كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 6852 - 2021 / 3 / 28 - 21:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بن سالم حميش المعروف بممارسة الدجل والتدليس المعرفي لتمرير خطابه العرقي المعادي للإختلاف والتناقض والتحرر, لا يعترف بالموانع الاخلاقية والأدبية للكذب أو تقويل الأخرين بما لا يعترفون به أصلا أو التوضيف اللاأخلاقي لأفكار بعض المؤرخين والكتاب كما يحلو لبن سالم حميش.
يقول حميش: "للتذكير نقول إن مسألة القرابة البربرية اليمنية قد شغلت في الماضي كبار المؤرخين المسلمين المعروفين, واختص بينهم ابن خلدون بموقف إثبات تلك القرابة إذ يرجح في كتاب العبر (بكلمته "والحق عندي") نسبة صنهاجة وكتامة الى القبائل حمير اليمنية, ويسجل في المقدمة: " وذهب الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والبيهقي الى أن صنهاجة وكتامة من حمير, وتأباه نسابة البربر" (16)".
بالدجل المعرفي يوضف حميش ابن خلدون و بشكل اللاأخلاقي بإدعاءه الكاذب أن ابن خلدون يؤكد و يثبت عروبة صنهاجة وكتامة. الصحيح هو ما سجله ابن خلدون في (العبر و ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر) وهو مايلي:" من الأخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة في أخبار التبابعة ملوك اليمن وجزيرة العرب أنهم كانوا يغزون من قراهم باليمن الى إفريقية والبربر من بلاد المغرب,... وأن أفريقش بن قيس ... غزا افريقية وأتخن في البربرو وأنه الذي سماهم بهذا الإسم حين سمع رطانتهم.... وأنه لما انصرف من المغرب حجز هناك قبائل من حمير وأختلطوا بأهلها ومنهم صنهاجة وكتامة ومن هذا ذهب الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والبيهقي الى أن صنهاجة وكتامة من حمير....وهذه الأخبار كلها بعيدة عن الصحة عريقة في الوهم والغلط وأشبه بأحاديث القصص".
كما يظهر الدجل والتدليس عند حميش بالتلاعب بالأقوال والجمل وتوضيفها كما يحلو له, لإثبات العروبة المزعزمة للقبائل الامازيغية بهدف شرعنة الاستعمار العربي. مؤدلجي العروبة الاستعمارية لم يختلفوا عن مؤرخي الاستعمار الأوروبي في البحث عن أصول الامازيغ خارج موطنهم الاصلي تامازغا (شمال افريقيا), مؤدلجي العروبة أرجعوا أصل الامازيغ الى العرب و مؤدلجي المركزية الاوروبية أرجعوا هذا الاصل الى اوروبا, وهدف الاثنين معا شرعنة الاستعمار. اما الحقيقة التاريخية والعلمية تأكد حتى اليوم أن أصل البشرية إنطلقت من بلاد الامازيغ (شمال افريقيا), و إستوطنت العالم, وموطن الامازيغ الأصلي والوحيد هو شمال افريقيا, لم يأتوا من الشرق ولا من الغرب.
ينقلنا حميش من إثبات الاصول الى النمط الثقافي الوهمي, و يقول" أن ثقافة البربر، بعيدا عن أيِّ إحالة إثنية ضيقة، عربية قلباً وقالباً ومتناً ومبنى، وهي ما زالت كذلك إلى اليوم ساريةً متنامية عند بربر هم حقا أحرار يحملون استعرابهم الثقافي في أسمائهم وإنتاجاتهم الفكرية والبحثية والأدبية بلغة الضاد اللاحمة المشتركة. وفي السياق نفسه سبق لابن خلدون أن عقد في الباب السادس من المقدمة فصلا سماه " في أن حَمَلَة العلم في الإسلام أكثرهم العجم" أي من فرس وأتراك وكرد وبربر وغيرهم، عربيتهم كمنت في لسانهم وثقافتهم وكتاباتهم، وهنا يقوم الثالوث الذي لا يجوز القفز عليه إلا أن يكون القافز من محترفي الخلط والخبط والتدليس"
صاحب حقيبة الثقافة السابق في القصر العلوي, حميش, يقع كعادته في التدليس والتخبط والخلط بسبب تخبطه الفكري المثالي وميتافيزيقية منهجيته, يتخذ من الإنتاج المعرفي للشعوب حالة منعزلة عن واقع هذه الشعوب, يجعل من الواقع المادي في إختلاف و تناقض دائم مع الإنتاج اللامادي.
الثقافة هي جميع القيم و الاعمال المادية واللامادية التي أنتجتها وأبدعتها مجموعة بشرية في مجتمع معين نتيجة التغيرات الطبيعية والاجتماعية المدركة في عملية الصيرورة التاريخية و التطور المجتمعي وتطور الجماعة كعملية اجتماعية من خلال النشاط الابداعي. بهذا المعنى ينظر الى الثقافة من خلال العلاقة الجدلية بين ما هو منتوج واقعي مادي و بين ما هو فكري اللامادي, (الانتاج الفكري اللامادي هو إنعكاس للواقع المادي).
