عبداللطيف الحسيني
:(شاعر سوري مقيم في برلين).
الحوار المتمدن-العدد: 6815 - 2021 / 2 / 15 - 19:20
المحور:
الادب والفن
جَدّي الذي لا يسمحُ أنْ يهتزّ حرفٌ من اسمه ، ليكونَ وحيداً بينَ الأسماء ، وألّا يُطلق أحدٌ اسمَه على أبنائِه ، خوفَ أنْ يتكررّ شبيهُه ، خوفَ أنْ يلتفتَ إلى مَن ينادي على طفل سُمّي باسمه ، خوفَ أن يُشتمَ طفلٌ يحملُ رنينَ اسمِهِ .
جَدّي الذي يلتمُّ حولَه الصّغارُ مفترشِين الحروفَ الأولى على حصى الأرض التي يتراشقون بها ، فتسكتهم عصا جَدّي .
جدّي الذي بيته من عراءٍ يتعرّف عليه مَن أضاعَ القرية ، و تملأ عيونَه خرقةٌ خضراءُ تمنعُ مَن يقتنيها شرَّ العيون.
قبر جَدّي فوقَ رابيةٍ رآه جمعُ القرى : الألمُ يغطّي وجهَه و الحروفُ تتساقطُ من فمه: يراه النائمُ ميّتا , يشتعلُ جَدّي بياضًا, وفوقَ مزاره فانوسٌ يضيء عتبات القرية , تقولُ القرية : رأيتُ جَدَنا يأتي صوتُه من كلّ البيوت , يضيءُ صوتُه دربًا قاحلًا نمشي فيه .
بيتُ جَدّي خربة يتذكّرها أصدقاؤه : مرّ من هنا حاملاً كتبَه الكبيرة التي تُشمًّ منها رائحةُ الصّفرة الكابية .
تحتَ هذه الشّمعةِ دوّنَ كتاباً لا ينتهي ، هنا أطعمَ القطط الأليفة ، و لفّها بعباءَتِه ليغنّي موّالاً شجيّاً .
---------
ألا تراه ؟ : يحملُ مخدّةً ليرتاحَ في أيِّ منعطفٍ يصادفُهُ ، يوقفُ السّفنَ الورقيّة التي تمرُّ بجانبهِ في النّهر . وإن جاعَ يقطفُ تمراً من الشّجرة التي تظلله .
وإن مَلَّ ، فأيُّ صبيّ سيمسك بيدِهِ ليدلّه على منزلِهِ .
#عبداللطيف_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