|
العظم دون جوانًا قراءة في دلالات الحب والحب العذري
شادي كسحو
الحوار المتمدن-العدد: 6841 - 2021 / 3 / 15 - 22:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يقع السؤال عن الحب في قلب السؤال عن الفلسفة ذاتها، بل إن سؤالاً عن الفلسفة لا يطرح على نفسه سؤال الحب يبقى سؤالاً مفتقراً إلى الوهج والحياة لا سيما أن الفلسفة هي حب أولاً و قبل كل شيء، وهذه سمة ربما كانت تخص الفلسفة وحدها وتدخل في صلب ماهيتها وبنيتها الوجودية، فهي كانت وما زالت وستبقى حب الحكمة وحكمة الحب. من السهل الحديث عن الحب. نحن جميعاً نتكلم عن الحب ونقع فيه ونعايشه في كل لحظة من لحظات حياتنا. ولكن أن نسأل ما الحب؟ من زاوية فكرية وفلسفية فالأمر مختلف تماماً. قد يكون مفهوم الحب حاضراً بكثافة في كل شكل من أشكال وجودنا، لكن التفكير فيه بعيداً عن المعنى الرسمي والمرجعيات الاجتماعية التي رسمت ملامحه ودلالاته فهي مهمة فلسفية بامتياز، فالحب منغرس في نسيج الوجود، وموجود في لحظاته الحية والمتحركة، وهو حاضر في نسيج العلاقات الإجتماعية وفي شبكاتها العميقة والرقيقة، وموجود في نسيج الأمكنة، ونسيج الأفكار والمفاهيم، وفي نسيج اللغة، وفي نسيج المؤسسات والبنيات الاجنماعية، وبهذا يمكن القول: الانسان كائن يمارس الحب بامتياز. لنتكلم عن الحب، ولكن لنتكلم عنه بعيداً عن التابوهات المقدسة والمحددات الإجتماعية القاهرة، فالحب وإن كان يعود في أصله إلى المؤسسة الاجتماعية، لكنه لا يستنفد نفسه فيها. على هذا النحو لا بد أن نفهم رغبة الأستاذ العظم في الحديث عن الحب. صحيح أن العظم يكتب عن الحب، لكن هذا لا يعني أن هناك رغبة عند الأستاذ العظم بتوجيه خطاب عاطفي للجمهور، بل ربما كان يعني العكس، أي ضرورة تحرير مفهوم الحب من سطوة الإكراهين الديني والاجتماعي حيث يظهر الحب كتجربة وجودية أعمق وأشمل من مجرد تصوراتنا التقليدية، لأنه يشكل طاقة الوجود ذاتها، ويعبر أيضاً عن تلك الرغبة الجامحة التي لا تتوقف عن مداهمة وجودنا وكامل ماهيتنا. يبدأ الزيغ الاجتماعي بالنسبة لفيلسوفنا، عندما لا نفهم أو نخلط بين الانجذاب الجنسي والشعور بالحب. إن عدم التمييز بين رغباتنا الجنسية ومعاني الحب هو خطأ ذو أثمان سيكولوجية واجتماعية باهظة، لأنه يبدو حينئذ أننا نجعل من الحب دافعا عضوياً، لذلك يدعونا الأستاذ العظم إلى الحذر من جنسنة الحب تحت تأثير مؤسسات الحرمان والكبت العميقة فـ ( الانسان الذي يعاني من الكبت المستمر والحرمان الجنسي الطويل عاجز في الحقيقة عن التمييز بين حالات الشعور بمجرد الانجذاب الجنسي والميل إلى إشباع رغبته فحسب، وبين الحب باعتباره حالة تتخطى حالة الانجذاب الأولى. وكثيراً ما يقع الشخص في هيام وحب أول انسان يبدي نحوه أي اهتمام عاطفي أو ميل غرامي حتى لو كان ذلك من باب المصادفة أو المداعبة العابرة. لكن الحقيقة هي أن ما يظنه هو هياماً وحباً ليس إلا رغبة مكبوتة كانت ستشعره بالوله والهيام نفسه نحو أي شخص آخر يعترض طريقه على النحو المذكور )1 لن نجد صك اتهام أقسى من هذا الذي يقدمه العظم هنا، للتعبير عن ثقافة بلغ بها الانغلاق والتكلف حداً أنها لم تعد تميز بين الاندفاع الجنسي وبين الشعور الحقيقي والعفوي بالحب. إن العظم يشير بإصبعه هنا إلى مشكلة جوهرية تخص فهمنا للحب، حيث لم يعد الحب تجربة وجودية يمكن استثمارها انسانياً، بل مجرد ردات فعل بيولوجية تحاول التملص وبأي ثمن من تقنيات المراقبة والكبت الاجتماعي. من أجل بناء تصور مختلف عن الحب، سيعمل العظم على تقديم تحليلية فلسفية لمفهوم الحب تتعارض مع المدونة الكلاسيكية التي اعتاد الذهن العربي على التعامل معها، تحليلية تبتعد عن النظرية التجارية لمعنى الحب و تقترب في شكلها العام من الجينالوجيا حيث تضع نفسها في مواجهة مفعولات سلطة اجتماعية ودينية ترتبط بخطاب عن الحب تم اعتباره مقدساً وحقيقياً مرة واحدة إلى الأبد. كل الطرافة الفلسفية لمفهوم الحب عند العظم مبثوثة في تفريقه النظري الحاسم بين سمتين للحب هما: ( الامتداد في الزمان، بمعنى دوام الحالة العاطفية واستمرارها مدة زمنية معينة. والاشتداد وهو يدل على مدى عنف الحالة العاطفية وحدتها في لحظة ما في الزمان)2 تشير الصفة الأولى إلى الحب بمعناه الاستاتيكي حيث لا تطرأ على الحب تغيرات نوعية ، اللهم إلا في حالات نادرة، في حين أن الاشتداد يتغير بكيفية مستمرة، فالحب يتأرجح هنا بين جهازين: جهاز الثبات وجهاز الحركة والتغير هناك إذن صيحتان تخترقان مفهومنا للحب، إحداهما ترتيب للوجود بهدف الدوام والبقاء ( الامتداد )، وأخرى ترتيب للوجود بهاجس النشاط والحركة والرغبة الدائمة في الجديد ( الاشتداد ). إن أكثر ما يميز هذا التفريق - على أهميته - هو كونه ملحاح وتكراري ويكشف عن حمولته الدلالية دون أدنى عناء تأويلي. إن خطة النص واضحة ومباشرة: الاشتداد ضد الامتداد، الحب ضد الزواج، الاختراق والخلخلة ضد التبلد والثبات. هكذا يتحول نص العظم إلى مرافعة مستميتة في سبيل حب شجاع، إنها شجاعة حب من أجل وجود لا يستمد طاقته التفسيرية من قوانين المجتمع، بل من ضروب الحرية التي يشتقها لنفسه. فالقصد الفلسفي هو أن علاقتنا بأنفسنا أهم وأعمق من علاقتنا بأي مؤسسة اجتماعية أو لاهوتية. إن أهمية تحليلات العظم تكمن في أنه يسعى إلى إعادة موضعة الذات إزاء مفهوم الحب عبر تملك فلسفي يكشف الدلالات والاستتباعات التاريخية والاجتماعية الناتجة عن التوتر والتناقض بين مفهومي الامتداد والاشتداد، بعيداً عن المحددات البيداغوجية التي تستدرج الحب إلى مجرد خطاب تجاري وانفعالي. إن مؤسسة الزواج تقدم الذات متينة، صلبة، ومتماسكة. لكن الخطر الأكبر ليس متأت من هنا، بل من قدرة المؤسسة الاجتماعية على قمع ونفي كل ما لا يقع تحت سيطرتها. من أجل ذلك لم يكتف الأستاذ العظم بالبحث عن الأسس الفلسفية لمفهوم الحب، بل راح يبحث في الأشكال الاجتماعية التي تتعين من خلالها مقولتي الاشتداد والامتداد، منقباً عن الحب ليس كاحتمال نظري فقط، وإنما كخبرة معاشة في الزمان والمكان. هنا يؤكد الأستاذ العظم أن الزواج إنما هو النواة التاريخية التي تتجسد عبرها صفة الامتداد، في حين أن المغامرات الغرامية المليئة بالغزوات والمفاجئات فإنها تتجسد في صفة الاشتداد. إن هدف الأستاذ العظم هو التنبيه إلى أن غالبية الناس تطلب أو تفضل الحب بالمعنى الاشتدادي على ذاك النمط الممل من الحب الامتدادي. إن فرادة تحليل العظم تكمن في أنه يسعى إلى تفسير يفجر العلاقة المرضية بين الذات والمؤسسة الاجتماعية، ويقترح نموذجاً قائماً على انتهاك الأساس اللاهوتي للثقافة. إنه بكلمات أخرى: يتوخى تفكيك الاطمئنان الذي اختارت الذات أن تتحصن داخله. لذلك لا يتردد العظم بالقول: ( من منا لم تتق نفسه يوماً لتحقيق تجربة حب عارمة تضعه ولو لسويعات قليلة في ذروة من مشاعر الحب ، يحس فيها أنه انتقل من عالم إلى عالم ، فأصبح وقد تخطى الخير والشر ، والكفر والإيمان ، والمأساة والملهاة في حياة الإنسان ، تاركا خلفه مشاكله وهمومه كافة ومشاغلة وأفراحه العادية وأتراحه اليومية . من منا لا يفتدي هذه التجربة الممتلئة بالحرارة والحياة بجزء كبير من ساعات عمره الرتيبة الرصينة المتكررة الباردة )3 يبدو أن فشلاً ما في جهازنا التأويلي، ومن ثم في جهاز القيم وآليات الفهم التي طورها الانسان عموماً والانسان الشرقي خصوصاً، هي المسؤولة عن تعثر مفهوم الحب بمعناه الاشتدادي وعن اللجوء إلى ثقافة الحب الممتد. وهنا علينا أن نسأل: ماالذي يدفع بشخص ما أو بمجتمع ما لتفضيل الامتداد على الاشتداد في الحب؟ هل اللجوء إلى الحب الممتد هو نتيجة هشاشة أو فقر ما أصاب مفهوم الحب في أفقنا التاريخي؟. قبل الإجابة عن هذا السؤال، ينبهنا الأستاذ العظم إلى ضرورة أن نفهم الطابع المتناقض لخبرة الحب ذاتها، فالحب يقوم من حيث الأساس والماهية على أشياء متناقضة ، لكن جماليات هذا التنبيه لا تظهر إلا من خلال العبارة الرشيقة التي اقترحها العظم وهي " مفارقة الحب ". وهنا تظهر إمكانات فيلسوفنا الجينالوجية حيث يكشف عن الطابع المتناقض التي ينبني عليها مفهوم الحب. حيث ( يميل الحب بطبيعته الأصلية، في اتجاهين متناقضين وينزع نزعتين متضاربتين. ولا يمكن إشباع الأولى إلا على حساب الثانية ولا يمكن النزول عند رغبات الثانية وتحقيق اكتفائها إلا بالتضحية الأليمة بمتطلبات النزعة الأولى وحرمانها من الشعور بالاكتفاء والرضى. فمن سار على سنة العشق والتزم بها يشقى بسبب فقدانه لكل ما تعنيه نزعة الامتداد بالنسبة لحبه ولدوامه. ومن سار على شريعة الامتداد والتزم بها تنغص عيشه باستمرار بسبب فقدانه لكل ما تعنيه نزعة الاشتداد في حياة الحب )4 ينتمي الحب إذن إلى جذر انطولوجي، وهذا الجذر هو التناقض. ولفهم الحب لا بد من العودة الدائمة إلى هذا الأصل. فبدون فهم التناقض بين الاشتداد والامتداد، أو بلغة أخرى، دون فهم التناقض الأزلي بين الرغبة والمؤسسة، الحركة والثبات، الجيشان والاستقرار، يصبح الحب مفهوماً معزولاً عن جذره الانساني ويدخل في لعبة الايديولوجيات حيث يتم استنزاف طاقته الحيوية وإنفاق دلالاته عبر رده إلى لعبة مصالح، تدمر قدرته كحدث فريد يقودنا إلى حريتنا. علينا أن ننبه هنا أن الأستاذ العظم لا يمارس الكتابة عن الحب والحب العذري، بوصفها تنقيباً أو تحقيباً في التراث، إنها بالأحرى فلسفة للحب. حيث تنتصب ذات الفيلسوف أمام ذات التاريخ لكي تعاد صياغة إمكاناته فيتحول من مجرد نص تراثي خامل إلى تجربتنا نحن بالذات، إن