|
نازك الملائكة - رؤية إنسانية متجددة (٢)
سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي
الحوار المتمدن-العدد: 6848 - 2021 / 3 / 22 - 23:15
المحور:
الادب والفن
ولدت الشاعرة نازك صادق الملائكة في العام 1923م بمدينة بغداد التي تعتبر "قلعة الأدباء والناس الأنقياء" من والدان مبدعان لهما مساهمات واسعة وموثقة زانت رفوف المكتبات البغدادية وأبهجت عواصم الإستنارة حول العالم؛ ومن هذا المناخ الأسري الثري بكنوز الشعر والعلوم الكونية خرجت نازك الملائكة للكُون إنسانة مكتملة الصورة وكانت نجمة في أبهى توهجها ترمق الأرض بنظرة ضوئية من سقف السماء، وقد سارت نازك علي درب الشعر تحيطها أكاليل وجواهر شعراء كبار خرجوا من عمائق شوارع بغداد كواكبً تمشي علي سطح الثرى باتزان وتتخير الأزهار لتهديها للنفوس النقية والعقول النيرة؛ وهم من أوائل بناة أعمدة الحركة الأدبية العراقية الممتدة عبر العصور علي سبيل المثال لا الحصر أذكر منهم من إذا ذكرت أسمائهم ذكر الجمال في أنقى تجلياته "أبو الطيب المتنبي وأحمد مطر ومحمود الرصافي" وكانت ملاك عصرنا نازك من سلالة هؤلاء الشعراء النافذيين والأفذاذ الذين طبعوا بصماتهم علي قلوب الملايين وصاروا رموزاً في تاريخ الشعر العراقي الراقي والرصين الذي ملاء الكون جمالاً.
درست نازك الملائكة عدد من اللغات الإنسانية المعروفة عالمياً كـ"العربية والإنجليزية واللاتينية والفرنسية"، ثم فتحت عقلها المبدع المتشبع بوميض العلوم في عصر النورانية باسطة نبضها المشحون بالجمال لتطرق أبواب بيوت الشعوب المحزونة؛ تحمل خبز الكلمة للجوعى وعلي زندها زهور السلام والمحبة تهديها لعيون الفقراء والكادحيين والمثقفيين المقهوريين في العالم وجميع الحالميين بعوالم جديدة تتحقق فيها قيم حرية الفكر والرأي وتُبسط العدالة لحماية حقوق وحريات وحياة الإنسان ويكون المسرح ينبوع الثقافة ومشكاة الإنسانية وجاش حلم السلام بخاطرها ومار بمشاعرها النبيلة وشد خيول كلماتها النيرة عبر السنوات لخوض صراع تحرير الكلمات وعقول المجتمعات، وقد أخذت نازك الملائكة أقلامها لتخط شعرها الإنساني الحر علي أمواج "دجلة والفرات" وتنشد للسلام الحلو وتزيل قلق البشرية في عالم مضطرب تعمل مع رفاقها شعراء عصرها لتحسينه بكفاح كلمات تزرع الأمل وتبعث رياح التفاؤل في نفوس الناس، والكلمة سلاح الشعرء أسن من السيف، وكم من دكتاتور سقط بأبيات شعرية، وكم من فكرة نيرة صاغها الشعراء بقصائدهم وغيرت العالم.
كتبت نازك الملائكة مجموعة كبيرة من الجواهر الشعرية منها "عاشقة الليل، وشظايا ورماد، شجرة القمر، ومأساة الحياة وأغنية للإنسان، والصلاة والثورة"؛ هذا إضافة لسلسلة مؤلفات تحمل في طياتها أرجوان الفكر البديع والرائع من بينها علي سبيل المثال "قضايا الشعر الحديث، وسايكلوجية الشعر، والصومعة والشرفة الحمراء". وكانت لنازك الملائكة مشاركات تثاقفية وتنويرية عبر عدة ندوات ومحاضرات ومنتديات بعدد من الجامعات والمراكز الثقافية حول الشعر الحديث وقضايا المرأة والتحرر الفكري، وعرفتها الكثير من عواصم العالم خاصة بغداد والقاهرة وغيرها، وكانت منجزاتها الشعرية مصدر إلهام للثوار الذين واجهوا الإستبداد في بلدانهم بقلوب تشتاق للسلام والديمقراطية والمساواة، وأصبح شعر نازك الملائكة منتشراً لمخاطبته روح العصر وأشواق جيل جديد آخذ في الخروج من ظلمات عصره ناهضاً من نكبات التاريخ وعابراً حدود الزمكان مصمماً علي تحدي صروف الظروف ومصوباً أنظاره نحو المستقبل الذاهي والباهي والمزدهر الذي تبلور في أذهانهم المشرئبة إلي فضاءات الأدب الراقي والموسيقى والمعارف الإنسانية المشرقة وجميعهم وجدوا ما يتطلعون إليه في بحور طيف واسع من الشعراء خاصة الشاعرة نازك الملائكية التي عبر شعرها خلايا القلوب.
