|
مضيق موسيمان - كوينزلاند أستراليا
دينا سليم حنحن
الحوار المتمدن-العدد: 6858 - 2021 / 4 / 3 - 09:49
المحور:
الادب والفن
ذاكرة مكان رحلة إلى ممر "موسيمان" شمال ولاية كوينزلاند. بقلم: دينا سليم حنحن
الطريق التي تنعدم فيها المياه، تبقى طريقًا وعرة لا معنى لها، طريقًا مثقوبة وخالية من أي جوهر. أوّل الطريق ممشى داخل غابة وآخرها شعب أصيل يدعى الأوبرجين
ليست كل طريق تؤدي إلى شيء، توجد طرق تؤدي، وطرق لا تؤدي، طريقنا في هذا المقال، توصل إلى اكتشاف حضارة طُمرت داخل الغابات المكتظة على جبال قارة جنوبية، كانت منسية، وأصبحت فيما بعد ذخرًا للحياة. يبدأ مشوارنا داخل جبال تكتظَ بالأحراش، مطيرة، تقع شمال شرق ولاية كوينزلاند، في منطقة تدعى ممر موسيمان Mossman Gorge . أدغال تبعد عن مدينة كيرنز 77 كم، شمالا، 20 كم عن ميناء Port Douglas، القائم على بحر الكورال.
من المستحسن الوصول إلى المنطقة بسيارة شخصية حتى مركز الاستعلامات، ومن هناك استقلال حافلة سياحية تأخذنا حتى بداية السّرب، حيث يسير الركب فيه بطريقة منظمة، داخل ممرات مصنوعة من جسور حديدية، تسهيلا على الزائرين. من يدرس المكان بدقة يجد ما لم يكن في الحسبان، وعند وصول الشلال الذي يرمي مياهه العذبة داخل بحيرة مكونة من صخور ملساء، يمكنه السباحة، بحيرة برّية، لم تلوثها يد إنسان، وهي مؤهلة للسباحة والغوص، شعور جميل لا يمكن وصفه عندما تعانقك الطبيعة في سماء مفتوحة، وتلاحقك أسماك المياه العذبة، يصفو الذهن من كل شوائبه، وتمحى طباع البشرية الآجنة بمجابهة الطبيعة العملاقة، وينقى ذهن المرء من كل موبوءة عالقة، في تلك الجنة المختبئة، يتطهر الإنسان من كل أطماعه في الحياة، ويتخلى عن أحقاده وغيرته، وينحسر تفكيره فقط بشيء واحد، وهو، عظمة الكون، فيبدأ يتساءل عن كنه الشعب الأصلي الذي اتخذ تلك الأماكن مسكنا له.
شخصيًا، آمنت بعظمة الإنسان وقدرته على التكيف، لكنه يبقى ضعيفًا أمام عظمة وجبروت الكون، فالظروف البيئية والمناخية العسيرة، تفقده القوة، وأظن أن الشعب الأصلي استطاع البقاء على قيد الحياة آلاف السنين، وبفضل إيمانه الهادئ عاش في الظروف المناخية، والأماكن القاسية بعد أن استقى عادات العيش، والتأقلم في ظلال ظروف مناخية تضطرب، وتتغير خاصة في الفصول الرطبة. ومن المعلوم أن الصراع على الحياة يلزمه التكيف، والتكيف ثقافة تتوارث. اعتاش الأوبرجيني على النباتات الصالحة، وروّى ظمأه من مياه عذبة نظيفة جارية، قام بصيد أسماك جرفتها الأنهر والشلالات عند حصول المدّ، وتغذى على نباتات منحته النشاط، وخفّة التنقل. تعقّب أثر الحيوانات، ونصب لها الشِراك، وتشارك مع قبيلته اللقمة، نام على أغصان متينة عالية متجنبًا خطر حيوانات الليل الشرسة، وتغطى بأوراق الأشجار العملاقة، وإن حدث، وأصيب بنائبة، قام بامتصاص أوراق شجر صحراوي يدعى wattle ، ذات المذاق الحلو، جيدة تقوّي نسبة الدم في الجسد، يغليها ويشربها عندما يستشعر إعياء، أو مرضًا، وقام بصنع مشروب ساخن شبيه بالشاي من نبتة قارية تدعى Sarsaparilla استطاع تمييزها من شكل أوراقها، وقد نشأت في داخل كل ورقة منها جذور أخرى اتخذت شكل ورقة جديدة، احتسى هذا النوع من الفاكهة، وقام بغلي أوراقها، واحتفظ بشرابها مغليا.
كما اعتاد الأبورجيني أيضا على تناول الرخويات نيئة، Abalone، الصفيلح، (ما تسمى بأذن البحر)، وهي تتمتع بقيمة غذائية كبيرة، جمعها داخل ورقة شجر عملاقة، استخدمها بديلا عن طبق الطعام، واستخدم أيضا قشور بعض الأشجار كنوع من البهارات، مثل نبتة الزنجبيل، والسبانخ البري، وغيرها، فيما بعد، اعتمد على نبتة lemon myrtle، آس الليمون التي جلبها الكابتن جيمس كوك معه إلى القارة سنة 1770، وتناول العسل الطبيعي البري، الذي تربى داخل خلايا معلقة على الأشجار. وعند الاغتسال، استخدم نباتا ذا أوراق رفيعة، تنبعث منه رغوة تشبه الصابون عند فركه بالماء، واستخدم الرغوة في تعقيم الجروح والقروح.
في هذه القارة الموحشة، والأليفة، امتزاج نادر، يحاكي الماضي فيها المستقبل حيث استمرارية الحياة هنا تخضع لشروط التكيف والقبول بالموجود. لا شيء يستطيع تغيير الجيولوجيا العقيمة!. يمكن لكل أسترالي التأقلم مع الطبيعة القاسية، وإن كان الشخص يتمتع بقدر كاف من الذكاء يمكنه أن يتخذ صاحب الأرض صديقا ودليلا، ليدله على الطريق، ويرشده إلى الانغمار في الأماكن بغموضها، وشموخها. معا.. نسير في السرب ذاته من أجل حياة أفضل، ويبقى الحلم قائما من خلال الإيمان بالشخص الآخر، وعدم مصادرة أحلامه، بل في التقرب منه والبوح، إنها المحادثة تهذب الروح، وتطهرها. لنحافظ على أرواحنا انعكاسا لمياه الشلالات، نقاء، وعذوبة، واستمرارا في بناء أخوة شامخة في قارة عظيمة تدعى أستراليا.
#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمال بعيون عذراء
-
إلى الرجال بمناسبة عيد الأم
-
مشهد من سيرة حياة. مدينة اللد
-
روما سوسنة الحب
-
من نيويورك إلى واشنطن العاصمة
-
قراءة تكوينية في قصة-الضباب- لدينا سليم حنحن
-
الضباب - الزّنجي
-
خطوات في المساء
-
سنة 2021
-
خطوات راسخة
-
الحياة مستنقع
-
تيفولي - ايطاليا
-
من يافا إلى بيروت
-
منطقة كانغرو بوينت
-
فظاظة اللسان
-
مش غلط أتذكر
-
رحلة إلى جزيرة جيمس بوند - تايلاند.
-
رحلة الهجرة، إصرار وواقع.
-
حملت البومة الأمنيات
-
رحلة إلى شلالات هوكا - نيوزيلاندا
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|