|
سلامة في خير وخير في سلامة
السيد نصر الدين السيد
الحوار المتمدن-العدد: 6894 - 2021 / 5 / 10 - 02:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن آفة حارتنا النسيان" عبارة لنجيب محفوظ في رواية "أولاد حارتنا" "الثقافة والحضارة" عنوان مقال في عدد مجلة الهلال الصادر في القاهرة بتاريخ ديسمبر 1927 (ص. 171) جاء فيه على لسان كاتبه "كنت أول من أفشى لفظة الثقافة فى الأدب العربي الحديث ولم أكن أنا الذي سكّها بنفسه فإني انتحلتها من ابن خلدون، إذ وجدته يستعملها فى معنى شبيه بلفظة (كلتور) الشائعة فى الأدب الأوروبي. الثقافة هي المعارف والعلوم والآداب والفنون يتعلمها الناس ويتثقفون بها، وقد تحتويها الكتب ومع ذلك هي خاصة بالذهن". وكان صاحب المقال هو سلامة موسي (1887-1958) أحد رواد حركة التنوير المصرية في النصف الأول من القرن العشرين. سافر الى أوربا (فرنسا وانجلترا) سنة 1906، وعمره 19 سنة، فعاش في مجتمعات تجسدت فيها أفكار حركة التنوير فارتقت بأحوال افرادها وحازت عناصر القوة فسادت العالم، وصدمته نتيجة المقارنة بين احوالها واحوال امته فعاد ليحاول ردم الفجوة بما كتبه وبأعماله على أرض الواقع. وكانت بداية كتاباته كتاب "مقدمة السوبر مان" الصادر سنة 1910 والذي تضمن بدايات لأفكاره التي تطورت بعد ذلك والتي ركزت على ضرورة الانتماء الكامل للغرب وقطع أي صلة تربط مصر بالشرق، وتضمن نقدا للفكر الديني والإيمان الغيبي. ويمضي في دعوته التنويرية فيكتب عن الاشتراكية (1913)، أحلام الفلاسفة (1926)، حرية الفكر وأبطالها في التاريخ (1927)، نظرية التطور وأصل الإنسان (1928)، اليوم والغد (1929)، ما هي النهضة (1935)، النهضة الأوروبية (1935)، عقلي وعقلك (1947)، كتاب الثورات (1954)، الأدب للشعب (1956)، المرأة ليست لعبة الرجل (1956)، أحاديث إلى الشباب (1957). ويكتب كتابه "مصر أصل الحضارة" (1935) بعدما هاله جهل المصريين بتاريخهم وقال في مقدمته: "اننا أولاً من حيث السلالة مصريون، يجرى فى عروقنا الدم الذي كان يجرى فى جدودنا قبل خمسة آلاف سنة، واللغة لم تنقطع بيننا وبين عصور الفراعنة، لأنها لاتزال حية في الكنائس المصرية ... وأما السياسة والاجتماع والفنون، فإنها جميعاً تعود فى الأصول والأسس إلى مصر القديمة. لأن الحضارة اختراع مصري قديم" واستطرد قائلا "وكما لكل فرد شخصيته التي تتألف من تراثه البيولوجي والاجتماعي، كذلك لكل أمة شخصيتها التي تتألف من تاريخها وتراثها الثقافي والاجتماعي ولذلك لا يمكننا أن ننظر إلى الأمة إلا باعتبار ما لها من وحدة التاريخ". ويثير في كتابه "البلاغة العصرية واللغة العربية" (1945) قضية حيوية عن اللغة فيكتب قائلا: "أنَّ تأخرنا اللغوي في مصر هو سبب من أعظم الأسباب لتأخرنا الاجتماعي" ..... "وحين تحرم لغتنا من كلمات الثقافية العصرية، تحرم أيضًا الأمة لمعيشة العصرية. فنحن مازلنا نعيش بكلمات الزراعة، ولم نعرف كلمات الصناعة؛ ولذلك فان عقليتنا عقلية قديمة، جامدة، متبلدة، ترجع إلى الماضي حتى إننا نؤلف في ترجمة معاوية بن أبي سفيان في الوقت الذي كان يجب أن نؤلف فيه عن هنري فورد، عبرة الصناعة في عصرنا، أو عن الذرة وعبرتها للمستقبل".
لأني أعتقد أنَّ ٩٠ بل ربما ٩٩ في المئة من كتابنا سلفيون، وهذه السلفية هي نتيجة لحرمان الأمة من الرقي الصناعي، وقصرها على الزراعة. وعرقلة، بل عرقبة، كل تقدم صناعي حاولته الأمة في السنيين الستين الأخيرة؛ لأن المجتمع الصناعي كان جديرًا بأن يُحدث مجتمعًا مستقبليٍّا، يكتب مؤلفوه بلغة الشعب، وتنتقل اهتماماتهم الذهنية من التأليف عن قدماء العرب، إلى التأليف عن مشكلاتنا العصرية في الأخلاق، والتعليم، والاقتصاد، ومكافحة الفاقة". وعن البلاغة يقول "أن بلاغتنا التقليدية التي تعلم لطلبتنا في المدرسة، والجامعة، هي بلاغة الانفعال، والعاطفة" ويدعو الى بلاغة جديدة فـ "هي بلاغة المنطق الذي يرشدنا إلى توقي الخطأ. والتفكير السديد: هو التفكير العلمي الموضوعي الذي يقوم على التجربة، واللغة الحسنة هي التي تؤدي المعنى في دقة هندسية ووضوح إقليدي".