التفكير في الحب تحت قلم العظم، ليس عمل ذات مهمومة بالتراث، بل عمل ذات مأخوذة باستدعاء الحب كأفق لتصريف ذواتنا وحريتنا هنا والآن. لقد وجد الأستاذ العظم في مدونتي ابن حزم الأندلسي وابن قيم الجوزي أبرز ورشات العمل التراثية التي كانت تعمل طوال الوقت على شرعنة وتأبيد الحب بمعناه الامتدادي. لا ينكر العظم على ابن حزم اكتشافه الطابع التناقضي والمفارقة الأساسية التي يتأسس عليها مفهوم الحب، فقد وصف في رسالته المشهورة هذه المفارقة ( على أنها صراع بين النفس التي ترمز عنده إلى نزعة العشق وسنتها، وبين العقل الذي يرمز إلى استمرار الحب واستقراره )5 لكن حذار أن نفهم أن ابن حزم سيفكر ولو للحظة بالانحياز للتجربة الغرامية أو للحب بمعناه الاشتدادي. فكل ما عرضه ابن حزم في تنظيراته عن الحب هو مجرد حب خادم للاهوت لو صح التعبير، أي أنه لم يستطع التملص من تبعيته للمركز، فظل أميناً للمبدأ الهووي الناظم للعقل العربي، بما هو عقل تقديسي تكراري حيث كل خبرة مهما كان نوعها هي مجرد خبرة تدور في فلك أو في خدمة النص المؤسِس. في مواضع لا تحصى نرى الأستاذ العظم يخوض صراعاً جذرياً مع كل مفاعيل العقل التراثي. إن المطلوب ليس إلحاق الحب ببنية أخلاقية موجودة سلفاً، بل إلحاق الحب بالحياة. إن المطلوب هو الكف عن تزييف القيم وتفريغ المعاني بإخضاعها للذات المتعالية بما هي مقدس. أن نرفض كل شكل مسخي لمعاني الحب فـ ( من يتبع نصائح الإمام الجوزي ويتمسك بها لن يعرف طعم العشق في حياته، بل سيعتبره داء يجب الابتعاد عنه بكل ما أوتي الانسان من قوة ).6 لقد بذل العظم كل ما بوسعه لإعادة مفهوم الحب إلى جذره الانساني، أي إلى الحاجة الطبيعية التي تنطوي عليها طبائع الناس للتفكير في نمط تواصل لا يمكن لأي علية أو قوة ميتافيزيقية أن تطاله. هنا نجد الأستاذ العظم يدافع بكل جدارة عن ضرورة تحرير الحب من قبضة المقدس، أي ضرورة إنقاذ الحب من الألعاب اللاهوتية التي تجعله رديفاً لحب الله، وهكذا فالحب فكرة تنبع من رغبة البشر الفعلية في أن يوجدوا بشكل منفصل لا يقع أو لا تطاله شبكات ما فوق الانسان. على النقيض من الصورة النمطية لـ رب الأسرة المنغلق على نفسه وهويته وزوجته وأطفاله، ثمة عشاق ومحبين على شاكلة نماذج أو شخصيات مجازية تلقي بالانسان خارج ذاته وخارج شرنقة البنية الحديدية للفرد الامبريقي المتصالح مع نفسه والمنسجم مع قوانين مجتمعه. على عاتق هؤلاء تتوقف كل أحلام البشر بعالم إنساني من بابه إلى محرابه. لنتذكر هنا ملاحظة للفيلسوف الفرنسي آلان باديو يقول فيها: ( إنه لا يمكن اختصار الحب لأي قانون. لا يوجد قانون للحب )7 ربما لا يحتاج الحب كي يوجد إلى الآلهة بل إلى هذه الزمرة من المجانين تحديداً. أن نلتقي مع ايروس يعني أن نلتقي مع اللا مفكر فيه أو مع الغير مسموح به، وربما مع غير القابل للتفكير فيه أصلًا. إن العشق والحب هما القدرة على الوجود بمعزل عن التبعية المزمنة للأنا الأعلى الاجتماعي، نعني تلك القدرة على التملص من الصورة الدوغمائية المطمئنة للحب. إن من يحب أو يعشق فإنه يستولي على حقه الأصلي في الإفلات من قبضة الجهاز الأخلاقي لتوزيع القيم وترتيبها. إن الصدوع التي تنشأ عن المغامرة العاطفية هي ضروب من الإرادة الخاصة أو الإرادة الشريرة في كسر القالب الصلب الناشىء عن تواطؤ الاجتماعي واللاهوتي والسياسي أيضاً. يندرج الدون جوان في هذه الخانة تحديداً، فعلاوةً على طبيعته العربيدية فإنه يترجم جيداً الطابع الانتهاكي المميز لتجربة الحب، إن الدون جوان يتخذ أشكالاً من التعبير العاطفي عبر ثورات انفعالية عنيفة ضد النظام المؤسساتي للحب. إن الدون جوان هو ذاك الشاهد الحي على الحب الممنوع لو صح التعبير، حيث الجوانب العاطفية دائمة التبدل والزوغان وحيث الشاذ يكتسب قوة القانون. علينا أن نفهم أن الدون جوان هو صورة مجازية باذخة سيتم استدعاؤها في متن الأستاذ العظم لتكون النموذج الاستعاري للعاشق الخارج عن القانون الذي يحافظ على حرارة الحب ونشوة الاتصال بعيداً عن الاصطناع والتبلد الذي تتميز به مؤسسة الزواج. إن الفضل يعود دائما للدون جوان على حد تعبير الكاتب الفرنسي لوك فيري حيث ( يصير العاشق مقياس كل شيء)8 مع الأستاذ العظم يقع لأول مرة استعادة الدون جوان كجهاز اختراق. إن بيت القصيد ليس تبرير أخطاء الإنسان بل دعوته بالأحرى إلى اقترافها. ذلك يعني أن الأستاذ العظم عندما يسترجع شخصية الدون جوان، فهو لا يستهدف تقريظ الدون جوان أو تعويمه كنموذج نظري، بل يتسدعيه كحليف منهجي للتفكير تأويلياً بالتوتر بين اللاهوتي والحيوي، بين الاشتداد والامتداد. إنه على وجه التحديد، يضع الدون جوان في صدام مع التوظيفات الدينية والسياسية والاجتماعية التي تشتغل داخل فضاء مغلق ومراقب. الدون جوان هو إذن لافتة احتجاج ضخمة ضد زيف المؤسسة الاجتماعية تعمل على تفكيك البديهيات والمرجعيات، وبيان أن التاريخ عموماً وتجربة الحب على وجه الخصوص، ليست مجرد رغبة ذاتية تخص هذا الفرد أو ذاك، بل جهاز قيم يفضح عبر آليات اشتغاله، نظم التفكير القمعية والعقابية القابعة خلفه. لطالما كان الدون جوان مصدراً للخطر والقلق بالنسبة للمؤسسة الاجتماعية إما بصمت التاريخ عنه، أو بنعته بأقذع الصفات وأرذلها. فهو الماجن والخائن والكاذب وقليل الوفاء والمعروف بشغفه الذي لا ينتهي نحو النساء. إنه لا يكف يذكرنا من خلال شخصه المتقلب والشبقي بالطابع العرضي والزائل، ليس للذة وحدها وإنما للمجتمع نفسه. كل هذه الخصال تجعل الباحثين عن الأمان المؤسساتي والهوياتي لا تطيقه ( إن شريعة الامتداد بمؤسساتها وقيمها المحافظة تهاب الدون جوان وترفضه بدورها وتعتبره فاسقاً منحلاً يجري وراء ما تمجه الأخلاق وتحرمه الأديان وتتنبأ له بأوخم العواقب إن كان في هذه الدنيا أو الحياة الأخرى).9 سبق لـ لوك فيري أن رصد في كتابه الانسان المؤله هذ النزوع الغريب للتيه الذي يميز شخصية الدون جوان ويدفع بها لأن تصير لا شيء. وكأن العشق على الطريقة الدون جوانية هو ضرب من العدم الذي ينتهي إلى إطلاق العنان للرغبة المنفلتة بلا أي أدنى اعتبار للمجتمع ومؤسساته الرسمية، فهو ( يغوي بلا انقطاع وموضوعات سحره ليس لها إلا وجوداً مبهما لا يميز. إن النساء بالنسبة إليه، ليست غير أشباح وفي هذا الإنكار للآخر يمكنه أن يؤكد سلطته وحريته المطلقتين. وكما هو الحال بالنسبة لترستان، فإنه لا يمكن تخيل دون جوان متزوجاً ).10 الدون جوان إذن، إنسان هيدوني hedonistic ممسوس ومهووس بالبحث عن لذته الخاصة، وفوق كل ذلك هو انسان الحيلة والفرح والمرح. وعليه لا ضير في أن نرى في شخصه ترياقاً رمزياً أمام كل أشكال الكبت والقمع وتكنولوجيا المراقبة والمعاقبة التي تمارس ضد حرية الذات في ممارسة الحب. يشد الدون جوان الانتباه إلى هشاشة الكائن أمام الحب وإلى ضعف الذات أمام اللذة. إن الدون جوان هو تعبير عن نمط وجود طافح بالحب والسخاء والمتع بعيداً عن أثقال وتكاليف الحياة المزيفة التي تعيق انطلاق الطبيعة البشرية وتحد من حركتها. يقول هربرت ماركيوز: ( إذا كان من المستحيل التحرر من القمع الأساسي لأنه بمثابة المنظم للعلاقات الضرورية والطبيعية لاستمرار الحياة، فإن التحرر من فائض القمع ممكن عن طريق التحرر من سلطة مؤسسات العقلانية القمعية، حيث لا يتحرر الانسان المعاصر اجتماعياً فحسب، بل وغريزياً كذلك )11 هكذا نجد تقارباً بين موقف الأستاذ العظم وموقف هربرت ماركوز. كلاهما يؤكد على دور أنظمة الكبت والقمع في إخماد تجربة الحب الايروسي ، والأخطر من ذلك أن كلاهما يعتبر قمع الحب مصدراً لشقاء الإنسان .لا يمكن حسب هذين الموقفين فهم الوجود بمعزل عن فهم العملية التي يتم بموجبها تفريغ الحب من مضامينه ورده إلى مجرد استيهامات عاطفية وانفعالية. ثمة ضرب من القحط الايروسي الذي أصاب عالمنا. وهنا يقترح ماركوز تنشيط مفهوم الايروس Eros باقتلاعه من الشبكات والايديولوجيات التي تربطه بالتاناتوس Thanatos وتجعله يدور في فلكه. إن الأمر يتعلق بمحرض فلسفي يثير شهية البشرية على الوجود من جديد، لا سيما أن التاناتوس ليس هو ما يشكل ماهية الوجود الانساني وإنما ايروس بالذات والاسم والدلالة. على التاناتوس* أن يتنحى قليلاً أمام ايروس. لقد بالغ تاناتوس في استفراده بمعنى العالم لذلك وجب عليه التخلي عن مكانته للحب والارتواء والشغف والحرية. إن على العالم لو أراد التخفف من أثقال عقلانيته المتعبة أن يستعيد أورفيوس* ونرسيس* اللذان يملآن العالم حباً وصخباً، ( إن صورتهما هي صورة الفرح والارتواء الكامل وصوتهما لا يأمر وإنما يغني )12 على منوال دون جوان الأستاذ العظم فإن أورفيوس هو نموذج الشاعر باعتباره محرراً وخالقاً. إنه يقيم في العالم بدون قمع وفي شخصيته تتلاقى كل أطياف الوجود الأصيل. حيث يتحد إلى الأبد كل من الفن والحرية والتمرد، فهو مطلق العنان ومحرر الذات، بل هو ( الإله الذي يأتي بالسلام والطمأنينة حين يوائم بين الانسان والعالم ليس بواسطة القوة وإنما بواسطة الغناء ).13 بالنسبة لـ ماركوز – وهو ينطبق بذات الدرجة على دون جوان العظم - ليس المطلوب استدعاء نرسيس وأورفيوس كـ استطيقا بل كـ انطولوجيا. هنا يتم في مختبرات الفلاسفة استنبات مضادات للعقلانية القمعية بما يشبه ثورة كوبرنيقية. إنها كوبرنيقية ايروسية، لكنها ليست ثورة على الفيزياء الكونية هذه المرة، وإنما ثورة على ميتافيزياء العقل العقلاني* الذي يمارس نفيه ونبذه وإقصاءه عبر تحويل العالم إلى مجرد مسوخ عملاقة تعيش لكنها