|
التحالفات الديموقراطية السورية، سطور في رمال
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 6839 - 2021 / 3 / 13 - 22:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع اقتراب الذكرى العاشرة للثورة السورية يتساءل المرء عن أسباب التعثر المتكرر لمحاولات تجميع القوى الديموقراطية السورية، بين الذاتي والموضوعي. هل المشكلة في أن السوريين لا يجيدون العمل المشترك فيما ينجحون كأفراد؟ أم أن الحدود الموضوعية (تعقد الموضوع السوري وهامشية تأثير السوريين على موضوعهم وشأنهم الخاص، بعد تحول سوريا إلى مناطق نفوذ، وتوضع قوى سورية مسيطرة على الأرض من طبيعة متشابهة وتشكل موطئ قدم لنفوذات خارجية مباشرة ..الخ) تثقل على المحاولات وعلى النفوس وتحبطها عن العمل؟ ماذا يمكن للذات السورية التي تهدف إلى تحرير الدولة السورية من قبضة سلطة تستعمرها وتسخرها لمصالحها الضيقة، كي تعود (الدولة) إلى كونها مؤسسة عامة، وتريد تحرير سورية من سيطرة القوى الأجنبية، وتحرير الانسان السوري من سيطرة جماعات محلية تفرض نفسها بالقوة، ماذا يمكن لهذه الذات أن تفعل في مثل الظروف المتاحة اليوم؟ من أين تبدأ، من تثقيل حضورها السوري كي تتمكن من بناء علاقة متوازنة مع قوى خارجية من موقع غير تابع؟ ولكن هل تستطيع في الظروف القائمة أن تعزز ثقلها السوري دون مساندة ودعم من قوى خارجية؟ أم تبدأ ببناء علاقة مع قوى خارجية بحيث تستثمر هذه العلاقة بتثقيل حضورها السوري؟ ولكن هل تستطيع أن تحافظ على استقلالها ونزاهتها في علاقتها مع الخارج فيما هي لا تملك ثقلاً سورياً؟ أليس هذا حال الهيئات الرسمية للمعارضة السورية التي تشكل تبعيتها المبرر العام لسعي الديموقراطيين السوريين للبحث عن بديل؟ ما سبق يشكل خلفية التعثر المتكرر للمحاولات التنظيمية السياسية للديموقراطيين السوريين في الخارج. ومن النماذج التي يمكن عرضها عن هذه الحال تجربة اللقاء السوري الديموقراطي، وهو إحدى المحاولات المشار إليها. في تموز 2018 التقى في باريس ممثلو 24 مجموعة سياسية ومدنية سورية بمبادرة من "حركة ضمير" غير السياسية، والتي تحركت بدافع "ضميري" سياسي لتفعيل عمل مشترك بين مجموعات لا يوجد ما يبرر تناثرها وتباعدها وربما جهلها لبعضها البعض. لدينا ما يدفعنا إلى الاعتقاد أن كون حركة ضمير حركة غير سياسية، فضلاً عن القيمة المعنوية لأفرادها وجهدهم في التواصل والتنسيق مع المجموعات، كان من أهم أسباب نجاحها في لم شمل هذه المجموعات التي كان يمكن أن تتردد، باعتقادنا، لو جاءت الدعوة من طرف سياسي قد تبدو دعوته في عيون البعض مسعى للبروز وتحقيق القيمة التي يستجرها بشكل تلقائي مجرد السعي لجمع إرادة السوريين. على أي حال، رأت القوى المجتمعة أن التشكيلات المعارضة السورية المعترف بها دولياً واقعة تحت تأثير الدول التي تحتضنها وغير مستقلة في قرارها ولا يمكنها بالتالي أن تمثل الشعب السوري في سعيه للتحرر. على هذا، تم الاتفاق على تشكيل جسم تحالفي مستقل في قراره وفي تمويله (تمويل ذاتي)، يسعى إلى ملء ما اعتبروه فراغاً أو شبه فراغ للمكان الديموقراطي في اللوحة السورية التي سيطر عليها النظام من جهة والقوى الإسلامية والكردية غير الديموقراطية من جهة ثانية. على تفاوت حجم وثقل وتاريخ هذه المجموعات، كان لديها ما يكفي من التقاطعات ومن الحماس للعمل المشترك، وعبر بعضها عما يتجاوز العمل المشترك إلى أفق الاندماج، أو حتى الاندماج المباشر، ولاسيما أن التباين السياسي بينها ليس كبيراً ولا يتعدى ما يمكن وجوده بين أعضاء الجماعة الواحدة. سمت المجموعات لقاءها الأول "اللقاء التشاوري" بما يدل على طبيعته بوصفه محطة للتشاور والتفكير بالعلاقة التي يمكن صياغتها فيما بينها، وبما يمكن التوافق عليه وما يمكن عمله ..