أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - طريق الهاوية -12-















المزيد.....

طريق الهاوية -12-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 6899 - 2021 / 5 / 15 - 09:00
المحور: الادب والفن
    


كان العيب فينا ، و ليس في زماننا .
صدّقنا أنفسنا عندما تحدّثنا عن أمور كثيرة كالنزاهة و الشّرف و الكسب الحلال ، و الاستقامة . أصبحنا نخجل أن نعمل على بعض مصالحنا كي لا يصفنا الآخر بالانتهازي . بعد فوات الأوان ركضنا خلف الانتهازي كي نتعرف عليه، لم يدر وجهه.
كنت في المرحلة الابتدائية أنا و الانتهازي على مقعد الدراسة ، كان المعلم يمدحني ويذمّه ، كنت أخجل من المعلم ، فبأي حق يسيء لصديقي؟
كان صديقي يحبّ نفسه ، وقرّر أن يصبح شخصاً مهماً ، ودخل باب الأدب ، وطلب من صديق أبيه أن يعينه محرّراً لصحيفة أدبية .
صديقي الآخر أصبح ممثلاً ، و أحدهم زعيماً سياسياً ، وبقيت أنا ذلك التلميذ المهذّب . كبرت أحلامهم ، وتقلّص عالمي إلى مصطلح الاستقامة ، و لطالما ناقشت ذلك المصطلح معهم ، فكانوا أكثر استقامة منّي . كانوا أبناء زمانهم ، وكنت حامل فكرة غريبة من زماني ، فقد فرضت علي الاستقامة أن لا أرتقي في أي موضوع كي لا يقال عنّي انتهازي .
مضت السنون ، أصابوا المجد ، و أصبت الخيبة ، بل أكثر من ذلك ، اًبحت من تابعيهم أقدّس أفعالهم .
قبل قليل راجعت نفسي، وجدتني على خطأ ، فمن هم هؤلاء؟
ربما ردة فعل لا أعرف أسبابها. أسأل نفسي : هل هي الغيرة ؟
لا. إنها مراجعة الذات . كنت مخطئاً بحق ذاتي ، وعليّ أن لا أكرّر الخطأ اليوم .
لن أمجدّ أحداً بعد اليوم ، وسوف أمحي من ذاكرتي قائمة العظماء .
سوف أبدأ بأكبر عظيم لا أعرفه ، و أنتهي بقائمة أصدقائي .
حتى هذه اللحظة، ومنذ أن شعرت بخطأي قبل ربع ساعة . محوت من ذهني التعاليم المقدّسة ، أقوال الفلاسفة و الأدباء ، سيجار الثّوار ، و أشعار نزار ، وكل الجوقة ، فقط تركت صحيح مسلم ومسيلمة ، فقط انتصاراً لمسلم و البخاري ، فقد جعلونا نحكم وفق أقوالهما زمناً طويلاً، ثم يكذبونهما . هو نوع من التعاطف فقط. فأنت تتعاطف مع السجين بغض النّظر عن رأيه . إذا كان البخاري ومسلم كاذبان ، فهل غيرهما صادق؟
لماذا أصدّق أن عمر كان عادلاً ، وعليّاً كان رباً ؟
آسفة من أجلكما ياصاحبا الصحيح . كان اختياركما للعنوان موفقاً ، ونحن لا نقرأ سوى العناوين .
من حوار بيني وبيني
. . .

