدّي الآن ، فقد أشبعوني تهديداً في الماضي ، و أنا اليوم عانس تتحاشاني النساء . اسمي العانس مريم . -ليس النساء لهم ولي أمر فقط ، بل للرجال ولي أمر لا يجوز الخروج عن طاعته، وهو يعلمهم كيف يحكمون النساء . لا يجوز الخروج على أولياء الأمور، أو نزع السلطة منهم " وفق الشّريعة" إلا اذا أتى أحدهم كفراً صريحاً وتم إثباته بدليل قاطع، "وكيف يمكن اثبات ذلك و جميعهم يؤدّون الفروض" ، لكن الحجة كبيرة : لأن الخروج عليهم يسبب فساداً كبيراً، وضياع الأمن وحقوق العباد، ويشترط أيضاً عند خروج المسلمين عليهم أن تكون لهم القدرة على ردع الحكام ، فإذا لم يقدروا على ذلك، فلا يخرجوا على الحاكم الفاسد، لما سيترتب من ذلك ضرر أكبر، ورعاية المصالح العامة أولى، والقاعدة الشرعية المجمع عليها: “أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه”، فيجب إذا لم يستطيعوا الخروج على الحكام الفاسدين أن يصبروا، ويدعوا - أن يرفع عنهم الغمة، وأن يحاولوا تقليل هذا الظلم ودفعه عن المجتمع قدر المستطاع. أي يمكننا الدّعاء عليهم فقط ، وفي سرّنا عندما كنت ضابطاً كانوا يقولون لنا: نفّذ ، ثم اعترض ، ولماذا أعترض إن كنت قد قمت بالعمل؟ -تتحدثون ، وكأن هناك نيّة حقيقية في الخروج عن أوامر أولياء الأمر. قضيت عمري ، و أنا أراقب النّاس . حكم في يوم من الأيام حاكم من بلاد بعيدة، غنى الناس له وركعوا أمامه ، وتغنوا بخصالة ، حكم بعدها تتريّ ، قلب الناس كنياتهم إلى التترية ، ومجدوه . أتى حاكم متطرّف ، أجاز زواج نهاية الأسبوع ، وجلبب النّساء ، وقطع رؤوس الرجال ، جدّدوا انتخابه بنسبة مئة في المئة . لا أحد يخرج، أو بمعنى يثور إلا إذا كان هناك وليّ أمر أكبر و أقوى يعده بأن يكون هو ولي الأمر، يحمل الرّاية ، ونتبعه نحن " الشعب المقهور" ظناً منا أنّه فعلاً ثائر، ونبدأ نختلف من سوف يكون ولي أمرنا لنرقص له. . -كأننا بدأنا نغوص في الوحل . علينا أن نتعاهد نحن الثلاثة أن لا نتحدث بعد الآن سوى بالخيار والبندورة ، و الطقس . . . لماذا نشغل أنفسنا بهم ؟ لا يمكن أن نكرّس وقتنا لقصصهم دعونا نحلم بالبحر نغني للقمر نحتفي بأنفسنا نعيش كما يعيش البشر
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طريق الهاوية -12-
-
قصة عن العبودية
-
طريق الهاوية -11-
-
انتصار الفكر الداعشي في المحرّر
-
طريق الهاوية -10*
-
الصحفي مهدد بالقتل في عقر داره
-
طريق الهاوية -9-
-
لحظات ضعفي ، ولحظات قوّتي
-
عزيزتي الأم
-
الاندماج
-
80 دولة حول العالم تحتفل بالأول من أيار
-
الحركات النسوية العربية، ومي تو
-
طريق الهاوية- 8-
-
الثّرثرة
-
طريق الهاوية -7-
-
مساهمة المرأة في صنع المجتمع الذّكوري
-
يموت المعارضون ، ويبقى الدكتاتور
-
طريق الهاوية 6
-
هبّات إسلامية
-
عن البوذية
المزيد.....
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|