لا تحيا، تولد وتأتي لكنها لا تكون. عالم متخم بـ اللا حب. إن ما نحتاج إليه حسب ماركوز ليس توسيع رقعة اللوغوس، بل بالأحرى تحرير ايروس من قبضة جهازي الكبت اللاهوتي والتاريخي. إن ما نحتاج إليه بالضبط هو إعادة الاعتبار لمعاني الخيال وما يرتبط به من مساحات وفضاءات للفعل والوجود في العالم. ينبغي علينا أن نمارس خيالاً في حجم صلابة المكبوت والمقموع الذي ينخرنا من الداخل ويمسخنا من الخارج. ثمة كونان متوازيان يخترقان الذات المقموعة ويجعلان الذات حبيسة تناقض جذري مهول، بل ثمة يباب وقحولة انطولوجية تسكن أحشاءنا وتمتص راهننا وتبتلع مستقبلنا. وحده الخيال الايروسي من يستطيع إنقاذنا. عبر الخيال فقط يمكن أن نبتكر العالم مرة أخرى، بل ويمكن أن نعثر على الوجود الضائع في هذا الزمن الشائخ، أو ربما نحقق أخيراً وصية الشاعر الملعون أرثر رامبو*. ( فالخيال ليس سبيلنا إلى الحرية فقط، بل إنه طريقنا لإقامة نظام جديد من الجمال والشبقية المتحررة ).14 ثمة ما يؤرق وربما يزعج كلاً من العظم وهربرت ماركوز بخصوص تبديد المعاني الموجبة التي تنطوي عليها شخصيات مفهومية من عيار دون جوان وكازانوفا وايروس وديونيسيوس وأورفيوس ونرسيس. يمكن الإشارة هنا، إلى مسكوت عنه يسكن صلب نص الأستاذ العظم لكنه لم يكن ليلفت انتباه أحد من الدارسين. علينا أن نفهم أن اختزال الدون جوان أو غيره من الشخصيات الايروسية الماجنة إلى مجرد شخصيات فاجرة ولا أخلاقية يعني تحديداً تعطيل كل إمكانية للتحرر والانعتاق. إنه يعني تدمير بنية الممكن ذاته، والاستسلام التام لأجهزة المراقبة والقمع في شقيها الديني والاجتماعي، والوقوع بالمحصلة في شراك ذهنية التحريم. يقول العظم: ( حين نقرأ في كتب التاريخ أن الخليفة المتوكل، مثلا، وطىء أربعة آلاف جارية فإن هذا لا يعني أنه كان دون جواناً من الطراز الأول، بل يعني أنه كان مجرد فاجر فحسب...تحتلف تجربة الدون جوان عن وضع هؤلاء الخلفاء الفساق وأمثالهم في أن الثمرة التي يظفر بها لا تأتي إليه طائعة خاضعة لا حول لها ولا قوة أمام سلطانه وجبروته، وإنما تأتي نتيجة ظفر حقيقي يحرزه بجهوده ومساعيه ومخططاته. وبينما نرى، من ناحية، أن أمر السلطان لا يعصى، نجد أن جهود الدون جوان مهددة باستمرار بالفشل والهزيمة، وإن لم تكن كذلك فلا معنى إذن لأي انتصار يحرزه أو فوز يحققه ).15 لقد آن الأوان لكي نكتب عن الدون جوان وليس حوله، أن نكتب عن الدون جوان كـ مطرقة وصدمة وترمومتر حضاري يقيس درجة انتمائنا للعالم من عدمها. بالنسبة للأستاذ العظم فإن الدون جوان ليس غاية في ذاته ولا يقدم اللذة من أجل اللذة، إنه لو صح التعبير " ممر" نحو الحياة وقوس يجب المرور من تحته لو أردنا بالفعل اكتشاف وجه جديد للكينونة. يقدم لنا الدون جوان درساً لا في المجون والانحلال كما عاشه حفنة من الخلفاء الفاسدين أو كما صوره حفنة من الكتاب الكسولين، بل كرؤية مدهشة عن كيف يمكن هدم أوثان حضارة وتفكيك مسلمات أمة وتحطيم تابوهات مجتمع، وكيف نعيد بناء معنى الحياة انطلاقاً من فهم الحياة نفسها. إن الدون جوان يربكنا ويقلقنا ويزعزع بنية وجودنا الصلب، لكنه قبل كل هذا وذاك، يمنحنا الإرادة والأمل و الرغبة في الامتلاء والارتواء الكامل بالوجود. ثمة سحر خاص يحيط بهذا المغامر الغريب. يتعلق الأمر بقدرته اللا نهائية على الإغواء والإغراء والافتتان. وهكذا يمكن القفز، خطوة إضافية لنقل الحديث من الدون جوان إلى الدون جوانية. الدون جوانية كقدرة على انتاج الغواية والعطش نحو اللا محدود. هكذا تتحرر الدون جوانية من أوهام الاتيقا السالبة لتصب في صالح فلسفة الرغبة، فالرغبة وحدها هي من تتموضع في الـ ما ليس بعد، بعيدا عن الـ ما يجب أن يكون، المصنوع عادة من الاسمنت. لنتذكر هنا ما قاله الفيلسوف الاسباني رافايل أرغولول من أنه ( ليس هناك أفكار ذهبية في عالم فائق الحساسية، وإنما فقط لحظات ذهبية )16، تلك اللحظات بما هي فرصة لن تتكرر لاصطياد اللذة وانتزاع المتعة من قلب عالم ممل ورتيب ومتعب. هاهنا يطل علينا وجه آخر من وجوه الدون جوان. إن اللذة والمتعة هما المحرك الأساسي لكل أفعال الدون جوان، هكذا يتم تحويل الحياة إلى استطيقا معيشة، حيث الحياة هي تجربة الجسد ذاتها أو ذاك الجهد الدائم في تنصيب الجسد كأولوية؛ أولوية تجعل من الايروسي ذاته، محركنا الوحيد نحو الحقيقة. لنتذكر هنا، أنه عندما وقع شارلي شابلن في الحب، قال لبائعة الزهور: Now, I can see. صار بالإمكان القول: إن الدون جوانية كما تتبدى عند العظم، هي بناء ايروسي للعالم وصياغة استطيقية للحاضر وارتفاع باللحظة المعيشة إلى مستوى الـ كينونة الكائنة ذاتياً، حيث يُصار إلى إقتناص الأبدية برمشة عين أو برعشة جسد، ( سيأتي الدون جوان ليلاً ليمنحك لحظات لا تنسى ثم يختفي، قد يكون امتلك آلاف النساء في السابق، لكن ذلك يجعله أكثر إثارة. فمن الأفضل أن تكوني مهجورة من قبل رجل كهذا على أن تكوني غير مرغوبة على الإطلاق ). 17 في كتاب طريف من نوعه Art of love يدافع ايريك فروم عما يسميه بـ الحب الناضج. هل ثمة حب ناضج وآخر متصابي مثلاً؟. فالحب هو ( الوحدة في ظل احتفاظ المرء بسلامته، بفرديته. إن الحب هو قدرة فعالة في الانسان، قدرة تخترق الأسوار التي تفصل الانسان عن إخوته البشر، وتوحده مع الآخرين، والحب يجعله يتغلب على الإحساس بالعزلة والانفصال، ومع ذلك تسمح له بأن يكون ذاته، وأن يحتفظ بسلامته. وفي الحب تحدث المفارقة وهي أن كائنين يصيران كائناً واحداً ومع هذا يظلان إثنين ).18 لا يمكن تخيل حجم الطرافة والفقر التي يسعى مثل هذا الطرح إلى تكريسها. إننا أمام تصور ( فلسفي ) مجبول بمياه اللاهوت لدرجة أنك لن تعرف وأنت تقرأ هذه الكلمات هل أنت تستمع لفيلسوف يتحدث عن الحب، أم أنك تنصت لتراتيل وأناشيد قسيس في كاتدرائية مهجورة. علينا أن نفهم موقف فروم من الحب بطريقة أخرى. إن اريك فروم تلميذ من تلاميذ فرويد وهذا يعني إرثاً كاملاً من العداء لكل الخارجين عن طاعة الليبيدو وأوديب. على هذا النحو يمكن أن نفهم معنى النضوج الذي تحدث عنه فروم. إن فروم في الواقع يكره الدون جوانيين لأنهم يتحركون دائماً خارج آلة التحليل النفسي للمجتمع السوي* The sane society. إن الدون جواني لا يعيش الايروس كعقدة وإنما كنمط وجود وطريقة في اختراق وانتهاك العالم حيث تفقد أو تسقط ميكانيزمات التحليل النفسي الكلاسيكية أمام شخص مهووس باللذة ومتعطش للمتعة. كل امرأة بالنسبة لدون جوان عبارة عن هدير تجربة جديدة وهسهسة رغبة مختلفة. لا يتعلق الأمر بشذوذ جنسي ولا بتسليع لجسد المرأة ولا بتملك مرضي أو صحي. كل ما هنالك رغبة لا تنقطع باللعب والاستمتاع والانفلات من أجهزة القمع والكبت التاريخية. في هذا السياق من الطرافة الفلسفية يمكن أن ندرج أيضاً حديث خوسيه أورتيغا إي غايست عن الدون جوان. يتعلق الأمر عنده بخطأ جسيم أو خطأ من العيار الثقيل إن نحن حاولنا البحث عن دلالة موجبة لهذه الشخصية لأن ذلك لن يقودنا سوى لـ ( العثور على نموذج تافه من دون جوان. بل نصل بالحري، عبر هذا الدرب إلى النموذج المعاكس، على الأغلب. فماذا يحدث إذا أردنا عند تعريف الشاعر أن نوجه انتباهنا إلى الشعراء الرديئين؟ بالضبط لأن الشاعر الرديء ليس شاعراً، وإنما نجد عنده الرغبة فقط، والكد والعرق والجهود التي يتطلع بها عبثاً إلى ما لا يستطيع. لأن الشاعر الرديء يستبدل بالإلهام الغائب البهرجة التقليدية: لمًة وسترة. وكذلك هذا الدون جوان المكد الذي يقوم كل يوم بعمله الغرامي. هذا الدون جوان الذي طالما "أشبه" دون جوان، هو نفيه وفراغه بالضبط ).19 إن أفضل تعليق يمكن تسجيله على كلام أي غايست هو القول: إنه تأويل تقزيمي، إنه لا يفعل سوى أن يراكم الكلمات في شرايين الحياة لدرجة أنه يمنع أو يحول دون اكتمال وصول النشوة واللذة والمعنى إلى كافة أنحاء الوجود الانساني. إن أي غايست في الحقيقة لا يمارس التفكير في الشخصية الدون جوانية، بل يضع تقريراً فلسفياً بلغة أمنية عن شخصية الدون جوان، فيفصل بين ما يراه رديئاً فارغاً من جهة، وما يراه جيداً وفاضلاً وصحيحاً من جهة أخرى. إنه نمط طريف من العقلانية القاحلة حيث يتم التعاطي مع كل فورانات وغليانات الايروس بخطاطات ركيكة وتجريدات أخلاقية عائمة وجوفاء. بالنسبة لـ أي غايست فإن ستاندال* هل قال ستاندال؟ هو النقيض الحرفي لشخصية الدون جوان. وهذا ما يصرح به قائلاً: ( لقد كان ستندال من تهالك بإقدام أكبر في الدوران حول المرأة. ومع ذلك، هو نقيض دون جوان تماماً. أما دون جوان فهو الشخص الآخر، الغائب دائماً والملفوف بضباب كآبته، والأرجح أنه لم يغازل قط امرأة ما ).20 هنا بالضبط، أصل لنقطة أساسية تخص نسيج العقلانية الكلاسيكية وتجعلها على تماس شبه مباشر مع العقلية الدينية. أنا أشير إلى قرابة مفضوحة تجعل من العقلانية، في إحدى تجلياتها، ضرباً من الممارسة اللاهوتية، حيث يتم التخلي عن نسيج الفلسفة الأصلي بما هي خلخلة وتمرد وانفصال، ليتم إلحاقها بنسيج الوعي الديني بحيث يغدو الوعي الفلسفي ضرباً من التدين والاعتقاد مع كل ما يعتري هاتين الكلمتين من إنغلاق وضيق وصلات مكشوفة ومفضوحة مع الدوغما. إن ما لم تستطيع تنظيرات أي غايست فهمه والتعبير عنه هو أن العالم الايروسي للبشر، لا يمكن اختزاله إلى حدين يستنفدان في ذاتهما كل معاني الأشياء. وأنه يتعذر فهم تجربة العشق الايروسي بمجرد المقارنة الساذجة بين الدون جوان ونقيضه الافتراضي ستاندال. والحال أن الحياة عموماً وايروس خصوصاً، تعلمنا أن الثالث المرفوع موجود ومعطى، وأن الوجود والحب والحرية والفن هي ألعاب لا تنتهي بين الذات والموضوع، الداخل والخارج، المرئي والخفي، المادي والمجرد، وأن ثنوية الوجود هي مجرد وهم سعيد لم يمتلك بعد، إمكانية أن يرى العالم كـ مهرجان اتحاد أبدي للنقائض. لا يمكن إخضاع الدون جوان إلى قراءة أخلاقية أو سياسية. إن مثل هذه المحاولات المعرفوية هي خطأ نظري جسيم، لأنها تمسخ الدون جوان إلى مجرد داعر كبير. الدوان جوان مثله مثل الحدس العظيم أو مثل بومة منيرفا لا يأتي إلا في الليل؛ ليل المجتمعات المكبوتة و الأمم المترهلة و الحضارة المقموعة حيث يخيم العماء الايروسي وتسود ماكينات ميتافيزيقية عملاقة تعمل على وأد الحواس، واعتقال الجسد، وردم كل رغبة للذات بعالم مرح. الدون جوان إذن كائن رمزي على درجة عالية من الغواية والإغراء. إنه مفهوم انطولوجي، رؤية للعالم واكتشاف للحياة واستكناه لمواطن ومقامات اللذة والبهجة فيها: إرادة الحياة، الرغبة فيها، محبتها، عصيانها، الضرب عرض الحائط بكل قيمها البائتة، الدون جوان وحده من يتمتع بتلك السمة الخاصة التي يسميها روبرت غرين " المجرفة " The Rake، إنه ( محرك الشر ومقلب الجحيم )21. هذا ما يجعلنا على مقربة من شخصية الدون جوان كـ " شر ضروري " أو كـ وعي جحيمي لا بد من استنباته في مجتمعات استمرأت البنى القارة واعتادت الانغلاق السعيد، نعم الانغلاق السعيد؛ بمعنى أنها لم تنغلق على ذاتها فحسب، بل وتجتهد لتأبيد هذا الانغلاق وتأكيده. على شاكلة سوبرمان نيتشه فإن دون جوان العظم يقول نعم كبيرة للمرأة، لكل امرأة، لا يقول نعم للشقراء أو السمراء، بل نعم للحرية ولا للكبت، إنه لا يمتلك إمكانية ألا يرغب في الحب. يتوجب عنذئذ قول نعم لكل تجربة حب جديدة. يعلن الدون جوان انتماءه للقيم الديونيزية: الحياة، الحب، الجنس، اللعب، اللذة، الفرح، الضحك، الرقص، الغناء، الخمر، فضلاً عن ذلك، الشراسة، الهيجان، التوحش الملازم للحياة. إنه لمن الغباء أن نسير على حد تعبير نيتشه على خطى الشًبعى والقنوعين، فنحن ( نشمئز من القديم، مما تأكدت لنا ملكيته، ونمد أيدينا لنقبض على الجديد، حتى أجمل مشهد لا يعود أكيداً من حبنا له بعد تمضية ثلاثة أشهر بالقرب منه، ثمة شاطىء بعيد يجذبنا نحوه دائماً )22. يسعى الدون الجوان وراء اللا ارتواء، يرغب الدون جوان في هذا القانون ويحبه. ضمن هذه الرؤية، يكون الدون جوان تعبيراً عن انسان التعدد بامتياز وفق عبارة شهيرة لـ جيل دولوز. فهو يتحرك وينتقل بين عوالم كثيرة وحسناوات أكثر كاشفاً عن التعدد الأصلاني الموجود في هويته. إنه شكل من أشكال الظمأ نحو اللا نهائي الموجود في التربة الأصلية للكائن. ذاك النوع من العطش الايروسي الذي يعبر عن نفسه في الحالة الدون جوانية مشوباً باللذة والشهوة والغواية وفائض الافتتان. رب قرابة تجمع الدون جوان مع المقولة السوريالية حول " الصدفة الموضوعية " حيث تتحول الحياة على الطريقة الدون جوانية إلى بنك من المصادفات والالتقاءات التي ليست سوى عدد لا حصر له من تجارب الحب ومطارحات الغرام حيث الوجود ليس أكثر من عملية تسكع لا تنتهي. لنتذكر هنا ملاحظتين للأستاذ العظم يقول فيهما: ( لغة العشق تشبه لغة الحرب والصراع وتستخدم الكثير من استعاراتها وتشبيهاتها )23. ثم يضيف قائلاً: ( يقوم الدون جوان بحملة مركزة على مواقع المعشوق المحصنة وقد يرتد مراراً ثم يعيد الكرة ليحاصره ويطوقه ويضربه بسهامه، إلى أن يحرز النصر ويستسلم الحبيب الذي يصبح أسيراً كما يتحول المنتصر بدوره إلى أسير للمأسور أصلاً ).24 عند هذه النقطة يمكن القول: إن الأستاذ العظم قال في الحب كل ما قيل وما سيقال. إن الحب هو ابن الحرب وأخوه وأمه وأبوه. هنا تتردد بوضوح صرخات هيرقليطس و زرداشت نيتشه في متن العظم. ( هل استمع أحد إلى تعريفي للحب؟ إنه التعريف الوحيد الذي يليق بفيلسوف. الحب، وسيلته الحرب، وخلفيته العميقة الحقد القاتل الذي يكنه كل جنس للآخر ).25 نجد منظوراً تحليلياً مماثلاً في معرض حديث الكاتب روبرت غرين عن الغاوي* seducer وما يرتبط بشخصيته من قدرة على الإغواء الذي يصل حد هدم وتقويض كل حصون المحبوب وانتهاكها، فـ ( الغاوون يبدون على شكل محاربين في الحياة. إنهم يرون كل شيء كما لو أنه قلعة محصنة تضعهم أمام مهمة صعبة. الإغواء عملية اختراق: اختراق أولي لعقل الهدف بوصفه أول خطوط الدفاع، فحالما يخترق الغاوي عقل الهدف جاعلاً إياه يكون خيالات عنه، يصبح من السهل تقليص المقاومة وخلق استسلام جسدي. إن الغاوون لا يرتجلون ولا يتركون هذه العملية للصدفة المحضة، فهم يخططون ويضعون الاستراتيجيات مستهدفين نقاط ضعف الهدف ).26 كيف نفهم هذا التشخيص؟ ينبغي الإشارة هنا إلى أن روبرت غرين إنما يناقش تأويل الحب في شخص الغاوي للدلالة على كل الغاويين الذين ذكرهم أو خلدهم التاريخ. وبالتالي علينا أن نفهم إشارة غرين عن " الغاوي " بوصفها صيغة أو نموذج جذري لكل تجارب الحب الأخرى. في هذا المعنى تحديداً لا يغدو الغاوي هذا العاشق أو ذاك، بل نظاماً كاملاً للعالم، ونسقاً متكاملاً من العلاقات، حيث العشق أو تجربة الحب هي فعل غواية وأسلوب وجود واستراتيجيا انتهاك وتفكيك أيضاً. لقد أنتجت الغواية الدون جوانية مع الأستاذ العظم تحديداً، قطيعة أو على الأقل لحظة ثورية مع النظام اللاهوتي والاجتماعي لإنتاج الرغبة القائم على تفوق الثابت على المتحرك، والقديم على الجديد، والانغلاق على الاختراق. إن الحب الدون جواني تحت قلم العظم، ليس مجرد استدعاء نافل لمتسكع نهلستي، إن بوسع الحب أن ينجز ثورة ليس على صعيد الأدب وحده، بل على صعيد الفكر ذاته. يتعلق الأمر بقدرة الحب وقدرة الدون جوان على القيام بتدمير فلسفي للعقلانية الميتافيزيقية في شكلها القمعي والإقصائي. ثمة أوثان وأصنام تجثم على أجسادنا وعقولنا آن الأوان لتحطيمها بقوة الايروس. لأول مرة سينحاز مفكر عربي لصالح ايروس ضد تاناتوس. بهذه المعاني السالفة كلها، يدخل الأستاذ العظم معترك التأويلات السائدة عن الحب العذري. اللافت والمتوقع بطبيعة الحال، أن العظم لن يسرد أمامنا سلسلة من القصص والنصوص التي تعكس فرادة شعرائنا العذريين ونبالتهم وتعففهم، بل على العكس تماماً، سيتم الحديث رأساً، عن ابتذال الحب العذري وسقوطه في اللا معنى حيث يصر العظم على مثول الحب العذري أمام محاكم العقل لكي ينال جزاءه العادل من الصواب أو الخطأ، الحقيقة أوالوهم. يتولى العظم بطريقته في الكتابة العلمية تفكيك كل الأوهام المرتبطة بتجربة الحب العذري كاشفاً النقاب عن الساخر والمبتذل واللا أخلاقي أيضاً، القابع في صلب هذا النوع من الحب. يتعلق الأمر بفنتازيا مغشوشة هي بمثابة العرض الجانبي أو ربما الأصلي لأمة أو مجتمع أدمن تجميل القبيح وتقبيح الجميل، واستمرأ تقديس المدنس وتدنيس المقدس؛ " مجتمع اللا حب " لو صح التعبير، مجتمع مصاب بتبلد هرمنيوطيقي يرفع حماقة بمستوى الحب العذري إلى مصاف المثاليات الكونية في الوقت الذي كان من المفترض أن يختار الاستهانة بها أو على الأقل التفتيش عن أصولها وأوهامها وأكاذيبها. إن ما يراهن عليه العظم هو أولاً، نقد صريح للحب العذري في شكله الفانتازي المتخيل. وهو ثانياً، رد فلسفي عميق على كل أولئك الذين يمجدون هذا النوع من الحب أو يقفون إزاءه موقف المادح المهلل المصفق، ويماهون بينه وبين الحب الإلهي. وهو ثالثاً، انتقاد شديد اللهجة لبنية العقلية البدوية التي ترفض الفجور ظاهراً لكنها تبرره بل وتتغاضى عنه باطناً. لا يستوي التنقيب الفلسفي والجينالوجي في خبرة الحب العذري إلا بالقلب الذي يمارسه العظم عليها، قلب الميتافيزيقا التي تؤسسه وتؤطره والبديهيات الفارغة التي تسكنه وتدعمه. إن ما يكشف عنه العظم هو أن مثالية هذا النوع من الحب مبالغ فيها، بل إن من ( خصائص الحب العذري الأولية، أنه قائم على الزنى وعلى خرق فاضح لمؤسسة الزواج ).27 من أجل فهم أسباب هذا الحكم النقدي اللاذع للحب في صيغته العذرية، يعود بنا العظم إلى جميع القصص التي تواترت إلينا عن العشاق العذريين من جميل وبثينة مروراً بقيس وليلى وعروة وعفراء، بل إنه لن ينسى أن يلفت الانتباه إلى قصة يوسف وامرأة العزيز. إن ما يشغل بال فيلسوفنا هو أن الحب العذري يحمل في عمقه تناقضات تدمره من الداخل. وهي تناقضات يرصدها العظم كما يلي: يعبر الأستاذ العظم عن رفضه الصارخ للعفة كصفة خالدة للحب العذري. إن الأمر لا يغدو أكثر من تأويل أخلاقي لتجربة لا أخلاقية، إن الحب العذري بهذا المعنى هو " جنسانية مقنعة " أي أنها تنبني على قدر لا بأس به من المسكوت عنه، فخلافاً للآراء الشائعة فإن الحب العذري هو ( شهواني إلى أقصى الحدود لأنه قائم على منع الرغبة في امتلاك المحبوب منعا مستمراً، والتفنن في تقريب ساعة الاكتفاء والإشباع تارةً وإبعادها تارة أخرى... إن العاشق العذري أبعد ما يكون عن التغلب على شهواته والسيطرة عليها، بل على العكس من ذلك، إنه يرعى هذه الشهوة ويعتني بها ويؤججها ).28 يتموضع الأستاذ العظم قريباً جداً من شوبنهور، حتى أنه يبدو كما لو أنه يشرحه. إن الحب الرومانسي مثله مثل الشعر الرومانسي مجرد وهم من أوهام الذات البشرية، هكذا يعيد شوبنهور كل شيء إلى أصله البيولوجي حيث الوجود كله مرايا وانعكاسات للغريزة الجنسية. لا يرى شوبنهور في آلام المحبين وعذابات العاشقين سوى رقاقة رومانسية عملها تقنيع وإخفاء الغريزة الجنسية. إن شوبنهور واضح جداً: ( كل التجربة الغرامية متجذرة في الدافع الجنسي وحده )29 والانسان