|
زيارة البابا التاريخية للعراق
عامر عبد زيد
الحوار المتمدن-العدد: 6832 - 2021 / 3 / 5 - 20:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حضور البابا إلى العراق محفوف بالمخاطر ، منها : (عودة تفشي وباء كورونا ، والأعمال الإرهابية ، والاحتجاجات) ، وهي عوامل لم تدفع البابا ، ومؤسسة الفاتكان من إلغاء الرحلة الى الشرق . يبدو أن الرحلة تمثل حاجة غربية وشرقية معا بحثا عن السلام في المنطقة التي مزقتها مشاريع لم تخلف إلا مزيدا من التدهور الاقتصادي ، والاجتماعي بعوامل سياسية جعلت الشرق يغرق بكل أطيافه بحروب ظاهرها ديني ، وباطنها صراع محموم على مصادر الطاقة التي ظهرت في المنطقة . ويبدو أن الرحلة ليس أهدافها دينية ولا حوارية فحسب ، بل لها مقاصد سياسية في المنطقة التي وصلت إلى حالة من الألم المروع بفعل الفوضى الخلاقة التي خلقت جيوشا من المهجرين والجياع وبالآتي مزيدا من المهاجرين الى الغرب بحثا عن الأمن والنجاة . مما يجعل من الرحلة مطلبا غربيا إلى بحث عن تواصل وحوار مع الآخر الذي يعيش حالة من التمزق والانهيار بفعل الحروب الأهلية والصراعات الدينية في : (العراق ، وسورية ، واليمن) ، وحصارات وتهجير دفع ثمنها الأقليات من ( المسيحيين ، واليزيدية ، والشبك ) في إقليم سهل نينوى الذي كان قد عاش الاستقطاب الطائفي المدعوم من الدول التي دعمت داعش ، وتلك الدول التي حاربتها والغايات الحقيقية أبعد من داعش ، والخلافات الدينية إنها مخططات بعيدة المدى من أجل إعادة توزيع حصص الغاز ، والثروات وتقاطعات طرق الحرير الجديدة . البابا جاء من أجل أن يعيد حلم البابا يوحنا بولس الثاني في عام 2000م ، وكان وقتها العراق يعيش بين نير: ( الاستبداد ، والحصار ، والمرض) واستقطاب في المنطقة كان يراد لها إيجاد حل الا أن الأمر لم يكتمل بفعل تذرع النظام السابق بالحصار ، كانت غاية الزيارة المعلنة وقتها بهدف الحج إلى مسقط رأس النبي إبراهيم ، من ضمن رحلته إلى الأراضي المقدسة، مطلع الألفية. ومازال الهدف نفسه مع إضافة مستجدات جديدة متمثلة بالصراعات على أسس دينية ، وهكذا بعد نحو عشرين عاماً، نجحت مبادرات لشخصيات كنسية عراقية بإحياء الفكرة، ووجه الرئيس العراقي، برهم صالح، دعوة رسمية للبابا لزيارة البلاد. يبدو أن الأمر ليس بمجرد حلم بل أن هناك مبادرة من أجل منح القادة الروحيين دورا في تقوية العلاقات التي مزقها رجال السياسة والاقتصاد من أجل فتح ممرات آمنة للحوار والتعايش ، ويأتي إصرار البابا من أجل منح الرحلة مصداقية أكبر إذ يبدو أنّ فرنسيس مصر يصر على الذهاب إلى مطار روما صباح الجمعة المقبل، والتوجه إلى بغداد، ومنها، خلال الأيام اللاحقة، إلى كل من : (النجف ، وسهل أور ، وأربيل ، وقرقوش ، والموصل ( . لكن لما يقال عن الزيارة كونها تاريخية ؟ البابا يعيد إحياء الحلم القديم لكن من أجل إعادة تجديد الأمل بالسلام ، والتعايش وهموم عبر عنها بلغة دينية "لا يمكن خذل الناس مرة ثانية"، في إشارة إلى عدم تمكن البابا الراحل يوحنا بولس من التوجه إليه عام 2000م . لكن آلام المسيح تتجدد مع الام المسيحيين من أصحاب الإرث التاريخي القديم العائد إلى الكنيسة الآشورية ، والكلدانية في الزمن الساساني ، تعرضت الى تهجير منظم من أجل الاستيلاء على أراضيهم ، وممتلكاتهم وإحلال آخرين بدلهم . تعد زيارة شخصية بحجم بابا الفاتيكان إلى العراق، رسالة دعم معنوية كبيرة ليس فقط لمن بقي فيه من مسيحيين، ولكن أيضاً للأقليات الأخرى. اذ تأتي الزيارة كواجب ديني وسياسي من أجل ترسيخ المسيحيين العراقيين خصوصاً، والعرب عموماً، في أراضيهم وبلدانهم، وكجزء أساس من نسيج مجتمعاتهم، وليس كوافدين أو زوّار.مستثمر الرأسمال المعنوي للنصوص الدينية "أنتم جميعكم أخوة" (من إنجيل متى)، بوصف هذا النص عنوان للزيارة وقد أُخذ من عنوان رسالته الحبرية الأحدث "جميعنا أخوة"، الصادرة في خريف 2020م . وفيها يكتب: "إن المساعدة المتبادلة بين الدول تعود بالفائدة على الجميع في النهاية. والبلد الذي يتقدّم انطلاقًا من ركيزته الثقافية الأصلية، هو كنز للبشرية جمعاء. يجب علينا أن ننمّي الوعي بأننا اليوم إمّا أن نخلص جميعًا أو لا يخلص أحد". كلام يعبر عن أمل يقوده قائد روحي يفتح ممكنات الحوار مع الآخر المسلم كانت بدايتها في وثيقة "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي ، والعيش المشترك" التي وقعها مع شيخ الأزهر أحمد الطيب ، في أبي ظبي، في فبراير/ شباط عام 2019م . ثم يستعدّ البابا للقاء الإمام علي السيستاني في النجف، في أول لقاء يجمع أي حبر أعظم، بمرجعية شيعية بهذا المستوى. وعلى الرغم من تبادل الرسائل على مرّ السنوات في النجف والفاتيكان، إلا أنّ اللقاء سيكون له تأثير مهم في البلد الذي يضمّ غالبية شيعية. بعد سقوط الأسس الفلسفية القائمة على أساس الصراع فهل تستخلص القيادات : (الروحية ، والسياسية ، والإعلامية) العبر من تلك الحقائق ، والمتغيرات الدولية أم يستمر هؤلاء السير في نهجهم الخاطئ يصب الزيت على النار ، وإشعال الحرائق والفتن من مجتمع الى اخر ؟ الجواب الذي من الممكن أن نخرج به هنا من الممكن أن نجده في نهج المصلحين في معالجة القضايا والمشاكل سواء الداخلية منها أم الخارجية يتمثل فى الحوار والتغيير السلمي ؛ الا أن يغلق باب الحوار نهائيا فيلجأ بعضهم إلى وسائل أخرى . الزيارة من الممكن أن تكون بابا من أبواب : ( الإصلاح ، والتواصل ، والتعايش) ؛ وصولا الى الاعتراف بالحقوق ، والكرامة الانسانية .والنبي إبراهيم (عليه السلام) إرث عالمي مشترك بين أهل التوحيد تشهد شخصية إبراهيم استنهاضاً حول العالم اليوم ، لما تحمله من صفة جامعة، كونه "أب" الرسالات السماوية، على اختلاف أتباعها، لذلك فإنّ زيارة البابا إلى مسقط رأسه تأتي في إطار سعيه عما يجمع وليس عما يفرّق ؛ فبلاد ما بين النهرين لم تكن فقط منشأ لكثير من العلوم والإبداعات الإنسانية، بل هي المهد الأول لتشكل الفكرة الدينية لدى الحضارات القديمة. والأماكن التي سوف يزورها البابا هي مناطق مهمة ولها أدوار مؤثرة في مستقبل العراق والمنطقة التي ستشمل بغداد ، وزيارة المرجع الأعلى علي السيستاني في النجف ، وزيارة مدينة آور الأثرية في الناصرية ، وزيارة مدينة أربيل ، والكنائس في محافظة نينوى". إنها مناطق معنية بالصراع مع الإرهاب الداعشي الذي جعل المنطقة تعاني كثيرا وكان لأهلها دور كبير في المقاومة ، والصبر من أجل دحر الإرهاب ، وهنا تأتي المرحلة الثانية من أجل إرساء الأمن ، والسلام ، والحوار ، وتقديم العلاق لما تعانيه المنطقة من آلام وأحزان . كان للإمام السيستاني دور كبير في تقديم الحلول التي تعبر عن رسالة النجف من أجل (الأمن ، والسلام ، والتعايش ، والحوار) مثلما نجحت محليا فمن الممكن أن تنجح إقليميا ، ودوليا . وهي الرد الإسلامي المتسامح على رسالة البابا التي تنشد المحبة والسلام ودعم لكل العراقيين وهكذا جاء الترحيب العراقي الواسع بالزيارة التاريخية.
#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليوم العالمي للفلسفة اين نحن منه ؟
-
مرض كورونا وتجربتي معه
-
التاويل و سلطة القارئ
-
انصهار آفاق التراث والمعاصرة - بمناسبة احتفال الجامعة الكوفة
...
-
الحب الالهي والأنوثة بين الاسطورة والتصوف
-
- نقد الخطاب الاعلامي الغربي عند محمود حيدر -
-
- الحادث الإجرامي ضد يونس قنديل -
-
مؤتمر الفلسفة بين الرهان السياسي وآفاق المستقبل
-
عمارة ما بعد الحداثة (زُها حديد أنموذجاً)
-
يوليانا واستعادة الذات
-
الخطاب التربوي النبوي
-
الهوية واليات التلفيق
-
هوامه الهوية واليات الصراع على الاصول
-
انفتاح المعرفة ضرورة اليوم
-
الارهاب والقوة الناعمة في الفن في أعمال صفاء السعدون
-
مكارمُ الأخلاقِ - قيمةٌ العدلِ أُنموذجًا -
-
الشك المنهجي لدى فلاسفة اليونان
-
المعرفة عند افلاطون
-
المعرفة عند أرسطو
-
المعرفة في الفلسفة الاسلامية
المزيد.....
-
ياسمين عبدالعزيز بمسلسل -وتقابل حبيب- في رمضان
-
ياسين أقطاي: تركيا والنظام السوري الجديد أكثر دراية بمحاربة
...
-
السويد- الإفراج عن مشتبه بهم فى حادث مقتل حارق القرآن
-
عمّان.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
ترمب: بلادنا ليست منخرطة في أحداث سوريا
-
لماذا يصر ترمب على تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر والأردن؟
-
كشف جرائم جنود أوكران بحق مدنيين بكورسك
-
مئات اليمنيين يصلون على رئيس الجناح العسكري لحركة -حماس- بعد
...
-
البيت الأبيض: واشنطن ستفرض رسوما جمركية إضافية على كندا والم
...
-
مصر.. أسد يفترس حارسه بحديقة الحيوان
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|