حميش يتحدث عن الثقافة العربية للامازيغ, كما يقول" أن ثقافة البربر، بعيدا عن أيِّ إحالة إثنية ضيقة، عربية قلباً وقالباً". فأين تتجلى هذه الثقافة العربية؟ فهل في المطبخ أو اللباس أو العمارة أو في الزخرفة و النقوش أو في الصناعة الحرفية أو في الفلاحة أو... . التراث المادي لبلاد الامازيغ كما تشهد عليه الابحاث الأنتروبولوجية والإبستمولوجية والتاريخية هو تراث أمازيغي, فكلما ذكر هو إنتاج مادي من إبتكار أمازيغي (مسألة التأثير والتأثر من وفي ثقافات حوض البيض المتوسط تبقى نسبية), فالعمارة الامازيغية تختلف عن الخيمة العربية, والمطبخ المهيمن في بلاد الامازيغ يعبر عن محليته الامازيغية وهو مختلف عن المطبخ العربي, يقول ابن خلدون في (العبر):" العرب لما كان لهم الفتح و ملكوا فارس والروم...., قدم لهم المرقق فكانوا يحسبونه رقاعا وعثروا على الكافور في خزائن كسرى فإستعملوه في عجينهم ملحا وأمثال ذلك" ويضيف: "لم تكن أمة من الامم أسغب من مضر لما كانوا بالحجاز ... وكانوا كثرا ما يأكلون العقارب والخنافس و يفخرون بأكل العلهز وهو وبر الإبل يمهونه بالحجارة ويطبخونه, وقريبا من هذا كانت قريش في مطاعمهم و مسكاكنهم", فالكسكس يختلف عن وبر الإبل والفلاحة المحتاجة على الاستقرارتختلف عن رعي الابل المحتاج للتنقل (التناقض السوسيو-ثقافي بين النمط العيش الامازيغي والنمط العربي).
ان السلع المادية التي أنتجت وابتكرت في عملية الانتاج الاجتماعي أقصيت من طرف عقل حميش بسبب منهجيته الميتافزيقية ونمط فكره المثالي المتجلى في فصل الثقافة اللامادية عن أساسها المادي الواقعي, وإختزال الثقافة في الانتاج الروحي ومنها اللغة و تماشيا مع أقوال حميش, لكن هل بإعتقاد حميش أن ألانتاج الفكري مثلا في عهد الموحدي كان يعبر عن عروبة الامازيغ؟ وهل ما قدمه في المرحلة المعاصرة مختار السوسي أو ما قدمه محمد شكري من إنتاج فكري وأدبي هما تعبيران عن عروبتهما أو عروبة بلدهما؟ من السذاجة الحكم على ما أنتجه العقل الامازيغي هو تعبير عن العروبة. فسوس العالمة تعبير عن الافتخار بالانتماء السوسي الامازيغي و نبوغه. والخبز الحافي تعبير عن واقع أمازيغي مهمش مأساوي يئن تحت سلطة الآخر.
الانتاج الثقافي الروحي ( من أدب و فلسفة و فن تشكيلي وفلكلور وشعر و ...), هو تعبير عن خصوصية أمازيغية محلية حتى وإن كتب هذا الانتاج اللامادي بالعربية, فهو لا يعبر عن عروبة الامازيغ ولا عن واقع عربي بقدر ما يعبر واقع أمازيغي, يقول حميش:"يحملون استعرابهم الثقافي في أسمائهم وإنتاجاتهم الفكرية والبحثية والأدبية بلغة الضاد اللاحمة المشتركة" ما يقوم به حميش هو تدليس معرفي فاللغة المشتركة بين الأجناس (الإثنيات) لا تعبر عن الانتماء الإثنو-ثقافي المشترك, فمثلا اللغة الروسية في عهد الاتحاد السوفياتي كانت اللغة الموحدة للأمم المشكلة للإتحاد السوفياتي, كانت لغة الكتابة ولغة التدريس, لكنها لم تكن تعبير عن روسية الشعوب غير الروسية, مثلا الآذريون هم آذريون حتى اليوم ولم يصبحوا في يوم ما روس لأنهم كتبوا باللغة الروسية . مهمة هذه اللغة كانت التشارك بين الاقوام المشكلة للاتحاد السوفياتي السابق. والاسماء الروسية الإختيارية التي يحملها بعض الكزاخ مثلا لم تجعل منهم روس. حميش وضف بشكل اللاأخلاقي ابن خلدون للبرهنة عن عروبة الامازيغ المزيفة, يقول ابن خلدون في( المقدمة), ص.543, مايلي:" في ان حملة العلم في الاسلام أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية" و قول ابن خلدون ليس للبرهنة عن عروبة الامازيغ والكرد والفرس ..., كما يدعي حميش وانما لتبيان تخلف العرب و تحضر الاخرين ويذركهم بالعجم (الاجانب) وليس بالمستعربين كما يحلو لحميش (يحملون استعرابهم الثقافي في أسمائهم وإنتاجاتهم الفكرية والبحثية والأدبية بلغة الضاد اللاحمة المشتركة).
