|
الفلسفة المعادلاتية و تحليل العلاقة السببية
حسن عجمي
الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 24 - 08:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تعتبر الفلسفة المعادلاتية أنَّ العلاقة السببية معادلة رياضية ألا و هي التالية : العلاقة السببية = العلاقة الشرطية × العلاقة التفسيرية. بكلامٍ آخر، (أ) يسبِّب (ب) = إذا حَدَثَ (أ) فسوف يحدث (ب) × (أ) يُفسِّر وجود (ب). من فضائل هذه المعادلة فضيلة توحيد المذهبيْن الفلسفيين الأساسيين المتنافسين حيال تحليل العلاقة السببية فحلّ الخلاف الفلسفي بينهما.
يوجد مذهبان فلسفيان أساسيان يختلفان حيال تحليل العلاقات السببية و هما أولاً المذهب الخارجي الذي يحلِّل العلاقة السببية من خلال عوامل خارجية توجد خارج الإنسان و قدراته كتحليل العلاقة السببية على أنها علاقة شرطية قائمة في الكون و مستقلة عن الوجود الإنساني و ثانياً المذهب الداخلي الذي يحلِّل العلاقة السببية من خلال عوامل داخلية مرتبطة بالإنسان و قدراته كتحليل العلاقة السببية على أنها علاقة تفسيرية معتمدة على الإنسان الذي يقوم بعملية التفسير. لكن الفلسفة المعادلاتية تتضمن المذهبيْن السابقيْن معاً على النحو التالي : بما أنَّ العلاقة السببية = العلاقة الشرطية القائمة في الكون × العلاقة التفسيرية المعتمدة على العقل ، و علماً بأنَّ المذهب الخارجي يعرِّف العلاقة السببية على أنها علاقة شرطية قائمة في الكون بينما المذهب الداخلي يعرِّف العلاقة السببية على أنها علاقة تفسيرية معتمدة على العقل الإنساني ، إذن معادلة السببية تتضمن المذهبيْن الخارجي و الداخلي في آن و بذلك توحِّد بينهما فتحلّ الخلاف الفلسفي القائم بينهما. من هنا ، تكتسب معادلة السببية هذه الفضيلة الكبرى ألا و هي حلّ الإشكال أو الخلاف السابق ما يدعم مقبولية معادلة السببية و صدقها.
حين توحِّد معادلة السببية بين المذهبيْن الخارجي و الداخلي تكتسب فضائلهما و تتجنب رذائلهما. فمثلاً ، من الممكن وجود علاقة شرطية بلا وجود علاقة سببية ما يجعل المذهب الخارجي الذي يحلِّل العلاقة السببية على أنها مجرّد علاقة شرطية مذهباً كاذباً و ما يحتِّم بدوره تحليل العلاقة السببية من خلال العلاقة التفسيرية أيضاً بالإضافة إلى العلاقة الشرطية (بدلاً من تحليلها من خلال العلاقة الشرطية فقط) تماماً كما تفعل معادلة السببية. مثل على وجود علاقة شرطية بلا وجود علاقة سببية هو التالي : إذا لم يولد هذا الشخص ما كان سيموت. هنا ، توجد علاقة شرطية بين ولادة الشخص و موته ولكن لا توجد علاقة سببية فولادته ليست سبب موته. من هنا، لا بدّ من إضافة العلاقة التفسيرية إلى تحليل العلاقة السببية لتجنب هذا الإشكال كما تفعل معادلة السببية بالضبط. فمعادلة السببية تتجنب هذا الإشكال على النحو التالي : بما أنَّ العلاقة السببية = العلاقة الشرطية × العلاقة التفسيرية ، و علماً بأنَّ ولادة الشخص لا تفسِّر موته و بذلك لا توجد علاقة تفسيرية هنا ، إذن لا توجد علاقة سببية بين ولادة الفرد و موته. هكذا تنجح معادلة السببية في حلّ هذا الإشكال الفلسفي و ذلك بفضل تحليلها للعلاقة السببية من خلال العلاقة التفسيرية و ليس فقط من خلال العلاقة الشرطية.
من الممكن أيضاً وجود علاقة تفسيرية بلا وجود علاقة سببية. و لذلك لا بدّ من الاعتماد على العلاقة الشرطية في تحليل العلاقة السببية و ليس فقط الاعتماد على العلاقة التفسيرية في تحليل العلاقات السببية تماماً كما تفعل معادلة السببية. مثل على وجود علاقة تفسيرية بلا علاقة سببية هو التالي : لنتصوّر شخصاً معيّناً يساعد الآخرين. هنا ، هذا الشخص أخلاقي لأنه يساعد الآخرين. وبذلك نفسِّر أخلاقيته من خلال مساعدته للآخرين و لذا ثمة علاقة تفسيرية. لكن لا توجد هنا علاقة سببية فمساعدته للآخرين ليست سبب أخلاقيته بل لعل تربيته أدت إلى مساعدته للآخرين فأخلاقيته. هكذا تحليل العلاقة السببية من خلال العلاقة التفسيرية فقط تحليل خاطىء بل من الضروري تحليل العلاقات السببية من خلال العلاقات الشرطية بالإضافة إلى العلاقات التفسيرية كما تفعل معادلة السببية لتجنب هذا الإشكال الفلسفي.
