|
السلوكية وحرية الانسان / دايفد باتريك هوتون/ اعداد عصام عباس أمين
عصام عباس أمين
الحوار المتمدن-العدد: 6833 - 2021 / 3 / 6 - 11:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في السعي المستمر لجعل علم النفس "علما حقيقيا" واثناء فترة المد السلوكي في الخمسينات من القرن الماضي، هيمنت النظرية السلوكية أو نظرية المثير - الاستجابة على حقل علم النفس، والتي ترى اهمال ما يجري في أذهان البشر لاننا لا نستطيع قياسه، وان ما جاء به فرويد كان علما رديئا، لان الحالات الداخلية لدى البشر غير قابلة للملاحظة المباشرة، وما يجب التركيز عليه هو السلوك الظاهر لانه قابل للقياس والاختبار والتحكم. يعتبر جون واطسون مؤسس المدرسة السلوكية، التي تنظر الى العقل الانساني كصفحة بيضاء او "لوح املس" يمكن ان يكتب عليه اي شيء باستخدام الاشراط البيئي. وهذه المقاربة تلغي من الاساس محتويات العقل مثل الافكار والمعتقدات والرغبات والمشاعر، لانها ذاتية وغير قابلة للقياس، هذه المقاربة تعتبر شكلا متطرفا من الموقفية القائلة ان اسباب السلوك تكمن في البيئة الخارجية، وليس داخل العقل ذاته. الفكرة الاساسية في جميع اشكال السلوكية هي الاشراط، سواء كان هذا الاشراط كلاسيكيا او اجرائيا. والفرق بين الاشراط الكلاسيكي كما في تجربة (كلاب بافلوف)، ان التعلم هنا يكون لا اراديا، في حين في الاشراط الاجرائي يكون التعلم اراديا من خلال التعزيز. اثارت رواية (وولدن تو) قضية اخلاقية مهمة بين تشكيل السلوك وحرية الاختيار، فمجتمع وولدن تو مجتمع خال من العاطفة الى حد ما، والناس فيه غير عاديين الا انهم سعداء، فمجتمعهم خال من الجريمة وادمان الكحول. فهم مجتمع تم تشكيله من خلال مدراء التخطيط لتحديد نوع السلوك المرغوب وازالة السلوك الغير مرغوب لدى افراده. هذه الرواية تعكس الامكانات الواسعة للهندسة الاجتماعية وخلق مجتمع خال من العدوان امر ممكن جدا وقابل للتحقيق. في فيلم "الالية البرتقالية" للكاتب انطوني بورغس، يتم اصلاح السفاح "الكس" من خلال اخضاعه لعالم نفس يدعى "برودسكي" الذي ينجح من خلال اشراط "إلكس" ليصبح نافرا للعنف من خلال اجباره على الاستفراغ لدى مشاهدته مشاهد عنف معينة بطريقة تسمى "تكنيك لادوفيكو". واعتبر "بورغس" ان (إلكس) قد تحول من شخص كان مرغما على ارتكاب الشر الى شخص مرغم على ارتكاب الخير. السؤال هنا هل يعتبر "إلكس" يملك خيارا حقيقيا؟؟!!! فهو لم يعد قادرا على ارتكاب الشر وبالتالي يصبح الخير ليس خيارا اخلاقيا؟!!. انصار مدرسة الحرية يرون ان القدرة على الاختيار بين الخير والشر هو ما يجعل الانسان انسانا. وفقدنا لهذه الميزة يعني فقدنا لانسانيتنا. ونحن هنا نجد انفسنا امام ازمة اخلاقية، طرفيها العلم والحرية. في معرض دفاع المدرسة السلوكية عن نفسها، اننا خاضعون لعمليات اشراط مستمرة ولكنها عمليات اعتباطية غير منظمة، وما نريد ان نقوم به فقط برمجة تلك العمليات لجعلها ممنهجة وتخدم اهدافا واضحة. لكن السؤال الاخلاقي هنا من سيتحكم بالخط الفاصل بين الخير والشر او تحديدا بين الفعل المرغوب والفعل والغير مرغوب في ظل اختلافات واضحة ضمن المجتمعات وبين المجتمعات؟؟؟!!! فما هو مقبول في مجتمعات معينة قد يكون غير مرغوبا في مجتمعات اخرى ويستوجب العقاب مثلا. يشكك سكنر في صحة الفكرة الشائعة بان البشر يختارون اختيارات حرة ومستقلة، ويزعم ان مفاهيم الحرية والكرامة الانسانية ما هي الا اوهام في معظمها، فنحن نريد لاننا اشرطنا كي نريد الشيء الذي نريده، وذلك من خلال المعززات الايجابية والسلبية او كليهما. لم يساور سكنر القلق من فكرة تحول الدولة الى توتاليتارية (دولة شمولية)، وكان هذا هو الجانب الذي اثار مخاوف الناس في اوروبا التي كانت تشهد خطر الفاشية وخطر الشيوعية، وهو ما اساء لسكنر لامد طويل. معظم علماء النفس يشككون في قدرة الاشراط على تغيير سلوكيات الفرد الاساسية من حيث المبدأ، فتطبيق تكنيكات شبيهة بلادوفيكو لم تنجح في معالجة التوجهات الجنسية المثلية، والمشكلة هنا تكمن في الافتراض باننا "صفحة بيضاء" بدون الاخذ بنظر الاعتبار التكوين الجيني وشبكاتنا العصبية ونزعاتنا والتي تؤدي دورا مهما في تكوين سلوكنا. الا ان ذلك لا يعني ان افتراض الاشراط لا يعمل ابدا، فالتكنيكات السلوكية تعمل بافضل وجه حين يكون التغيير المطلوب ليس تغييرا جذريا في اسلوب الحياة، حيث يمكن معالجة اضطرابات القلق بنجاح في كثير من الاحيان باستخدام الاشراط، مثل معالجة القلق الاجتماعي وما يصاحبه من نوبات هلع في المواقف الاجتماعية احيانا، من خلال تهدئه هؤلاء المضطربين بتعريضهم لمواقف آمنة او تمثيلية حتى يحل الشعور بالامن محل الشعور بالقلق عندما يكونون مع اناس لا يعرفونهم.
#عصام_عباس_أمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى علماء المسلمين اين أنتم مما يقوله أبو حمزة القريشي؟
-
قراءة في كتاب استجواب الرئيس
-
شظية في مكان حساس
-
الرجع البعيد قراءة اخرى لاستحالة العودة
-
محاضرة الدكتور فالح عبد الجبار بناء أو تفكك العراق في إطار ن
...
-
قراءة أولية في كتاب عالم داعش لهشام الهاشمي
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|