|
الموكب الملكي بين ثوار يناير والمتحف الجديد!
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 17:52
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
ما فائدة كل ما تعلمته في 74 عاما إذا كانت الصورة تخدعني، والمشهد الخاطف يخلب لُبّي، والزينة المؤقتة تسحرني فتنسيني ما يخفيه المشهدان: ميدان التحرير عندما غضب أبناؤنا على صمت آبائهم طوال ثلاثين عاما من حُكم إرهابي ولص ومحتال ومهرّب أموال الشعب، والمشهد الثاني جميل ووطني ومفعم بالمصرية الفرعونية لكن المحتفلين به لا يتنفسون إلا بأمر الفرعون الجديد، ولا يصرخون من الألم، ولا يرفضون بيع الجُزر الاستراتيجية، ولا يحافظون على دستورهم الوطني وهو يمثل ثبات الكرامة المصرية؟ المشهد الأول شبابي وإنساني وفيه غضب العبور من المهانة إلى الكرامة ولو استمرت 18 يوما، والمشهد الثاني جميل ظاهرا، وقديم قِدَم التاريخ، وتصوير حيّ لحضارة خمسة آلاف عام انتهت إلى جعل أحفاد الفراعنة خائفين، مرتعشين، أذلاء أمام الفرعون الجديد. المشهد الأول فيه حلم المستقبل الذي جمع ملايين المصريين، وكل منهم يرسم وطنا مليئا بحقوق الإنسان وكرامته واستتباب العدالة؛ وحمل الربيعُ نتائج ثورة قبل سرقتها؛ والمشهد الثاني يشاهده ملايين المصريين تلفزيونيا، والشعب الخائف يقوم بتنصيب الفرعون الثالث والعشرين! المشهد الأول غاضب على السلفية التي يمثلها الفرعون، وغاضب على كلاب اللص الذي فرّغ خزانة وطنهم في ثلاثين عاما فصنع جمهورية الرعب، والمشهد الثاني فيه عربات مُذَهبة تودّع مقرا لتستقر في آخر، ويستقبله الفرعون الثالث والعشرون بكل ما يحمل من غطرسة وغرور وطاووسية واحتقار لعبيده. المشهد الأول يرصد شبابا ينام بجوار الدبابات وقد تلقى من صمت الآباء جرعات شجاعة ودفع ثمنها 800 من فلذات كبد الأم المصرية، وفقأ الأوغاد عيون المئات الآخرين، والمشهد الثاني اختلط فيه الملوك الذين حكموا أم الدنيا منذ آلاف السنين، فلم نعرف منهم الملائكة والشياطين، ولم نتمكن من توثيق حقوق المصريين ؛ فهل كانوا أسيادًا أم عبيدًا، وفي النهاية وفي عام 2021 نجعل الملكات والملوك كلهم من جنس الملائكة والأبطال والفرسان والفاتحين، ونحتفل بهم بعد موتهم بآلاف السنين! المشهد الأول كان ميدان التحرير قِبْلة الدنيا كلها، فالمصريون قادمون وهمم يحملون قيَم التسامح والصِدق والغضب والحرية والكرامة رغم أن شباب الثورة كلهم وُلدوا في أحط عصور الديكتاتورية، والمشهد الثاني يقف الفرعون الثالث والعشرون واضعا أصابعه في عيون شعبه ومتحديا من يتكلم أو يصيح أو يصرخ أو يطالب بحقوقه أو يحلم بمستقبل مشرق أو حتى يتمنى في صمت أن يفرج الفرعون عن زملائه وأبناء بلده المقموعين في زنزانات قذرة وبدون محاكمة لأنهم غضبوا لكرامتهم من ديكتاتور؛ فساعده الفرعون في الاحتفاظ بأموال الشعب المُهربة، وأقام له جنازة عسكرية مهيبة فالبقاء للصوص سواء في القصر أو في التابوت! المشهد الأول يمثله أبناؤنا فعوقبوا على رفضهم المهانة، والمشهد الثاني يمثله الخائفون من قبضة الفرعون، فكافأهم بالتفاخر بماضٍ لا يعرفون عنه غير آثار عريقة وبديعة وصمّاء، بدون روح تنفخ حاضر المصري ليشرق به مستقبله. المشهد الأول مدرسة في تعليم أمة قيمة الاحتجاج والغضب والدفاع عن الوطن، والمشهد الثاني يحتفل فيه الفرعون الثالث والعشرون بهراوته، واختياره لأحمق وأسوأ وأعفن وأحقر وأشرس إعلاميين ونوابا ومحافظين ولصوصا وسط سكون وخرس ومهانة من أعرق شعوب الأرض الذي يحتفل باثنين وعشرين ملكا وملكة، في حضرة الفرعون الأكثر فشلا في التاريخ الحديث. المشهد الأول تتصدره قلوب مُنتزعة من الأسُود، والمشهد الثاني تقوده ألسُن وأرواح وأجساد لا تتحرك إلا (بتوجيهات السيد الرئيس)! المشهد الأول كتب رسالة حب وأودعها ميدان التحرير، فمزقها الأوغاد من شرطة وعسكر ومتأسلمين وسلفيين ومنافقين وجبناء، والمشهد الثاني كتب رسالة أمْرٍ للشعب أن يصمت كما صمت قدماؤه، وأن يغض البصر عن النيل وسيناء والإرهاب والغاز والسجون والمعتقلات والجزيرتين والقروض وحقوق البشر! المشهد الأول ربّاني في رسالة شبابية نبوية، والمشهد الثاني تمثيلي أرضي لتثبيت القناعة أن الملوكَ أسيادٌ، والرعية عبيد. المشهد الأول احتفل به لثمانية عشر يوما الآباء الذين صمتوا ثلاثين عاما على سرقة وطنهم، ثم صبّوا لعناتهم على من صنع لهم(وكسة يناير) التي حررتهم، والمشهد الثاني جمع كل المنافقين والأفاقين والجهلة وأعداء الشعب في زينة لم تشهد لها مصر مثيلا، فلم يكن احتفالا بموكب ملكي فرعوني، ولكن كان لتنصيب ملك جديد، لا يرحم ولا ينُصت، ويبني لنفسه وللملكة زوجته قصورا واستراحات قد تتحول بعد موتهما إلى معابد ومَسَلات وربما أهرامات أكبر. المشهد الأول خاف كل المعلقين والإعلاميين والمسؤولين في المشهد الثاني أنْ يذكروا كلمة( يناير) فهي تُنزل الرعب في قلوب الجبناء، والمشهد الثاني تسلـّم الشعب في احتفال مهيب سلاسل حول الرقبة؛ فالفرعون الثالث والعشرون يستعد وعائلته لحُكم مصر الصامتة مئة عام أخرى. المشهد الأول فيه غزل تم مسحه ليصبح هجاء، والمشهد الثاني فيه هجاء امتدحت فيه أمة بكاملها، فتنصيب الفرعون يحتاج للسحرة والثعابين وهامان والصرح العالي لعله يشاهد إلــَـهَ المصريين، وما يظنهم إلا أنهم كاذبون. المشهد الأول اختطفه نائب الديكتاتور فعسكره، ثم انتخب المصريون بالوعي الديني الزائف درويشا لم يتمكن من لعب دور الفرعون، فجاء الفرعون الثالث والعشرون ليذيق المصريين الــذُل والهوان والخرس، ويبني بجانب كل سجن لهم قصرا له! تماما كما يزايدون بــ( يحيا الجيش) ويقصدون بها يحيا الفرعون، يفعلون الأمر الآن، ويستدعون مومياوات من عُمق التاريخ لتشهد حفل تنصيب الثالث والعشرين. سيقول الحمقى: ألستَ فرحا بالاحتفال المهيب الذي كاد يسجد بعده الفنانون والإعلاميون والمثقفون للفرعون الحالي؟ المشكلة أنك لا تستطيع أن تمتدح في شجاعة أبنائك الينايريين؛ وعليك أن تنبهر بملوك مرّوا من هنا قبل الزمان بزمان للتوقيع على الجملة الأخيرة التي ترفع الفرعون الثالث والعشرين ليجلس بجوار الله في عليائه. هل تشعر بالقرف والقيء والغثيان وأنت تتابع إعلاميي القحط والمذلة والعبودية والنفاق؟ إذا أجبت بنعم، فمصر في صدرك لا تبرحه حتى لو اضطررت إلى الصمت. فجعتني، وآلمتني، وأحزنتني مدائح المثقفين وهي تقارن بين المشهدين: يناير 2011 وابريل 2021 فبصقوا على الأنبياء الصغار وقبّلوا أقدامَ الفرعون الثالث والعشرين. كان الاحتفال جميلا، ومنظــَـمــًا، وأنيقــًا، وبذل فيه الفنانون والموسيقيون ومصممو الأزياء والمتاحف والعربات والأوركسترا جهدا عظيما، وأسوأ ما فيه هو الفرعون الثالث والعشرون! طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين أوسلو في 4 ابريل 2021
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضرورة تغطية وجه الرجل!
-
ماذا لو أنك استغفرتَ اللهَ لإبليس؟
-
رسالة شُكر لمعارضي نوال السعداوي!
-
الدكتورة نوال السعداوي والجراد النتّي!
-
إلا رسول الله!
-
غزو الثقافة الجديدة!
-
وداعا أيها الصادق الأمين!
-
مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء السادس
-
السقوط المصري و.. التطبيع العربي!
-
مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الخامس
-
مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الرابع
-
مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الثالث
-
مقطع من يومياتي بعد موتي! (الجزء الثاني)
-
مقطع من يومياتي بعد موتي!
-
ستة أيام في المستشفى!
-
لماذا لا يتعلم المصريون من الجزائريين؟
-
أكملت اليوم 74 عامًا؛ وماذا بعد؟
-
صورة الله في عقل الإسلامي الحديث!
-
للمرة المئة.. تغطية وجه المرأة معصية لله!
-
اكتشاف لقاح مضاد لإبليس!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|