الخ. بعد سنة ونصف من هذا، وبعد وضع ورقة سياسية مشتركة ونظام داخلي (استغرق وضعها الكثير من العمل والاجتماعات، وقد وقع العبء الأساسي على كاهل بضع أفراد تجاوزوا الجميع في جهدهم ومثابرتهم وحرصهم على نجاح اللقاء) نجحت هذه القوى بعقد مؤتمرها الأول في باريس أيضاً، في يناير/كانون الثاني 2020. خلال هذه الفترة انسحبت بضع قوى، منها من انقطع عن التواصل دون سبب واضح، ومنها من اعترض على الورقة السياسية، وهذا شمل بوجه خاص القوى الكردية التي كانت مشاركة في اللقاء التشاوري، فوصل اللقاء إلى مؤتمره الأول ناقصاً في عدد القوى وخالياً من أي قوة كردية. انتخب المؤتمر هيئة تنفيذية، وسرعان ما برزت أمامه مشكلة لم تكن في الحسبان، وهي ان الهيئة التنفيذية اختارت لموقع منسق اللقاء شخصية نشيطة ولكن لها مشاركة في اللجنة الدستورية وفي مبادرة سورية الاتحادية التي كان لها حضور في ذلك الوقت، وهما محط خلاف بين القوى المعارضة. رأت القوى المتحالفة أن هذا الاختيار سوف يعطي للقاء هوية محددة، لا تعكس هويته، على اعتبار أن هوية الشخص الأول في أي تشكيل تؤخذ على أنها هوية التشكيل. حين حاولت القوى معالجة الأمر في اجتماع استثنائي وافق فيه الجميع (ما عدا المكون الذي تنتمي إليه الشخصية المشار إليها) على استبعاد هذه الشخصية من الموقع الأول في اللقاء، انسحبت الشخصية ومكونها من اللقاء. فاستكملت الهيئة التنفيذية واختير شخص آخر ذو خبرة ليكون منسق اللقاء. بعد أسابيع قليلة استقال هذا الشخص فجأة دون أن يوضح السبب ثم انسحبت الجماعة التي ينتمي إليها من اللقاء. ليتبين لاحقاً أن السبب هو خلاف شخصي مع أحد أعضاء الهيئة التنفيذية. بعد ذلك أعيد انتخاب هيئة تنفيذية جديدة بمنسق جديد تولت العمل حتى المؤتمر الثاني الذي عقد في 24 فبراير/شباط 2021. يمكن عزو التعثر المذكور إلى أن اللقاءات تحتاج بعض الوقت كي تستقر. ولكن السنة الفاصلة بين المؤتمرين تميزت بضعف النشاط والحماس، وكانت كافية لأن يصبح عدد القوى المشاركة عشرة فقط، ولأن تفك القوى في المؤتمر الثاني تحالفها وتتحول إلى منصة أو ملتقى للنقاش وتبادل الرأي وربما الاتفاق على بيان أو حملة مناصرة أو ما شابه، دون قيادة ودون التزام متبادل. نموذج عن محاولة استهلكت الوقت والمال والجهود وانتهت دون أن تترك أثراً في الموضوع الذي تصدت له، كأنها خطت سطراً في رمال. يبقى ما يلفت النظر، أن القوى التي شاركت في هذا التحالف تستمر في نشاطها، وكانت غالبيتها، طوال الوقت، أكثر حضوراً من اللقاء السوري الديموقراطي نفسه. كما لو أنه كلما اتجهنا صوب الفردية كلما كان الأداء أفضل.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى روح علي البدري (ممدوح عبد العليم)
-
كان يجب أن أُسجن قبل أبنائي
-
قمران في ليل عنيد
-
يا حيوان ليش ما قلت انك -مو منهم-؟
-
سجين سياسي سابق
-
بين القمع والسرية
-
إشكالية الصراع من خارج الدولة
-
تصويت مبكر على -الانتخابات- الرئاسية في سورية
-
المقاومة مذهبية والمهمة وطنية؟
-
حقيقة ينبغي على نظام الأسد إدراكها
-
نظام حرب على المجتمع
-
في النقد الفارغ من النقد
-
نقد النخب السلمية في الثورة السورية
-
البحث عن سبيل للتحرر من الاستبداد
-
الهاوية
-
مات بتوقف القلب
-
تبدل حال جمهور النظام السوري
-
الوجه والصورة
-
على خط التماس
-
القوة الغاشمة، أسيد الضمائر
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|