عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6879 - 2021 / 4 / 25 - 06:39
المحور:
الادب والفن
أذكر من أيام الطفولة والصبا، زيارات السياح الأجانب لسوق الصناعات الشعبية التقليدية في بغداد، سوق النحاسين، الذي يسمى شعبيا بسوق الصفافير، حيث لا تتوقف المطارق عن طرق النحاس ليصنع النحاسون منه، أوانٍ وأباريق، أو صحون ينقشون عليها صورا تمثل معالم أثرية عراقية كأسد بابل، أو المئذنة الملوية أو إيوان كسرى، كان السياح يجدون في ضجيج المطارق المتواصل على الفضة والنحاس شيئا غير مألوف يستمتعون بلا مألوفيته، ويشتري بعضا منهم قطعا كهدايا تذكارية.
الآن أشعر بشيء من الحزن، حين تطالعني على صفحات التواصل الاجتماعي، صور يضعها أصدقائي العراقيون المغتربون، عن زياراتهم لشارع المتنبي في بغداد. يؤلمني أن أراهم كسواح في بلدهم، الذي لم يعد فيه ما يزار سوى شارع يتيم، يمثل جزرة ثقافية متواضعة في محيط من مواسم الحزن ومهرجانات الكآبة، وأنا أعرفهم حين كانوا - وكنت معهم - فتيانا يتوهجون عزيمة، ويمتلؤن أحلاما وآمالا بحتمية الغد المشرق الجميل، غد العدالة والنزاهة وحب الجميع والتضحية ونكران الذات.
تغير بلدهم وشاخ، وما عادت ذاكرته تستحضرهم فتيانا بواسل أحبوه، واسترخصوا من أجله الدم وتحملوا العذاب.
هم أيضا شاخوا، وبعضهم ربما تغير، يعودون الى الوطن الأم فلا يجدون في أرجائه الشاسعة سوى شارعا يتيماً واحدا، يتوافق مع أحلامهم المتبددة. أقرأ في وجوههم شعورا عميقاً بإغتراب يجهدون في مواراته، وأنا أشعر باليتم.
#عبدالله_عطية_شناوة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