سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6823 - 2021 / 2 / 24 - 12:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم
١٩ - الهوة الفاصلة بين الكلمات والكائنات
لقد تعلم الإنسان منذ البداية بأنه ليس إلها، وأشار إلى الفرق بينه وبين الآلهة التي أخترعها لتنقذه من عرضية الكينونة وشراسة الطبيعة، الإنسان يدرك هشاشة وجوده وإمكانية موته قبل غروب الشمس، ولكن عقله يرفض الهزيمة، جلجامش يشد رحاله لرحلة مستحيلة للبحث عن النبات السحري الذي يمنحه الخلود، وهو الشيء الوحيد الذي يفصله عن الألوهية. وعندما عاد إلى أوروك بعد فشله في الحصول على نبتة الخلود، شرع في نقش وكتابة مغامراته على الصخور وجدران المدينة، تعويضا عن الخلود المفقود بخلود الكلمة والتاريخ والشعر والأسطورة. الإنسان لم يستسلم، العقل سلاحه الوحيد الذي لم يخذله بعد، الغقل مليء بالحيل والأحابيل والحلول .. الله أصبح فكرة قديمة فاقدة الصلاحية ولم تعد صالحة للإستعمال ويستحسن عدم تناولها منذ زمن طويل .. فظهرت المثالية والشك في الأشياء المحيطة بنا وبأن كل ما كان ويكون هو مجرد حلم ووهم وخيال .. والحقيقة تتمثل في مثل فكرية تهيم في السماء، والشجرة التي نجلس تحتها ليست سوى صورة من الشجرة الحقيقية الغائبة عن أحاسيسنا المزرية. والعودة للإنسان عودة مؤلمة ومضنية، الرجوع للإنسان كمصدر للتساؤل البسيط البدائي .. لماذا كل هذا الضجيج وكل هذا الزحام بدلا من هدوء اللاشيء ؟ لماذا هناك أي شيء بدلا من العدم ؟ ولكن يبدو أن هذا التساؤل وصل متأخرا، وربما كان من المستحيل أن يتكون قبل ذلك الوقت الذي ظهر فيه، حيث أن الإنسان يتعلم "الحياة" أولا قبل رياضة التفكير، بالإضافة إلى أن التساؤل لايمكن أن يتمظهر قبل أن تكون اللغة قد أخذت مكانها كأساس متين في معمارية الكون. الإنسان اليوم أصبح واعيا بكونه هو الذي يتسائل وليس الكلب ولا كلمة كلب، هو الذي يكتب ويصرخ ويمليء بخياله وعقله الفراغات الفاصلة بين الكلمات وبين الكائنات.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