|
إصلاح الاستبداد من الداخل
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
الحوار المتمدن-العدد: 6853 - 2021 / 3 / 29 - 14:50
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ملخص حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.
فريق دار الأكاديمية: هل تعتقد بأن هناك أملاً في تبني أي من المستبدين لرؤى إصلاحية على نسق رؤى غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفيتي في البيرسترويكا والغلاسنوست، بحيث يمكن أن يقود ذلك إلى إصلاح نظام استبدادي من الداخل بشكل سلمي، أو أن ذلك لا بد أن يقود إلى تفكك المنظومة الاستبدادية كما حدث في الاتحاد السوفيتي؟
مصعب قاسم عزاوي: أعتقد بأن ذلك الطموح لتغيير الأنظمة الاستبدادية من الداخل عبر رؤى واجتهادات لتوطيد الديمقراطية وخلع الصفة الاستبدادية عن نظام ما، طموح مشروع وينطوي على شحنة أخلاقية عالية، نظراً لأخذه بعين الاعتبار الكلفة البشرية المهولة المحتملة في سياق أي تغيير للنظم الاستبدادية لا ينبع من داخلها. وعلى الرغم من ذلك كله، فإن نظرة مدققة إلى جل التغييرات السياسية والاجتماعية الجذرية على المستوى الكون لا تشي باحتمالية تحقق ذلك الطموح الأخلاقي والموضوعي. وذلك قد يكون السبب الذي قاد إلى عدم تمكن غورباتشوف من إصلاح نظام سياسي قائم على الاستبداد - حتى لو كان ذلك تحت شعار «الاشتراكية والعدالة الاجتماعية» - من داخله على الرغم من تقلده لأعلى منصب في الاتحاد السوفيتي قبيل انهياره. والواقع المبسط أن نظام الاتحاد السوفيتي الذي كان قائماً، كما هو الحال راهناً في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، على سيطرة القبضة الحديدية للمؤسسات الأمنية التابعة للحزب الوحيد الحاكم، و هو ما تناقض بنيوياً ووظيفياً مع جوهر فلسفة البيرسترويكا الذي تمحور حول تخفيف القبضة الأمنية على مفاصل المجتمع، وإعادة الاعتبار الجزئي والتدريجي للحريات المدنية الأساسية، وهو ما عنى فعلياً انفراط «العقد العسكري الأمني» الذي جمع بالقوة مجتمعات واسعة في كيان سياسي مختلق في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى أطلق على نفسه اسم الاتحاد السوفيتي، و هي في الواقع مجتمعات لا يربطها أي رابط تاريخي فيما بينها سوى كونها كانت خاضعة لاستعمار روسيا القيصرية سابقاً، والجيش الأحمر لاحقاً. وهو الانفراط الذي أفصح عن نفسه بشكل عياني مشخص حينما رفض غورباتشوف، في خطوة يستحق الثناء والتقدير التاريخي عليها، نزول الدبابات لقمع المواطنين المنتفضين في ألمانيا الديموقراطية السابقة والزاحفين لتهشيم جدار برلين الذي مثل حدود النفوذ السوفيتي في شرق القارة الأوربية، في رمز لانتفاضتهم، وإعلانهم الانعتاق من ذلك النفوذ. وهو ما عنى فعلياً بداية النهاية للاتحاد السوفيتي التي حدثت لاحقاً وبإخراج لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي حدث في دول حلف وارسو من قبل. ولكن الطريف والجدير بالإشارة إليه، هو الانقلاب البهلواني الذي قامت به قيادات الصف الأول في الحزب الشيوعي الرديفة لغورباتشوف إبان فترة حكمه، و التي ضمت قيادات عقائدية مؤمنة آنذاك «بالاشتراكية العلمية القائمة بالفعل» في الاتحاد السوفيتي من قمة رأسها إلى أخمص قدميها مروراً بنقي عظمها ، لتصبح بين عشية وضحاها حاملة مشعل الرأسمالية الليبرالية الجديدة المتوحشة التي لا قيمة لديها تعلو عن قيمة الربح السريع بغض النظر عن أي أضرار جانبية قد يحدثها ذلك السعي المحموم لتحقيق أرباح صاروخية بأقصر الآجال على البشر أو المجتمع أو البيئة؛ وأنه لا قيمة للإنسان في مجتمعه سوى ما يمكن له أن يجترحه وفق قانون «اقتصاد الغابة» الذي لا بقاء فيه إلا للأكثر «فتكاً وبأساً ووحشية». والمثال الأكثر وصفية عن تلك القيادات هو الرئيس الأول لروسيا الاتحادية «بوريس يلتسن»، ومن لف لفه من قيادات حزبية وأمنية وعسكرية ضمت القيادي في جهاز مخابرات الاتحاد