حميش يخلط بين اللغة التشاركية القهرية (العربية) وبين اللغة القومية, لغة الأم أو اللغة الطبيعية. اللغة العربية القسرية هي لغة فرضت بالقوة في التدريس والمؤسسات السلطوية, وليست لغة قومية أمازيغية, فايمازيغن يتحدثون باللغة الامازيغية الطبيعية المقصية من التدريس والمؤسسات السلطوية وبهذا لم تعطى لها فرصة تدوين الانتاج الفكري والآدبي... . حميش المتناقض مع نفسه من جعل الكتابة باللغة العربية برهان عن عروبة الامازيغ, فهل حميش يعبر عن فرنسيته حينما يكتب رواياته باللغة الفرنسية؟ حسب المعيار الحميشي فهو فرنسي الهوية الثقافية, وأغلبية العظمى من دعاة العروبة في شمال افريقيا هم فرنسيون قلبا وقالبا بتعبير حميش, ينتمون للثقافة الفرانكوفونية تعليما و كتابة.
الاسماء العربية واللغة العربية لا تعبرا بالضرورة عن عروبة حاملهما, وفي حالة الامازيغ فهما فرضتا قسريا وقانونيا وليس إختياريا,وهذا ما أشار اليه ابن خلدون في (العبر) الفصل الثاني والعشرون " في لغات أهل الامصار". ومازال هذا الفرض القسري والقانوني ساري المفعول في لوائح الاسماء الشخصية وفي السياسة اللغوية المفروضة على بلاد الامازيغ.
شعوب الأوطان المحتلة كانت ضحية الخداع اللاهوتي, قد ضللوا بوعي أو بدون وعي بالإعتقاد المغلوط بقدسية اللغة العربية ( بسبب تدوين القرآن بهذه اللغة في عهد ما بعد الدولة العباسية), ولهذا هجروا لغاتهم الأصلية لإرضاء الله والتقرب اليه بلغته هو, ليشفع لهم هذا التحول اللغوي يوم القيام, هذا السبب الرئيسي من دفع الفقهاء والحكام لإعتناق العروبة (اللغوية), وبإعتناق الحاكم أو شيخ قبيلة للعروبة اللغوية يفرض التعريب اللغوي قسريا على باقي أفراد القبيلة أو منطقة سيادة الحاكم. التعريف اللغوي للهوية قال به محمد بقوله" من تحدث بالعربية فهو عربي" ونفس التعريف سينقله عفلق عن محمد: " من تحدث بالعربية فهو عربي" ليقدم هذا التعريف للهوية العربية (الهوية اللسانية) و يقدمه حميش نموذج لتعريب الامازيغ.
في هذا الصدد يورد ابن خلدون في (المقدمة), ص.133 قوله:"
"أن فقهاء الدولة الزيانية أتوا مرة إلى مؤسسها إغمراسن بن زيان، والذي لم يكن يعرف اللغة العربية جيدا وكانت شؤون الحكم تتم باللغتين العربية والأمازيغية، فاقترحوا عليه كتابة تاريخه بحيث ينسب إلى قريش. ورد عليهم: " أما الدنيا والملك فنلناهما بسيوفنا لا بهذا النسب وأما نفعهما في الآخرة فمردود الى الله وعرض عن التقرب اليهما بذلك ". فلا النسب واللغة ولا الاسم الاجانب تصنع هوية الشعب الطبيعية والآنسية و لا تساهم في صناعة الحضارات, والواقع المتخلف في جميع المجالات لأوطان الشعوب المحتلة برهان على ذلك و لم يتطور في هذه المنطقة الا أساليب الاستبداد السياسي والإضطهاد الثقافي واللغوي.
التحرر من قيود الفرض القسري والقانوني, سيجعل من اللغة الامازيغية لغة الكتابة والانتاج الفكري, لغة حرة قادرة عن التعبير عن الواقع المادي الامازيغي. كما أن التحرر من هذه القيود المحرمة سيمكن الاسماء الامازيغية من الإنتشار بين أبناء الشعب الامازيغي. اللغة والإسم الأمازيغيين رمزان للهوية الامازيغية فتجاوزهما وإقصاؤهما خرقا لقاون الطبيعة وإنتهاكا لحقوق الانسان. عواقب التحرر من المحرمات القسرية والقانونية, ما يخشاه حميش و رفاقه الشوفنيون العروبيون, بإعتبار التحرر يفتح الابواب لإنهيار سلطة العروبة اللسانية وفقدان السيطرة والتأثير الثقافي العروبي من قبل السلطة السياسية على مجموع الشعب الامازيغي .
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