ونختم مقالتنا القصيرة عن مفكر كبير بتساؤل تراه ماذا يقول لو كان حيا بيننا وقد تجاوز المجتمع البشري مرحلة مجتمع الصناعة ودخل مرحلة "مجتمع المعرفة" التي اوشكت هي الأخرى الرحيل ليحل محله مجتمع جديد هو مجتمع الثورة الصناعية الرابعة؟
كافح سلامه موسى بقلمه عشان يغير ويطور الأوضاع السياسيه والإقتصاديه والإجتماعيه والثقافيه فى مصر و كل كتبه ومقالاته بتدور فى الحيز ده. وحتى اللغه طالب سلامه موسى بتطويرها لأسباب بسيطه لكن مهمه قالها فى مقدمة وتمهيد كتابه " البلاغة العصريه واللغه العربية " زى : " إن تأخرنا اللغوى فى مصر هو سبب من أعظم الأسباب لتأخرنا الإجتماعى " و منها كمان : " حين تحرم لغتنا من كلمات الثقافة العصرية تحرم أيضاً الامة المعيشة العصرية " وفوق ده: " أعظم المؤسسات فى أية أمه هو لغتها. لأنها وسيلة تفكيرها ومستودع تراثها من القيم الإجتماعية والعادات الذهنية " وفى فصل " اللغه والمجتمع " بيلفت سلامه موسى النظر لنقطه مهمه جداً وهى ان الكلمه الواحده معناها بيختلف من مكان لمكان حسب البيئه والمجتمع والتاريخ، وإن اللغه الحيه بتتفاعل مع المجتمع وبتتغير مع تغييره، لكن لما تكون اللغه خاصه بفئة إجتماعيه معينه زى الكهان مثلاً بتتحجر لإنها بتبقى بتعبر عن حاجه كات موجوده زمان ومابقتش موجوده دلوقتى ( على الأقل فى مصر وثقافتها المعاصره ) ، وعلى كده القيمة الإجتماعيه للكلمه المتحجره عباره عن صفر. من المنطلق المنطقى ده بيقول سلامه موسى إن المفروض إن مصر مايكونلهاش لغتين واحده كلاميه (عاميه) والتانيه كتابيه (فصحى)، لإن اللغه الكتابيه فى الحاله دى بتنفصل عن المجتمع وبالتالى بتتجمد ومابتطورش. اللغه الحيه اللى بيستخدمها الناس فى المجتمع الحى لازم تكون قادره تطور لإن تجميد الكلام، والخوف من إستعمال كلمات جديده معناه تجميد التفكير السليم. وممكن يكون الواحد نبيه جداً والأيكو بتاعه عالى بس نقصاه الكلمات اللى يقدر يعبر بيها إكمنها مش موجوده فى المجتمع اللى عايش فيه فتبقى النتيجه ان نباهته دى على الفاضى لا هو بيستفيد منها ولا المجتمع اللى عايش فيه بيستفيد منه عشان كده سلامه موسى بيقول ان لازم : " نذكر انه على قدر ارتقاء اللغه ووفرة كلماتها ودقة معانيها يكون الإنتفاع بذكاء أبناء الأمه ". وطبعاً الخوف من الكتابه باللغه اللى بيتفاهم بيها المصريين وبيتكلموها مع بعض طول النهار له معنى أوحش من التجميد بس.
فى سنة 1930 عمل سلامه موسى جمعيه سماها " المصرى للمصرى " ودى كات جمعيه بتطالب بمقاطعة بضايع الإنجليز، وكان وكيل الجمعيه " أحمد حسين " رئيس جماعة " مصر الفتاه "، ومع ان الناس اتحمست للفكره وايدتها لكن باظت لإن حكومة " إسماعيل صدقى باشا " حاربت الجمعيه لغاية ماخلصت عليها. وكتب سلامه موسى للمهاتما غاندى فى الهند اللى كان هو كمان بيكافح الإنجليز والتخلف هناك بطرق زى دى، وطلب منه يبعت له كتب عن حركة الغزل والنسيج اللى كان عاملها فى الهند والالات اللى بيستخدمها الفلاحين الهنود ، فما إتأخرش غاندى وبعت له على طول كل اللى طلبه. ولسلامه موسى كتاب إسمه " غاندى والحركه الهنديه " ألفه من كترة إعجابه بغاندى وعشان ينقل لمصر افكاره وطرقه اللى كان بيحارب بيها التخلف والإستعمار فى الهند. وكتب سلامه موسى انه لازم يكون فيه محل كبير فى نص البلد بيبيع المنتجات المصريه، ولما قرا " طلعت حرب " المقاله دى عجبته ونادى عليه وناقشه فى الموضوع، وفكرة سلامه موسى دى كات بذرة المحل اللى إسمه " شركة مصر لبيع المصنوعات المصرية ".
#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى لا تتكرر مأساة هيباثيا
-
اتفرج يا سلام
-
عقل في خطر: الحالة المصرية (2/2)
-
عقل في خطر (2/1)
-
الحقيقة بين -نظرية المؤامرة- ومنظومة العلم-
-
مجتمع الإبداع وثقافة الإتباع
-
القوة الناعمة وعالمنا الافتراضي
-
جبر الحداثة: خلاصة القول (4/4)
-
جبر الحداثة: من فكر البساطة الى فكر التعقد (4/3)
-
جبر الحداثة: المبادئ العامة (4/2)
-
جبر الحداثة: حضارة التمكين (1/4)
-
صناعة الابداع
-
صعود وهبوط التخصصات العلمية
-
تقييم من حَكَم
-
ولهم فى الكلاب شفاعة
-
هكذا تحدثت علوم -ما بعد الحداثة-
-
المعرفة ثورة وثروة
-
الاعجاز العلمي في ألف ليلة وليلة
-
حكايتي مع الدوق دي بروي
-
مشاهد من المستقبل المنظور
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|