السوفييتي آنذاك «فلاديمير بوتين»؛ في تجل صارخ لتغيير قناع الكتلة البيروقراطية الأمنية التي مثلت «أس الطليعة الثورية التلفيقية» في حقبة الاتحاد السوفييتي، والتي لم تجد ضيراً في سلخ و تغيير جلدها العقائدي بين عشية وضحاها لتعيد إنتاج نفسها بلبوس رأسمالي صارخ بعد أن كان شيوعياً في الليلة السالفة. واستعادة ذلك التاريخ تشي بصعوبة تحقق ذلك الطموح الأخلاقي بالتغيير التدريجي للنظم الاستبدادية من الداخل عبر استدماج الإرادات الخيرة في خطة ونموذج عمل أصحاب الحل والعقد في تلك النظم، نظراً لأن غالبية النظم الاستبدادية تقوم في آليات عملها الداخلية بالاستناد على مجموعة من «المرتزقة الانتهازيين الطفيليين المؤدلجين» على شاكلة «وعاظ السلاطين»، والذين ينظرون إلى موقعهم القيادي بأنه مفتاح لتحقيق «مآربهم الانتهازية»، وأن الحفاظ على سلامة «الجسد الاستبدادي» الذي يستمدون منه قدرتهم على النهب الطفيلي للمجتمعات التي يستأسدون عليها واجب لا بد من القيام به كضامن وحيد لاستمرار وضعهم ومكانتهم «الانتهازية المرموقة» في بنيان ذلك الجسد. وإن استدعت شروط خارجية تغييراً بنيوياً أو وظيفياً في آليات عمل «النظام الاستبدادي» فإنهم سوف لن يدخروا جهداً لإعادة تحوير وتوجيه تلك التغييرات إلى نسق لا يهدد «ميزاتهم الطفيلية»، وقدرتهم على الحفاظ على مكتسباتهم الانتهازية؛ وهو ما قد يعني من الناحية العملية استحالة تغيير النظم الاستبدادية من داخلها لعدم وجود أرضية يمكنها تقبل أي تغيير حقيقي ذي معنى في بنيان ووظيفة «النظم الاستبدادية»، وهو ما يعني بشكل واقعي أن إزاحة الاستبداد والمستبدين تمثل مهمة اجتماعية يرجح أن تكون حصيلة مخاض ونضال تراكمي عسير وشاق في غالب الأحيان.
***** لقراءة النص الكامل للحوار الذي أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي بشكل كتاب إلكتروني مجاني يمكن مراجعة الرابط التالي على موقع دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن:
https://ar.academy.house
#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)
Mousab_Kassem_Azzawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفيتامينات والمكملات الغذائية
-
أسباب وأعراض سرطان الدم الليمفاوي المزمن
-
تصحر الثقافة السياسية
-
الإكسير السري للصحة والعافية والعمر المديد
-
أسباب وأعراض سرطان الثدي عند الرجال
-
دفاعاً عن نهج الاستنارة والتنوير
-
العلاقة بين البيئة وصحة الإنسان من منظور الطب الشمولي
-
الموات النخري للصحافة والإعلام العربيين: عود على بدء
-
العلاقة المتبادلة بين البيئة وصحة الإنسان
-
أسباب وأعراض سرطان الرئة
-
في ذكرى اليوم العالمي للمرأة
-
حطام المجتمعات العربية الهشيمية
-
النُخَبُ التلفيقية
-
أسباب وأعراض سرطان الدم النخاعي الحاد
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
-
العدو الوجودي للنظم الاستبدادية
-
أسباب وأعراض سرطان الدم الليمفاوي الحاد
-
الديموقراطية التمثيلية المسرحية
-
أسباب وأعراض سرطان الكلية
-
المهمتان التوأمان: حماية كوكب الأرض والمحافظة على صحة الإنسا
...
المزيد.....
-
ما قصة أشهر نصب تذكاري بدمشق؟ وما علاقته بجمال عبد الناصر؟
-
الاشتراكيون بين خيارين: اسقاط الحكومة أم اسقاط الجبهة الشعبي
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تعمل من أجل إنجاح الإضراب الع
...
-
تعليم: نقابات تحذر الحكومة ووزارة التربية من أي محاولة للتم
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
-
استمرار احتجاجات ألمانيا ضد سابقة تعاون المحافظين مع اليمين
...
-
رائد فهمي: أي تغيير مطلوب
-
تيسير خالد : يدعو الدول العربية والاسلامية الانضمام إلى - مج
...
-
التخطيط لمظاهرات في ألمانيا لمناهضة التعاون مع اليمين المتطر
...
-
Al-Sudani and Keir Starmer’s meeting – and male hypocrisy!
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|