مجرد خادم طيع لإرادة الطبيعة العمياء أو مجرد كائن تنفيذي عمله الوحيد هو حماية استمرار النوع. لقد استطاعت الطبيعة خداعنا عندما أوهمتنا بسمو مشاعرنا وصدق آلامنا وعفوية نوازعنا. من هنا بالضبط كان الوهم الذي يغذي الشعر الرومانسي. إنه لمن المثير للسخرية بالنسبة لشوبنهور أن الانسان اعتقد أنه يتألم ويعاني ويأمل مستنداً إلى وعيه الذاتي في حين أن مهمته الوحيدة هي الحفاظ على النوع. لا أحد بمنأىً عن الوقوع في الفخ فـ ( الدافع الجنسي يعرف كيف يرتدي قناع الإعجاب الموضوعي بمهارة تجعله يخدع الوعي. فالطبيعة تتطلب هذه الحيلة من أجل تحقيق غاياتها ).30 هنا يتقاطع العظم مع شوبنهور أيما تقاطع! ذلك أن شوبنهور يصوغ نقده للحب الرومانسي من خلال الشاعر بترارك* وحبيبته لورا، والعظم يصوغ نقده للحب العذري من خلال الشاعر جميل وحبيبته بثينة. بترارك الغربي وجميل الشرقي. عاشقان رومانسيان لا يشتركان في الشعر فقط، وإنما في كون الشهوة هي مصدر عشقهما وشعرهما. فلو أن بترارك أشبع شهوته من لورا ( لتوقف عن نظم قصائده على الفور. ولكان قام بما تقوم به الطيور تماماً، فهي تتوقف عن التغريد حالما تضع بيوضها ).31 يتعين من جهة أخرى، فهم مكر الحب العذري ورفضه القاطع لمؤسسة الزواج. كان الأستاذ العظم قد عبر عن هذه النقطة عندما أكد على رغبة العشاق العذريين في تسعير غرامهما والحيلولة دون الوصول إلى لحظة الاتصال النهائي. عند هذه النقطة يلتقط العظم خيطاً سميكاً يربط العاشق العذري بالدون جوان فـ ( كلاهما لا يريدان الحب الذي ينزع نحو الدوام والاستمرار ضمن مؤسسة الزواج، لأن ذلك لا يتحقق إلا على حساب اشتداد الحب وتوهجه، وكلاهما يبحث في الحقيقة، عن حدة الانفعال في العشق ويريد العمل على تصعيد عنف عشقه وقوته إلى أعلى درجات التوتر الممكنة ).32 يمكن فهم هذه المحاولة الانفلاتية من مؤسسة الزواج كموقف انساني مبكر من " الاجتماعي " كله. في الحقيقة: إن الزواج هو اختراع اجتماعي، وهذا الشكل معرض للإصابة بالعطالة فيكون عنئذ مفرغاً من كل معنى. لا أدعي الكفاءة الكافية للخوض في تحليل تفصيلي للعواقب والاستتباعات التي كان يمكن أن تتمخض جراء هذه الصيرورة الفصامية للعشاق العذريين، لكنني أكتفي بالقول: إنها كانت إرهاصات وبواكير طالت عدة مجالات وقطاعات، وكان كل همها هو الحيلولة دون الوصل والاتصال، في مقابل تشجيع الفصل والانفصال وكأني بالعاشق العذري قد أدرك منذ ذلك الوقت أن الحب ما أن يتموضع في شكل ثابت حتى يموت أو على الأقل يفقد ألقه اللَذي والمتعوي بل ويخسر أفقه الوجودي أيضاً. سأترك جانباً كل الأحكام الانفعالية الطريفة التي يسوقها الأستاذ العظم في معرض حديثه عن قلة حياء العشاق العذريين وسادو- مازوشيتهم*، وأركز تأويلي لهذه التجربة على نقطة أجدها لافتة للانتباه بالفعل، تلك التي تتعلق برغبة العشاق العذريين في الإبقاء على نار أشواقهم مستعرة لا تنطفىء. أنا أشير هنا إلى أن أي قراءة تجر تجربة الحب العذري إلى مثلث التحريم الشرقي ( الدين، السياسة، الجنس ) هي مجرد قراءة ساذجة تفشل في استكناه الحمولة الايروسية التي أرهصت بها هذه التجربة وتقع في فخ النظرة الاستشراقية ولكن بالمعنى الكوميدي للكلمة. كوميدي لأنها تقبل الأنموذج الايروسي في صيغته الدون جوانية ثم ترفض تعميم ذات الرأي على العاشق في صيغته العذرية. يقول العظم: ( الحقيقة هي أن لا جميل كان يريد الزواج ببثينة ولا بثينة كانت تريد الزواج من جميل، بل كان كل منهما يريد قبل كل شيء عشقه للآخر وشعوره بالانفعال المتزايد بسبب بعد حبيبه... هذا يعني أنه كان يرغب في عشقه لبثينة أكثر مما كان يرغب في بثينة نفسها ).33 علينا هنا أن نعيد موضعة الأمور من جديد. أن نخرج العاشق العذري من زنازين الذات الاستعلائية التي تتخذه كموضوع، وأن نعيده إلى تربته الأصلية وحقله الفعلي الذي هو الرغبة. حيث نكف عن تقويل العذريين ونجري تعديلاً على مضمون التجربة برمتها، فتنتقل بها، من تجربة قائمة على الكبت إلى متعة لا تقاس بالزمن. إنني أجازف بالقول: إن العاشق العذري هو أول من اجترح معنى الحب للحب. لا ينتمي العشق في صيغته العذرية إلى جهاز المقدس. لم يقم المقدس باستدماج الحب العذري في مروحته الأخلاقية إلا في وقت لاحق وخلع عليه معنى خاصاً يناسب الثبات الذي هو عليه. جميل وبثينة، قيس وليلى، عروة وعفراء هم أول من تعامل مع جهاز الرغبة كجهاز مقاومة للاجتماعي. الرغبة الخالصة في مواجهة قوى الثبات، تحدي النظام، مقاومة المركز. أن نكون عشاق عذريين يعني أن نواجه بنية القبيلة أوالعشيرة وأن نمنح لرغبتنا كل شروط تفتحها. بكلمة واحدة: العاشق العذري هو حركة مغادرة، وانزلاق، وهجران، وارتحال، وخروج عن طاعة البنية. إن ما لم تستطع تأويلات العظم إمساكه والقبض عليه هو أن الحب عبارة عن " أوركسترا حية " فيها من لحظات الانسجام بقدر ما فيها من لحظات النشاز أيضاً. إن ما يراه العظم عيباً هو في الحقيقة واحدة من أهم خصائص التجربة الغرامية على الإطلاق. نعم إن جميل يرغب في عشقه لبثينة أكثر مما يرغب ببثينة ذاتها. إن جميل يحب الرغبة ذاتها، إنه يمارس حب الحب. لا يمارس العاشق نفوذه على المعشوق بل يكشفه ويظهره. العشق كضرب من ضروب الإبانة. يظهر العاشق معشوقه ويحرره من وجوده الخام الذي كان عليه قبل الدخول في تجربة العشق، يحرره من اللا تمايز ويظهره من عتمة اللا مرئي. إن جميل يرى بعيون الحب، أي يرى من خلال عمائه الخاص أو من خلال عماء الرغبة ذاتها. عبثاً تحاول القبيلة رد جميل أو بثينة عن حبهما ولكن لماذا؟. لا يتعلق الأمر بمحاولة للتنصل من المسؤولية أو بإلقاء اللوم على شيطان الحب كما ذهب إلى ذلك الأستاذ العظم. من الواضح أن الأستاذ العظم لا معرفة لديه بقدرة الحب على القدوم بالمحبوب إلى الوجود كشيء فريد وفذ. إنه لا يتحمل فكرة أن الحب هو حدث في الوجود. نكرر إن جميل يرى بثينة بطريقة تختلف عن الطريقة التي ترى فيها القبيلة هذه السيدة الجميلة. يرى جميل عبر الرغبة، أما القبيلة فترى عبر جهاز المصلحة الذي يخصها. إن جميل يرى في بثينة شيئاً لا يراه أحد سواه. إن جميل لا يحب بثينة بل يمنحها الوجود أيضاً. لأول مرة تظهر بثينة، التي تحررت من لا مرئيتها وانكشفت بوصفها محبوبة جميل. لقد ساعد الحب لا على إقامة علاقة بين عاشق ومعشوق فقط، بل على جعل كل من العاشق والمعشوق مرئياً وواضحاً وموجوداً أيضاً. لقد توقف الحب للحظة عن كونه انفعالاً عاطفياً واتخذ معنى انطولوجياً بوصفه قدرة على مقاومة الاحتجاب والدخول في ضياء الوجود. على الطرف المقابل فإن القبيلة لا ترى هذا "الآخر" الذي هو بثينة على هذا النحو. إن ( ذوو جميل يوبخونه ويطلبون منه السلو عن بثينة والإقلاع عن هواها ).34 إن موقف القبيلة هنا ينتمي إلى كل موقف ضدي من الحب. يجب أن نتوقف عن الاستجابة لنداء الرغبة والعودة السريعة إلى حظيرة العقل. بكلمات أخرى تريد القبيلة/ المجتمع تعطيل الرغبة أو بالأحرى "تعقيل الحب". عندما يسترجع الأستاذ العظم قصة جميل يتساءل بطرافة: ( ما الذي كان يحول بينه وبين بثينة؟ كان باستطاعته افتداؤها من زوجها الدميم الأعور والزواج منها لو شاء ذلك حقاً، فيجنب نفسه المخاطر والمتاعب ويكف عن تعريض سمعتها للسوء ويبعد عنها وعنه تهمة الزنى ).35 هل كان الأستاذ العظم يسترجع الصواب الذي لم يمارسه جميل ؟. لا يظهر العقل دائماً إلا على شكل مقارنة بين الصواب والخطأ أو الحقيقة والكذب. من هنا تظهر دائماً سيناريوهات كان بإمكان العاشق اتباعها أو كان عليه اتباعها فعلاً. هذه محنة ايروس التاريخية مع تاناتوس. أو لأطلق عليها مفارقة عشتار التي تضطر في كل مرة، للاختيار بين الراعي والفلاح، بين الثابت والمتحرك، بين الحي والجامد، بين الايروس والتاناتوس. في الحقيقة إن ما فشلت تنظيرات العظم في فهمه هو أن الحب يطرد في ذاته هذه الإمكانيات. إن الحب هو جنون الرغبة إزاء محبوب ما. ما أريد قوله: إنه بمجرد إعلان العاشق لعشقه تنهار كل الممكنات الأخرى أمام حدث الحب المقصود وتتوارى كل الرغبات الأخرى مثل الخفافيش التي تطردها الشمس. ربما نستطيع أن نرى ما لا يراه العاشق. من زاويتنا الخاصة ووفق مصالحنا الخاصة وعبر عقلنا الخاص، لكن الأكيد أن العاشق يستفرد وحده بالرؤيا كاملةً، إنه لم يعد قادراً على رؤية غير ما يراه. إنه يرى المحبوب في أكثر أشكاله كمالاً وامتلاءً. لقد وصل جميل ورغماً عن أنف العشيرة إلى مبدأ العشق الكافي. قلت: إن الأستاذ العظم أسال الكثير من الحبر عبر دفتي كتابه اللطيف، لفهم السر الذي يجعل ( العاشقان العذريان يريدان، في الواقع، البعد أكثر مما يريدان الوصال ويرغبان بالفراق أكثر مما يرغبان في العناق ). 36 لكن العظم لا يقصد طبعاً، استئناف نعته للعذريين بقلة الحياء وإنما يبدو مهموماً بفهم هذه السمة التي تجعل العاشق العذري ( لا يطلب اللقاء إلا كمقدمة ضرورية لتحقيق الفراق من جديد ).37 مهم جداً بصدد ما نحن فيه، التأكيد على ملاحظة لفتت انتباهي بشدة وأنا بصدد كتابة هذه السطور وهي أن معظم الأقلام العربية التي تناولت موضوع الحب العذري أغفلت أو بالأحرى تغافلت عن الطاقة والحمولة الدلالية لخبرة الحب في صيغتها العربية قبل تبلور الحكاية الإسلامية للحب بترسانتها الضخمة من النصوص والتأويلات وراحت تنقب عن أسئلة لا تهم أحداً من قبيل: هل كان الحب عذرياً بالفعل؟ هل هو ينتمي حقاً لقبيلة عذرة أم لا؟ هل كان جميل عفيفاً؟ هل بالفعل لم يشتهي جميل بثينة أو العكس؟ بل لقد ذهب البعض لتكريس الجهود لإثبات أن جميل لم يكن شخصاً حقيقاً من الأصل. أنا أنبه هنا إلى تعاطي فلسفي بمنتهى السذاجة تم بموجبه استنزاف هذا النمط الفريد من الحب، لخدمة أغراض تجارية أو استعراضية على حساب غياب أي تصور فلسفي عميق عن خبرة الحب عند العرب في العصر الكلاسيكي. أشير هنا إلى ذاك النمط الممجوج من التفكير البروكوستي* القائم على القطع والبتر وتفتيت الموضوع إلى ما يشبه جسد أورفيوس لإدخاله عنوة في جهاز تحليلي مسبق الصنع. يتعلق الأمر بعقلانية من النوع الطريف، تستمتع بحرق الناي بدل أن تنصت إلى الريح التي تمنحه الموسيقى. شيء من العطب يجتاح العقل. العقل وقد تحول إلى برج مراقبة، والذات من هناك، من أعلى قمة البرج، لا ترى الأشياء، ولا تسمع الكلمات، ولا تنصت للأصوات، لأنها تقف بعيدا جداً عن مرمى النص حيث لم يعد بمقدورها الاستمتاع بحرارة الحمم لحظة الخروج والاندلاع. موقف فلسفي خجول وغير ناضج يمارس التحريم والتفخيم والتجريم والتأثيم بشكل مجاني، ضارباً عرض الحائط بالطابع اللعوب للموضوع المنتصب أمام الذات، متناسياً في الوقت ذاته، فهم الظاهرة العذرية كحركة لا مرئية ولا محدودة بين طرفين يتشاركان ويشكلان فضاء لعبة الحب ذاتها؛ لعبة الحب بكل منعرجاتها ومنعطفاتها ومسالكها ومساربها ومراجلها المليئة بكل تناقضات العالم. وفي غضون ذلك، أدى هذا التعسف التدريجي إزاء الظاهرة العذرية، ذاك النمط الايروسي المخبأ في تاريخ مكتظ بالإلهي واللا إنساني، إلى مواقف تنم عن قلة حياء انطولوجي لم يكن ليثير اهتمامها سوى ممارسة التبرير ولي عنق هذا الضرب الخاص من العشق بما يتناسب مع الحكاية الإسلامية أو يتناقض معها. هكذا تحول الحب العذري من حقل للتأويل إلى حقل للتقويل وبدل الحديث عن الدفقة الحيوية التي كانت تغذي هذا النوع من العشق راح يتخاصم القوم حوله، فهذا يسخر من الحب العذري وذاك يشكك به وآخر يريد التخلص منه بأي ثمن. والنتيجة الطبيعية لكل هذا عقلانية نافرة وناتئة، عجزت عن فهم الطابع الفائر والثائر للحب في صيغته العذرية. لنقل: إن الحب الذي تجسده الظاهرة العذرية ليس من ذاك النوع الذي يمكن فهمه واستيعابه برده إلى مثل أعلى إسلامي*، ولا باعتباره حبا مازوشياً* أو سادو مازوشياً كما صوره الأستاذ العظم. كما أن العشاق العذريون لم يمهدوا أو يشكلوا إرهاصاً أو ضرباً من التصوف المبكر* كما اجتهد بعض الباحثين. نحن لا نقول: إن الحب العذري كان شفيفاً عفيفاً نظيفاً، لكنه بكل تأكيد كان حباً انسانياً. من أجل ذلك يمكن أن نقرأ الظاهرة العذرية بوصفها محاولة جدية وطريفة في نفس الوقت لإنجاز كوجيتو غرامي للذات الانسانية عموماً. كوجيتو غرامي لأنه لا يتعلق بالانسان الجاهلي أو الأموي، أي أنه لم يكن حباً تاريخياً، كما تمسخه المؤسسة الجامعية الكلاسيكية للنقد وتحليل النصوص، وإنما حباً انسانياً وكونياً سعى العاشق العذري إلى اختراعه وتسميته بأدق ما يكون الاسم. لقد عبر أعرابي من العذريين عن ذلك دفعة واحدة حين قال: ( إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها ).38 أسارع للقول: إن السر الانطولوجي في التجربة الغرامية التي يحيل إليها الحب العذري ليست في الاتصال وإنما في الانفصال. الحب وقد تحول إلى "دوار ديونيزي" أو إلى تيه دائم، لتظل الرغبة في عمقها تجربة شوق لا يرويه لقاء، وفقدان لا يرممه امتلاك، وسفر وترحال لا يطفي ظمأه وصول. من هذه الزاوية يمكن القول: إن الحب العذري وعلى النقيض من القراءات الخفيفة التي أنفقت دلالاته عبر مقولات مبتسرة ومنزوعة السياق، هو نمط تراجيدي للوجود في العالم حيث الرغبة تبحث عن موضوعها بلا طائل. ألم يكن جميل سيزيف عاشقاً؟ ألم يكن عليه أن يشحذ حبه، ويكابد مرارة وآلام العشق بعد كل لقاء ليعاود الصعود باتجاه بثينة مرة أخرى؟. لننصت إلى جميل*: يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ويحيا إذا فارقتها فيعود لئن كان في حب الحبيب حبيبه حدود لقد حلّت عليّ حدود يغذي هذان البيتان رغبة العاشق في حب بلا شكل. حب حيوي وسيال ومتجدد ودائم الجريان على شاكلة نهر هيرقليطس. يخشى جميل على حبه من الضياع فيكشف لنا سر الحب: إنه رغبة أبدية في شيء لا يمكن تملكه أو حيازته. الشائق وقد فقد المشوق إلى الأبد. يتعلق الأمر بحب هو ليس أكثر من انفصال دائم أو مطاردة مستحيلة لأثر ما. إنه بكلمة واحدة: تجربة ضياع أبدي، ذهاب وإياب، إمساك وإفلات، وتملص من كل قابلية للتعيين والتحييز. هذا السر أو هذه الحركة أو هذا العماء الغير قابل للاحتواء هو الاسم التاريخي والحقيقي للحب. كل علاقة حب هي وجود نحو الافتراق والانفصال والتلاشي. استمرار الوصل واللقاء والاتصال يعني أننا لا ندرك المعنى الحقيقي للحب، لذلك فحتى معاني الجنس والاتصال الجسدي تبدو عاجزة عن حماية الاتصال واستمراره. لا ينطوي الاتصال الجنسي بين العاشقين على معنى الحب بل على لغزه أو بالأحرى مفارقته. يقرب الجنس الانفصال ويجعله قدرا لا فكاك منه. إن قدر كل المحبين هو الانفصال بعد الاتصال وهذه قضية لا يمكن التنصل منها. تثير تجربة الانفصال التي نشرحها بمعية الظاهرة العذرية إلى عجز تاريخي في التجربة العاطفية والغرامية للانسان. الاتصال الدائم إمكان لا يتيحه الوجود أصلاً. يغذي الانفصال الحب ويمنحه إمكانية تشبيب وتجديد نفسه. إنه يُعيّن تلك اللحظة التي لا يكون بمقدور الاتصال فيها حمل كل معاني الحب وفيوضاته. هنا يصبح الفراق وليس الوصل، الانفصال وليس الاتصال، البعد وليس القرب، هو التتويج الأقصى للرغبة، كما لو أن الاتصال هو مجرد حالة طارئة هدفها إنجاز انفصال آخر يعيد العلاقة إلى الشعلة الأولى التي كانت سبباً في اندلاعها. على النقيض من الانفصال كأفق انطولوجي للتجربة الغرامية، يجرد الاتصال الحواس من قوتها ويثبط الشهوة وينفق المتعة ويبدد اللذة الدائمة. إلى هذا الحد فهم العاشق العذري معاني الحب. لقد كان يعي تماماً: أن الفراق مع كل آلامه وأسقامه وتمزقاته هو السر السري لتجربة الحب. ما الذي نعنيه بالطابع الانفصالي لتجربة الحب؟ إنه اللحظة التي يفقد فيها الانفصال لا استمراريته ويغدو ضرباً من ماهية الحب ذاتها. يتم ذلك من خلال الرغبة المفتوحة التي تمنح الذات العاشقة قدرة دائمة على الشوق ما دام أن الإرتواء يبقى مؤجلاً إلى ما لا نهاية. يحمل الانفصال الحب ويحميه. إنه يحوله إلى فعل loving وليس إلى اسم love، هكذا يصبح الحب إنجازاً وليس اسماً، إنجازا لأنه يبدو كـ تحطيم دائم لأسطورة الاتصال. لقد أصبح الحب تاريخاً مضاداً ينتصب كمقاومة رمزية للتاريخ المحكوم بالاتصال. ها هنا لا يغدو الانفصال بين العاشقين مجرد اتصال مشوه، بل يصبح الانفصال سمة: سمة للحب، وسمة للعشق، وسمة للذات، فالانفصال ينم عن رغبة ذاتية بشغف يرجّ الاتصال من الداخل، ويحول التجربة الغرامية إلى كينونة لا تنفك تهرب من ذاتها، لتجد تعينها في النقص والرغبة اللا متناهية كـ حدث أبدي. ليس الانفصال إذن قطيعة بين عاشقين، بل هو حدث Event. الحدث كنقطة تلاقي وليس كنقطة اتصال. إنه تمرين على التمرد على الحدود الرمزية التي صكتها الميتافيزيقا التقليدية. الفرق بين الحضور والغياب، الاتصال والانفصال، الوجود والعدم، كل هذه الثنائيات تختفي لأن العاشق حر في حب ما يراه وما لا يراه أيضا. هاهنا يحيل العشق إلى تقاسم مختلف للوجود، أو إعادة توزيع جديد للحضور والغياب. إن العشاق الحقيقيون: العذريون منهم والدون جوانيون لا يتزوجون. ليس لأنهم فاجرون وقليلوا حياء. هذه قراءة تاريخية ساذجة للتجربة الغرامية. إن العشاق يتمرنون على الحب. الحب الذي يعي ويفهم أن غياب المعشوق أو انفصالي عنه، هو رغبة إرادية وحدث عاطفي، إنه بكلمة واحدة: الحدث الوحيد الذي يضعني في علاقة قصوى وباذخة مع ذاتي. لقد أصبح الحب؛ اللا اتصال، شكلاً للإقامة في العالم. تقول الرواية: ( ومما يذكر عن قيس أنه بعد أن منع ليلى، وبرح به حبها حتى أصاره رجلا تالفاً مشرد العقل مشوش الذهن...كان لا ينفك عن ذكرها، وترديد شعره فيها، وندائها في الليل والنهار. فلما جاءت ليلى تطرق باب خيمته لم يجب ولم يلتفت إلى الطارق لأنه كان مشغولاً عنه بالتفكير في ليلى ).39 يحيلنا هذا الإيقاظ الدائم لـ ليلى في مخيلة قيس إلى شكل خاص من أشكال "ابتكار الرغبة" التي تعد الأمارة الأساسية للظاهرة العذرية كما نفهمها. ينادي قيس ليلاه نهاراً وليلاً. المحبوب إذن طيف، يحضر في الغياب، ويغيب في الحضور. يتعلق الأمر بـما يمكن تسميته " حضور الغياب " لأن الغياب هو في أحد أشكاله حضور لم يكتمل أو حضور في طريقه إلى الاكتمال لذلك فهو يبقى على علاقة مع موضوع الحب حتى في غيابه. ليس الغياب هنا شكلاً من أشكال الاختفاء أو الاختباء، بل احتجاباً في طريقه إلى الانكشاف وهذا ما يفسر دوام آثار الغائب على الحاضر حتى في غيابه وإن كان الغياب هو الموت ذاته. إننا نرصد في كل زفرة من زفرات جميل أو بثينة. في كل حركة من حركات الحب محاولة لـ "فتح الغياب"، أو جعل الغياب يزهر. علينا أن نشير بإلحاح هنا، إلى أن الموت الذي نقصده – حتى وإن كان الموت الفيزيائي أحد أشكاله – ليس حالة مرضية* كما تصور الأستاذ العظم على نحو غريب، بل إن بالإمكان احتماله في سياق الظاهرة العذرية كموت انثروبولوجي، أي يمكن التعامل معه كرصيد ورأسمال رمزي مكن العاشق من العمل على مقاومة الأخلاقيات السائدة والتحايل عليها. لهذا السبب تحديداً نرى عبر أغلب الروايات، أن الناس لم ينفكوا يشجنون لسماع تجارب هؤلاء العشاق ويتعاطفون معها بل ويجتهدون في احتذائها