أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الله والفيلسوف














المزيد.....


الله والفيلسوف


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6884 - 2021 / 4 / 30 - 14:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٣٩ - الفلسفة في مواجهة الدين

أسطورة الطوفان، تبدو لنا لأول وهلة مجرد حكاية مسلية تدور حول غضب الإله الكبير تجاه البشرية، ومحاولة تصحيح الخطأ الذي أرتكبته بعض الآلهة - الغير حكيمة - في صناعة هذا الإنسان ليقوم بالإعمال الشاقة على الأرض ليريح الآلهة من الدرجة الثانية - الشغيلة - من هذه الأعمال اليومية وليترك لهم الوقت الكافي للراحة والإستمتاع بإمتيازاتهم الإلهية والمقدسة. وهذا الخطأ لا يكمن في فكرة خلق هذا الإنسان، وإنما في تصميمه وماهيته، حيث أن البشر تكاثروا بسرعة وأحتلوا الأرض، بالإضافة إلى أنهم كانوا يصدرون الكثير من الأصوات المزعجة والضجيج والصخب والزحام الذي لا سبيل لإحتماله، مما يمنع الإله العظيم من النوم ويسلبه الراحة التي ينشدها، فقرر بكل بساطة التخلص من هذه المخلوقات المزعجة بإغراقهم. وهذا يؤكد أن فكرة " الثواب والعقاب" لم تكن واردة في البداية فيما يخص الديانات الأولى المعروفة لدينا، فالطوفان لم يقصد به عقاب البشر، كما هو الحال في التفسيرات اللاحقة، يهودية أوعربية، إنما القصد الأولي كان حل مشكلة أرق الإله الكبير وأن يتمكن من النوم دون أن تزعجة الأصوات البشرية. وتدريجيا تحولت هذه القصة إلى تعبير عن القلق الأخلاقي والوجودي وأصبح الطوفان "عقابا" للإنسان لعدم طاعته للقوانين المقدسة. ولكن الذي يجب ملاحظته في أسطورة الطوفان، هو المعنى الذي تشير إليه ضمنيا، وهو عرضية الإنسان ولا ضرورته في هذا العالم : خلقته الآلهة لهدف معين، ثم أكتشفت أن ضرره أكثر من فائدته، فأغرقته وأبادته. ووعي الإنسان السومري بهذه الحقيقة، عدم ضرورة الكينونة البشرية، هي بالتأكيد مصدر لقلق وجودي متأصل ناتج عن الإحساس بالإنفصال والوحدة والغربة.
والأديان السماوية والتوحيدية، والتي تأسست على المعطيات الأساسية السومرية ثم الفرعونية، ساهمت بطريقة ما في تبخيس الحياة وإعتبارها مجرد محطة للمرور إلى عالم آخر أكثر ثباتا وأكثر دواما، وأضافت فكرة العقاب والثواب والجنة والنار ..إلخ. وفكرة أن الحياة لا قيمة لها ولا تساوي شيئا مقابل الحياة الآخرة، هي فكرة ساهمت كثيرا في نشر الإحساس بالقلق والعبث واعتبرها نيتشة أحد أسس العدمية التي انتشرت في أوروبا ودليلا على "إنحطاط" هذا المجتمع وثقافته. ونيتشة لا يدين فقط الثقافة المسيحية، والتي يسمسها "أخلاق العبيد"، ولكنه يدين أيضا الفكر الفلسفي العقلاني الذي يصل لنفس النتائج بخصوص عدم قيمة الحياة، ويتخذ من سقراط مثالا على هذا الشطط العقلي المبالغ فيه لدرجة تقبل الموت دون مقاومة، ويعتبر لجوء سقراط إلى العقل بطريقة عبثية علامة عن "المرض" الذي يعاني منه الفيلسوف، وأن تجرعه للسم في نهاية الأمر كان الدواء الوحيد لمرض سقراط المزمن. بطبيعة الحال، نحن لا نعير إهتماما كبيرا للأحكام النيتشوية القاطعة، خاصة وأنه كتب هذه التهويمات قبل قليل من سقوطه صريعا نتيجة مرضه الحقيقي هذه المرة.
الإحساس بالضياع وأن الإنسان مخلوق فقد وجهته وضاعت منه خارطة الطريق وفقد إتصاله بدليله الوحيد الذي يمكن أن يرشده، هذا الإحساس ما هو إلا خدعة دينية وفكرة طارئة تطورت وتضخمت على مر العصور لتصبح في نهاية الأمر مع نيتشة وأدب بداية القرن العشرين كارثة وجودية تسمى "العدمية". الإحساس بالضياع وسط فراغ سديمي بلا قواعد ولا أسس وبدون مبرر هو الذي يبدو ظاهريا كسبب مباشر لما يمكن تسميته مؤقتا بـ"القلق"، أي أن الإحساس بالعدم والعبث واللامعنى والشك والخواء وكون الإنسان "شكل بلا هوية، ظل بلا ألوان، قوة مشلولة، إيماءة جامدة" هو إحساس ناتج عن تغييب العقل والشك في قدرة الإنسان على مواجهة إشكاليات وجوده في العالم. والفلسفة بطبيعة الحال هي الأداة الوحيدة ولا نقول السلاح الوحيد القادرة على مواجهة هذه الإشكاليات وصياغتها وفهمها.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاتل والمقتول
- عشتار وموت الله
- الإسلام والإغتيال السياسي
- التضحية بتموز
- عشتار تحت الأرض
- عن البداوة والحضارة
- القديسة العاهرة
- المهرج والساعة
- رأس فارغة للبيع
- عشتار
- فرانكنشتاين
- لولبية العبث
- صخرة سيزيف
- الشيوعية الأناركية
- لماذا خلق الله آدم يوم الجمعة ؟
- الله والفرن
- من تمنطق فقد تزندق
- الحصار
- الله عدو الشعب
- وظيفة الله


المزيد.....




- إليك ما نعرفه عن اصطدام طائرة الركاب ومروحية بلاك هوك وسقوطه ...
- معلومات سريعة عن نهر بوتوماك لفهم مدى تعقيد البحث عن حطام ال ...
- أول تعليق من ترامب على حادثة اصطدام طائرة ركاب ومروحية عسكري ...
- حوافه حادة..مغامر إماراتي يوثق تجربة مساره بوادي خطير في قير ...
- كيف نجا قائد الطائرة إف-35 -الأكثر فتكا في العالم- بعد تحطمه ...
- إيطاليا تعيد كنوزا عراقية منهوبة.. قطع خلدت ذكرى من شيدوا ال ...
- FBI يستبعد العمل الإرهابي في حادث اصطدام طائرة الركاب بمروحي ...
- بعد كارثة مطار ريغان.. الإعلام الأمريكي يستحضر آخر حادث كبي ...
- جورجيا تنسحب من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بعد مطالباته ...
- الائتلاف الوطني السوري يهنئ الشرع بتنصيبه رئيسا للجمهورية


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الله والفيلسوف