كنّا فقراء يا نوال ، وكنّا نخجل من فقرنا . أتحدث عن الماضي البعيد ، و كلما تذكّرت أمي وهي تحاول أن تتدبر خبزنا أصاب بموجة غضب . كان أبي قد استسلم للفقر ، و أعلن مرضه ، بينما كانت ترعاه ، وتعمل عند أصحاب الحقول لتجلب لنا الخبز ، في مرات كثيرة لم يكن يتوفّر الخبز . في مرّة أتت إلينا امرأة بين يديها طفل رضيع ، قالت أنّ زوجها طردها ولا تعرف أين تذهب .أدخلتها أمّي و أعطتها حصتها من الطّعام ، كان رغيف خبز وبعض الزبيب الذي كنّا نتناوله على الإفطار. عندما أصبحت ضابطاً طياراً كنت أفكر في السّلم ، لم يخطر لي أن أصبح أسيراً . وعدت أمّي أن نقبر الفقر ، لما عدت من الأسر كانت عائلتي قد اختفت.
أتحدّث لك بهذا ، و أنا أتصفّح العالم الافتراضي ، فقد أنشأ أحدهم مؤسسة خيرية، ووضع أمامه كرتونة فارغة ، ووضع رقم حساب من أجل التبرّع . هناك سيدة اسمها " دار الشوق " يتحدثون عنها على الفيس بوك ، وهي حالياً رئيسة نقابة الفنّانين ، توزع الشّوربا على الفقراء في شوارع العاصمة ، وخلفها يمشي حرّاس شخصيون ، و عربة عليها طنجرة ، وهي نظيفة تبدو كأنّها استحمت بالحليب ، وفي ليلة عرسها.
انظري هذه المرأة ! إنها تهتم بالمجتمع المسلم في النروج ، وتصنع لهم كعك العيد ، وبينما هي توزّع الكعك صرخ أحدهم الله أكبر ، جرى الجميع خلفه يصرخون ، وكأن القيامة قد قامت . أسألك : هل يحتاج المجتمع المسلم في النروج إلى المساعدة؟ ولماذا هبّ الجميع يصرخون مع أنّهم لا يعرفون ماهو الموضوع؟
-أفكارك عتيقة يا ياسر . نحن ليس لنا انتماء . هل تعتقد أن المجتمع المسلم يقبل بنا؟ ولا المجتمع المسيحي، ولا اليهودي . دعنا نبحث عن فيلم نتمتّع به بدلاً من أن نتذكّر كوابيسنا . كانت جارتنا " أم كريم" تأتي إلينا في كلّ مساء لتتحدث عن أفعالها الخيرية، فتقول" الله يسامح" أعطيت العائلة الفلانية الفقيرة تنكة طحين ، وهي تكون قد أعطتهم بعض النخالة المقمّلة مخلوطة ببعض الطحين . هؤلاء موجودون ، لكنهم ليسوا نحن .
-لا أستطيع رؤية فيلم ، أحتاج لوقت طويل حتى أنسجم معه ، وقد أمل. ما رأيك أن نعمل في مزرعتك، نحفر من أجل الشتلات .
-هل أنت لديك عقدة ذنب أن تجلس دون عمل؟
. . .
أسأل عن الحدود . متى نشأت ؟ ولماذا تقسّم العالم إلى دول؟
سؤال ليس له إجابة ، لكن أتمنى لو عشت في بلد يمنحني حق الحياة ولا يجعل مني مشروع شهيد . كنت أحب أن أتزوج ويصبح لدي أسرة أسعى لإسعادها ، ولم أفكّر يوماً في القضية ، فأنا لا أعرفها ، قد تكون تشبه السعادة، و الحبّ، و الله. أشياء لا نستطيع الإمساك بها، لكن الفرق بينها وبين تلك الأشياء أنّها قاتلة ، فإن ناديت بها عليك أن تكون زعيماً تخطب خلف المنابر ، أو تابعاً تقدّم نفسك للموت من أجلها .
-هي قضايا ، و ليست قضيّة ، فقد جعلونا مسؤولين عن محاسبة جميع أفراد الكرة الأرضية ، فهذا خائن، وذاك كافر. البارحة كنت أشاهد فيديو يتحدّث عن كاتبة معروفة ، كانت مقدّمة الفيديو امرأة مؤمنة بلباس إسلامي . قالت : لن أمدح ولن أذم الميتة، لكنّني سوف أستشهد بطبيبها، فقد قالت له خفف الجلطات علي ، أجابها أنه كله بأمر الله ونحن مسخرون ، أجابته الميتة قبل أن تموت: أنا أؤمن بك لأن يدك تلمسني، وتستطيع أن تخفف ألمي. هنا توقفت المؤمنة وقالت: أرأيتم؟ إنّها ملحدة ، وهناك الكثير من الملحدين بيننا .طبعاً مضى زمن طويل على موت الكاتبة، لكن محاكمتها مستمرة، وحتى الله نفسه غير مسموح له بتأخير الحساب ، فهناك مؤمنة تختض بتوجيه الناس .
أتدري! أطالب تلك المؤمنة ، وأمثالها إلى عدم التذمر من تعدّد الزوجات ووجود الجواري . عفواً . ربما كان عصر الجواري فيه إبداع أدبي ، وبخاصة جواري كبار القوم!
. . .
يأتي إلي صوت هدير
يقال أنّه التحرير
كأنه صوت نهر غاضب
النساء تهلّل للنصر
الخطباء شقوا حناجرهم بالدعاء
و الموت يحصد الأبرياء
هذا الهدير ليس إلا صوت الفقراء
يسيرون في طريق الألم
يموتون كي يحيا الزعماء
في الدائرة أعلام و موسيقى ورقص حماسي
وخلف الدائرة شعارات تطالب بالموت للأغبياء
يستمر الحماس ، ثم يصمت كل شيء
يبقلى على الأرض حزن
فلا نصر ، ولا هدف
ويبدأ عويل الأمهات
لماذا نموت من أجل كلمة يصرخ بها أحد على منبر
لماذا يستعملوننا كأدوات لهم وخنجر
وعندما يتصالحون . نكون قد أصبحنا في المقبرة وعلى أجيادنا يمشون
-معك حق يا مريم . تصورين الحالة .
-بل إنني خائفة من الموت . من الموت العشوائي ، فالرصاص يزخ ولا يميز بين النّاس . أحب الحياة، لست متحمسة للنصر ، لا أعرف ما هو النصر .



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة عن العبودية
- طريق الهاوية -11-
- انتصار الفكر الداعشي في المحرّر
- طريق الهاوية -10*
- الصحفي مهدد بالقتل في عقر داره
- طريق الهاوية -9-
- لحظات ضعفي ، ولحظات قوّتي
- عزيزتي الأم
- الاندماج
- 80 دولة حول العالم تحتفل بالأول من أيار
- الحركات النسوية العربية، ومي تو
- طريق الهاوية- 8-
- الثّرثرة
- طريق الهاوية -7-
- مساهمة المرأة في صنع المجتمع الذّكوري
- يموت المعارضون ، ويبقى الدكتاتور
- طريق الهاوية 6
- هبّات إسلامية
- عن البوذية
- جنون عظمة سوري


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - طريق الهاوية -12-