أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - إلى روح علي البدري (ممدوح عبد العليم)














المزيد.....

إلى روح علي البدري (ممدوح عبد العليم)


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6838 - 2021 / 3 / 12 - 19:31
المحور: الادب والفن
    


ربما كان من الأيسر أن يقلل المرء من التعرف على الأشخاص كي يقلل من ألم فراقهم. يبدو لي أن المعادلة الحياتية غير العادلة حقاً تقول إنه بقدر ما يعطيك الشخص من جمال ومتعة في حياته يسترده حزناً وانقباضاً في فقده. هل كان من الأيسر أن لا نستمتع بشخصية علي البدري في مسلسل ليالي الحلمية كي لا ندفع الضريبة حزناً على الوفاة المفاجئة لممدوح عبد العليم؟
لا يعني لي ممدوح عبد العليم شيئاً مميزاً، ولكن يعني لي علي البدري الكثير. أو لنقل إن الأول يعنيني بقدر ما استطاع أن يكون الثاني.
لسبب ما كان يبدو لي علي البدري شاباً حقيقياً أكثر مما يجب، وكانت عيوني لا تشبع من ملاحقة حركاته والتمتع بها، من رفة عيونه المتكررة، إلى ارتجاف شفته حين يرتبك ودهشة عينيه، إلى طريقته في المشي حين يجعله الحب هائماً على وجهه، إلى ركله حصاة على الطريق حين ينوء تحت ثقل صراعاته الداخلية، إلى عادته في لكم راحة يده اليسرى بقبضته اليمنى حين يرهقه البحث عن مخرج من مشكلة.
لم يكن ليالي الحلمية مجرد مسلسل، كان رواية تلفزيونية، وكان بالنسبة لنا، نحن سجناء الجناح السياسي المزمنين في سجن دمشق المركزي (عدرا)، بمثابة ساعة من الحرية، نافذة على عالم حقيقي وتماس حار مع صراعات حية تستكين لها صراعاتنا البينية وتهدأ أحقادنا ومكائدنا وتسكت دسائسنا ويخرس بوحنا حتى تصبح نفوسنا مسرحاً جاهزاً فقط للحلقة التي توشك أن تبدأ مع تخافت صوت موسيقا الشارة. لم نكن نخرج من السجن ساعة المسلسل ولكن جدرانه كانت تغيب وكانت نفوسنا تتحرر، وننسى الهموم والتفاصيل والنكد السجني لنعيش، ولكن بمتعة هائلة، هموماً وتفاصيل ونكداً آخر. أحد السجناء قال مرة: لو جاءوا للإفراج عني خلال الحلقة سأرفض الخروج قبل أن تنتهي.
كنا نضحك مع العمدة سليمان بيه "صلاح السعدني" بصخبه وسخريته من نفسه ومن "جوز الفدادين" اللذان يحرسانه، ونشعر بجمالية وقار رجل الأعمال سليم البدري "يحيى الفخراني" الممزوج بتهكم رفيع وبروح صبيانية عابثة، ونتفرج بمتعة على ارستقراطية نازك السلحدار "صفية العمري"، ويشبعنا زينهم السماحي (سيد عبد الكريم) بشعبيته وشهامته، وننشد إلى مونولوجات الشيوعي المصري عاصم السلحدار (يسري مصطفى) التي تعكس مساراً متواصلاً من الإحباطات، ولكن علي البدري كان أمراً آخر بعد كل شيء.
ضحية اليتم المبكر ثم ضحية الأفكار السياسية التي أوصلته إلى السجن، ثم ضحية الشعور باليأس من إمكانية التغيير والانغماس في ثروة العائلة مع ملاحظة التوتر الدائم بين ثقافة النشأة وثقافة الموقع.
سجنه لأسباب سياسية قريبة من حالتنا وهو في سن قريبة من أعمارنا، ثم عشقه الجارف "لزهره" (آثار الحكيم ثم إلهام شاهين)، العاطفة التي كنا نفتقدها ونتوق إليها، وربما أيضاً نشأته الفقيرة ويتمه .. كل هذا ساهم في ارتباطنا الروحي بشخصيته. وساهم أيضاً في ذلك أن مسار الشخصية العام يقبل في الغالب الإسقاط على مساراتنا العامة والشخصية حتى. لكن ينبغي أن نضيف أن "ممدوح عبد العليم" كان سبباً إضافياً في ولعنا بعلي البدري. هل لجمال شخصه أم لإتقانه الدور أم لكليهما، لا أدري. المحصلة أن علي البدري شكل جزءاً من عالم حريتنا ونحن في السجن، وكان دخوله الجميل إلى مجالنا النفسي العميق يجعلنا أقل وحشة وأكثر تحملاً وتسامحاً. حتى عداواتنا الصغيرة كانت تجاهد بعد الحلقة كي تستعيد مكانتها في نفوسنا ودون أن تنجح دائماً. الجمال ينقذ الإنسان.
صحيح أن ليالي الحلمية عمل فني متكامل من السيناريو (أسامة أنور عكاشة) إلى الإخراج (اسماعيل عبد الحافظ) إلى الموسيقى (ميشيل المصري) إلى طاقم التمثيل، ولكن يبقى أن علي البدري كان أحد أبرز ورود هذه الحديقة الجميلة.
السلام الدائم لروح علي البدري الذي لا يمكن أن يحيا، على الأقل كما أعرفه وأحس به، بعيداً عن ممدوح عبد العليم.
يناير/كانون الثاني 2016



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كان يجب أن أُسجن قبل أبنائي
- قمران في ليل عنيد
- يا حيوان ليش ما قلت انك -مو منهم-؟
- سجين سياسي سابق
- بين القمع والسرية
- إشكالية الصراع من خارج الدولة
- تصويت مبكر على -الانتخابات- الرئاسية في سورية
- المقاومة مذهبية والمهمة وطنية؟
- حقيقة ينبغي على نظام الأسد إدراكها
- نظام حرب على المجتمع
- في النقد الفارغ من النقد
- نقد النخب السلمية في الثورة السورية
- البحث عن سبيل للتحرر من الاستبداد
- الهاوية
- مات بتوقف القلب
- تبدل حال جمهور النظام السوري
- الوجه والصورة
- على خط التماس
- القوة الغاشمة، أسيد الضمائر
- تحت خط الوطن


المزيد.....




- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - إلى روح علي البدري (ممدوح عبد العليم)