أيضاً. تنشد ليلى الأخيلية*: وذي حاجة قلنا لا تَبُح بها فليس إليها ما حييتَ سبيل إن تجربة العشق أو الحب كما تصورها ليلى الأخيلية في البيت السابق، إنما تفصح عن تلك اللحظة الحاسمة التي يعانق فيها الحب المستحيل، والتي لا يمكن لأي لغة أن تستوعبها أو تستنفدها أو تعبّر عنها. إنها لحظة "الإتحاف" بما هو شكل خاص من وعي اللحظة. التي لا يمكن لأي لغز أو طلسم أن يصمد أمام ألقها وغموض معناها، لحظة تعود بالانسان إلى الأسئلة البدئية الأولى التي طرحها على نفسه لأول مرة. الأمر الذي يقوده حتماً الى وعي مصيره التراجيدي بكل متناقضاته وسلوباته التي تسكنه والتي لا سبيل الى النجاة منها إلا على سبيل الموت. ومع أن الموت قد لا يمثل الحل الأنجع أمام ألم الحب لكنه يقدّم، على الأقل، العزاء الرمزي للباحث عن الانشطار والتلاشي في المحبوب. عند هذه النقطة، أصبح بمقدور العاشق أن يقترب جداً من تجربة الموت. لقد صار بوسع الحب أن ينجز شكلاً من الموت. وهو أمر ليس بإمكان أي أحد باستثناء العاشق ممارسته. يمكن القول بكلمات أخرى: لقد أصبح الموت هو الحدث الوحيد الذي يسمح للكائن بإعلان الحب. لقد أصبح من غير المجدي الحديث عن تجربة غرامية مشوهة أو غير ناضجة، فالايروسي الذي تفصح عنه الظاهرة العذرية يحيلنا إلى الحياة والموت مرة واحدة، وإلى كل تلك التجارب التي تشكل فصول وجودنا الحقيقي. لنقل ذلك بطريقة أخرى: إن تجربة العشق أو الحب التي تحيل إليها الظاهرة العذرية تجربة انطولوجية ليس بمقدور أي عقل عقلاني استنفادها مهما بلغ به الشأن. تلك حالات يمكن أن تُعقل لكنها تواصل وجودها بطريقة حيوية. يتعلق الأمر بكل ارتحالات الكائن بعيداً عما يشكل، أو ما يتوهم أنه يشكل، بنية وجوده الصلب. إن الحب العذري ليس موضوعة علمية. إنه سيرتنا اللا ذاتية، لا ذاتية لأنها تغذي هويتنا من بعيد أي من خارج الحكايات التي نقصها على أنفسنا. خصوبة انطولوجية قادرة على توجيه وجودنا في العالم حتى ولو كان ذلك على نحو سري أو غامض أو حتى ملغز. لن أقول فشلت، بل سأقول: لم تستطع قراءة العظم أن ترتفع بالتجربة العذرية إلى مصاف الخبرات القادرة على البوح والتعبير. إنها لم تكن قراءة نشيطة بل قراءة كسولة. إن بؤس هذا النوع من القراءة، ناتج عن كونها قراءة تتم من الخارج، وهذا ما يفسر استحالة تفهمها للظاهرة العذرية أبعد من مقولتي العصاب والحالات المرضية. بلا مفاهيم ولا محاججة ولا تكافؤ نظري، سيتم ترديد كلام كل من ماركوز وشوبنهور إزاء موضوع استطيقي على قدر عالي من الكفاءة الدلالية. تطول قائمة الواقفين على عتبات تجربة الحب متوسلين الخطاب الفلسفي في شكله الخارجي دون القدرة على الولوج إلى فناء الفلسفة الداخلي حيث يجتمع كل الفلاسفة بجوار تمثال ايروس. كيف يمكن تحرير تجربة الحب في كل صيغها وتعبيراتها من هذه الأمية الانطولوجية؟ ليس من الضروري أن تنتصر الايروس على التاناتوس في كل مرة يلتقيان بها. لكن يكفي أن نستنبت هذا الصراع حتى يبدأ الوجود بالانبلاج. هذه دعوة مفتوحة لتخليص الحب من هذا التفكير القاسي؛ التفكير الذي ينفق الفكرة ويمسخ المفهوم عبر المفهوم ذاته. لن نضاهي فيليب سولليرز في التعبير عن جحيم تلك القراءات التي تبدد معاني الموضوعات في اللحظة التي تعتقد أنها تستملكها. يتعلق الأمر بـ ( ثقافة انتهاك مزعوم، تجازف هكذا، بإقحامنا في نوع من الحمائية، وفي نوع من الطريق المسدود والاحتقان. يصبح الانتهاك مجازياً بالكامل، بعزله ذاتاً مدركة وموضوعاً مدركاً، ومعرفة مبعدة نتيجة اللبس الذي يوجد في أساس المعرفة. ويتحكم في مجموع داخل / خارج حيث تدور مغامرة هذه الحدود ).40 صحيح أنه لا مجال لإنكار فرادة تحليلات الأستاذ العظم للشخصية الدون جوانية وتشقيقها على كل احتمالاتها واستتباعاتها النظرية، لكن الأمر لم يدم طويلاً حتى وقع العظم في شراك هرمنيوطيقا باردة لا تجيد فن المداعبة ولا استكشاف نقاط أورغازم التجربة العذرية. هرمنيوطيقا مصابة بالعنانة لم تستطع أن تنصت للعالم الداخلي ولا للانفجارات والفورانات الحيوية التي تدخرها هذه التجربة وتتعين من خلالها. نعم إن العظم يقرأ التاريخ، لكنه كان يقرأ التاريخ من وجهة نظرمفلترة ومعقمة. إنه يقرأ التاريخ قياساً إلى نقطة استناد معينة ومكشوفة سلفاً. الذات العارفة في مقابل موضوع لا يملك من أمره سوى أن يدور في فلك هذه الذات العالمة بكل وجود وموجود. ما كان ينقص تحليلات العظم هو نوع من الهرمنيوطيقا السائلة. من الذات الناعمة القادرة على الدوار مع موضوع هو في الأصل دائخ و زائغ و ودائم التلوي والغليان. أن نفهم المنطق الخفي، لحظة السديم الأولى، التي تُحرك الحب العذري. أن نتحرى العشاق كأشكال هروب وانتشال وتمرد وفقاً لميكانيزمات الاتصال والانفصال التي بحوزتهم. لقد كان جميل وبثينة، قيس وليلى، عروة وعفراء، من أوائل من أضفى على الحب معاني السلب والانتهاك، بديلاً عن جهازي الإيجاب والإثبات التاريخيين. حتى وإن كان الحب في صيغته العذرية شكلاً من المرض، فإنه شكل شعري للمرض. شكل يتخذ من التحدي والتمرد سبيلاً للوجود حباً وللحب وجوداً. كل أبطال الحب العذريين شعراء: عروة، قيس الملوح، قيس الذريح، جميل وحتى عنترة. كل هؤلاء شخصيات تجمعهم مشيمة واحدة، بما هي انفلات وانفصال عن رقابة القووي والهووي في شكله المقدس والمتعالي والمكرور. بوسعنا أن نقول: إن الفشل الذريع هو النتيجة الطبيعية لكل قراءة أحادية تجبر الموضوع على الإدلاء بدلالات ليست من بنيته بدل الإنصات إليه والإصغاء لما يود أن يقوله من تلقاء ذاته. لنتذكر هنا ما قاله الروائي التشيكي ميلان كونديرا في عمله الذائع الصيت الخلود: ( إن العقل في الألمانية بوصفه مسبباً يسمى "Grund" وهي كلمة لا تمت بصلة لكلمة "Ratio" اللاتينية، التي تدل في معناها الأصلي على التربة ثم على الأساس. يبدو سلوك فتاة جالسة في قارعة الطريق من وجهة النظر اللاتينية عبثياً، مغالياً، لا مبرر له، ومع ذلك فهي تمتلك سببها، أي أساس تصرفها، أي "Grund" الخاص بها ).41 نستعير من السيد كونديرا هذا التفريق الألمعي لنقول: إن التجربة العذرية، قد تبدو عبثية في ظاهرها ومرضية في أشكال ظهورها، لكنها رغم كل هذا وذاك تمتلك "غراندها الخاص"، بما هي الأرض التي تمتح منها التجربة/ أي تجربة معناها وأفقها، حتى ولو تعارضت أو لم تنسجم مع العقل السائد أو الجهاز الأداتي الذي بحوزتنا. لحماية الذات من الفراغ، نحب ونعيش ونكتب ونلعب ونموت أيضاً. كل واحد منا يبحث عن حكاية تحميه من العدم وتضعه في قلب الوجود. هكذا يتحول الحب إلى "باعث أو محرض نحو"، وجود متعدد الأبعاد، متحول، ومتكثر، منفصل ومتصل، باختصار: الحب عبارة عن رغبة بعالم من صنعنا نحن. حدث فريد، ليس العالم بعده كالعالم قبله. هل علينا أن نبتكر الحب من جديد كما كان يردد رامبو دائماً؟.. ربما كان الأصح والأجدى أن نعيد إبتكار الانسان. لنقل ختاماً: لا يظهر العشاق إلا في لحظات "الانحطاط الوجودي الكبير" عندما يغدو العالم عبارة عن كثبان انطولوجية على مد النظر. هنا في عالم كهذا، يمتلك سؤال الحب طاقة طوباوية تجعل منه مكاناً متجدداً للولادة، وتعبيرا أصلياً عن ذات قلقة تتحرى الوجود خارج أسيجة عالم غريب ومخيف وكريه. هذه الفسحة الطوباوية التي مارستها التجربة العذرية في لحظات خاصة من التاريخ أربكت أو حاولت أن تربك الحدود بين المقدس والمدنس، بين الإلهي والإنساني. لقد وضعت التجربة العذرية الحب – حرفياً – خارج الجسم الاجتماعي، فإذا به يتحول إلى يوتوبيا مصغرة حيث ينسحب أو ينحسر الحب الموضوعي، لصالح عشق خالص حيث الذات تحلم، تعيش، تتمرد، تعشق، وبالمحصلة: تمارس الوجود. لا يمكن فهم التجربة العذرية إذن، إلا من خلال مدخراتها الطوباوية والايروسية أيضاً، أي من خلال عبورها الدائم من وضعية إلى أخرى، من المكان إلى اللا مكان. عندما كانت تضع نفسها في مواجهة بنية القمع التي وجدت فيها. لقد قابل الأستاذ العظم – أثناء تناوله للتجربة العذرية – بين تجريدات نظرية: الدون جوان من جهة، والعاشق العذري من جهة أخرى. بينما كان العبور من الخام إلى المتحول، أو من الامتداد إلى الاشتداد، أو من الجنساني إلى الايروسي، يقتضي أن نفهم، ليس فقط التصادم والتعارض بين هذه الوضعيات التجريدية، وإنما أن نفهم حركات الهروب، وأشكال العبور، ومسارب الانتقال التي كانت بحوزتها كذلك. تكمن ايروسية التجربة العذرية هنا بالتحديد. في هذه القدرة على العبورالانطولوجي، من القوة الخام للجنساني إلى الجنس المؤنسن. من الليل الحيواني كما كان يقول جورج باتاي إلى شمس المعرفة المنظمة. هنا نستطيع أن نكشف عن حمولة ايروسية تقلب المحاججة العظمية رأساً على عقب، فالعاشق العذري ايروسي أكثر من الدون جوان نفسه، لأنه يمثل احتراز الخطاب العذري من الوقوع في براثن الجنساني المباشر ويشير إلى قدرة الشاعر/ العاشق على تجاوز الحيواني نحو الانساني بما هو الشكل الأكثر ألقاً للايروسية. وبعد.. هل كان الحب العذري عذرياً؟. جوابي سيكون هذه المرة: لقد مثلت التجربة العذرية فسحة ايروسية فريدة في سياق الانطولوجيا التاريخية التي تنتمي إليها. فسحة ايروسية لعشاق وعاشقات امتلكوا هبة الشعر، ومارسوا عبرها كل أشكال الانتهاك والاختراق والرفض والعبور والتمرد والحب. الأستاذ العظم: - الذات التي تخاطب، التي تنتج خطاباً، لا تقول الأشياء مباشرة.. - الإنسان كائن ينتج اللغز/ الرمز.. - الانسان كائن مستعصي أو ممتنع عن الموت والجنس. وهنا بالذات تبدأ تجربة النص/ تجربة الأدب..
