أيوب بن حكيم
الحوار المتمدن-العدد: 6871 - 2021 / 4 / 17 - 01:45
المحور:
كتابات ساخرة
ترنحَ السكير قبل أن يسكر، وتباكى على حائط مبكى الحانة قبل وقت التباكي !
نظرت إليه الساقية بغير تعجب فهو قاطنٌ الحانةَ من سنوات طوال، ابتسمت له تلقاء شفقةٍ وطفقت تخلط خلطتها التي هي خلطته المعهودة.. والساقي النحرير من تحرى الإخلاط بإتقان تام يريح أرواح ندمائه الشقية بخلطة نقية..وساقيتنا حفظت التوجهات الشربية لشرّيبيها. فالساقي على حد قول بعضهم ( بديع الجمال، زائد في الصرف والدلال، يفوق ببديع محاسنه الأتراب، ويدهش بلطف شمائله عقول أولي الألباب ).
تماهت أنواع الخمر وانشدّت لبعضها وتواطأت؛ وكثيرا ما ينشدّ الأشرار لبعضهم ويتشتت الأخيار عن بعضهم وفي ذلك قولة الإمام علي عليه السلام: ( فيا عجبا لتوحدهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم ) فتواشجت ألوان الخليط الذي ما فتئ يأخذ لونا موحدا كإمارات وقبائل كانت متعقفة فاتحدت قبل أن تهوي مكعبات البرَد عليها لتخفيف حدتها وتكسير لوعتها وتعزيز وحدتها القومية رغم أن هذه الخمور مصنعة في دول مختلفة !! إنها عولمة الخلطة لدى الساقية التي مكرت بالفودكا الشيوعية والويسكي الرأسمالي الليبيرالي من راحتها في راح واحدة !
مُزجتِ الكأس ماءً فكأن ضوءا غزاها فإذا بها صهباء سلافة تسر الندماء الشاربين، فإذا بالقدح كأس، كما الخشب فأس.
خطف الشرّيب الجاب من يد النادلة الحرّيفة غير عابئ بما قلناه، ونظر إلى مكعبات الجليد وابتسم بمرارة قبل أن يرجها بعنف الضعيف.
تصادمت المكعبات بين حواف الكأس الداخلية فتصادت تصاديا فتصاعدت رنة كأجراس بيعة في خلاء ديْر، وخفت حدتها مع دوران المشروب كدوامة في بحيرة ساكنة، أو كطواف الحجاج حول كعبتهم الآمنة.
خفت الرنين بل كاد يختفي بعد تصالح السائل والمكعبات في اتجاه واحد عقب الدوران قبل أن يعب السكير المشروب في جوفه مانحا الثلج فرصة الرجوع إلى الكأس بزمّ الشفتين في الوقت المحدد تلقائيا فارتدت المكعبات محتجة لكن امتعاضها ذوى متذرعة بكون بعض سائلها الذائب ولج جوف صاحبنا فعدّتْ ذلك إنجازا. وتمنت لو يتأخر الشريب في الشربة الموالية حتى تذوب في مشروبها لكن هيهات فلم يمهلها سكيرنا فرصة الذوبان وهوى بالراح ثانية زامًّا شفتيه لكن المكعبات سبقت السائل هذه المرة وانحشرت في حلق صاحبنا فتلوع جوفه من البرودة لكنه عصر حرارة جوفه على المكعبات التي ما فتئت تتذاوب وتتماوت قبل أن ينهال عليها بالخليط فنزل الجمع المبارك إلى الأسفل وسرعان ما شعر السكير بغثيان جعله يتقيأ الجميع على ( الكونطوار ) بما في ذلك ttappa ....
انزعجت الساقية من مكعبات الثلج التي تآمرت فعاقبتها بمسحة من معقم قوي... فمسحت الجميع من على وجه الأرض ..
مد السكير يده بثمن المشروب مبقششا ، فتلقفته الساقية بحبور حزين، وانصرف مترنحا متباكيا مع أنه لم يشرب !!
#أيوب_بن_حكيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