أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - من الكلام ما يقتل














المزيد.....


من الكلام ما يقتل


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6820 - 2021 / 2 / 21 - 20:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
١٧ - اللغة القاتلة
اللغة كائن عجيب يحتل ويستعمر وجود الإنسان من الداخل دون أن نشعر به، ودون أن ندرك مدى تغلغله في ثنايا كل ثانية وكل دقيقة من الزمان البشري، ومدى تأثيره في كل كبيرة وصغيرة من تصرفاتنا وأفعالنا اليومية. اللغة هي التي تكون صورة الإنسان وشخصيته وموقفه تجاه الآخرين وتجاه الأحداث. فاللغة ليست أداة أو وسيلة للتفكير، وإنما هي التفكير ذاته. والكلمات، المكون الأساسي للغة، تملأ الفضاء الفاصل بين الإنسان والآخر، آلاف وملايين ومليارات الكلمات تتناطح وتتصارع كذرات الغبار الذي نتنفسه، في صفحات الكتب والصحف والمجلات وملايين المطبوعات المختلفة منذ مئات السنين، والتي تملأ رفوف المكتبات والمتاحف ومراكز الوثائق والمخطوطات، تملأ لوحات الإعلانات وأجهزة البث بكل أشكالها وأنواعها وأجهزتها القديمة والحديثة. لا شك في أن الكلمة هي المخلوق الأكثر إنتشارا والأسرع تكاثرا من بين جميع الكائنات المعروفة على سطح الكرة الأرضية. الكلمات لا تموت ولا تندثر ولا تتبخر ولا تتلاشى، إنها تتراكم في طبقات فوق بعضها البعض، وكل طبقة تخفي الطبقة التي تحتها، تنتظر أركيولوجيا يأتي ويحفر وينقب ويزيل الطين والتراب عن بعضها ويعيدها كما كانت حية متألقة، حادة وصلبة أو رقيقة شاعرية أو مسمومة قاتلة. كل كلمة لها تاريخها ووجودها المتميز بالنسبة لكل فرد في هذا العالم. الكلمات أزلية، خالدة، وحياتها ليس لها حدود زمنية ولا جغرافية، وإن كان أغلبها مدفونة تحت كومة من الطين والغبار والرماد. في لغتنا اليومية نستعمل الكلمات المتوفرة في السوق، الكلمات المتعارف عليها، الكلمات التي لا تحتوي على الكثير من المعنى، لتسهيل التواصل ولكسب الوقت. غير أن هناك من يستعمل اللغة، ليس فقط من أجل وهمية الإتصال بالآخر( صباح الخير، صباح الورد، كيف الأحوال، ..إلخ)، وإنما كسلاح للسيطرة والتوجيه والتهديد، هناك من يستعملها كما يستعمل العصا والسكين أو الرصاصة، وفي بعض الأحيان تستعمل اللغة كسلاح من أسلحة الدمار الشامل لها من القوة ما يمكن أن يدمر مجتمعات بأكملها. ولكل لغة أسلوبها الخاص في خلق الدوائر اللولبية التي تلف المعنى وتعزله، ووسيلتها المتميزة في الإستحواذ على عقول الناس وتوجيههم نحو طرق معلومة منذ البداية. فاللغة العربية، إذا بدأنا بها كمثال، لا تسمح لك بأن تفتح فمك لتقول كلمتين دون أن تسقط مباشرة، مهما اتخذت من الإحتياطات، في عالم الغيب والخرافات والميتافيزيقا، وتجد نفسك مطوقا من جميع الجوانب بالشيوخ والفقهاء والأنبياء والرسل والآلهة والملائكة والجن والشياطين،. فالإنسان هو "مخلوق" أو "عبدا لله" أو إبنا للسيد آدم "بني آدم"، والحاضر يصبح "دنيا" والمستقبل "آخرة"، ومجرى التاريخ يسمى "القضاء والقدر"، وثمن رغيف الخبز " ربع دينار إنشاء الله .. " والأمثلة لا تعد ولا تحصى. وليست السلطة الدينية وحدها التي تمارس هذا التوجيه الإجباري نحو الخرافة والماورائيات، هناك أيضا المجتمع بكل تعقيداته وتشابكاته الذي يعلمنا بأن نضرب عصفورين بحجر، وبأن عصفور في اليد، خير من عشرة على الشجرة وبأن من علمني حرفا صرت له عبدا، وبأن من تمنطق فقد تزندق، وأنه علينا الإتباع وليس الإبتداع، إلى آخر القائمة المعروفة من كنوز اللغة العربية. ولكي لا نفقد الطريق وسط هذه الغابة من المصطلحات الغيبية المتناقضة، علينا أن نسير بحذر شديد وأن نفكر أكثر من مرتين قبل الإفصاح عما نريد قوله للآخرين، حتى لا يضيع المعنى في متاهة الكلمات الجاهزة المتواجدة على رفوف المحلات وحوانيت الكلام.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا والإختيار الإجباري
- تجري السمكة من محطة لمحطة
- ليبيا : كارثة فبراير المجيدة
- الدال والمدلول وما بينهما
- علاقة اللغة بالأشياء
- هل كلمة -كلب- تنبح ؟
- الحرف الأول
- الحرب ضد العدم
- الآلة والدولار والزمن
- إصطياد الزمن
- طعم الكارثة
- العدمية والثورة
- العدمية وأخلاق العبيد
- الرجل والملح
- الجهادية ليست حركة عدمية
- ضجيج الأشياء
- ميلانكوليا
- السلطة والمال والكينونة
- خلق الله الأنف لحمل النظارات ..
- معنى الحياة والموت


المزيد.....




- إسرائيل تُعلن تأخير الإفراج عن فلسطينيين مسجونين لديها بسبب ...
- الخط الزمني للملاحقات الأمنية بحق المبادرة المصرية للحقوق ال ...
- الخارجية الروسية: مولدوفا تستخدم الطاقة سلاحا ضد بريدنيستروف ...
- الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غادي موزيس وتسليمه للصليب الأحم ...
- الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها ‏أغام بيرغر تلتقي والديها
- -حماس- لإسرائيل: أعطونا آليات لرفع الأنقاض حتى نعطيكم رفات م ...
- -الدوما- الروسي: بحث اغتيال بوتين جريمة بحد ذاته
- ترامب يصدر أمرا تنفيذيا يستهدف الأجانب والطلاب الذين احتجوا ...
- خبير: حرب الغرب ضد روسيا فشلت وخلّفت حتى الآن مليون قتيل في ...
- الملك السعودي وولي عهده يهنئان الشرع بمناسبة تنصيبه رئيسا لس ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - من الكلام ما يقتل