المصادر والمراجع
1- العظم، صادق جلال. في الحب والحب العذري. المدى للدراسة والنشر، دمشق: 2002، ص: 12. 2- المرجع نفسه، ص: 25. 3- المرجع نفسه، ص: 30. 4- المرجع نفسه، ص: 31 5- المرجع نفسه، ص: 31. 6- المرجع نفسه، ص: 34. 7- باديو، آلان. في مدح الحب. تر: غادة الحلواني، دار التنوير، ط1، بيروت: 2014، ص: 116. 8- فيري، لوك. الإنسان المؤله أو معنى الحياة. تر: محمد هشام، افريقيا الشرق، بيروت: 2002، ص: 128. 9- العظم، صادق جلال. في الحب والحب العذري. ص: 42. 10- فيري، لوك. الإنسان المؤله أو معنى الحياة. ص: 128. 11- Marcuse, Herbert. Eros and Civilization. Allen Lane, The penguin press, London: 1969, p: 151-152. * التاناتوس: إله الموت والنوم عند الإغريق ويستخدم للدلالة على كل ما له صلة بالثبات والخمول وعدم القدرة على الحركة. * أورفيوس: إله إغريقي ارتبط اسمه بالغناء والحب وتذكره الأسطورة كعاشق خاض تجربة حب قاسية بحثاً عن زوجته في العالم السفلي. * نرسيس: إله إغريقي معروف بالوسامة وحب الذات وقد ارتبط اسمه بالنرسيسية أو النرجسية وحب الذات. 12- Marcuse, Herbert. Eros and Civilization. Allen Lane, The penguin press, London: 1969, p: 161-162. 13- Ibid, p: 170. * العقل العقلاني: مفهوم من اجتراحنا ونقصد به العقل المتعالي أو الكلياني الذي يبالغ في النزعة العقلانية كأداة سيطرة وتحكم، دون الاكتراث بالطابع التشابكي والتشعبي والتنافري للموضوعات التي يتعاطى معها. ونحن نستخدمه في هذه الصيغة إلى أن نجد صيغة أكثر انسجاماً مع مضمون هذه الرؤية. * يتعلق الأمر بالجملة الشهيرة التي أطلقها أرثر رامبو في ديوانه الشهير: "فصل في الجحيم" والتي يقول فيها: الحب ينبغي إعادة ابتكاره. راجع بهذا الصدد: أرتور رامبو، الآثار الكاملة، تر: كاظم جهاد، دار الجمل، كولونيا: 2007، ص: 485. 14- Ibid, p: 148-149. 15- العظم، صادق جلال. في الحب والحب العذري. ص: 45. 16- أرغولول، رافايل. صياد اللحظات. تع: رفعت عطفة، ط1، بدايات، دمشق: 2005، ص: 11.
17- Robert, Greene. The art of seduction. Penguin books, New York: 2003. P: 25. 18- فروم، ايريك. فن الحب. تر: محمود منقذ الهاشمي، نون للنشر والطباعة والتوزيع، ط1، حلب: 2010، ص: 36. * عنوان طريف لأحد كتب الكاتب الألماني اريك فروم. يدافع فيه أيضاً عن مجتمع سوي وناضج، وذلك في مقابل مجتمع متهور ومجنون. 19- إي غايست، خوسيه أورتيغا. دراسات في الحب. تر: علي إبراهيم أشقر، وزارة الثقافة: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق: 2013، ص: 37. * يشير إي غايست هنا إلى العمل النظري الشهير "في الحب" الصادر عام 1822 للروائي الفرنسي ستاندال صاحب العمل الخالد الأحمر والأسود. 20- إي غايست، خوسيه أورتيغا. دراسات في الحب. ص: 37. 21- Robert, Greene. The art of seduction. P: 25. 22- نيتشه، فريدريك. العلم الجذل. تر: سعاد حرب، دار المنتخب العربي، ط1، بيروت: 2001، ص: 44. 23- العظم، صادق جلال. في الحب والحب العذري. ص: 45. 24- المرجع نفسه: ص: 45. 25- نيتشه، فريدريش. هذا هو الإنسان. تر: علي مصباح، منشوارات الجمل، ألمانيا، كولن: 2003، ص: 76. * الغاوي: اسم فاعل من فعل غوى يغوي فهو غاوٍ. وقد ورد في سورة الشعراء، آية: 224، والشعراء يتبعهم الغاوون. وقد أجمعت التفاسير على القول: الغاوون هم الشياطين. وقد ورد في لسان العرب وتاج العروس: الغاوي والهاوي والغاوية، وهما الجراد والذئب والراوية. لكن الاشتقاق الذي يعنينا بدرجة أكبر هنا هو لفظ الغاوية بمعنى الراوية، وهو معنى يستدعي التساؤل حول علاقة الجذر (غ و ي) بالجذر (ر و ي). فإذا كانت (غوي) تعني ضل، فإن (روي) في الأصل تجسد معنى الارتواء بالماء. اللافت أن العربية تنفرد بتطور نوعي في معنى الجذر (ر و ي) عن طريق نقل اللفظ من المادي إلى الدلالي على سبيل المجاز. فنظفر بـ (روى أي حدَّث) أو رواية الحديث ونقله . فرواية الحديث، سواء كانت شعراً أو نثراً، هي نقل أيضاً ينتج عنه ارتواء معنوي. وهكذا فإنه يمكن النظر إلى الغاوية بمعنى الراوية على أنها الوسيلة التي تنقل ليس الماء، بل الحديث أيضاً إذ أن الجذر يسمح بهذا التدليل والقياس. وهكذا فإن معنى الغاوية ، وربما يجوز أن نضيف الغاوي، أي الراوية أو الراوي، يمكن أن ينصرف إلى رواية الفنتازي والمتخيل؛ أي ما هو مفارق للواقع أو خارق للعادة. فالتلاعب بالواقع والإيهام بحضوره هو الغواية التي تنتجها الراوية / الغاوية/ الغاوي. وهكذا، فإن معنى ما تقوم به الغاوية / الراوية يمكن أن ينصرف من الضلالة والبدعة التي تورث الخسران إلى تصوير الواقع وفق نسق خاص تحكمه رؤية ذاتية مطلقة. ذاتية تشكل وجهة النظر التي يعتقد بها الغاوي وحده. للمزيد: انظر مواد: غَوَى - َغْوِي - غَيّ – غاوي - غَاوُون - أَغْوَى – يُغْوِي – غَوِي من القاموس المحيط، وتاج العروس، ولسان العرب لابن منظور. 26- Robert, Greene. The art of seduction. P: Xxii. 27- العظم، صادق جلال. في الحب والحب العذري. ص: 65. 28- المرجع نفسه، ص: 89. 29- Schopenhauer, Arthur. The world as will and representation. Trans: E.F.J.Payne, volume 2, Dover puplications, inc, new York: 1985, p: 533. 30- Ipid, p: 535. * بترارك: شاعر وكاتب وإنساني شهير من رواد عصر النهضة. 31- Ipid, p: 557. 32- - العظم، صادق جلال. في الحب والحب العذري. ص: 71. * ورد هذا الحكم المتسرع تحت قلم العظم عندما قال: لا تخلو ظاهرة الحب العذري من خصائص "السادوماسوكية" من حيث أنه يميل إلى تعذيب النفس والغير بدون مبرر. وإنما لمجرد الاستمتاع والتلذذ بالألم والعذاب. راجع الحب العذري، ص: 86. 33- المرجع نفسه، ص: 73-74. 34- المرجع نفسه، ص: 81. 35- المرجع نفسه، ص: 70. 36- المرجع نفسه، ص: 83. 37- المرجع نفسه، ص: 83. *بروكوست: شخصية شهيرة في الأسطورة اليونانية كان يملك سريراً سمي بإسمه: "سرير بروكوست" حيث كان يمط أو يقص أوصال ضحاياه بما يتناسب مع سريره الموجود سلفاً. * كما ذهب إلى ذلك الكثير من الباحثين العرب من أمثال: شوقي ضيف، وعبد القادر القط، والسيدة أسماء خوالدية. * كما ذهب إلى ذلك الدكتور طاهر لبيب في دراسته المعنونة: سوسيولوجيا الغزل العذري. * كما ذهب إلى ذلك أدونيس في الثابت والمتحول. 38- الدينوري، ابن قتيبة. الشعر والشعراء. تحقيق: أحمد محمد شاكر، مج1، ط2، دار المعارف، مصر: 1958، ص: 441. * ديوان جميل بثينة، نقلاً عن كتاب العظم نفسه، ص: 83. 39- العظم، صادق جلال. في الحب والحب العذري. ص: 84. * وردت الكلمة حرفياً في نص الأستاذ العظم. انظر: الحب والحب العذري، ص: 85. * نقلاً عن كتاب العظم نفسه، ص: 79. 40- سولليرز، فيليب. السقف: نحو قراءة نسقية. تر: محمد العرابي، انتهاكات: دورية عربية في الفكر والإبداع، ع1، شتاء 2015، ص: 10. 41- كونديرا، ميلان. الخلود. تر: محمد التهامي العماري، المركز الثقافي العربي، بيروت: 2014، ص: 277-278.
#شادي_كسحو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدود المنهج مدخل إلى هرمنيوطيقا غادامر
-
الفلسفة فوتت الفرصة لتغيير جلدها
-
قوة العدم أو عندما تصبح العدمية مع سيوران ضربًا من ضروب فهم
...
-
الهجرة إلى الضوء: أسئلة الوجود في عصر الشاشة -بيان من أجل ال
...
-
دهاليز الخراب: تعليق حول سيوران
-
تأملات فلسفية 15
-
تأملات فلسفية 14
-
تأملات فلسفية 12: اعترافات
-
تأملات فلسفية 13
-
تأملات فلسفية 12
-
تأملات فلسفية - 11 -
-
تأملات فلسفية - 10 -
-
تأملات فلسفية - 9 -
-
تأملات فلسفية - 8 -
-
تأملات فلسفية - 7 -
-
تأملات فلسفية - 6 -
-
تأملات فلسفية - 5 -
-
تأملات فلسفية - 4 -
-
تأملات فلسفية -3-
-
تأملات فلسفية -2-
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|