عقيل منقوش
الحوار المتمدن-العدد: 6884 - 2021 / 4 / 30 - 08:12
المحور:
الادب والفن
في مجموعته الشعريّة الجديدة بعنوان : قبلة في زحام المترو " نصوص الحياة " الصادرة في العام ألفين وثمانية عشر عن دار الدرويش للنشر والترجمة جمهورية بلغاريا – بلوفديف يؤكد وسام هاشم من جديد أهميّة مشروعه الشعري المتميّز والذي بدأه في بغداد بملفات شعريّة ملفتة للنظر نشرتها عدة مجلات أدبيّة بارزة منها :
الطليعة الأدبيّة العراقيّة عام ألف وتسعمائة وإثنان وثمانين وتبعتها ملفات أخرى صدرت له في مجلة "روز اليوسف" المصريّة ومجلة "الأقلام العراقيّة" ومجلة ا"لأذاعة والتلفزيون" " فنون " بالإضافة إلى بعض المجلات اللبنانيّة و الكثير من الجرائد العراقيّة والعربيّة المختلفتين, وبقراءة متأنيّة للقصائد التي وجدتها وكأنّها مكتوبة بزمن شعري يمر مرور البرق بضوئه الصاعق يبدأ ببداية القبلة – الحياة الجديدة في موطنه الجديد "الدنمارك" ونهاية القبلة وما بينهما مترو الزمن الإستثنائي المتعلق بالماضي
فيه حياة الشاعر كشريط سينمائي يبدأ بطفولته في أزقة بغداد التي فتحت عينيه على دهشة المعرفة والسؤال وموهبة الكتابة في بلاد لم تمنح شعراءها سوى الموت والعوز والنفي كما يقول الشاعر في هذا المقطع :
" تعثرت روحي بحجر الشعر, سقطتُ معه فوق شارع مخبول بالقنابل والرصاص
والسجون والديون "
وأيضا حاله حال كل مجايليه من الشعراء العراقيين فقد تمرد على السائد في الشعر العراقي والعربي والذي يراه إبداعا عظيما ًأقصد الشعر بمحليته التي تمنحه خصوصيتة وتميّزه عن باقي الشعر الآخر
فلا غرابة أن تجد الشاعر يصرّ على إستخدام مفردات مثل النهر والنخلة والقمح ولا يميل للحذلقة اللغويّة أو تكريس الصور التي تسعى للغرابة فقط دون المعاني الكبيرة التي تؤثر في عقل ووجدان القارى العادي وغير العادي
في أغلب قصائده التي تتجاذب عوالمها وتتلاقى ثم تفترق لتتّحد من جديد وكأنّها نزيف ذاكرة ناجية من خراب تحاول أن تتعافى ببطء لتكون في مكان وزمان مختلفين كما يقول الشاعر في هذا المقطع :
" أين أضعت عمري على عنقك
إم تحت شفاه الحرب ؟ "
أو في هذا المقطع : " كلما نزعت قميصي كي أغزو البحر تذكرت الجنود الذين غرقت خوذهم في نهر بلادي "
والبحث هنا عن البلاد / بلادي تشطر زمن الكتابة عند الشاعر إلى زمنين مختلفين في هذه المجموعة الشعريّة المكوّنة من إحدى وأربعين قصيدة تتنازع فيهما شخصيتان مختلفتان واحدة تقيم في موطنه الأصلي العراق / الماضي والثانيّة في موطنه الجديد الدنمارك / الحاضر حيث يسأل الشاعر في هذا المقطع :
" عدت للتو فلم أجد مايشبهني"
"رحلت فوجدتني أنتظرني"
أو في هذا المقطع : " أوقفت سيارتي قرب بقال هرم لا يسمع لأشتري بلاداً
دخل إلى مخزنه وعاد لي مع علبة كبريت "
أو كما في هذا المقطع : "من قارب مكسور إلى خشبة عابرة سبيل في البحر"
فمأساة الشاعر متصلة بمأساة المجموع أي ذاته غير منفصلة عن الآخر ومعاناته كونه رائيّاً