الآن، تحلّ معادلة السببية هذا الإشكال على النحو التالي : بما أنَّ العلاقة السببية = العلاقة الشرطية × العلاقة التفسيرية ، و علماً بأنه و إن لم يساعد الشخص السابق الآخرين فمن الممكن أن يبقى أخلاقياً من جراء اتباعه لمبادىء أخلاقية معيّنة كعدم السرقة والكذب والقتل ما يدلّ على عدم وجود علاقة شرطية مفادها "إن لم يساعد الآخرين فسيكون غير أخلاقي" ، إذن ، بالنسبة إلى معادلة السببية ، لا توجد علاقة سببية بين مساعدة الآخرين و أن يكون الشخص أخلاقياً. هكذا تنجح معادلة السببية في حلّ هذه المشكلة الفلسفية بفضل نجاحها في التعبير عن عدم وجود علاقة سببية في المثل السابق من جراء عدم وجود علاقة شرطية.
تنجح معادلة السببية أيضاً في التعبير عن أنَّ القوانين الطبيعية تتضمن العلاقات السببية ما يمكّنها من التعبير عن محكومية الكون بالعلاقات السببية من جراء محكوميته بالقوانين الطبيعية. فبما أنَّ العلاقات السببية = العلاقات الشرطية × العلاقات التفسيرية ، و علماً بأنَّ القوانين الطبيعية تتضمن العلاقات الشرطية و التفسيرية معاً ، إذن القوانين الطبيعية تتضمن العلاقات السببية. هكذا تنجح معادلة السببية في التعبير عن أنَّ القوانين الطبيعية تتضمن العلاقات السببية. الآن ، القوانين الطبيعية تتضمن العلاقات الشرطية و التفسيرية على النحو التالي : فمثلاً قانون نيوتن العلمي ألا و هو القوة تساوي الكتلة مضروبة رياضياً بالتسارع يتضمن الشرط إذا وُجِدَت قوة معيّنة فلا بدّ من وجود كتلة معيّنة و تسارع معيّن و العكس صحيح كما يتضمن هذا القانون تفاسير عديدة منها تفسير وجود كتلة و تسارع من خلال وجود قوة. من هنا ، القوانين الطبيعية تتضمن العلاقات الشرطية و التفسيرية ما يجعلها تتضمن بالضرورة العلاقات السببية.
بالإضافة إلى ذلك ، إن لم تكن العلاقة السببية علاقة شرطية موجودة حقاً في الكون و حاكمة لأحداثه فحينئذٍ لن تنتظم أحداث الكون. لذلك لا بدّ من أن تكون العلاقة السببية علاقة شرطية موجودة في الكون كما تقول معادلة السببية. و إن لم تكن العلاقة السببية علاقة تفسيرية فحينئذٍ لن نتمكّن من تفسير أحداث الكون (لأننا نعتمد على العلاقات السببية لتفسير الأحداث) و بذلك لن ينتظم العقل بتفاسيره للكون. لذلك لا بدّ من أن تكون العلاقة السببية علاقة تفسيرية أيضاً كما تقول معادلة السببية. كل هذا يرينا ضرورة تحليل العلاقات السببية على أنها علاقات شرطية و تفسيرية في آن. وهذا ما تقوم به معادلة السببية بقولها إنَّ العلاقة السببية = العلاقة الشرطية × العلاقة التفسيرية. و لذا معادلة السببية معادلة صادقة.
إن لم تكن العلاقة السببية علاقة شرطية قائمة في الكون فلن ترتبط العلاقات السببية بالكون. و إن لم تكن العلاقة السببية علاقة تفسيرية مرتبطة بالضرورة بالعقل فلن ترتبط العلاقات السببية بالعقل. لكن العلاقات السببية مرتبطة بالكون و العقل معاً و إلا لن ينتظم الكون و العقل. من هنا ، لا بدّ من تحليل العلاقة السببية على أنها علاقة شرطية و علاقة تفسيرية معاً تماماً كما تؤكِّد معادلة السببية.
#حسن_عجمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسفة المعادلاتية والقوانين الطبيعية
-
الفلسفة المعادلاتية و النظام السياسي المثالي
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل السلام
-
تصدق الأكوان
-
أنتظر الكلمات..
-
اللامساواة سبب الصراعات و الحروب
-
اللامساواة سبب الانهيار الاقتصادي
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الحرية
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الجمال
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الفن
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الأدب
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل اللغة
-
الفلسفة المعادلاتية والأخلاق والعقلانية
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل العِلم
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل المعنى
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الحضارة
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الحقيقة
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل الوجود
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل المعرفة
-
الفلسفة المعادلاتية و تحليل العدالة
المزيد.....
-
صور بعض قتلى فاجعة اصطدام طائرة الركاب بمروحية عسكرية في واش
...
-
شاهد كيف ردّ ترامب على سؤال صحفي بشأن رفض مصر والأردن اسقبال
...
-
سموتريتش: إذا تضمنت المرحلة الثانية من الصفقة إنهاء الحرب دو
...
-
من هو محمد الضيف الذي أعلنت حركة حماس مقتله؟
-
تحليل: عندما توجه الجزائر بوصلتها نحو أمريكا كيف يستجيب ترام
...
-
الكشف عن 3 حوادث تقارب جوي سبقت كارثة اصطدام الطائرتين في وا
...
-
إنقاذ 60 شخصا في حريق شمال غربي موسكو (فيديو)
-
للمرة الخامسة على التوالي.. موسكو تسجل رقما قياسيا لدرجة الح
...
-
رئيس الأركان الروسي يتفقد قوات -الشرق- في دونباس (فيديو)
-
مصر.. حريق ضخم يلتهم السفن في السويس
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|