|
أنا لبناني
حازم كمال الدين
مسرحي، روائي، مترجم، صحافي
(Hazim Kamaledin)
الحوار المتمدن-العدد: 1630 - 2006 / 8 / 2 - 11:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عزيزي المحرر
أعذرني عن عدم الكتابة لحد الآن.
فأنا لم أعد قادرا على الكتابة.
قبل 24 عاما حين كنت في بيروت المحاصرة فقدت امكانية الكتابة ايضا. كان بامكاني أن أقوم بفعل ما: ايصال مؤونة الى الخطوط الامامية، انقاذ جرحى، رصد بوارج حربية، ولم أتمكن أبدا من كتابة نص تعبوي.
لا أدري لماذا حدث لي ذلك.
الآن يعيد السيناريو نفسه علي. الكتابة بالنسبة لي ليست هي الفعل الذي أصلح له. والسبب كما أعتقد هو الشعور والتساؤل التالي: هل علينا ان نتضامن مع اخواننا في الروح والدم، أم علينا أن نكون معهم في وحدتهم المريعة اليوم كما فعلنا ذلك عام 1982؟ أعطتني بيروت 1982 شيئا يعادل ما اعطتني اياه بغداد. وحين أخرجونا عنوة، لم يوقف صدمة الحدث سوى الكحول. عامان من الكحول المستديم في دمشق لكي أهضم ما حدث في بيروت. لكي أقبل نفسي حيّا بدلا من فلان الذي استشهد بالقرب مني حين داهمنا اله السماء الصهيوني ولم يكن يفصلنا عن بعض الا نصف متر قادني الى قفزة والى غبار دكان انهار وانقذني، بينما قاد ذات النصف متر فلان الى غياهب اخدود النهاية الرهيبة. أنا آسف مرة أخرى! فأنا لا أستطيع التضامن معهم! التضامن معهم يعني مسافة بيني وبينهم. لقد عشت بين أولئك الابطال وأعرف من أي لحم ودم هم! أكاد أشعر الآن بالغثيان حين أفكر بأن العرب قبل ثلاث سنوات فقط وقبل سقوط السافل العراقي صدام كانوا يصدحون بأغنية أن القضية الفلسطينية هي المحور في الشعارات العربية. اليوم، بعد ثلاث سنوات، أمست فلسطين بالنسبة لنفس العرب محورا للشر. اذا رفعت المقاومة صوتها، أو تجرأت، فهي مغامرة غير محسوبة. وبعضهم يقول: كيف تفقد المقاومة الادب وتتصرف من تلقاء نفسها، دون أن تعود إلى الراعي الاكبر؟!! بالنسبة لنا كعراقيين الأمر مرير ومحط اختبار كبير. لقد منحتنا المقاومة اللبنانية والفلسطينية رئة كبرى للتنفس أيام صدام حسين السوداء. ففي لبنان تعلم سياسيونا الاحاديون التعامل مع المشهد السياسي بواقعية ملّونة وشاهدوا بأم أعينهم حزب العمل الشيوعي يعمل مع الحزب الشيوعي والجبهة الشعبية تعمل مع الديمقراطية والرفيق الفدائي الذي اختلف مع جبهة التحرير الفلسطينية وانتمى الى جبهة النضال واجتمع بعد ذلك بعدة اسابيع مع فصائل المقاومة ممثلا للفصيل الجديد لم يتهمه أحد بالخيانة الايديولوجية أو الوطنية او الدينية أو العمالة للامبريالية أو تناول فتات الموائد وغير ذلك من الردح السياسي العراقي المعروف. في بيروت تعلم سياسيونا الايديولوجيون أن المباديء نسبية وليست مطلقة. أيضا تعلموا كيف يمسكون العصا من الوسط! وكيف يرمون بالعصا لتتحول ثعبانا تارة وتشق بحرا تارة أخرى! وفي بيروت تعلم مثقفونا أن الواحد منهم ليس ربّ الأرباب، ولا صاحب فتوحات. لهذا كله وكل ما لم أذكره، بسبب لا نهائيته، أقول لك عزيزي المحرر أنني معهم بدون شروط. فأنا شيوعي غير منتم لأي حزب شيوعي أو غير شيوعي. وأنا فلسطيني ما أزال أحمل هوية م.ت.ف. التي أهداني أياها أواخر سبعينات القرن الماضي الحزب الشيوعي العراقي مشكورا. وأنا أحمل، ما أزال، بطاقة هوية الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي أهداني اياها ياسر عبد ربّه وبطاقة الجبهة الشعبية التي أهداني اياها الشهيد فهد العراقي. أنا ما أزال لبنانيا وعضوا في الحزب الشيوعي اللبناني نظّمني الرفيق المسرحي اللبناني (مالك الأسمر) هل ما تزالون تسمعون به؟ في حركة أمل وفي حزب الله. كان ابن عمي الشهيد فهد العراقي (زهير كمال الدين) يزور بشكل متكرر السفارة الايرانية وكان يصحبني معه. علّمني أن الثورة موجودة في كل شخص، وهي شيء خارج الايديولجيا والدين وداخل الفطرة. علّمني كذلك كيف أمسك المسدس (وفشل في هذا) لأني لم أطلق الا رصاصة واحدة في حياتي وكانت في ليلة راس السنة حين التقيت بيوسف الناصر قرب الملعب البلدي عام 1981. وكان فهد ذاك، بطل النبعة الشهير، ماركسي من أصول قومية ناصرية وقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و(صديق خاص) للحزب الشيوعي العراقي وواحد من مؤسسي اتحاد الديمقراطيين العراقيين. أظن أن ابناء فهد العراقي الآن، وهم لبنانيون عراقيون يحملون السلاح بوجه بوجه القتلة. وأنا ما أزال مسلم أجدادي من النجف، ولادتي في بابل شبابي في كربلاء شهرتي في بغداد رجولتي في المنفى وحتفي في بلجيكا (وأرجو أن لا يسمح الله بذلك)! أرى إلى نفسي، هذا الملّون كالهنود الحمر (لم لا أقول العرب الحمر؟)، فأرى أنني لم أعد أنظر إلى ما يجري من منظار الضحية. الهندي الاحمر كاد أن ينقرض لكنه لم يقدم نفسه كضحية، وانما كبطل. الامريكان (قتلة الهنود الحمر) هم الذين صوروا الهندي الاحمر بصفة قاتل ومغتصب وقاطع طريق اذا كانوا هوليوديين وبصفة ضحية مسكين اذا كانوا يساريين والاستثناءات خارج وجهي العملة تلك نادرين ولكن معروفين. يسارنا العربي ينظر الى قضايانا المصيرية اليوم بواقعية متحفية تنهل شعارات عام 1947 التي لا تنضب أو تنبطح أمام شعارات واقعية لحد التمرغل بالسيان. أما القوميون العرب، وبطلهم صدام حسين وورثته الضارية الزرقاوية، وهم أعتى كارثة حلّت بتاريخ العرب هؤلاء تعلموا كيف يذبحون قضايانا كل مرة من جديد بدون هوادة وبدموع تماسيح مدربة على ارتداء لبوس البشر أفضل من البشر انفسهم. والطريق إلى فلسطين صار معروفا جيدا لهؤلاء ومعبّدا على الدوام: عن طريق ايران تحرير القدس عن طريق الكويت، عن طريق كوردستان، عن طريق تسليم الوطن ارض بدون بشر، عن طريق المحافل الماسونية في تركيا وغيرها، عن طريق المفخخات والمذابح. وحتى تقسيم الوطن هو لصالح تحرير القدس. وطريق القدس لا يمر قريبا من الجنوب اللبناني ولا من نهر الليطاني وليس قريبا من امين الجبهة الشعبية السجين. ويسارنا العربي صار ينظر من منظار الجلاد بأزيائه المتنوعة إلى وقائعنا المعاصرة. أقرأ أحاديثا عن ضرورة تحول رجال الثورات من رجال معارضة الى رجال دولة. وكأن الدولة في كيانها القائم، اي دولة كانت، لبّت مطامح الشعوب ولم تدجّن وتدمر الانسان. هكذا اختصر اليساريون الثورة إلى ضرورة تعلّم طقوس رجال الدولة بدلا من أن يكنسوا تقاليد الدولة ويدخلوا الشوارع والأزقة الى ذلك الكيان الأصم!! وكأن الاتحاد السوفياتي لم يكن سرطانه الذي قضى على الماركسية واللينينة والتروتسكية هو تحول الثوريين الحالمين إلى رجال دولة يمسكون بالعصا فقضوا على حياتهم وقضوا على ثورتهم من خلال تلك العصا: مرة يمسكون بها من الوسط ازاء السياسة الخارجية، ومرة من الطرف يسوطون بها شعوبهم ورفاق أمسهم. يتحدثون اليوم عن ضرورة نزع سلاح حزب الله! لا يتحدثون عن أسباب القضية واستحقاقات الضحايا لعقود وعقود، بل يتحدثون عن احترام الامر الواقع وضروروة عدم تغيير الامر الواقع (الذهبي). ممنوع ان يبادر اي واحد لتغيير الامر الواقع، والا فانه مغامر (يساري طفولي؟) مغامرة غير محسوبة!! نعم! لقد تغيّر مفهوم الثورة من حلم إلى مغامرة غير محسوبة! والمغامرة غير المحسوبة تعود في الأصل إلى التفكير في المحسوب. والمحسوب شيء له علاقة بالحسابات. والحسابات شيء له علاقة بالأرقام. والأرقام شيء له علاقة بالمدخول والصادر: اي حسابات المصالح لا حسابات المباديء! شعارات من مثل (ان حركتنا لا تأخذ بنظر الاعتبار المصالح الضيقة ولا تأتمر بالامر الواقع) هي حسابات مغامرة، تماما كما كانت حسابات لينين مغامرة حين رفض أن يأتمر للأمر الواقع وغيّر روسيا وحوّل البلاشفة من أقلية الى سلطة السوفيات عبر مغامرة اسمها الثورة وكما هي مغامرة النبي محمد في نشر دين الاسلام بين كلتة صماء من المشركين. آسف جدا على هذه الاستطالة. بيد أن الوجع أكبر من جبل. مع الود
#حازم_كمال_الدين (هاشتاغ)
Hazim_Kamaledin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القيامة
-
صحراء من الرز الخام
-
سيدة الوركاء
-
النظام المتكرّش
-
العائلة المقدسة الرقيّم الثاني
-
العائلة المقدسة الرقيّم الأول
-
العائلة المقدسة - الرقيّم الثالث - الأحـلام
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|