والمأساة هنا غارقة بالقدم وكأنّها لعنة إلهيّة لا تنتهي كما يتسأل الشاعر في هذا المقطع :
" كم أنت ظالم أيها الرب وأنت توزعنا هكذا وتوزع على أبناء جلدتنا بدلاً عن العنب والخبز "
لكن القصائد لا تخلو من لحظة صفاء وهدوء يعترف فيها الشاعر كما في هذا المقطع الجميل :
" من الحبيبة أتعلم العطر وأغاني الفادو وأتعلم كيف ألف حزني بكيس وأنير به عتمة روحي "
أو كما في هذا المقطع الذي يقر فيه الشاعر بسعادة مؤقتة : " أنا سعيد يا حبيبتي على الرغم من جيل الثمانينات وتأريخ الإنقلابات , سعيد بشجرة البرتقال الصغيرة ونحن نجز جمالها ومع كل هذا الحزن في العالم أعلن كل مساء : هذه الليلة سأغفوا وأنا أحبك أيضاً "
أو كما في هذا المقطع الآخر : " لا تكتب في منتصف السطر فعلا ماضيا "
ومن لحظتي الصفاء والهدوء ينتقل الشاعر إلى لحظة اليقين والثبات التي يراهما
بوجود الحبيبة الحاضرة الغائبة التي يدلي لها بإعترافاته كما في هذا المقطع المميز: " حتى وأنا في شارع ضيق يعصر روحي لا أرى نافذة سواك "
أو في هذا المقطع : " ومنّها إلى خطأ يتدحرج من تلة إلى تلة إلى واد ذي زرع وفير لكن بلا نخلة أخذتني العاصفة لأصحو على كفيك تلم بقاياك يتكئ عليها قلبي "
أو في هذا المقطع الآخر : " عندما يتوقف الباص تنزل منه غزالة ونمل ونائب ضابط متعب من رماد الحرب وتصعدين إلى الباص "
وكأنها نبؤة الشاعر بزمن متخيل قادم جديد يخلو من الحرب وخرابها العظيم الذي يخلّف الموت ومن بعده الدمار
والتي سرعان ما يتخلى عنها معلناً رؤيته في هذا المقطع حيث يقول : " نهري الذي يتبعني وأتبعه ولا مصب ينتظرنا , القبلات في الزحام لا تعني إن الحرب إنتهت "
ويختم الشاعر قصائده بالقول كما في هذا المقطع : " كن وحيدا ً في قارب الوحيدين"
"كن في الغبار ولا تكن في غيره "
"ولا تترك خلفك أثراً "
ولا أمامك "
والذي يستدعي فيه خصوصية الشاعر التي يعجز الآخرون عن استيعابها أو ادراكها وهي النقطة الحيّة التي ترفض أن تكون عاديّة مثل باقي الأرواح مثلما يؤكد في بداية مجموعته الشعريّة حينما يخاطب المخرج المفترض في الحياة : " صديقي المخرج .. الفلم الذي ستصنعه عن حياتي , سيكون عن قطرة ماء تسقط من شجرة إلى ماء وينتهي ..."
وموضوعة الشعر وسؤاله الأزلي بمعزل عن فنيّته التي تختلف من شاعر إلى آخر لا تحددّها وتطورهما اقامة الشاعر في داخل بلاده أو مغتربه الحالي الآن كما يعتقد بعض النقاد الأكاديميين فالوطن الآخر المفترض المتميّز بإنفتاحه على الحريّة وعلوم المعرفة هو أيضا له القدرة الهائلة على مصادرة مشروع الشاعر وتحطيمه بآلته الصناعيّة الرهيبة التي جعلت من الشعر فنّا منحسراً مبتعداً عن حضوره التاريخي الكبير والمؤثر مقارنة بالرواية أو السيرة الذاتيّة ولعل قصيدة الشاعر الأمريكي ألن غينسبرك " عواء " خير دليل على ذلك خاصة بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكيّة والأمثلة كثيرة للذي يرغب في البحث والمعرفة.
#عقيل_منقوش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