حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 24 - 20:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في سبعينات القرن الماضي، وربما في ثمانيناته، أصدر الكاتب السوري الراحل أبوعلي ياسين كتاباً أسماه: "ينابيع الثقافة"، وهو كتاب مفيد، رغم الجرعة الإيديولوجية الفائضة فيه، ولكنه يقدم مثالاً نموذجياً عن النزعة التفاؤلية الطاغية يومها التي هيمنت على أذهان شريحة مهمة من المثقفين لا في سوريا وحدها، وإنما في العالم العربي عامة، كما هيمنت على أذهان قطاعات ليست قليلة من الشبيبة العربية المأخوذة بفكرة التغيير الآتي لا ريب فيه .
التغيير المنشود وفق أبوعلي ياسين ومجايليه من المثقفين التقدميين يومها لا يمكن أن يكون إلا إلى الأمام، فمصير الأفكار الرجعية وممثليها هو إلى النهاية، وما هي إلا مسألة وقت وتسود المجتمع كله أفكار التقدم والحداثة، وتنتهي جيوب التخلف المنتسبة إلى الماضي .
وفي هذا يقول أبوعلي ياسين "إن فريق المثقفين الرجعي يشد بالحياة الى الوراء، فهو متخلف في فكره عن مستوى التطور الذي وصل إليه المجتمع، لذلك لا تلقى دعواه تأثيراً معتبراً إلا لدى الجماعات المنغلقة، فهو بقايا القرون الوسطى وثقافتها، نجاحاته مؤقتة، وأفكار هذا الفريق لا تقوم على أساس واقعي متين وأساليبه لا تجذب الجمهور، الشاب منه خاصة" .
لا لوم على الكاتب فيما قاله يومها . إنه يعبر عن رأي سائد في ذاك الزمن، لم يحسب فيه الناس، والمثقفون والسياسيون في مقدمتهم، أن التاريخ ماكر . يوهمنا هذا التاريخ أنه ذاهب الى الأمام فقط، الى المستقبل، ولكننا لم نفطن أبداً أن هذا "المستقبل" قد لا يعدو كونه استدارة نحو الوراء، كأن الزمن يسير دائرياً، لا في خط مستقيم .
ماذا لو أن أبو علي ياسين مازال حياً وشهد ما حلّ بوطنه سوريا وبوطنه العربي الأكبر من عودة طاغية ليس للفكر الذي وصفه ب"الرجعي" فحسب، وإنما لطغيان الاتجاهات الأكثر دموية وظلامية فيه وهيمنتها على مناطق نفوذ شاسعة، والأخطر من هذا استحواذها على عقول الشبان العرب، الذين كان قد قال يومها، إن تلك الأفكار لا تجذبهم .
أبوعلي ياسين كأحد ممثلي جيل حالم بكامله طغى على تفكيرهم ما وصفه أنطونيو غرامشي ب "تفاؤل الإرادة"، وهو أمر لا غنى عنه لشحذ الفكر وإيقاد العزيمة، ولكنهم أغفلوا الشطر الثاني من عبارة غرامشي ذاتها عن "تشاؤم العقل" الضروري جداً لليقظة من مكر التاريخ، وملاحظة ما يعتمل في القاع، وليس فقط ما يطفو على السطح .
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