توفت الشاعرة المبدعة، والإنسانة الإنسانية نازك الملائكة في العام 2007م بعد عمر طويل حافل بالعطاء ناهز الــ(83)، وقد رافقتها بكائيات رفاقها ودموع نثرها المخلصيين للإنسانية وكان الجميع واقفاً؛ لا جلوس أبداً في ساعة وداعها، فجموع الجماهير والمثقفيين والثوار الأحرار من كافة دول العالم أصيبوا بالصدمة وساد الحزن علي تلك العواصم، وما زلت أذكر ذلك اليوم الحزين الذي قضيته بين شوارع الخرطوم ومقاهيها أتجاذب الأحاديث مع الأصحاب تارة وآخرى أطالع أخبار العالم من الصحف وشاشات التلفاز متحسراً علي فقد العالم والإنسانية جمعاً، وأذكر أن ذلك اليوم كان من أطول أيام حياتي، وتطابق المشهد مع صورة يوم رحيل الرفيق جون قرنق في العام 2005م، وهو رائد التنظير لرؤية السودان الجديد، وكان القلق يساورني ويدق سؤال جدوى الحياة أبواب عقلي دون أن أدرك منطلقاته داخلي رغم إداركي أن الفقيدة تحمل رسالة إنسانية خالدة تمجد الحياة وتدعو للعقلانية وسلام النفس وتحرير القلوب من محابس الخوف؛ كنت أسأل نفسي ذات السؤال لفترة طويلة، ومؤخراً حاولت إيجاد إجابة؛ ربما تكون منطقية لحدً ما، وأعتقد أن الموت حالة إنتقال للروح من مكان لآخر، ولا يعني ذلك بأي حال إنتقال رؤية الراحل؛ فالجسد فان والفكر باقٍ، ونازك واحدة من النيازك الباقية في فضاءات عقول الناس، وعليه فان الذكريات الجميلة آنذاك طغت علي تفكيري وغيرت نظرتي للحياة والكون، وبت أتذكر شعر نازك الملائكة باستمرار وأستبصر الحياة بعين قصيدة حرة.
22 مارس - 2021م
#سعد_محمد_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نازك الملائكة - رؤية إنسانية متجددة
-
إنتصار القائد مالك عقار علي كوفيد١٩
-
إتحاد السودان شمالاً وجنوباً مُحفز لإتحاد افريقيا
-
نداء إنساني
-
إحتجاجات شعب السنغال
-
تعميم صحفي
-
عودة علي بومنجل كعودة جون قرنق
-
من أجل مناخ صحي
-
وداعاً يوسف شعبان
-
رسالة لحزب المؤتمر السوداني بولاية سنار
-
خواطر رفاقية - بثينة دينار بعد القسم الدستوري
-
رسالة شكر وإعتذار بشأن ندوة المجلس الوطني الإرتري للتغيير ال
...
-
الحركة الشعبية بولاية سنار ترحب بقرار تجميد صلاحيات السكرتير
...
-
الشباب وقضايا الثورة والتجديد وآفاق المستقبل
-
هل أكل الغول ثمار الثورة
-
هل سنترك الغول يأكل أبناء الثورة
-
وفاة والي النيل الأزرق عبدالرحمن نور الدائم
-
بيان بخصوص تزيف تاريخ إنطلاق شرارة ثورة ديسمبر المجيدة
-
خطاب - بمناسبة الذكرى الثانية لميلاد ثورة ديسمبر المجيدة
-
ميلاد كتاب لصديقي معالي السفير عبدالرحمن بسيسو
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|